فلسطين التاريخ / تهويد وتزوير وإجرام

طوائف يهودية ( 3 ) الحريديم

ياسر درويش أحمد

 

"حريديم" من الكلمات الدارجة في الخطاب اليومي الإسرائيلي سواء في المجتمع أو في وسائل الاعلام، وتعني اليهودي الأرثوذكسي المتزمت دينياً، و تحديدا اليهود المتدينين من شرق أوربا المشهورين بزيهم ( المعطف الطويل الأسود والقبعة السوداء ) ويرخون لحاهم وتتدلى على آذانهم خصلات من الشعر المجدل ويحاولون قدر الامكان ان لا يتحدثون العبرية  لاعتقادهم انها لغة مقدسة ويستخدمون اللغة اليديشية بدلا عنها، ويحرمون  تحديد النسل ويمتازون بكبر عدد العائلة  بالنسبة للعلمانيين الذين يحجمون عن الزواج والإنجاب.

 

تعريف:

كلمة "حريديم" التي هي جمع للكلمة العبرية "حريد"، و تعني " الشديد الخوف، أو المرتعب"(من الله) أو (التقي) ، وهم الذين يرجع اعتقادهم الى الأصول الفكرية اليهودية القديمة. وأصل الكلمة مأخوذة من الفعل (حرد)، بمعنى غضب، وبخل، واعتزل الناس، وهم ليسوا طائفة أو حزبا واحدا، بل هم طوائف وأحزاب عديدة، كحزب يهيدوت هاتوراه (يهودية التوراة ) وهو حزب الحريديم الأشكناز، اي يهود أوروبا الشرقية، و حزب شاس (حراس التوراة) حزب السفارديم وهو حزب الحريديم الشرقيين أي يهود الدول العربية ، علما أنهم يرفضون أيديولوجيا الاعتراف بإسرائيل كدولة. فالحريديم هم المتزمتون و الذين ولدوا من اب وام متزمتين ، أما ما يسمى باليهود الحريديم الجدد الذين لم يولدوا حريديم وإنما تحولوا من كونهم علمانيين إلى حريديم ، فيسمون بالعبرية "بعلي تشوفاه"(التائبون) وعدد هؤلاء يزداد اليوم  خاصة في إسرائيل.

 

معتقداتهم ومجتمعاتهم:

هم طائفة تعتمد على الانغلاق والتقوقع ويمتازون بشدة الإيمان الديني والانعزال بشكل متعمد عن المجتمع الغير الحريدي، ولذلك تجد ان لهم قرى ومدن خاصة فيهم في دولة الاحتلال ، فهم أصوليون، يطبقون التفاصيل الدقيقة والانظمة والقوانين الواردة في التوراة والشريعة اليهودية بصرامه ودون أي تغيير فيها. يحاول "الحريديم" فرض شرائع التوراة على المشهد الحياتي في اسرائيل، وهؤلاء عموما، فتجدهم يحرمون الخدمة في الجيش لنظرائهم، وبالتالي اصبحوا عالة على المجتمع الإسرائيلي، من حيث توفير الامان لهم سواء الداخلية او الدفاع دون ان يتحمل هؤلاء أي من هذه الواجبات، ويشكلون حوالي 20% من سكان دولة الاحتلال مقابل 50% اليهود التقليديون و30% من العلمانيون وبالتالي هم الاقلية بين تقسيمة مجتمع الاحتلال.

 

ملابسهم:
ويمكن التفريق بين اليهود الحريديم و اليهود التقليديون أو القوميون عن طريق ملابسهم و قبعاتهم فالمتطرفون الحريديم يمتازون بارتدائهم القبعات والملابس السوداء ، أما القوميون فهم أصحاب القلنسوة المشغولة الملتصقة في وسط الراس ، وكان الحريديم في البداية يستعملون القماش الخالص دون خلط، فإما يلبسون الحرير الخالص أو الفرو الخالص، أو الكتان الخالص أو القطن، ولم يكونوا يلبسون الصوف خوفاً من اختلاطه بالكتان، والسبب في ذلك لتحريمه بنص التوراة وهو يسمى "شعطنز" ولذلك تجد ان لديهم مختبر يقوم بفحص الملابس ويتم تعيين حاخام  مزكى منهم يقوم بالتأكد من خلوها من مادة خليطة ، ثم يتم دمغ هذه الملابس كدليل على فحصه من قبل المختبر وخلوه من اختلاط هذه الخامات ببعضها وصلاحيتها للبس، ومن أقوالهم " إن على اليهودي أن يكون حذراً جداً حتى لا يسلك سلوك غير اليهود ويجب عليه أن ينفصل عنهم بملابسه وعاداته الأخرى ". سبحان الله شددوا على انفسهم فكان العقاب من الله  قال تعالى { فَبِظُلْمٍ مِّنَ الَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ } .

 

مظهرهم وعاداتهم:

معروف عنهم انهم لا يحلقون لحاهم و يطيلون جانبي شعر رؤوسهم ويجعلونه مثل الضفائر وتسمى بلغتهم بـ " فئوت " مفردها "فئه" ويجب أن لا يقل طول هذه الضفائر عن شحمة الأذن أو  اكثر، ويمكن ان تصل  الى خصر الإنسان أحيانا، ويمكن ان تلف خلف الأذن أحيانا إن كانت قصيرة، كما أنهم يمتازون عن باقي الطوائف بالفصل الكامل بين الذكور والإناث منذ الصغر، وهي ظاهرة معروفة بينهم سواء  في المدارس أو في الأماكن العامة، أو في الكنيس أوغيرها ، ومن عاداتهم التعجيل في سن الزواج بحيث يكون عادة قبل سن العشرين للجنسين، ومن الطبيعي ان يكون عدد  الأولاد ما يزيد عن العشرة أو الاحد عشر في العائلة الواحدة.

ويرى الحريديم أن التوراة الحالية هي المنزلة والمعصومة من الخطأ، ويجب الإيمان بما ورد فيها دون تحريف، وكما أنهم يقدسون التلمود بشكل كبير، لذلك فإن اغلب ممارساتهم الدينية ومعتقداتهم مأخوذة منه، ومن اعتقاداتهم أن الله وحده هو الذي يسيطر على قدر الإنسان ومستقبله، ولذلك فهم يعتقدون ويؤمنون ان الإنسان مسير لا مخير.

 

الدخل المادي:

وفيما يتعلق بدخل العائلة، فانه يعتمد بشكل كبير على المرأة أكثر من الرجل، فوظيفة الرجل دراسة التوراة في "الكوليل" أو "الييشيفاة"، أي المدرسة أو المعهد الديني، ووظيفة المرأة العمل و إعالة العائلة وتحمل اعباءها. وتفيد المعطيات لدى "العدو الإسرائيلي" أن نسبة النساء العاملات في المجتمع الحريدي تبلغ 61% بينما نسبة الرجال العاملين 62% فقط. والمجال الأكثر انتشارا لعمل النساء هو التعليم في المدارس وروضات الأطفال التابعة لمجتمعهم. هذا بالإضافة الى المهن الاخرى التي لا تعتمد على الخروج من المكتب او المنزل، كالتسويق عبر الهاتف والسكرتارية وبرمجة الكمبيوتر، وقامت الدولة الاسرائلية بتخصيص بعض المصانع لعمل المرأة الحريديم ، كالمصانع  الموجودة في المستوطنة الحريدية "موديعين عيليت" وتعمل فيها النساء الحريديات فقط.

 

مراكز تواجدهم:

 

اغلب المراكز الاستيطانية اليهودية الحريدية الموجودة في فلسطين المحتلة هي في بعض حارات مدينة القدس كما في ضاحية «ميا شيارديم»، وفي بني براك المجاورة لمدينة تل الربيع ( تل أبيب) من جانبها الشرقي ، ومن اشهر مستوطناتهم التي انشأتها لهم دولة الاحتلال هي "موديعين عيليت" و"بيتار عيليت" و"إلعاد".أما التجمع الحريديم الثاني من حيث المساحه و  الكبر موجود في الولايات المتحدة، حيث يبلغ عددهم قرابة النصف مليون اغلبهم في مدينة نيو يورك.

وتحولت هذه الجماعة الاستيطانية إلى قوة سياسية و استيطانية كبيرة و مؤثرة، بعدما حصلت على دعم كبير من رئيس الدولة الإسرائيلي الحالي شمعون بيريز، ولقد ظهرت اهميتهم بسبب نجاحاتهم المتواصلة في الانتخابات، علما ان ثقلهم السياسي  يتركز في اليهود الشرقيين القادمين من الدول العربية، فاستغلوا تنظيمهم وسيطروا على مؤسسات التعليم، لنشر ثقافاتهم الدينية.

وكان للتمييز العرقي من قبل اليهود الأشكناز أي اليهود الغربيين، الأثر الكبير في تنظيم واظهار قوة اليهود الحريديم السفارديم أو اليهود العرب ، والتي على اثرها ظهر حزب (شاس)، وهو الحزب الديني المتطرف، ذو القوة السياسية والدينية، صاحب الدعم المالي الكبير، ولقد اصبح هذا الحزب من أكبر الداعمين للاستيطان، و المطالبين بتكثيفه في الضفة الغربية و القدس ، وتفيد المعطيات الرسمية لعام 2010 أن عدد الحريديم في إسرائيل بلغ 736 ألفا نسمة،. ولقد قامت دولة الاحتلال بالتعاون معهم بإقامة أربع مستوطنات خاصة بهم في النقب ومنطقة المثلث ومدينة الناصرة والجليل، وذلك في إطار مخطط تهويد الجليل والنقب، على ان يتم توطين  450 ألف حريدي، كرد ديموغرافي من الاحتلال على التكاثر الطبيعي لعرب الداخل، ومحاصرة الزيادة الطبيعية للسكان الفلسطينيين في الداخل ، لكونهم يتمتعون بزيادة طبيعية عالية جدا، تفوق الزيادة الطبيعية عند الفلسطينيين، في  الضفة والقدس في بعض الاحيان.

 

انتمائهم لدولة الاحتلال:

في بداية ظهور الحركة الصهيونية كان أغلب اليهود الحريديين من المعارضين لها في بداية مراحلها الأولى لاعتبارها حركة علمانية تهدد حياتهم وقيمهم التقليدية. أما حاليا فمعظمهم يؤيدون دولة إسرائيل ويتعاونون معها، باستثناء بعض الحركات مثل حركة ناطوري كارتا التي ما زالت احد اشد المعارضين لقيام دولة اسرائيل وترفض التعاون معها. علما بأن ياسر عرفات قام بتعيين أحد قادة ناطوري كارتا الحاخام موشيه هيرش وزيرا في السلطة الوطنية الفلسطينية ويعمل في ادارة الشؤون اليهودية.

ولاقناع هذه الطائفة بالانخراط بالسلك العسكري، أنشأ الجيش الإسرائيلي كتيبة في جيش الدفاع الإسرائيلي خصصت للمتدينين الراغبين في الخدمة العسكرية كحل وسط من الحكومة تراعي فيها متطلبات الحياة الدينية للحريديين، ومع هذا لم يتجاوز عدد الحريديم في الجيش المحتل 2500 جندي وفقا لتقارير العام 2010.  وفي الوقت الذي يتجمع فيه الصهاينة، للاحتفال باليوم الوطني لدولة الاحتلال، تقوم حركة «ناطوري كارتا» المناهضة للصهيونية بحرق العلم الاسرائيلي، إذ تعتقد هذه الحركة أنه لا يحق لليهود إعلان دولتهم الخاصة بهم، إلا بعد مجيء المسيح .

 

تياراتهم:

من أهم تياراتهم هو التيار الليتواني، الذي من أهم مؤسساته  مؤسسة الييشيفوت المهتمة في عالم الحريديم وخاصة الليتوانيين منهم ، وأهم زعماء هذا التيار والاكثر تأثيرا الحاخامات الثلاث والمعروفون بالثلاثة الكبار وهم الحاخام يوسف شالوم إلياشيف وأهارون يهودا لييف شطاينمان وحاييم كنييفسكي. فبسبب الطاعة الشديدة لهؤلاء الحاخامات تجدهم يتحكمون و يديرون الأجواء السائدة في مجتمعهم بطاعة كبيرة، فلهم نفوذ و تأثير كامل على مجتمعهم.

ويعتبر الحريديم من اشد الطوائف اليهودية اعتراضا على الحركة الصهيونية و قيام الدولة اليهودية، فيعتبرون أن إقامة دولة يهودية هي بمثابة تمرد على شعوب العالم ، وترى أوساط حريدية أخرى إقامة دولة يهودية علمانية بأنه كفر. إلا أن الحاخام إسحق مئير ليفين، كسر هذه العقيدة ووقع على "وثيقة استقلال إسرائيل" كاول اعتراف ممثل للحريديم  بهذا الكيان، فكانت مكافئته على هذه الخطوة ان يتولى منصب وزير، عندما فاز حزب الليكود اليميني إلى الحكم عام1977 وتولي مناحيم بيغن رئاسة الحكومة. و استخدم بيغن الخطاب الديني بشكل واسع وضم حريديم إلى حكومته ورفع الميزانيات المخصصة لهم فتغير جوهر اعتقاد هذه الطائفة من تكفير الدولة الى الانخراط بها . وما أجد ذلك إلا مصداقا وذلك لقول الله عز وجل: (أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ).

 

عنصريتهم:

 

كتب الحاخام (غينسبرغ) في صحيفة "Jewish week" يقول "إن كان هناك يهودي يحتاج إلى كبد، فهل يمكنك أن تأخذ كبد شخص غير يهودي بريء، يمر بالصدفة من أجل إنقاذه؟ فكان الجواب صاعقا للقراء قائلا: إن التوراة تجيز لك ذلك، فالحياة اليهودية، لا تقدر بثمن، إن هناك شيئا أكثر قداسة وتفردا بشأن الحياة اليهودية، أكثر من الحياة غير اليهودية".

كما أن فتاويهم الخاصة بفترة الانتفاضة الفلسطينية كانت بـ " جواز قتل الطفل غير اليهودي، الذي يلقي الحجارة على سيارة لليهود، هو أمر ضروري لإنقاذ حياة يهودية".

وخلاصة القول انك لن تجد فرق بين اليهودي المتزمت او اليهودي العلماني ، كلهم عنصريون مجرمون يضحوا بالبشرية من اجل ان يعيشوا هم ، ولو كان هذا الامر سيؤول الى موت احدهم او تضرره او اعاقته ، فجوهر الاعتقاد عندهم الحياة اليهودية ، واما غير ذلك فهو في الصف الثاني أو يأتي بمرحلة ادنى.

 

كتبه:

ياسردرويش احمد

Yasser.darweeshahmed@hotmail.com

.