فلسطين التاريخ / الواقع والمأمول

قِصة الأنبياء في الأرضِ المقدسةِ



قِصة الأنبياء في الأرضِ المقدسةِ

أيمن الشعبان

الأرض المقدسة بلاد الشام عمومًا وبيت المقدس وفلسطين خصوصًا، لها مكانةٌ خاصة وتلازم كبير وحضور منقطع النظير، لدى أنبياء الله عليهم الصلاة والسلام، فإما ولد فيها نبي ونشأ أو مَرَّ أو سكن وعاش أو صلى وتعبد أو هاجر إليها أو دفن، حتى عرفت بأرض الرسالات ومهدها، ومهبط الوحي، لبيت المقدس مكانة عظيمة في حياة الأنبياء والمرسلين؛ فهو قبلتهم ومنارة الدعوة إلى توحيد الله عز وجل، منبر الأنبياء، ومحراب الأتقياء.

يقول مجير الدين الحنبلي رحمه الله عن بيت المقدس: "ما فيه موضع شبر إلا وقد سجد عليه نبي أو قام عليه ملك ...، وأول أرض بارك الله فيها بيت المقدس...، وكلَّم الله موسى في أرض بيت المقدس، وتاب الله على داود وسليمان عليهما السلام في أرض بيت المقدس، ورد الله على سليمان ملكه في بيت المقدس، وبشر الله زكريا بيحيى في بيت المقدس، وسخر الله لداود الجبال والطير في بيت المقدس، وكانت الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم يقربون القرابين ببيت المقدس، وتتغلب يأجوج على الأرض كلها غير بيت المقدس ويهلكهم الله في أرض بيت المقدس ).[1]

بدأ الارتباط المتين بين الأنبياء والأرض المقدسة، منذ خلق آدم عليه السلام، ويستمر إلى أن ينزل مسيح الحق " عيسى عليه السلام" في آخر الزمان، ويقتل مسيح الضلال" المسيح الدجال "، على أرض فلسطين وينتهي الصراع بين الحق والباطل.

تبدأ قصة الأنبياء في الأرض المقدسة، بمجرد بناء المسجد الأقصى كثاني مسجد وضع في الأرض في عهد آدم، فعن أبي ذر رضي الله عنه قال: قلتُ: يا رسولَ اللهِ، أيُّ مسجدٍ وُضِع في الأرضِ أولَ؟ قال: ( المسجدُ الحرامُ ). قال: قلتُ: ثم أيٌّ؟ قال: ( المسجدُ الأقصى ). قلتُ: كم كان بينهما؟ قال: ( أربعونَ سنةً، ثم أينَما أدرَكَتكَ الصلاةُ بعدُ فصلِّهِ، فإنَّ الفضلَ فيه )[2].

وقد رجح الحافظ ابن حجر رحمه الله أن بناء المسجد الأقصى في عهد آدم، كما بني المسجد الحرام في عهده، فيقول: وكذا قال القرطبي أن الحديث لا يدل على أن إبراهيم وسليمان لما بنيا المسجدين ابتدأ وضعهما لهما بل ذلك تجديد لما كان أسسه غيرهما.[3]

بهذه البداية أصبحت الأرض المقدسة، على موعد مع أحداث عظام ومواقف جسام، وصور مشرقة من حياة الأنبياء، فيها فوائد وعبر وعظات ودرر، ترسم لمن بعدهم الطريق، بما فيه من عقبات ومحن، وابتلاءات وفتن، وصعوبات وشجن.

إبراهيم عليه السلام خليل الرحمن، وخير الخلق بعد النبي العدنان، بعد أن نجّاه الله من النار ومن عبَّاد الأصنام في العراق، هاجر مع لوط عليه السلام إلى الأرض المقدسة التي باركها الله، بذلك يكون أول من هاجر من أرض الكفر والشرك إلى بلاد التوحيد والإيمان.

قال تعالى:(وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ)[4]،أي إنه تعالى أتم عليه النعمة، فأنجاه وأنجى لوطا معه إلى الأرض التي باركها، بكثرة ما بعث فيها من الأنبياء الذين انتشرت شرائعهم، في أقاصي المعمور، وكثرة خصبها وأشجارها وثمارها وأنهارها، فهي أس الخيرات الدينية والدنيوية معا.[5]

بدأ خليل الرحمن في الأرض المقدسة فلسطين، تأسيس مجتمع موحد يحقق العبودية لرب البرية، وهذا أسمى معاني وثمار الهجرة في سبيل الله، إذ ارتفع رصيد تلك الأرض بعد أن وطئها إبراهيم عليه السلام، ودعا ربه أن يرزقه ذرية صالحة كبداية لنشأة مجتمع رباني، قال تعالى على لسان إبراهيم (وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ * رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ * فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ )[6].

أي مهاجر إلى بلد أعبد فيه ربي، وأعصم فيه ديني. وقوله: سَيَهْدِينِ أي إلى ما فيه صلاح ديني، أو إلى مقصدي.[7]

قال مقاتل: هو أول من هاجر من الخلق مع لوط وسارة، إلى الأرض المقدسة وهي أرض الشام.[8]

(رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ)  أي بعضَ الصَّالحينَ يعينني على الدَّعوةِ والطَّاعةِ ويؤنسني في الغُربةِ[9].

ولإتمام النعمة رزقه الله سبحانه وتعالى تفضلا ومنة وكرما في الأرض المقدسة؛ بإسحاق إذ بشرته الملائكة الذين كانوا بطريقهم لتدمير القرية التي فيها قوم لوط، ومن وراء إسحق يعقوب عليهم السلام جميعا، قال تعالى(وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً وَكُلّا جَعَلْنَا صَالِحِينَ. وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ )[10]،بعطف أئمة على صالحين، اهتمامًا بهذا الجعل الشريف، وهو جعلهم هادين للناس بعد أن جعلهم صالحين في أنفسهم فأعيد الفعل ليكون له مزيد استقرار[11]، وبعد وفاة إبراهيم عليه السلام ودفنه في الأرض المقدسة، قامت ذريته إسحاق ويعقوب بواجبهم في الدعوة إلى الله وهداية الناس، وحافظوا على إمامتهم وقيادتهم للناس.

ولما كان إبراهيم عليه السلام وذريته هم الكرماء، إذ ما من نبي بعث بعده إلا من ذريته ولا كتاب نزل كذلك إلا على أحد ذريته، وهنا يتعانق الخير الوفير الديني لتلك الذرية المباركة، مع بركة الأرض الشرعية والدنيوية.

يقول عليه الصلاة والسلام:(الكريمُ ، ابنُ الكريمِ ، ابنِ الكريمِ ، ابنِ الكريمِ ، يوسفُ بنُ يعقوبَ بنِ إسحاقَ بنِ إبراهيمَ عليهم السَّلامُ )[12].

بهذا الوصف النبوي العظيم الذي ما وصف نبي به، نأخذ العلاقة القوية المتينة بين يوسف عليه السلام والأرض المقدسة، وَقَالَ النَّوَوِيّ رحمه الله: وأصل الْكَرم كَثْرَة الْخَيْر وَقد جمع يُوسُف، عَلَيْهِ الصَّلاة وَالسَّلام، مَكَارِم الأَخْلاق مَعَ شرف النُّبُوَّة، وَكَونه ابْنا لثَلاثَة أَنْبيَاء متناسلين وَمَعَ شرف رياسة الدُّنْيَا ملكهَا بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَان.[13]

يوسف عليه السلام الذي ولد في الأرض المقدسة، رأى في المنام وهو صغير قبل أن يحتلم كأن أحد عشر كوكبًا- وهم إشارة إلى بقية إخوته- والشمس والقمر- وهما عبارة عن أبويه- قد سجدوا له... فعرف أبوه أن سينال منزلة عالية ورفعة عظيمة في الدنيا والآخرة... فأمره بكتمانها وأن لا يقصها على إخوته، كيلا يحسدوه ويبغوا له الغوائل، ويكيدوه بأنواع الحيل والمكر.[14]

بعد أن تآمر عليه إخوته ألقوه في غيابة الجب، هو بئر في بيت المقدس ذكر ذلك قتادة كما في تفسير الطبري، ثم تستمر القصة العجيبة التي أفرد الله لها سورة كاملة وتتحقق رؤيا يوسف، بجمع شمله مع أبويه وإخوته بعد أن أصبح حاكما نافذ الكلمة في مصر.

يبقى تعلق يوسف عليه السلام بتلك الأرض المقدسة، إذ أوصى علماء بني إسرائيل أن ينقلوا جثمانه معهم عند خروجهم من مصر إلى بيت المقدس، فعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: أتى النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أعرابيًّا فأكرَمه فقال له : ( ائتِنا ) فأتاه فقال له رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم : ( سَلْ حاجتَكَ ) قال: ناقةٌ نركَبُها وأعنُزٌ يحلُبُها أهلي، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم : ( أعجَزْتُم أنْ تكونوا مِثْلَ عجوزِ بني إسرائيلَ ) ؟ قالوا : يا رسولَ اللهِ وما عجوزُ بني إسرائيلَ ؟ قال : ( إنَّ موسى عليه السَّلامُ لَمَّا سار ببني إسرائيلَ مِن مِصرَ ضلُّوا الطَّريقَ فقال : ما هذا ؟ فقال علماؤُهم : إنَّ يوسُفَ عليه السَّلامُ لَمَّا حضَره الموتُ أخَذ علينا مَوثقًا مِن اللهِ ألَّا نخرُجَ مِن مِصْرَ حتَّى ننقُلَ عِظامَه معنا قال : فمَن يعلَمُ موضِعَ قبرِه ؟ قال : عجوزٌ مِن بني إسرائيلَ فبعَث إليها فأتَتْه فقال : دُلِّيني على قبرِ يوسُفَ قالت : حتَّى تُعطيَني حُكْمي قال : وما حُكْمُكِ ؟ قالت : أكونُ معكَ في الجنَّةِ فكرِه أنْ يُعطيَها ذلكَ فأوحى اللهُ إليه: أنْ أعطِها حُكْمَها فانطلَقَتْ بهم إلى بُحيرةٍ موضعِ مُستنقَعِ ماءٍ فقالت : أنضِبوا هذا الماءَ فأنضَبوه فقالتِ : احتَفِروا فاحتَفَروا فاستخرَجوا عِظامَ يوسُفَ فلمَّا أقلُّوها إلى الأرضِ وإذا الطَّريقُ مِثْلُ ضوءِ النَّهارِ(.[15]

بعد أن امتن الله سبحانه على موسى وقومه بأن أنجاهم من فرعون وجنوده؛ قصدوا البقعة المباركة بيت المقدس، وعندما اقتربوا من الوصول ذكرهم موسى عليه السلام بنعم الله عليهم الدينية والدنيوية، وحثهم على جهاد الجبابرة الوثنيين، فتخاذلوا وعوقبوا بالتيه أربعين سنة!

موسى عليه السلام، لما انفصل من بلاد مصر وواجه بلاد بيت المقدس وجد فيها قوما من الجبارين، من الحيثانيين والفزاريين والكنعانيين وغيرهم، فأمرهم موسى عليه السلام بالدخول عليهم ومقاتلتهم، وإجلائهم إياهم عن بيت المقدس، فإن الله كتبه لهم، ووعدهم إياه على لسان إبراهيم الخليل، وموسى الكليم الجليل، فأبوا ونكلوا عن الجهاد، فسلط الله عليهم الخوف، وألقاهم في التيه، يسيرون ويحلون ويرتحلون ويذهبون ويجيئون، في مدة من السنين طويلة هي من العدد أربعون، كما قال الله تعالى: (وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا وَآتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ * يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ).[16]

في فترة التيه نزلت التوراة على موسى، وحصلت معجزات عديدة، منها إنزال المن والسلوى، وخروج الماء من الحجارة التي يضربها موسى بعصاه فتتفجر اثنتا عشرة عينا، لكل سبط عين، وتظليل الغمام عليهم، ومع ذلك ما رعوها حق رعايتها وسألوا أن يستبدلوا منها ببدلها مما تنبت الأرض من بقلها وقثائها وفومها وعدسها وبصلها، ( قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ )[17].

ولأن دعوة موسى امتداد لسائر الأنبياء، فتعلقه بالأرض المباركة تعلقا كبيرا إلا أن قومه خذلوه، وعندما دنا أجله دعا الله أن يدنيه من الأرض المقدسة رمية حجر، فيقول عليه الصلاة والسلام لأصحابه: فلو كنتُ ثَمَّ لأريتكم قبره إلى جانب الطريق تحت الكثيب الأحمر.[18]

قال النووي في شرح مسلم: وَأَمَّا سُؤَالُهُ الإِدْنَاءَ مِنَ الأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ فَلِشَرَفِهَا وَفَضِيلَةِ مَنْ فِيهَا مِنَ الْمَدْفُونِينَ مِنَ الأَنْبِيَاءِ وَغَيْرِهِمْ.

ودلَّ الحديث على فضل الدفن في الأرض المقدسة، وأنه أمنية الأنبياء والمرسلين، وعباد الله الصالحين، حيث سأل موسى ربه أن يدنيه من بيت المقدس رمية بحجر.[19]

بعد ذلك قاد بني إسرائيل فتى موسى نبي الله يوشع بن نون عليهم السلام، حتى انقضى ذلك الجيل الذي خالف أوامر موسى وخذله ممن نكل عن دخول الأرض المقدسة، الذين قالوا ( فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ)[20].

بهذا الجيل الجديد الموحد الذي حقق العبودية، سار بهم يوشع لفتح بيت المقدس، وحصلت المعجزة العظيمة التي لم تحصل عبر التاريخ إلا في فتح بيت المقدس، وهي حبس الشمس عن الغروب، يقول عليه الصلاة والسلام:(ما حُبست الشمس على بشر قط إلا على يُوشع بن نون ليالي سَار إلى بيت المقدس)[21].

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "غزا نبي من الأنبياء فقال لقومه: لا يتبعني رجل ملك بضع امرأة وهو يريد أن يبني بها ولما يبن بها، ولا أحد بنى بيوتا ولم يرفع سقوفها، ولا رجل اشترى غنما أو خلفات وهو ينتظر ولادها، فغزا فدنا من القرية صلاة العصر أو قريبا من ذلك فقال للشمس: إنك مأمورة وأنا مأمور اللهم احبسها علينا، فحبست حتى فتح الله عليه، فجمع الغنائم فجاءت يعني النار لتأكلها، فلم تطعمها فقال: إن فيكم غلولا فليبايعني من كل قبيلة رجل، فلزقت يد رجل بيده فقال: فيكم الغلول فجاؤوا برأس مثل رأس بقرة من الذهب فوضعها فجاءت النار فأكلتها ". زاد في رواية: فلم تحل الغنائم لأحد قبلنا ثم أحل الله لنا الغنائم رأى ضعفنا وعجزنا فأحلها لنا ).[22]

وهنا التفاتة جميلة لطالبي النصر والتمكين، التي أسبابها كلها معنوية كما في كتاب الله وسنة نبيه الصحيحة؛ إذ طلب يوشع أن لا يشارك معه في فتح بيت المقدس، كل من تعلق قلبه بالدنيا، أو انشغل فكره وعقله بأمر من شؤونها، لذلك يقول النووي رحمه الله في شرحه على مسلم[23]: أن الأمور المهمة ينبغي أن لا تفوض إلا إلى أُولي الحزم وفراغ البال لها ولا تفوض إلى متعلق القلب بغيرها؛ لأن ذلك يضعف عزمه ويفوت كمال بذل وسعه فيه.

عند فتح بيت المقدس أمرهم الله على لسان يوشع عليه السلام بدخول المدينة ركعا خاضعين متذللين متواضعين شكرا لله على نعمه عليهم، فعن أبي هريرة عن النبي عليه الصلاة والسلام قيل لبني إسرائيل: ( ادخلوا البَّاب سُجدًا وقولوا حطة ). فدخلوا يزحفون على أستاههم، فبدلوا ، وقالوا : حطة، حبة في شعرة.[24]

(فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا) منهم، ولم يقل فبدلوا لأنهم لم يكونوا كلهم بدلوا (قَوْلا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ) فقالوا بدل حطة: حبة في حنطة، استهانة بأمر الله، واستهزاء وإذا بدلوا القول مع خفته فتبديلهم للفعل من باب أولى وأحرى، ولهذا دخلوا يزحفون على أدبارهم، ولما كان هذا الطغيان أكبر سبب لوقوع عقوبة الله بهم، قال: (فَأَنزلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا) منهم (رِجْزًا) أي: عذابا (مِنَ السَّمَاءِ) بسبب فسقهم وبغيهم.[25]

بعدها ترك بنو إسرائيل أوامر الله، وابتعدوا عن تحقيق العبودية، حتى أخرجوا من ديارهم وأموالهم، فطلبوا من نبيهم أن يبعث لهم ملكا للجهاد معه واسترداد الأرض المقدسة ورفع الظلم الواقع عليهم.

هنا تبدأ الغربلة وتنكشف حقائق الأمور وتتجلى أهمية تحقيق العبودية لله وحده، قولا وعملا.. دعوة وسلوكا.. باطنا وظاهرا.. امتثالا وانقيادا، مع أنهم بادئ ذي بدئ قالوا( وَمَا لَنَا أَلا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا )[26]، فكان لسان مقالهم" فما المانع من القتال في سبيل الله وقد تعرضنا لهذا الظلم دون وجه حق"!

لكن حقيقة الأمر ( فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلا قَلِيلا مِنْهُمْ )[27]، فلسان الحال أنطق من المقال، فالدعاوى والأمنيات شيء، وما يحصل على أرض الواقع شيء آخر، لذلك لابد من اقتران العبودية الحقيقية، بالعلم والقول والعمل، بمختلف نواحي الحياة.

وبعد أن علموا حقيقة المَلك ازدروه وتنقصوه، مخالفين أمر الله، ثم بدأت الغربلة والتصفية في ساعة المحك، حتى بقيت مع طالوت ثلة مؤمنة قليلة تحقق فيهم أصل العبودية، موقنين بنصر الله وتمكينه، متوكلين عليه، ( قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ )[28]، ثم قتل داود جالوت وأقام الله له مملكته على التوحيد، ثم من بعده ولده سليمان.[29]

عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: كُنا أصحابَ محمدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم نتحدثُ : أنَّ عِدَّةَ أصحابِ بدرٍ على عِدَّةِ أصحابِ طالوتَ الذينَ جاوَزوا معه النهَرَ، ولم يُجاوِز معه إلا مُؤمِنٌ، بِضعَةَ عَشَرَ وثلاثمِائَةٍ.[30]

بذلك أظهر الله داود عليه السلام وأعطاه من الملك والنبوة والعلم والقوة والمعجزات في تلك الأرض المقدسة، قال تعالى:( فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ )[31]، وَالْحِكْمَةَ هنا النبوّة والزبور، وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشاءُ صنعة الدروع، ومنطق الطيور.[32]

داود عليه السلام أول من جمع له بين الملك والنبوة، وذلك في الأرض المقدسة، وأعطي قوة في العبادة والطاعة، وسخر معه الجبال يسبحن بالعشي والإشراق، ووهبه الله صوت جميل جدا، وأعانه الله على صناعة الدروع وألان له الحديد حتى كان يفتله بيده لا يحتاج إلى مطرقة ولا نار.

قال تعالى عن داود( وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ )[33]،(وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ) أَيْ: جَعَلْنَا لَهُ مُلْكًا كَامِلا مِنْ جَمِيعِ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ الْمُلُوكُ.(وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ) قَالَ مُجَاهِدٌ: يَعْنِي: الْفَهْمَ وَالْعَقْلَ وَالْفِطْنَةَ. وَقَالَ مَرَّةً: الْحِكْمَةَ وَالْعَدْلَ. وَقَالَ مَرَّةً: الصَّوَابَ.[34]

لقد تاب الله على داود في تلك الأرض المباركة، كما في قصة الخصمين اللذين دخلا عليه وهو يصلي في المحراب.

وقد كان داود عليه السلام هو المقتدى به في ذلك الزمان في العدل وكثرة العبادة وأنواع القربات، حتى إنه كان لا يمضي ساعة من آناء الليل وأطراف النهار إلا وأهل بيته في عبادة ليلا ونهارا، كما قال تعالى:( اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ )[35].

سليمان عليه السلام سار على خطى والده داود في الأرض المقدسة، فورثه بالنبوة والملك وسعة علمه وعظيم ملكه، قال تعالى:(وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ )[36].

(وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ) أي من كل ما يحتاج المَلِكَ إليه من العدد والآلات والجنود والجيوش والجماعات من الجن والإنس والطيور والوحوش والشياطين السارحات والعلوم والفهوم والتعبير عن ضمائر المخلوقات من الناطقات والصامتات.[37]

وعندما انشغل سليمان عليه السلام بالخيل الجياد الصافنات، وغابت الشمس بالحجاب وألهته عن صلاة العصر ندم على فعله وضرب أعناقها بالسيف، وعندما فتن في ملكه:(قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لا يَنْبَغِي لأحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ) فاستجاب الله له وغفر له، ورد عليه ملكه، وزاده ملكا لم يحصل لأحد من بعده، وهو تسخير الشياطين له، يبنون ما يريد، ويغوصون له في البحر، يستخرجون الدر والحلي، ومن عصاه منهم قرنه في الأصفاد وأوثقه.[38]

في الأرض المقدسة سخر الله لسليمان عليه السلام الريح غدوها شهر ورواحها شهر، ذهابها ورجوعها إلى الأرض المباركة، قال تعالى:( وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ )[39].

وَعُلِمَ مِنْ أَنَّهَا تَجْرِي إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكَ اللَّهُ فِيهَا أَنَّهَا تَخْرُجُ مِنْ تِلْكَ الأَرْضِ حَامِلَةً الْجُنُودَ أَوْ مُصَدِّرَةً الْبَضَائِعَ الَّتِي تُصَدِّرُهَا مَمْلَكَةُ سُلَيْمَانَ إِلَى بِلَادِ الْأَرْضِ وَتُقْفِلُ رَاجِعَةً بِالْبَضَائِعِ وَالْمِيرَةِ وَمَوَادِّ الصِّنَاعَةِ وَأَسْلِحَةِ الْجُنْدِ إِلَى أَرْضِ فِلَسْطِينَ، فَوَقَعَ فِي الْكَلَامِ اكْتِفَاءٌ اعْتِمَادًا عَلَى الْقَرِينَةِ.[40]

حياة سليمان عليه السلام حافلة بالعبر، والمواعظ والصور النيرة والمواقف المشرقة، في تلك الأرض المباركة الطيبة، وكإخوانه الأنبياء من قبله وبعده وأتباعهم، كان له الشرف في عمارة المسجد الأقصى وترميمه ورفعه وتجديده، ودعا لمن يأتي المسجد للصلاة فقط بأن يخرج من خطيئته كيوم ولدته أمه.

يقول عليه الصلاة والسلام: لمَّا فرغَ سُلَيْمانُ بنُ داودَ من بناءِ بيتِ المقدِسِ سألَ اللَّهَ ثلاثًا حُكْمًا يصادفُ حُكْمَهُ وملكًا لا ينبغي لأحدٍ من بعدِهِ وألَّا يأتيَ هذا المسجدَ أحدٌ لا يريدُ إلا الصَّلاةَ فيهِ إلا خرجَ من ذنوبِهِ كيومِ ولدتْهُ أمُّهُ فقالَ النَّبيُّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ أمَّا اثنتانِ فقد أُعْطيَهُما وأرجو أن يَكونَ قد أُعْطيَ الثَّالثةَ.[41]

عزير نبي من أنبياء بني إسرائيل بعد سليمان وقبل زكريا، ذكر الله قصته بعد خراب بيت المقدس على يد بختنصر ومقولته ( أنى يحيي هذه الله بعد موتها )، ثم حصلت المعجزة بأن أماته الله مائة عام ثم أحياه لإثبات حقيقة البعث والمعاد.

نقل الطبري عن وهب بن منبه وقتادة والضحاك وعكرمة والربيع أن القرية المذكورة في قصة العزير هي بيت المقدس.

امرأة عمران وكانت لا تحمل، دعت الله أن يهبها ولدا فاستجاب لها، وبمجرد أن أحست بالحمل وأن مولودا سيقدم، نذرته محررا خالصا لوجه الله مفرغا للعبادة وخدمة بيت المقدس، وتمنت أن يكون ذكرا، حتى يقوى على هذه المهمة العظيمة الجليلة.

( فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ . فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ )[42].

زكريا عليه السلام تكفل مريم ابنة عمران في بيت المقدس، كلما دخل عليها المحراب وجد عندها فاكهة في غير وقتها، فاكهة الصيف في الشتاء وفاكهة الشتاء في الصيف، عندها دعا ربه أن يرزقه الذرية الصالحة، مع تقدم عمره وضعف بدنه، لتأتي البشارة من الملائكة.

قال تعالى:( هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ . فَنَادَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ ).[43]

فهذه نعمة عظيمة ومنة كبيرة على زكريا، أن بشرته الملائكة بيحيى باسمه في تلك الأرض المقدسة، ( لم نجعل له من قبل سميا )، ومن صفاته أنه أول من صدق بعيسى عليه السلام ( مٌصدقُا بكلمة من الله )، ( وسَيدًا ) في علمه وعبادته ودينه وخلقه، ( وحَصورًا ) مانعا نفسه من الشهوات، وليست له شهوة إلى النساء ومعصوم من الذنوب.

يقول عليه الصلاة والسلام: ما من أحدٍ من ولدِ آدمَ إلا قد أخطأَ، أو همَّ بخطيئةٍ؛ ليس يحيي بنَ زكريا.[44]

المسجد الأقصى منبر الأنبياء ومحراب الأتقياء، لذلك من فضائل يحيى عليه السلام أن الله أمره أن يأمر بني إسرائيل بخمس كلمات ويعملوا بهن، فجمعهم في بيت المقدس حتى امتلأ المسجد وخطبهم.[45]

في الأرض المقدسة بشرت الملائكة مريم عليها السلام باصطفاء الله لها من بين سائر نساء العالمين، كما بشرتها بولد عظيم له شأن كبير من غير أب يكون نبيا شريفا، ( إِذْ قَالَتِ الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ )[46].

(وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ) أَيْ: لَهُ وَجَاهَةٌ وَمَكَانَةٌ عِنْدَ اللَّهِ فِي الدُّنْيَا، بِمَا يُوحِيهِ اللَّهُ إِلَيْهِ مِنَ الشَّرِيعَةِ، وَيُنَزِّلُ عَلَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا مَنَحَهُ بِهِ، وَفِي الدَّارِ الآخِرَةِ يَشْفَعُ عِنْدَ اللَّهِ فِيمَنْ يَأْذَنُ لَهُ فِيهِ، فَيَقْبَلُ مِنْهُ، أُسْوَةً بِإِخْوَانِهِ مِنْ أُولِي الْعَزْمِ، صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ.[47]

ومن إعجاز عيسى عليه السلام في بيت المقدس أنه كلم الناس في المهد، (ويكلم الناس في المهد وكهلا) أَيْ: يَدْعُو إِلَى عِبَادَةِ اللَّهِ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، فِي حَالِ صِغَرِهِ، مُعْجِزَةً وَآيَةً، وَفِي حَالِ كُهُولِيَّتِهِ حِينَ يُوحِي اللَّهُ إِلَيْهِ بِذَلِكَ.[48]

ونزلت المائدة التي فيها طعام من السماء على عيسى عليه السلام في بيت المقدس، ورفع عيسى إلى ربه من بيت المقدس، وسيبقى ارتباطه بتلك الأرض المباركة، عندما ينزل في آخر الزمان شرقي دمشق عند المنارة البيضاء، ويدرك المسيح الدجال عنوان الضلال والباطل، في باب لد الشرقي فيقتله عيسى عليه السلام وبذلك ينتهي الصراع بين الحق والباطل في أرض فلسطين.

يقول عليه الصلاة والسلام: فيُدْرِكُه- أي عيسى عليه السلام- عند بابِ لُدٍّ الشرقيِّ، فيقتلُه–أي المسيح الدجال-، فيَهْزِمُ اللهُ اليهودَ، فلا يَبْقَى شيءٌ مِمَّا خلق اللهُ عَزَّ وجَلَّ يَتَواقَى به يهوديٌّ...[49]

أما خاتم النبيين وأشرف المرسلين وخير الخلق أجمعين، فقصته وعلاقته وارتباطه بتلك الأرض الطيبة المباركة المقدسة، وثيق متين قوي كبير، إذ ذهب عليه الصلاة والسلام وهو غلام قبل البعثة مع عمه أبا طالب إلى الشام للتجارة، ولقيه الراهب وقال: هذا سيد المرسلين، هذا رسول رب العالمين، يبعثه الله رحمة للعالمين[50]، كذلك أرسلته خديجة رضي الله عنها بمالها للتجارة إلى الشام.[51]

وكان عليه الصلاة والسلام في مكة يستقبل بيت المقدس في الصلاة، ويجعل الكعبة بين يديه لمدة ثلاث عشرة سنة[52]، ولما هاجر إلى المدينة استقبل بيت المقدس واستدبر الكعبة ستة عشر أو سبعة عشر شهرا، حتى تحولت القبلة.[53]

بشر عليه الصلاة والسلام بفتح الشام أثناء حفر الخندق، إذ قال: الله أكبر أعطيت مفاتيح الشام، والله إني لأبصر قصورها الحمر من مكاني هذا... الحديث.[54]

وقد بشر عليه الصلاة والسلام بفتح بيت المقدس إذ يقول: اعددْ ستًا بين يديْ الساعةِ: مَوْتِي ، ثم فَتْحُ بيتِ المقدسِ... الحديث.[55]

ومن شدة اهتمامه وتعلقه بتلك الأرض المقدسة، جهز عليه الصلاة والسلام أكبر جيش إسلامي في وقتها ( ثلاثة آلاف مقاتل ) في معركة مؤتة سنة 8هـ وهي مقدمة وتمهيد لفتوح الشام.[56]

وكذا شارك بنفسه عليه الصلاة والسلام في غزوة تبوك سنة 9هـ على حدود الجزيرة المقابلة للشام في مقابلة الروم الذين دب في قلوبهم الرعب وأصابهم الوهن وتفرقوا داخل حدودهم.[57]

وعن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه قال: قلت يا رسول الله: ما كانَ أوَّلِ بدءُ أمرِكَ؟ قالَ: دعوةُ أبي إبراهيمَ، وبُشرى عيسَى بي ورأت أمِّي أنَّهُ خرج منها نورٌ أضاءت لَهُ قصورُ الشَّامِ.[58]

يقول ابن كثير[59]: وتخصيص الشام بظهور نوره إشارة إلى استقرار دينه وثبوته ببلاد الشام، ولهذا تكون الشام في آخر الزمان معقلا للإسلام وأهله، وبها ينزل عيسى ابن مريم إذا نزل بدمشق بالمنارة الشرقية البيضاء منها.

لو وقفنا مع تلك الرحلة العجيبة والمعجزة المبهرة والحادثة الفريدة؛ في ليلة الإسراء والمعراج وما حصل فيها من آيات بينات ومعجزات عظيمات؛ لرأينا العجب العجاب، ففي ظرف صعب ووقت عصيب على نبينا عليه الصلاة والسلام ومع معه من الصحابة الكرام، يأتي جبريل عليه السلام ومعه الدابة العظيمة البراق، وينطلق به من المسجد الحرام في مكة إلى المسجد الأقصى، ويختار الفطرة ثم يعرج به إلى السماوات العلى ويرى من آيات ربه الكبرى، ويفرض عليه أعظم ركن بعد التوحيد.

بَعدها يَرجع عليه الصلاة والسلام إلى المسجد الأقصى، ويصلي إمامًا بجميع الأنبياء، في حدث ومحفل لم يحصل عبر التاريخ ولم يقع في أي بقعة إلا في تلك الأرض المباركة، في إشارة لإمامته عليه الصلاة والسلام وارتباطه الوثيق بتلك الأرض وتسلمه الراية من أخوته ومن سبقه من الأنبياء.

العدد الثامن عشر من سلسلة بيت المقدس للدراسات (صيف2014)


[1]الأنس الجليل بتاريخ القدس والخليل (1/239).

[2]متفق عليه، واللفظ للبخاري برقم 3366، ( 4/145)، دار طوق النجاة.

[3]فتح الباري( 6/409)، ط. دار المعرفة.

[4](الأنبياء:71 ).

[5]تفسير المراغي ( 17/53).

[6]( الصافات:99-101).

[7]تفسير القاسمي ( 8/217 ).

[8]تفسير القرطبي ( 15/97 ).

[9]تفسير أبي السعود ( 7/199 ).

[10]( الأنبياء:72).

[11]تفسير ابن عاشور ( 17/109 ).

[12]صحيح البخاري ( 4/151)، برقم 3390.

[13]عمدة القاري شرح صحيح البخاري ( 15/276 ).

[14]قصص الأنبياء لابن كثير، ص310.

[15]السلسلة الصحيحة برقم 313.

[16]قصص الأنبياء لابن كثير، ص96.

[17]( البقرة:61).

[18]متفق عليه، البخاري برقم 1339، ( 2/90)، مسلم ( 4/1842)،ط. دار إحياء التراث العربي.

[19]منار القاري شرح مختصر صحيح البخاري (2/398).

[20]( المائدة:24).

[21]صحيح الجامع برقم 5612.

[22]متفق عليه، واللفظ للبخاري (4/86).

[23](12/51).

[24]صحيح البخاري ( 4/156 ).

[25]تفسير السعدي، ص53.

[26](البقرة:246).

[27]البقرة:246).

[28](البقرة:249).

[29]من بحث لي بعنوان" فقه العبودية في القضية الفلسطينية" سلسلة بيت المقدس العدد 17.

[30]صحيح البخاري ( 5/73 ).

[31]( البقرة:251).

[32]التسهيل لعلوم التنزيل، ص130.

[33](ص:20).

[34]تفسير ابن كثير ( 7/58 )، در طيبة للنشر والتوزيع.

[35]( سبأ:13).

[36]( النمل:16).

[37]قصص الأنبياء لابن كثير، ص285.

[38]تفسير السعدي بتصرف يسير، ص712.

[39]( الأنبياء:81).

[40]تفسير ابن عاشور ( 17/123).

[41]صحيح الترغيب والترهيب برقم 1178.

[42]( آل عمران:36-37).

[43]( آل عمران: 38-39).

[44]السلسلة الصحيحة برقم 2984.

[45]القصة كاملة ينظر صحيح الترغيب للألباني برقم 1498.

[46]( آل عمران: 45).

[47]تفسير ابن كثير ( 2/43).

[48]تفسير ابن كثير ( 2/43).

[49]صحيح الجامع برقم 7875.

[50]مشكاة المصابيح برقم 5918.

[51]سيرة ابن هشام ( 1/187)، ت: السقا.

[52] تفسير ابن عاشور بتصرف( 2/9).

[53] صحيح البخاري ( 1/88 ).

[54] مسند الإمام أحمد ( 30/626)، ط. الرسالة، وحسنه ابن حجر في فتح الباري (7/458).

[55] صحيح البخاري ( 4/101).

[56] ينظر الرحيق المختوم، ص355.

[57] ينظر الرحيق المختوم، ص394.

[58] أخرجه أحمد في مسنده، وحسنه الألباني كما في السلسلة الصحيحة ( 4/62).

[59]تفسير ابن كثير(1/444).

.