فلسطين التاريخ / الشتات الفلسطيني

فلسطينيو لبنان تحت المجهر

فلسطينيو لبنان تحت المجهر

اعداد/علي حسين باكير

 

مفكرة الإسلام : الأحد 2 ذي القعدة 1426هـ – 4ديسمبر 2005م

 

فجأة -و بدون سابق إنذار-أصبح موضوع السلاح الفلسطيني في لبنان المسألة الأولى محلياً الأكثر إلحاحاً, و إن كان البعض تفاجأ بما حصل, إلاّ أنّ المراقب لتطور الأحداث و تسلسلها على الساحة اللبنانية يعلم أنّ الموضوع يأتي في إطار التحوّلات اللبنانية و التخبّط اللبناني في الساحة المحليّة الداخلية التي تتقاطع مع مصالح و استحقاقات دولية.

و الحقيقة أنّ موضوع الفلسطينيين في لبنان هو موضوع حسّاس و دقيق، و لا يخفى على أحد أنّ هناك أطرافاً في لبنان لديها موقف عنصري -و في بعض الأحيان طائفي- تجاه الفلسطينيين المقيمين في لبنان. ولطالما كان الموضوع مثار جدال وأخذ و رد بين الأطراف اللبنانية.

و من هذا المنطلق نعيد فتح ملف اللاجئين الفلسطينيين و أوضاعهم في لبنان, و نقدّم هذا التقرير المتكامل عن واقع و مستقبل الفلسطينيين في لبنان آملين أن نكون قد نجحنا في تغطية ما هو متعلّق بهم بشكل مقتضب و لكن دقيق.

 

أولا:أوضاع اللاجئين الفلسطينيين في لبنان.

يعاني اللاجئون الفلسطينيون في لبنان من مشاكل عديدة اجتماعية و صحيّة و سياسية تؤثر على وضعهم كبشر بالدرجة الأولى و قد ساهم الوضع الحالي و القيود التي فرضتها الدولة اللبنانية عليهم طوال فترة اقامتهم في لبنان كلاجئين في تفاقم الحالة التعيسة التي يعيشون بها.

 

أعداد اللاجئين و مخيماتهم:

يمثّل لبنان أحد البلدان الرئيسية التي تستضيف اللاجئين الفلسطينيين. و تشير الأرقام الصادرة عن المنظمة الدولية المناط بها رعاية شؤون اللاجئين الفلسطينيين 'الأونروا' إلى وجود 396.890 لاجئ فلسطيني في لبنان [أرقام عام    2004م], في حين تذكر مصادر أخرى أنهم بحدود 375.144 و هم يعيشون في 12 مخيماً هي : 'مار إلياس ، وبرج البراجنة، وضبية، وشاتيلا وصبرا في بيروت، وعين الحلوة، والمية ومية في صيدا، والبص، والرشيدية، وبرج الشمالي في صور، ونهر البارد، والبداوي في طرابلس، ونعيل في البقاع.

 في حين تمّ تدمير 3 مخيمات بالكامل في الحرب اللبنانية و هي مخيمات 'النبطية', 'الدكوانة', 'جسر الباشا', ويشكل اللاجئين الفلسطينيين في لبنان حوالي 10.46% من مجمل عدد اللاجئين خارج فلسطين وداخلها, و حوالي 11% من عدد السكان في لبنان و ينقسمون إلى فئتين:

الأولى: لاجئي عام 1948 م و هؤلاء مسجلين لدى وكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين, بناء على تعريف وكالة الامم المتحدة لاغاثة وتشغيل اللاجئين ' الاونروا' التي تعرّف اللاجئ الفلسطيني بأنه ' الشخص الذي كان يقيم في فلسطين خلال الفترة من 1 حزيران 1946م حتى 15 أيار 1948م والذي فقد بيته ومورد رزقه نتيجة حرب 1948م'. وعليه فإن اللاجئين الفلسطينيين الذين يحق لهم تلقي المساعدات من الأونروا هم الذين ينطبق عليهم التعريف أعلاه إضافة إلى أبنائهم.

 أمّا لاجئي عام 1967م و اللاجئين الآخرين الذين قدموا من دول أخرى  فهم لا يعتبرون مقيمين بشكل شرعي في لبنان, و يقعون خارج نطاق تعريف وكالة غوث اللاجئين المذكور أعلاه و بالتالي لا يستفيدون من الخدمات التي تقدّمها 'الاونروا'.

 

العمل:

يتعامل قانون العمل اللبناني مع اللاجئ الفلسطيني كما لو أنه أجنبي، أي عليه الحصول على إجازة عمل، كما أنه يحصر قسماً كبيراً من المهن باللبنانيين.

في عام 1995م أدخل على القانون اللبناني المنظم لعمل الأجانب والصادر عام 1964م، تعديلين وأحكام تضمنت تضييقات إزاء الأجانب بهدف حماية مصالح السكان اللبنانيين. الأول يطلب تقديم مستندات للحصول على “إجازة عمل” هي أقرب ما تكون تعجيزية، أما الثاني فيحدد المهن المحصورة باللبنانيين. و بهذا منع الفلسطيني من جميع الأعمال الحكومية, أما العمل في المؤسسات الخاصة فيكون وفقاً لمؤهلات العامل ولكن ذلك اقترن بالحصول على إذن من وزارة العمل، مع نزول العقوبة برب العمل إذا استخدم عاملاً أجنبياً خلافاً لذلك الشرط، فحسب المادة 4 من قانون العمل [باب العقوبات] 1968م مرسوم 9816 ' يعاقب الذي يستخدم أجنبياً بعقد عمل أو إجازة صناعية من دون موافقة مسبقة أو إجازة عمل صادرة عن وزارة العمل بغرامة عن كل يوم استخدمه فيه' . لهذا السبب يضطر الفلسطيني للعمل بشكل غير شرعي. بما يجعله عرضة لاستغلال رب العمل من حيث حصوله على نصف راتب زميله اللبناني وتعرضه للفصل في أي وقت دون حماية أو بدل خدمة، كما يحرم من الضمانات الاجتماعية والصحية ومن الحقوق النقابية بالترشيح والانتخاب.

و لم تستثن هذه الأحكام الوضع الخاص للاجئين الفلسطينيين الذين ليس لهم في واقع الأمر دولة يمكن في إطارها تطبيق مبدأ المعاملة بالمثل معها، وعلى ذلك فقد وجد اللاجئون الفلسطينيون أنفسهم بعد أكثر من 50 عاماً من الاغتراب ممنوعين من العمل في أكثر من 70 مهنة و هم مضطرين للتنافس في سوق العمل المكدس بالعديد من المغتربين الذين لا يحتاجون إلى ترخيص مسبق وفقا لمبدأ المعاملة بالمثل المطبق مع بلدانهم في هذا المجال.

ويكفي أن نعطي مثالاً واحداً يبين حجم المشكلة التي يعانيها الفلسطينيون في سوق العمل، فمنذ عام 1992م وحتى عام 2000م لم يزد عدد التراخيص الممنوحة لهم عن 500 ترخيص من أصل 50 ألف ترخيص ممنوح للأجانب في الفترة ذاتها.

ولهذا الأمر تبعات هامة من حيث الحد من طموح وتطلعات اللاجئ في بناء مستقبله وكثير من الطلبة وأصحاب الاختصاص ما يتساءلون عن مصير مستقبلهم في المخيمات أو التجمعات طالما أن الشهادة التي ممكن أن يحصل عليها لن تنفعه في شيء سوى الاحتفاظ بها وهذا منذ العام 1948 م.

كما وأن المضايقات القانونية تجعل من المستحيل عليهم ممارسة العمل من أجل دعم أنفسهم، لهذا فقد ارتفعت نسبة البطالة في صفوف الفلسطينيين وخاصة الشباب. وقد بلغت حسب 'الأنروا' 48 %، وحسب تقديرات المؤسسات الأهلية الفلسطينية واللجان الشعبية في مخيمات لبنان فإنها تتراوح بين 60 و 65% ولكن بعض النسب في بعض المخيمات تصل إلى 95% مثل مخيم الجليل في بعلبك كما تقول اللجنة الشعبية للمخيم.

وعلى أثر هذه المضايقات مجتمعة، فقد تم رصد طوابير من الفلسطينيين عائلات وأفراداً تقف أمام سفارات الدول الأوروبية طلباً للهجرة، ليس حباً بها وإنما هرباً من حالة الفقر والبؤس والقيود والقوانين الظالمة وسعياً وراء لقمة العيش والتمتع بحياة كريمة، والعدد الكبير من تلك العائلات والأفراد ممن يحمل شهادات الطب والهندسة والدراسات العليا.

 

التملك و السكن:

بالأساس هناك تعقيدات قانونية أمام تملّك الفلسطينيين للعقارات، ومن شروطها الحصول على ترخيص يُعطى بمرسوم يُتخذ في مجلس الوزراء، وعلى الفلسطيني أن يدفع رسومًا مرتفعة جدًا في حال تسجيل العقار, جاء ذلك في المرسوم 11614 الصادر 4/1/1969 م.

أمّا الانتقال من مخيم إلى آخر فإنّ ذلك يتطلب الحصول على ترخيص، كذلك في حال ترميم أو بناء منزل أو منازل جديدة في المخيم، وكان القرار رقم 478 يفرض تأشيرة الخروج والعودة على وثائق السفر الفلسطينية، مما أدَّى إلى مشكلات إنسانية، وقد أُلغي هذا القرار بعد انتخاب الرئيس 'إميل' لحود، وتشكيل الحكومة الأولى في عهده.

و كأنه لا يكفي الفلسطيني ما هو فيه من معاناة، ففي 21 آذار [مارس] 2000م صدق مجلس النواب اللبناني على تعديلات أدخلت على قانون الملكية العقارية حرم فيه اللاجىء الفلسطيني- دون أن يسميه حرفياً- من حق تملك أي ملك عقاري في لبنان. وجاء في نص المادة 296 منه أنه 'لا يجوز تملك أي حق عيني من أي نوع كان لأي شخص لا يحمل جنسية صادرة عن دولة معترف بها، أو لأي شخص إذا كان التملك يتعارض مع أحكام الدستور لجهة رفض التوطين'. و صدرت تعميمات رسمية على جميع كتاب العدل والدوائر العقارية تلزمها 'بالامتناع عن إنجاز أية معاملات رسمية تتعلق بثبات ملكية الفلسطيني لمطلق ملك عقاري'. ولم يتوقف الظلم عند هذا الحد، بل إنه لا يتيح للفلسطينيين وراثة أملاك أهاليهم الذين اشتروا قبل حرمانهم من حق التملك، وذلك عبر منعهم من تسجيل الأملاك ونقلها بأسمائهم، كما منع الإبن وراثة أملاك والدته اللبنانية [يحق له الاستفادة من الموروث ولكن ليس نقله على اسمه].

وبموجب هذا القانون فقد حرم الفلسطينيون من التملك في لبنان، ومن تملك منهم فإنه حرم على ورثته انتقال الملكية إليهم بعد وفاته.

و السيء أيضا القرار الذي صدر من [ جهة مجهولة ] مطلع العام 1997م يمنع دخول مواد الإعمار إلى المخيمات من حديد و اسمنت و بحص...إلخ، ليفاقم من تدهور الوضع السيء أساساً , و ترتب على ذلك منع الفلسطينيين من البناء في المخيمات أو حتى إعادة بناء المتهدم منها مثل مخيمات جسر الباشا وتل الزعتر والنبطية، وأدى ذلك إلى انعكاسات سلبية خطيرة على العديد من العائلات الفلسطينية. ورأى البعض أن الهدف من هذا القانون هو التهجير القسري للفلسطينيين من لبنان.

 

الصحة و الطبابة و الاستشفاء:

هذا المجال يظهر مواقف سلبية أيضا' ، فقد تسبب حرمان اللاجئين من الرعاية الصحية في المستشفيات الحكومية إلى حالات وفيات للكثيرين على أبواب المستشفيات. فالمستشفيات الرسمية ترفض استقبال الفلسطينيين و هناك اجراءات تحول دون تمكّنهم من الحصول على العناية الطبية في المستشفيات و العيادات الحكومية اللبنانية، لذلك يزداد الضغط على القسم الصحي في 'الأونروا' وهم في ذلك يعتمدون بصورة شبه كاملة على عياداتها التي يقتصر الدوام فيها على الفترة الصباحية  في وقت يستقبل فيه الطبيب ما معدله 13 مريضاً في الساعة الواحدة, وهناك 0.87 طبيب لكل 10 آلاف لاجئ، فيما تنصّ القوانين الدولية على وجود طبيب لكل ألف نسمة. و يعتمدون أيضا بصورة أقل على الجمعيات و العيادات الخيرية.

وبسبب تراجع خدمات الهلال الأحمر الفلسطيني لا تملك الأونروا مستشفيات، بل تتعاقد سنويًا مع مستشفيات لبنانية لاستخدام عدد من الأَسِرّة لليالٍ محدودة، وقد تراجع عدد الأسرَّة سنويًا ابتداءً من عام 1993م.

ومنذ ذلك الحين صار لزامًا على الأهالي الاشتراك في دفع نفقات الاستشفاء، فعملية القلب مثلاً لا تقلّ تكاليفها عن تسعة آلاف دولار، تدفع الوكالة منها 3 آلاف فقط، والكثير من الأدوية لم يعد متوفرًا، والمريض يشتريها من حسابه الخاص. وكانت المعاينات والفحوصات المخبرية لمرضى السكري متوفرة كل 15 يومًا، ثم تراجعت لشهر واحد، ثم إلى كل ثلاثة أشهر. و أدخلت الأونروا تعقيدات إدارية، حيث بات على المريض الانتظار وفق لائحة وقد يحين دوره بعد أشهر تحت شعار تنظيم دخول المشافي وفقًا للموازنة.

وأدّت التخفيضات في التقديمات الصحية إلى حالات وفيات عديدة، خصوصًا بين ذوي الأمراض الكبيرة مثل القلب والدماغ والكلى والسرطان، وسُجلت في السنوات الأخيرة حالات مأساوية منها استمرار دفع بعض العائلات أقساط العلاج إلى المستشفى رغم مرور ثلاث سنوات على وفاة ذويهم, و منهم من لم يسمح له بأخذ رفاة ذويهم من المستشفى قبل دفع ما توجّب عليه.

وفي الحالات الصعبة يقوم اللاجئون بإرسال المرضى إلى سوريا حيث يلقون العلاج اللازم نظرًا لأن الدولة السورية توفّر العناية الصحية للمواطنين والعرب دون تمييز.

هذا يتسم الوضع في المخيمات بالاكتظاظ السكاني وسوء التهوية علاوة  على وجود مجاري صرف الصحي المكشوفة،وعدم كفاية المياه الصالحة للشرب،مما أدى الى انتشار الأمراض المزمنة كمرض السكري الذي بلغت نسبة انتشاره لعام [2002م] 4.6%، ومرض ضغط الدم العالي 8.9% لنفس العام،وبلغت نسبة وفيات الاطفال 40 بالألف وذلك لسوء التغذية والولادة المبكرة , بالاضافة إلى أمراض ناتجة عن الضغوط النفسية و المالية و الاجتماعية و التي أصبحث شائعة جداً و منها: الضغط, السكري, الجلطة, القلب, الاكتئاب, الانهيار العصبي و أمراض نفسية كثيرة.

 

التعليم:

يسمح القانون اللبناني ما نسبته 10% فقط من الأجانب للتسجيل في المدارس والجامعات الحكومية اللبنانية، ويستيطع الأجنبي الدراسة في مدارس وجامعات القطاع الخاص، ولا يحق للأجنبي الالتحاق في كليات التربية ودور المعلمين وذلك لأنها تخرج مدرسين يشترط فيهم التمتع بالجنسية اللبنانية. و بالتالي الاعتماد الكلي للفلسطينيين على مدارس 'الاونروا'.

ويبلغ عدد المدارس التي تشرف عليها الاونروا في لبنان 81 مدرسة [ابتدائية وإعدادية] و 5 مدارس ثانوية، في حين يبلغ عدد الطلاب المنتظمين [2003/2004م] 41583 طالب، وافتتحت الاونروا مؤخراً [قبل عدة سنوات] مدرسة الجليل في بيروت ومدرسة بيسان في صيدا ومن ثم مدرسة الأقصى في الرشيدية وتضم 1367 طالباً.

أمّا خدمات الاونروا فقد تراجعت في المجال التعليمي بعد عجز الموازنة ونقص التبرعات من الدول المانحة، فالنشاط التعليمي يستأثر بنصف الميزانية المقررة للأونروا ويستخدم ثلثي موظفيها بشكل عام، وبالتالي فُرضت رسوم على الطلبة وتوقف تقديم القرطاسية والكتب، وتوقفت المنح التي كانت تقدمها للطلبة، وتم اعتماد نظام الفتريتن وبلغت نسبة المدارس التي تتبع هذا النظام في لبنان لعام [2001م] 50.6%،مما أدى الى اكتظاظ الطلاب في الصف الواحد حيث بلغت نسبة الصفوف التي تحوي أكثر من 48 طالباً لعام [2001م] 6.3%.

و تحول الحاجة الماسة للمال دون قدرة تلك العائلات على تحمل نفقات المدارس الخاصة. أما الطلاب الذين حالفهم الحظ والتحقوا بالمدارس، فقد انتقلوا إلى مساكن تفتقر في الغالب إلى الكهرباء، وفي غالب الأحيان تتألف تلك المساكن من غرفة واحدة تؤوي ما معدله خمسة إلى ستة أفراد، ولا شك أن هذه بيئة تجعل من التحصيل العلمي مسألة صعبة. وتشير الإحصائيات إلى أن نسبة التسرب لدى الطلبة الفلسطينيين في لبنان في المرحلتين الابتدائية والإعدادية تصل إلى 20 %، بينما ترتفع إلى أكثر من 50 % بين طلاب المدارس في المرحلة الثانوية والتي لا توفر وكالة الغوث التعليم فيها بأي حال من الأحوال. أما الدراسة الجامعية فليست من مسؤوليات الوكالة إلا في حدود ما يمكن أن تحصل عليه من بعض الدول المانحة ومع ذلك فهي قليلة جداً.

وبناءً على ذلك يمكن الاستنتاج أن آلافاً من الأطفال والشبان الفلسطينيين في لبنان فيمن هم في سن الدراسة قد حرموا من الحق في التعليم وذلك لعدم توفير مكان لهم في مدارس الوكالة [الاونروا] مما كانت النتائج سلبية على مجتمع اللاجئين الفلسطينيين في لبنان. و وفقا' لآخر الدراسات في مخيمات لبنان أن نسبة عمل الأطفال هي 40% من مجموع الذين يجب أن يكونوا في مقاعد الدراسة ، وهذه كارثة وطنية على المستوى التعليمي.

 

الحق بإنشاء الجمعيات والرابطات:

 الجمعيات بما أنها  إطار ينظم اهتمام المواطن بالشأن العام فهي  محظورة على الفلسطينيين وذلك ضمن نزعة مطبقة للسلطات للحد من حرية تنظيم المجتمع الخاص باللاجئين لذلك لا نجد في لبنان أي جمعية فلسطينية معترف بها بشكل قانوني في لبنان .إنما نجدها منطوية تحت ستار الجمعيات اللبنانية .

 

الفقر:

و بناء على كل ما سبق ذكره, فليس مدهشاً إذا عرفنا أنّ 60% من هؤلاء اللاجئين لا يتجاوز دخلهم دولاراً واحداً في اليوم، وأكثر من 40% من أبنائهم تحت سن 16 عاماً يعملون في ظروف غير إنسانية.و تشير أرقام الوكالة الدولية لغوث اللاجئين إلى أن نسبة حالة الفقر الشديد لسكان المخيمات الفلسطينية في لبنان هي الأكثر عندهم وهي الأعلى بين الدول المضيفة لهؤلاء اللاجئين حيث تصل إلى أكثر من 12 % مقابل 9 % في غزة، ومرد ذلك كله نتيجة للقوانين الجائرة والقيود المفروضة في التعامل معهم لبنانياً.

 

ثانيا: القرار الدولي 1559 و قضية السلاح الفلسطيني في المخيمات.

يرى كثير من اللبنانيين أنَّ قضية اللاجئين الفلسطينيين في بلادهم تمثّل مشكلة كبرى وذكرى سيئة, وثمة تعاطف واسع في لبنان مع القضية الفلسطينية وشروط الحياة المريعة التي يعيش فيها اللاجئون. أمّا حين يتعلّق الأمر بالاعتراف بالحقوق الإنسانية والمدنية للفلسطينيين البائسين في لبنان، نجد أن الدعم ينخفض كثيراً, بل إنَّ الأمر يتعقّد مزيداً من التعقيد حين تُطرح قضية السلاح في المخيمات من حين إلى حين.

 

بنود القرار 1559:

و في هذا الاطار صدر في 2/9/2004م القرار رقم 1559 عن مجلس الأمن الدولي الذي نصّ في بنوده الثلاث الأولى من أصل سبعة بنود على:

1- تأكيد دعوة الاحترام الدقيق لسيادة لبنان وسلامة أراضيه ووحدته واستقلاله السياسي تحت السلطة الوحيدة والحصرية لحكومة لبنان في كافة أنحاء لبنان.

2- مطالبة جميع القوات الأجنبية الباقية بالانسحاب من لبنان.

3- الدعوة الى حل ونزع أسلحة كافة الميليشيات اللبنانية وغير اللبنانية. [و هو ما يعنينا هنا]

و قد أثّر هذا القرار كثيراً على وضع الفلسطينيين في لبنان معيداً ادخالهم في اللعب الدولية حيث يستخدمون عادة كبيادق في اطار المناوشات الاقليمية و الدولية التي تجري على حسابهم خاصّة اثر ازدياد مستوى التدخل الدولي في لبنان و انكشاف الغطاء الاقليمي عنه نتيجة صدور القرار 1559 و انسحاب القوات السورية من لبنان.

 

مخاوف اللاجئين:

و أزدادت مخاوف الفلسطينين في لبنان على مستقبلهم و مصيرهم بعد صدور هذا القرار, حيث أشار في البند الثالث الى ضرورة سحب السلاح من الفصائل الفلسطينية في لبنان في وقت يفتقد فيه فلسطينيو لبنان إلى مرجعيّة رسمية حقيقية تمثّلهم و تعبّر عن تطلّعاتهم , و في وقت انسحبت فيه القوات السورية من لبنان و التي كانت كان لها دور في تحقيق حد أدنى من التفاهم اللبناني – الفلسطيني و ضبط الأوضاع بشكل عام.

هذا و يرى الفلسطينيون في لبنان أنّ موضوع السلاح مضخّم جداً على أساس انّهم [و كما أكّد ذلك مسؤولون فلسطينيون مراراً] قد سلّموا أسلحتهم الثقيلة و المتوسطة إلى السلطات اللبنانية بل و تقديمها هدّية الى الجيش اللبناني بعد قرار حل الميليشيات في العام 1991م, و أنّ السلاح الذي تبقى معهم هو السلاح الخفيف الذي بقي أيضاً مع جميع اللبنانيين, كما إنّ حتى هذا السلاح الفردي ليس ظاهرة بل هو مقصور على مخيّمي صيدا و صور فقط,  و أنّ هذا السلاح للدفاع الشخصي عن النفس و لا يحق لأي كان أن ينزعه, خاصّة اذا لم يكن هناك من ايّة ضمانات واضحة لحمايتهم و معرفة مصيرهم.

فمن المعروف أنّ الفلسطينين كانوا قد قاموا بتسليم أسلحتهم في عام 1982م الى القوات المتعددة الجنسيات وفقاً للاتّفاق الذي رعاه آنذاك الموفد الأمريكي في لبنان فيليب حبيب, فتمكّن الاسرائيليون و حلفائهم من ارتكاب مجازر صبرا و شاتيلا التي راح ضحيتها حوالي 3000 فلسطيني و لبناني, لذلك فهم يتخوفون من أن يؤدي نزع سلاحهم الخفيف هذا إلى فقدان الحماية و بالتالي يمهّد لارتكاب مجازر جديدة ضدّهم سواء من اسرائيل أو من غيرها. ومن هذا المنطلق هم يجادلون بعدم نزع أي شيء طالما انّه ليس هناك من أيّة ضمانات واضحة و قطعيّة.

لكنّ المشكل هنا ومكمن التعقيد انّ القرار 1559 هو قرار صادر عن مجلس الأمن. و من المعروف أنّ قرارات مجلس الامن تمرّ عبر ثلاث مراحل متصاعدة إذا لم يتم تطبيقها. المرحلة الأولى يتم فيها دعوة الدولة المعنية القيام بتنفيذ القرار طواعية, فاذا رفضت الدولة يتم تحذيرها في المرحلة الثانية و فرض بعض القيود عليها لتنفيذ القرار, فاذا استمرّت بالرفض فانّه يحق للأمم المتّحدة عندئذ التدخل عسكرياً بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتّحدة, وهو ما حصل في معظم القرارات الصادرة عن مجلس الأمن باستثناء تلك المعنيّة باسرائيل حيث يتم تجاهلها نهائياً واهمالها. و بالتالي فانّ عدم تسليم الفلسطينيين للسلاح الخفيف قد يتّخذ حجّة للتدخل الدولي بناء على ما تمّ شرحه و من المعروف أنّ اسرائيل تتوق لذلك و تبحث عن أي فرصة للتخلّص من مشكلة كبيرة بالنسبة لها اسمها اللاجئين الفلسطينيين.

 

ثالثا: حق العودة و سيناريوهات المستقبل

إنّ حق العودة للاجئين الفلسطنيين  [بموجب القرار الدولي رقم 194 الصادر عام 1949م] هو حق مقدّس لا يملك أي أحد التنازل عنه أو تعديله أو تقرير مصيرهم بطريقة مغايرة لارادتهم في العودة الى منازلهم و بيوتهم في أرضهم فلسطين. هذا و تعتبر الحكومة اللبنانية اللاجئين الفلسطينيين ' أجانب ' بحكم المرسوم رقم 319 لعام 1962م، حيث يعامل اللاجئ الفلسطيني في القوانين اللبنانية معاملة الاجنبي و عليه تشديات أكثر بكثير مما هي على أي اجنبي، ولم يؤخذ في عين الاعتبار خصوصية وضع هؤلاء اللاجئين، حيث ربطت الدولة اللبنانية دائماً بين تعسّف هذه القوانين و بين موقفها الرافض للتوطين الذي هو الضمانة الأساسية لعدم ضياع حق العودة، مما ادّى الى مشاكل اجتماعية و اقتصادية و انسانية كبيرة جداً لدى هؤلاء اللاجئين كما شرحنا. و بناء عليه, فانّ هناك شكوك و مخاوف متبادلة بين اللاجئين الفلسطينيين و الدول اللبنانية, مخافة التهجير و الحرمان من العودة و من الحقوق للفئة الاولى و مخافة التوطين بالنسبة للثانية. و إنّ التطورات الحالية لتصبّ في اتّجاه عدّة سيناريوهات من بينها:

السيناريو الأوّل: اعطاء اللاجئين حقوقهم مقابل سحب سلاحهم:

قد تتّجه الحكومة اللبنانية الجديدة لهذا السيناريو اذا ما أردات تفادي التدخل الدولي في حال أصرّ مجلس الأمن على تطبيق القرار 1559 كاملاً و من دون استثناء مقابل الاصرار الفلسطيني على عدم تسليم هذه الأسلحة. و قد لمسنا اتّجاها لهذا السيناريو و انفتاحاً على هذا الخيار في من قبل الحكومة اللبنانية الانتقالية في عهد ميقاتي, و ان كان غير كافياً في هذا الموضوع . فقد أصدر وزير العمل اللبناني آنذاك 'طراد حمادة' في 28-6-2005م قراراً يقضي بالسماح للفلسطينيين المولودين في لبنان، والمسجلين بشكل رسمي في سجلات وزارة الداخلية بالعمل في مجموعة من وظائف القطاع الخاص، كانت تقتصر من قبل على المواطنين اللبنانيين. و تمّ تفسير الخطوة هذه على انّها انسانية لا تؤثّر على التوازنات و أن لا هدف سياسي من وراء هذه الخطوة, لكنّ التطور الذي طرأ يشير إلى أنّ الامور قد تتطور الى ما ذكرناه في هذا الخيار تفادياً لأي عقبات مستقبلية تؤثر على الامن و الاستقرار في لبنان خاصّة انّ الفلسطينيين كانوا قد أكّدوا مراراً انّهم عامل استقرار و أمان في لبنان و ليس كما يشاع و يراد لهم ان يكونوا وهم يدعمون سيطرة الحكومة على أراضيها و تحقيق سياداتها و لكنّهم يريدون حقوقهم الانسانية فقط و ضمان عدم التعرّض لهم.

السيناريو الثاني: التهجير أو التوطين:

يشكّل اللاجئون الفلسطينيون مشكلة ديمغرافية في التوازن الطائفي الحسّاس بالنسبة للبنانيين. ففي لبنان يتعايش حوالي 17 طائفة دينية ويكاد جميعها أن يكون طامحاً إلى السلطة و السيطرة. وبما أنَّ اللاجئين هم من المسلمين السنة في معظمهم، إضافةً إلى بعض المسيحيين الأرثوذكس، فإنهم سوف يغيّرون التوازن الديمغرافي في صالح سنّة لبنان إذا ما تمّ توطينهم هناك، الأمر الذي لا يرضي الشيعة ولا الموارنة [الذين يشكّلون الطائفة المسيحية الأكبر]. ولأنَّ معظم اللاجئين الفلسطينيين يعيشون تحت خط الفقر ويعتمدون أساساً على معونة الأمم المتحدة، فلا بد أنهم سيغدون عبئاً على لبنان العليل أصلاً.

و بما إنَّ إمكانية إعادة اللاجئين الفلسطينيين إلى وطنهم تتضاءل اليوم مع التوسّع الجاري في بناء المستوطنات اليهودية في الأراضي المحتلة وغياب دعم الغرب، خاصة الولايات المتحدة، في مجال العودة, و انسداد الأفق السياسي و التفاوضي فيما يتعلّق بالقضايا الأساسية العالقة لتحقيق السلام و منها القدس و اللاجئين,  راح الواقع القاسي المتمثّل بعدم العودة إلى الوطن نهائياً يغزو عقول كثير من اللاجئين الفلسطينيين في العالم العربي، على الرغم من أنه لا يزال حلماً غالباً لدى معظمهم.

وهكذا، صارت إمكانية التعامل مع مسألة توطين اللاجئين الفلسطينيين أمراً واقعياً على نحو متزايد بالنسبة للبنانيين. غير أنَّ الرغبة المعلنة التي عبّرت عنها إدارة بوش في خلق الأجواء المناسبة لقيام دولة فلسطينية مستقلّة إلى جوار إسرائيل تجعل من الضروري حل مشكلة اللاجئين. ولذلك فقد توقّع كثير من المحللين والمراقبين أن تمارس واشنطن ضغطاً على الدول العربية، بما فيها لبنان، لكي تساعد في حل هذه المشكلة. و في هذا الاطار يتم تسريب عدّة مقترحات عن التوطين في مراحل متعددة دائماً من بينها مشروع يقتضي اجراء توطين في لبنان يقتصر على 150 ألف لاجئ فقط على أن تمنح للاعداد الباقية هوية السفر إلى اية دولة اوروبية أو اميركية يختارونها من بينها الدنمارك و السويد و كندا , مقابل المساعدة على سداد ديون الدولة اللبنانية أو تجنيس بعض المهاجرين في الخارج من أصول لبنانية و هم في غالبيتم من المسيحيين و بذلك يعود التوازن من جديد.

و نتيجة لذلك, تسود العلاقة بين اللاجئين الفلسطينيين والسلطات اللبنانية مشاعر مشتركة من الخوف والشكوك. فالسلطات اللبنانية ومنذ وصول اللاجئين الفلسطينيين إلى لبنان عام 1948م تشعر دائماً بالقلق من احتمال توطينهم في لبنان. خاصّة في ظل رفض اسرائيل الكامل و المطلق لأي عودة, و في ظل ووجود أكثر من مشروع وسيناريو لدى الجهات الدولية لتمرير التوطين، أهمها مشروع النائبة الأمريكية إليانا روس ليتنن الذي أقرّه الكونغرس في 28/10/2003م، وإعلان المدير العام لوزارة الخارجية الإسرائيلية رون بروسور في 14/12/2004م عن مشروع تعدّه وزارته لتوطين الفلسطينيين في لبنان, و المشروع الذي ذكرناه اعلاه.

و بناء على ما تمّ ذكره, وبما انّ التوطين مرفوض من الجميع و أوّلهم الفلسطينيين, فانّهم يتخوّفون من أن يتم تهجيرهم عبر افتعال حوداث أمنية كبيرة كذريعة لاخراجهم أو عبر اتّفاق خاصّة انّ بعض اللبنانيين [ان صح التخصيص] يرون أن أفضل حلّ لهذه المشكلة يتمثّل في نقل هؤلاء اللاجئين إلى أيّ مكان خارج لبنان. ويريد معظم المسيحيين اللبنانيين، خاصةً الموارنة، أن يحدث ذلك الآن، في حين يرى كثير من المسلمين، خاصةً الشيعة المؤيدين لسوريا، أنَّ ذلك ينبغي أن يكون مرتبطاً بالاستقرار الشامل في منطقة الشرق الأوسط.

 

و بين هذا السيناريو و ذاك يبقى اللاجئين الفلسطينيين في لبنان في وضعهم البائس و المزري بانتظار التطورات دون أن يكون هناك نهاية واضحة لمعاناتهم اقّله على الصعيد الانساني

 

.