فلسطين التاريخ / تقارير
تقسيم فلسطين والفوضى الخلاقة .
تقسيم فلسطين والفوضى الخلاقة
لا يختلف أحد من أن استمرار قيام دولة العدوان اليهودي على أرض فلسطين وتماسك شتاتهم على ثراها المبارك وضمان بقائهم لا يتحقق إلا بتمزيق المحيط العربي والإسلامي إلى دويلات مجزأة وإحداث تغيرات ضرورية في المنطقة ، تحقق الأمن للكيان اليهودي ، وتعيد رسم خريطة المنطقة من جديد ، لتتحقق الأهداف بأسرع الطرق ، وذلك لا يتم إلا بتقسيم المنطقة على أساس طوائف وأجناس وأصول قومية ومذاهب وأحزاب ، وإعادة صياغة المنطقة باعتبارها فسيفساء من أقليات إثنية ودينية وحزبية .
ولا شك أن الواقع الذي نعيشه يشكل فرصة مناسبة لإعادة تشكيل وصياغة الجغرافيا السياسية في المنطقة ، عبر أوضاع سيُعاد ترتيبها، وتحالفات سيعاد إحياؤها، وأخرى سيتم إقصاؤها، والنتيجة الحتمية : حدود إثنية وطائفية جديدة !!
لذا يرى روبرت بير عميل (C.I.A) السابق ، في مقابلته الأخيرة مع مجلة الوطن العربي في عدد 27-6-2007 ، أن ما حدث في غزة من سيطرة حماس عليها يحقق الآتي : " نظرية الدومينو ... أي أن ما حدث في غزة الخطوة الأولى في تقسيم الفلسطينيين ، ثم المرحلة الثانية تقسيم لبنان خاصة أن مرحلة تقسيم العراق كانت تمهيدية لهذه التقسيمات و لعل الخطوات الأخرى التحرك نحو دول عربية أخرى لتقسيمها ، حيث بدأ سيناريو تقسيم كل بلد في المنطقة ، وما حدث في غزة الخطوة الأولى لتفتيت الفلسطينيين ، وشراره الانطلاقة هي سيطرة حماس على غزة . وأضاف : "سنرى أن الإسلام السني ينقسم ويخسر سيطرته على كل شيء وستتحول غزة إلى صومال آخر" . ويختم قوله : "ستدعم إسرائيل بعض لوردات الحرب في غزة وتتحول غزة من "حماس لاند " إلى "كريزي لاند" إي أرض الجنون !!
سيناريوهات علنية
ومن السيناريوهات المطروحة بقوة الآن هي : ترك غزة لحماس مؤقتا تفعل فيها ما تشاء مع ممارسة ضغوط داخلية وخارجية عليها وحصارها سياسيا واقتصاديا ، الأمر الذي يؤكد في النهاية إلى فشل تجربتها لتكون عبرة للتجارب الإسلامية ورسالة إلى الشعوب بأن ذلك هو مصير الذي ينتظر التجارب المماثلة.
أما على الجانب الآخر فإن السلطة الفلسطينية ستجد نفسها أكثر تحررا في التعامل ملف المفاوضات والداخل بعد تحررها من حماس ، من خلال الدعم الذي ستتلقاه من الخارج ورفع الحصار عنها لتقوم بتسوية جديدة لصالح الكيان اليهودي تفرض الشعب الفلسطيني الذي عاني كثيرا ، فضلا عن رفع المستوى المعيشي لأبناء الضفة الذين ستنهال عليهم الأموال العربية والغربية ، ليكونوا نقيض أهل غزه تحت الحكم الإسلامي ، وليكون ذلك هو النموذج المرجو لشعوب المنطقة .
وتؤكد الأحداث الجارية وتطوراتها أن هذا السيناريو تدعمه عدة أطراف إقليمية ودولية من بينها الولايات المتحدة والكيان اليهودي والإتحاد الأوروبي وروسيا كذلك . وليتحقق هذا الأمر لابد من أن تصبح المفاوضات بين الأشقاء الفلسطينيين أكثر تعقيداً وصعوبة من المفاوضات بين الفلسطينيين والكيان اليهودي ، وهذا ما حصل فعلا ..
لماذا تتداعى الأمم علينا !!
جاء في الحديث الصحيح الذي رواه الأمام أحمد في مسنده وأبو داود في سننه وصححه الألباني وأبو نعيم في حليته من حديث ثوبان رضي الله عنه انه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "يوشك أن تتداعى عليكم الأمم كما تتداعى الأكلة على قصعتها، قالوا: أومن قلة يا رسول الله؟ قال - صلى الله عليه وسلم-: بل انتم كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله المهابة من قلوب أعدائكم منكم، وليقذفن الله في قلوبكم الوهن، قالوا: وما الوهن يا رسول الله؟ قال -صلى الله عليه وسلم- : حب الدنيا وكراهية الموت" .
قال الشيخ الألباني رحمه الله : إن الحديث صحيح بلا ريب ، وهو يخبر عن أمر غيبي بإطلاع الله تبارك وتعالى له عليه ، وهو من أعلام نبوته - صلى الله عليه وسلم- وصدق رسالته ، فالحديث يشير إلى أن الخلاص مما نحن فيه يكون بنبذ هذا العامل ، والأخذ بأسباب النجاح والفلاح في الدنيا والآخرة ، حتى يعودوا كما كان أسلافهم " يحبون الموت كما يحب أعداؤهم الحياة " . وما أشار إليه هذا الحديث قد صرح به حديث آخر فقال -صلى الله عليه وسلم- : " إذا تبايعتم بالعينة ، وأخذتم أذناب البقر ، ورضيتم بالزرع ، وتركتم الجهاد ، سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم " .
فهذه الأمم قد تداعت على أمة الإسلام والمسلمين على الرغم من اختلاف مشاربهم وعقائدهم ولكن القاسم المشترك لهم هو عداوة الدين الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم.
فقضية التقسيمات الجديدة وتمزيق أوطاننا داخليا ، وتداعي القاصي والداني على هذه الأمة المستهدفة من أعدائها كتداعي الأكلة على قصعتها ، هي كما يتهاوى الجوعى ويدعو بعضهم بعضا على قصعتهم ، وفي ذلك كناية على النهمة الشديدة والطمع الشديد لأعداء المسلمين في خيرات المسلمين ، الذين يتنافسون ويتصارعون فيما بينهم، أيهم تكون له حصة الأسد؟!
وسؤال الصحابة رضوان الله عليهم "أومن قلة يا رسول الله ؟ مبني على فهم العرب قبل الإسلام لمقاييس القوة والضعف وان القبيلة لا يطمع فيها غاز إلا لأنها قليلة العدد فتبادر إلى أذهان الصحابة رضي الله عنهم هذا المعنى بمجرد أن سمعوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الأمم سوف تجتمع عليكم وتنهب خيراتكم، ولكن النبي (صلى الله عليه وسلم) أجابهم بقوله : بل انتم كثير فالهزيمة والنصر في الإسلام ليس مقياسه القلة والكثرة كما تفهم العرب وإنما له أسباب أخرى ، "ولكنكم غثاء كغثاء السيل" والغثاء ما يحمله السيل من الأشواك والعيدان والقش وغيره مما لا فائدة منه ولا نفع فيه وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث أن هذه الأمة قارب تعدادها المليار والنصف ولم يغن عنها شيئا، انقسمت على نفسها فتنازعت ففشلت وذهب ريحها كما قال الله تعالى :"ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم" .
طريق الخلاص
قال تعالى " إن الذين قالوا ربّنا الله ثمّ استقاموا فلا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون" فأخبر سبحانه عن وعده وجزائه العظيم للذّين آمنوا واستقاموا على الإيمان ، ورضوا بالله ربّاً فآمنوا به حقّ الإيمان ، إيمان في قلوبهم نطقت بذلك ألسنتهم وعملت بمقتضى ذلك جوارحهم . فهذا طريق عزنا فإذا أردنا لهيبتنا أن تعود في قلوب أعدائنا منا فلا بد من العودة إلى الكتاب والسنة والشرع الحنيف فان عزتنا وهيبتنا مرهونتان بهذا الدين العظيم الذي جاء به الرحمة المهداة صلى الله عليه وسلم من عند رب العالمين .
.