فلسطين التاريخ / تهويد وتزوير وإجرام

وعد بلفور.. وعدُ مَن لا يملِك لمَن لا يستحق

وعد بلفور.. وعدُ مَن لا يملِك لمَن لا يستحق

أ.عبد اللطيف صابر ظاهر

 

      ظهرت مشكلة القضية الفلسطينية، حينما اتحدت مطامع الاستعمار البريطاني مع آمال اليهود فأسرعت بريطانيا باحتلال فلسطين في عام 1917 وحتى عام 1948؛ لتمكين اليهود من تأسيس دولتهم على أرض شعب تم طرده إلى الشتات ومخيمات اللجوء؛ فأصبح هناك آلاف اللاجئين في شتى أنحاء العالم، حيث تحمل قضية فلسطين خصائص تجعلها قضية متميزة وفق الاعتبارات القانونية والتاريخية والإنسانية والحضارية.     

     أما عن الأساس الذي يتخذه الاحتلال الصهيوني ذريعة لتبرير وجوده على هذه الأرض هو وعد بلفور، حيث شكَّل هذا التصريح -الصادر عن وزير خارجية بريطانيا في 2/11/1917 باسم ملك بريطانيا-الأساس والبداية في إعلان الدولة اليهودية على أراضي الدولة الفلسطينية المحتلة في 15/5/1948.

        إن وعد بلفور لا يعتبر التزاماً دولياً لعدم مشروعيته، وذلك لصدوره عن غير مختص ولمخالفته قواعد القانون الدولي التي تقر حق الدول في تقرير مصيرها، ولمخالفته لعهد عصبة الأمم؛ فالالتزام الدولي ينتُج عن اتفاق يكون أحد أطرافه أشخاص القانون الدولي العام، الأمر الذي لا ينطبق على اللورد روتشيلد فهو فرد، واليهود أصلاً لم يكن لهم كيان سياسي أو دولة تكون طرفاً في اتفاقيات دولية، إنما كانوا أقلية دينية مشتتة لا تجمعهم أي رابطة سياسية، وبناء على ذلك لا ينطبق وصف الالتزام الدولي على تصريح وعد بلفور، ونجد أن تصريح وعد بلفور فيه مخالفة أيضاً لعهد عصبة الأمم حيث نص العهد على التزام الدول الأعضاء باحترام السلامة الإقليمية والاستقلال السياسي للدول أعضاء العصبة، وقد شكل تصريح وعد بلفور تهديداً للسلامة الإقليمية على الأراضي الفلسطينية، وكذلك للاستقلال السياسي للشعب الفلسطيني، وأوضح العهد إلزامية تدخل عصبة الأمم باعتبار أن كل حالة حرب أو حالة تهديد بالحرب سواء تعلقت بدولة عضو أو غير عضو تهم العصبة بأجمعها، وعليها واجب اتخاذ ما يلزم لِصَوْن سِلْمِ العالم، كما يتعارض وعد بلفور مع حق الدول في البقاء والوجود والذي يعد أهم الحقوق، وكذلك الاستمرارية في الوجود والبقاء، وما يتفرَّع عن ذلك من حق الدفاع الشرعي ومنع التوسع العدواني.

ونؤكد على أن وعد بلفور لم يكن الأساس الوحيد غير الشرعي الذي استندت إليه "إسرائيل" لتبرير وجودها على هذه الأرض، إنما يعد قرار التقسيم 181  والذي صدر في 29/ نوفمبر/ 1947، تطويراً لسلسلة المشاريع البريطانية المستندة إلى فكرة استحالة التعايش بين العرب واليهود، حيث تهدف إلى تأمين قيام الدولة اليهودية بعد أن كان وعد بلفور قد أعطى اليهود حق إقامة وطن قومي لليهود، وبالتالي فإن التقسيم وفَّر المسوغ القانوني الدولي لقيام الدولة اليهودية، حيث أوجد هذا القرار الأساس لعمليات التهجير والتطهير العرقي، فاتحاً الطريق واسعاً أمام خلق مشكلة كبيرة وخطيرة ما زال الشعب الفلسطيني يعاني من ويلاتها إلى الآن.

وبالرغم من اعتماد "إسرائيل" بعد وعد بلفور على قرار التقسيم كأساس قانوني لتبرير وجودها على هذه الأرض محاولةً منها أن يكون القرار صادر من منظمة دولية وتحصل على إجماع دولي لإقامة كيانها، فإن قرار الأمم المتحدة بتقسيم فلسطين رقم 181 في جوهره قرار غير قانوني؛ لأنه صدر مخالفاً لأحد أهم أهداف المنظمة الدولية وهو حق الشعوب في تقرير مصيرها، ثم إن شعب فلسطين المعني أساساً بالأمر لم تتم استشارته ولا استفتاؤه،  فليس في ميثاق الأمم المتحدة أو أي هيئة رئيسة فيه سلطة تقسيم إقليم محدد دولياً خلافاً لرغبة سكانه. كما أن فلسطين تعد من الدول الواقعة تحت الانتداب والتي حققت درجة من التقدم يمكنها من الاعتراف بكيانها، فكان من الأجدر للدول المنتدبة خاصة إذا تخلت عن انتدابها، كما فعلت بريطانيا أن تحال مسؤولية الإشراف إلى الأمم المتحدة كونها خليفة لعصبة الأمم، وذلك تطبيقاً للقاعدة القانونية التي تقضي بأن انسحاب الوكيل يعيد كافة الحقوق والالتزامات إلى الأصيل.

وأخيراً فإن هدف الأمم المتحدة الرئيس حفظ السلام والأمن الدوليين وإن إصدار القرار (181) الذي أعطى لإسرائيل السند القانوني لقيام دولتها يتناقض مع أهداف الأمم المتحدة؛ إذ إن هذا القرار قد أسفر عن نشوب حرب كبيرة وأزمات في المناطق العربية، وأسفر عن تشريد شعب بأكمله.

.