دراسات وتوثيقات / مخطوطات ومكتبات

مكتبات فلسطينية عبثت بها الأيادي الصهيونية.

يقول أحد الحكماء "البيت الذي لا يوجد فيه مكتبة هو كالأرض المعطلة والقصر الخرب" وعليه فلا يزال أرباب الثقافة والعلوم في كل مكان وزمان يعمرون بيوتهم بمكتبات خاصة وعامة باذلين كل غال ونفيس في إنشاءها وتعميرها ويدفعون المهج والأرواح في سبيل الدفاع عنها وحمايتها من السرقة والنهب والخراب.

 

ولقد ضرب رجالات الثقافة والعلوم في فلسطين بسهم وافر في إنشاء مثل هذه المكتبات، ولكن القدر المحتوم -  الذي لا مردّ له – يقدّر لبعضها عدم البقاء لتصبح ضحية جديدة من ضحايا الاغتيالات الصهيونية المتتالية على الميراث الفلسطيني، إذ لا تزال الحملات الصهيونية منذ مطلع القرن المنصرم تصب غضبها على مكتبات فلسطين وخزائن مخطوطاتها محاولة القضاء عليه بشتى الصور لعلمها بأهمية هذه المكتبات في حياة الشعوب ونهضتها..

 

وها أنذا أسرد إليك أخي القارئ صوراً أليمة تحكى نهاية مكتبات فلسطينية كانت منارات علم ونور ومنهلاً يستفيد منه الناس ويكرعون، ثم سرعان ما أضحت خراباً يباباً على يد هؤلاء الأوغاد، قبحهم الله.

 

ولعل بإيراد مثل هذه المكتبات تولد يقظة شبابية وهمة عالية تستفز همم القراء ليحذوا حذو أسلافهم ورجال بلدانهم وقراهم، فيعقدوا النية ويشدوا أزرهم لتشييد هذا المجد وإعادة هذه المكتبات – أعنى مكتبات آبائهم وأجدادهم - على تراب فلسطين متحدية هذا الغزو الصهيوني لتشرق على فلسطين شمس جديدة تجدد حياة الناس وتبعث فيهم روح الأمل من جديد. فتكون بداية مرحلة تدافع فيه فلسطين بسلاح العلم بالاشتراك مع سلاح البندقية والمدفع حتى يندحر آخر يهودي على أرضنا الحبيبة ولعله يكون  قريباً.

 

 

" الحلقة الأولى "

 

مكتبة الشيخ أسعد الشقيري (ت1359هـ- 1940م) رحمه الله ، الذي أصبح سنة (1905م) أميناً من أمناء مكتبة السلطان عبد الحميد في تركيا.

 

يقول الأستاذ الأديب عجاج نويهض رحمه الله " لما شرع مصطفى كمال أتاتورك يطبّق الحروف اللاتينية محل العربية أرسل إلى الشيخ أسعد الشقيري – كما أذكر - عدة صناديق مملوءة من نفائس الكتب العربية النادرة على سبيل الذكرى " ( رجال من فلسطين صـ158 ).

 

وعن مصير هذه المكتبة يقول الأستاذ محمد عمر حمادة " وفي السنة 1936 أملى – أي أسعد الشقيري – مذكراته على شقيقه المرحوم قاسم الشقيري ، وبعد وفاة الشيخ أسعد استلمها ابنه "أحمد" ليعيد النظر فيها، وحينما دخل الصهاينة إلى المدينة عكا، نهبوا مكتبة الشقيري بما فيها من مذكرات أسعد الشقيري"  ( أعلام فلسطين 1/ 278 ).

 

 

 

مكتبة الحاج راغب نعمان الخالدي ( 1371هـ- 1951م ) رحمه الله – مؤسس المكتبة الخالدية –.

 

يقول الأستاذ الفاضل وليد أحمد سامح الخالدي حفظه الله:

 

أما مكتبة الحاج راغب في منزله بضاحية تل الريش من أعمال يافا حيث كان يقيم بعد تقاعده، فقد استولت عليها القوات اليهودية عندما احتلت المنزل في أيار/ مايو 1948م وضاعت معظم الكتب التى كان يملكها سائر أفراد الأسرة المقيمون بالقدس عندما احتلت القوات الصهيونية  في نيسان / إبريل ، وأيار / مايو 1948م منازلهم في أحياء القدس العربية الغربية حيث كانوا يقطنون وهو وما حدث أيضاً خلال عام 1948م لكتب الآلاف من العرب بالقدس  وخارجها من أهل فلسطين "  ( المكتبة الخالدية في القدس صـ32 )

 

 

مكتبة الأستاذ درويش مصطفى الدباغ (اليافي) ( ت 1371هـ- 1951م ) رحمه الله

 

يقول الأستاذ محمد عمر حمادة في ترجمته:

 

"عرف درويش الدباغ بعنايته بالتراث فاقتنى معظم المؤلفات المطبوعة منه حتى إن مكتبته ضمت حوالي ثلاثين ألف مجلد عدا مؤلفاته ومؤلفات شقيقه الشاعر إبراهيم الدباغ ووقعت هذه المكتبة بيد الصهاينة عام 1948م " ثم قال " ألف الدباغ عدة مؤلفات بقيت في فلسطين فوقعت بيد المغتصبين الصهاينة " ( أعلام فلسطين 3 / 71).

 

 

مكتبة الأستاذ الشاعر إبراهيم مصطفى الدباغ اليافي ( 1366هـ- 1946م ) – شقيق درويش المذكور سابقا .

 

قال الأستاذ محمد عمر حمادة في ترجمته نقلاً عن " مصطفى الدباغ " : عندما انتقل الشاعر إبراهيم مصطفى الدباغ إلى رحمه الله تعالى سنة 1946م نقلت مكتبته من مصر إلى يافا ومن ضمنها عدة دواوين شعرية وبعض كتبه الأدبية والتاريخية التي لم تطبع ، ولم أتمكن عندما حصلت النكبة من نقلها، فوا أسفاً على تلك الروائع، فقد عبثت بها أيدي شذاذ الآفاق والتى لو أتيح لها الجمع بعد تنخيلها لانتظمت في مئة ديوان وكتاب " (أعلام فلسطين 1/71 ).

 

 

 

مكتبة الأديب الكبير عجّاج نويهض رحمه الله ( ت1402هـ- 1982م )

 

قال الأستاذ الأديب الأريب وديع فلسطين:

 

" ولأن عجاج نويهض عاش في القدس نحو ثلاثين عاماً ولم يغادرها إلا بعد النكبة، فقد حول بيته إلى ما يشبه دار الكتب الوطنية، إذ تضخمت مقتنياته من الكتب، وتعاظمت مجموعاته من الصحف والمجلات عدا المراسلات التى كان ينضدها في أضابير هو بها ضنين ... ولكن هذا كله "ذهب إلى اليهود" بعبارته التي كان يكررها دائماً، وهو جدّ حزين على ضياع كل هذا التراث الذي جمع فرائده .. "

 

ثم قال " وقد أوصى عجاج نويهض بأن تؤول مكتبته إلى الثورة الفلسطينية " لتكون بمثابة زكاة عما فاتني من جهاد بالنفس والروح بغير القلم والصحافة والتأليف " ووجه رسالة إلى الرئيس ياسر عرفات يوصيه بالعمل بعد إنقاذ المسجد الأقصى المبارك والقدس بمحاولة استنقاذ مكتبته الخاصة ومكتبات ( خليل بيدس 1874-1949 ) وعادل جبر ( 1885- 1953) وخليل السكاكيني (1878 – 1953) التي نقلت إلى الجامعة العبرية لتتألف من مجموعها مكتبة خاصة لفلسطين المحررة " . (وديع فلسطين يتحدث عن أعلام عصره 2/46- 47) .

 

مكتبات العلامة الأديب إسحاق موسى الحسيني ( ت 1411هـ - 1990م ) رحمه الله:

قال الأستاذ محمد عمر حمادة: " وبعد نكبة فلسطين 1948م نزح عن وطنه فلسطين إلى مدينة حلب في سوريا مخلفاً في بيته بالقدس مكتبة غنية بأمهات المراجع الأدبية والتراثية "    (أعلام فلسطين 259/260)

 

وقال الأستاذ فؤاد عبيد: "كانت مكتبة الأستاذ د. الحسيني في القدس تضم زهاء أربعة الآلاف كتاب من بينها الكتب التى عرضت في معرض الكتاب الفلسطيني الذي نظم في القدس سنة 1946م، إلا إن هذه المكتبة قد احترقت أثناء حرب 1948م "

 

 ( مخطوطات فلسطينية واقع وطموح صـ61 )

 

 مكتبة أديب فلسطين الكبير محمد النشاشيبي ( ت1367هـ - 1947م ) رحمه الله:

 

 

 

وصفها الأستاذ أنور الجندي " ولقد كان قصر النشاشيبي في القدس ملاذاً للأدباء ومجمعاً للأدب وبه مكتبة من أنفس الكتب وأبرزها".

 

وقال عنها الأستاذ خليل السكاكيني في مذكراته ( أنا كذا يا دنيا ): "وكان واسع الاطلاع ومكتبته لا تشبهها مكتبة "

 

 وعن مصيرها يوجد قولان:

الأول: قول الأستاذ عجاج نويهض في كتابه ( رجال من فلسطين ) صـ 17 (وفي شهر أيار - أي بعد وفاته -1948م ) نهب بيته ومكتبته وبيعت كتبه الثمينة بالأرطال بيع غنائم باردة) أ.هـ.

 

الثاني: قول يعقوب العودات الشهير بالبدوي الملثم: " ولكن هذه المكتبة القيمة أطبق عليها من لا خلاق لهم في نكبة سنة 1948م عندما اجتاح بعض المرتزقة أحياء القدس العربية زعماً منهم أنها " أحياء يهودية " فنهبوا مكتبة اسعاف وحملوها إلى المدينة الزرقاء بالأردن وباعوها على مشهد مني بالرطل لأصحاب الأفران فذهبت طعمة للنيران).

 

( من أعلام الفكر والأدب في فلسطين صـ627 )

 

 

مكتبة الأستاذ الأديب خليل بيدس المقدسي ( ت 1369هـ - 1949م ):

 

قال الأستاذ يعقوب العودات الشهير بالبدوي الملثم: "وفي بيت المقدس أسس خليل مكتبة فريدة حوت مخططات قديمة العهد وكتباً ثمينة ، لكنه أرغم على تركها في منزله بالقدس لتأخذها العصابات الصهيونية غنيمة باردة عندما اغتصبت فلسطين العربية في أيار 1948م ).

 

 ( من أعلام الفكر والأدب في فلسطين صـ 68 )

 

المكتبة الخليلية في القدس ( لمؤسسها الشيخ محمد بن محمد الخليلي مفتي الشافعية في القدس رحمه الله المتوفى سنة 1147هـ ):

 

والتي وصفها العلامة المؤرخ حسن بن عبد اللطيف الحسيني رحمه الله بقوله: "وجمع مولانا خزانة كتب علم فريدة من الكتب الصحيحة المجيدة أوقفها وسبلها وهي الآن نفع لكل طالب وصدقة جارية كافية للراغب " أ.هـ .

 

وقال عنها مؤرخ القدس عبد الله مخلص رحمه الله " أما مكتبة آل الخليلي ففيها الكتب الخطية النادرة "

 

وقال الأستاذ خضر إبراهيم سلامة وفقه الله : "وكانت تحتوى على سبعة الآلاف كتاب كما ورد في وقفيته منها حوالي 450 مخطوط وبعد وفاته انتقلت إلى العائلة وبعد حرب 1967م وجدت أبوابها محطمة وبجرد مقتنيتها تبين أن جيش الاحتلال الإسرائيلي نهب الكثير من مخطوطتها .."  ثم قال ويبلغ عدد ما تبقى من مخطوطات هذه المكتبة ( 360) مخطوطاً عربياً "

 

 ( نفائس المخطوطات العربية في فلسطين ) صـ113 .

 

وراجع تفصيلاً أكثر في ( وثيقة مقدسية تاريخية ) تحقيق اسحق موسى الحسيني.

 

 

مكتبة العلامة المؤرخ عبد الله مخلص  المقدسي رحمه الله:

 

وصفها طرازي بقوله: "وهى تحوى حوالي ثلاثة الآلاف مجلد بينها مائة وعشرة مخطوطات".

 

 

مكتبة آل النحوي في صفد:

يقول عدنان على رضا النحوي في رسالة خاصة لي: "كانت المكتبة تضم عدد كبير من الكتب في مختلف الموضوعات والعلوم ومن بينها: الفقه وعلومه وعلوم الإسلام المختلفة وكتب في السيرة النبوية واللغة العربية وعلومها والتاريخ بعامة والتاريخ الإسلامي، وكتب التراث في الأدب وغيره وبعض المخطوطات ودواوين شعرية قديمة "، ثم قال: "وروى لي أخي الكبير فوزي على رضا محمد النحوي رحمه الله أنه سمع من إذاعة اليهود أنهم نقلوا مكتبة آل النحوي إلى الجامعة العبرية في القدس ويبدو أنها أخفيت بعد ذلك".

 

وأود قبل أن أنهى هذه الحلقة أن أشير إلى صورة جديدة من العبث الصهيوني لم تمتد أيدي التخريب والدمار إليها لمكتبات الفلسطينية داخل فلسطين فحسب بل امتدت أيديهم إلى مكتبات كبار قادة فلسطين في الخارج فعلى سبيل المثال فقط:

 

 

مكتبة الأستاذ الكبير أكرم زعيتر:

يقول الأستاذ محمد عمر حمادة وفقه الله: ( والأستاذ أكرم ما زال يعيش في الدنيا يمد المكتبة العربية بكنوزه المتألقة في مجال القضية الفلسطينية وقد ألمت به أخيراً مصيبة فادحة ذلك أن مكتبته الثمينة التي تشتمل على آلاف الكتب ومئات المخطوطات قد أحرقتها يد الغدر والجهل إبان الاجتياح الصهيوني لمدينة بيروت سنة 1982م .

 

 

.