فلسطين التاريخ / الواقع والمأمول
فدائيات الحصار وخنساوات غزة.
صورة جديدة من الإرهاب الصهيوني
فدائيات الحصار وخنساوات غزة
ومجزرة بيت حانون
بقلم / محمد خالد كلاب – غزة
وامعتصماه .. وا إسلاماه .. وا حكاماه .. واعرباه .. هكذا كانت أنات وآهات الثكالى وزفرات الأرامل وصيحات الأيامي في بيت حانون وما جاورها.
قتل وتدمير.. وتخويف وتشريد.. ليالٍ مخيفة ومرعبة عاشها أهالي مدينة الصمود والتحدي ومدينة القادة والمجاهدين .. مدينة بيت حانون ، لقد اختلطت دماء المجاهدين والمجاهدات مع مياه الأمطار لتروي أرض فلسطين الحبيبة رواءً يبث روح الهمم في شبابها ، اختلطت لتسقي الأرض سقاءاً تنبت فيه قنبلة بشرية جديدة تشتاق للشهادة اشتياق الأرض لماء المطر.
لقد جاءت مجزرة بيت حانون في مرحلة حرجة جداً ، والأرض الفلسطينية تشهد توتراً سياسياً عظيماً بين الفصائل بعامة وبين الحكومة المنتخبة والرئاسة الفلسطينية بخاصة ، وتواترت الأنباء والتصريحات من المتخصصين في الساحة الفلسطينية عن توصل جيد للمصالحة الوطنية والخروج من الأزمة الموجودة والمتمثلة بالحصار الاقتصادي والعسكري والسياسي وتشكيل حكومة وطنية كل حسب نسبته في المجلس التشريعي والتي وقعت على هذه الحكومة جميع الفصائل الوطنية بلا استثناء .
ولكن لما كانت هذه النتيجة ليست هي التي يريدها العدو الأمريكي والصهيوني قاموا بهذه الحرب الإجرامية التي ليست حماس وحدها هي المستهدفة فحسب بل بداية استهداف جديد لكل حكومة إسلامية جديدة في الشرق الأوسط .
لقد حاول اليهود استغلال كل الفرص لإثارة حرب أهلية بين الفصائل في فلسطين وكاد يشتعل فتيل الفتنة بينهم إلا أن إرادة الله الكونية التي شاءت لإخماد هذه النار الموقدة التي إذا اشتعلت حصل ما لا يُحمد عقباه.
لقد جاءت مجزرة بيت حانون .. لتبين للعالم كله بلسان الحال لا المقال كذب الدعاة من الفلسطينيين ومن حذا حذوهم في العالم العربي والإسلامي لمطالبة الحكومة الجديدة للاعتراف بدولة صهيونية على أرض فلسطين والذي يدل على ذل وخزي وصغار قد وصل بهؤلاء الدعاة المتأمركين والمتصهينين.
لقد خرج نساء بيت حانون وبيت لاهيا وجباليا اللاتي ناف عددهم أكثر من 3000 امرأة ليحيين مجد الخنساء حتى استحى الرجال على أنفسهم من فعلهن.
نعم لقد خرج خنساوات فلسطين تاركات بيوتهن وأزواجهن وأولادهن وأموالهن وحليهن وتوجهن لأبنائهم المجاهدين في بيت حانون والذين حوصروا في مسجد أم النصر وهن يقدمْن على الموت محتسبات ذلك شهادة في سبيل الله ومن أجل تحرير الأرض الفلسطينية .
لا تزال المجزرة قائمة وبلغ عدد الشهداء- نحسبهم كذلك والله حسيبهم- أكثر من 56 شهيداً والإصابات ما بين خطيرة ومتوسطة وطفيفة في صفوف الرجال والنساء اللاتي قاتلن مع المجاهدين في خندق واحد أكثر من 250 إصابة.
ولكن مما يفتت الفؤاد ألما ويبكي العين دماً ما نراه من صمت عالمي وعربي تجاه هذه المجزرة الإرهابية
صمت مذهل أمام ما يرونه عبر الإذاعات المرئية والمسموعة والمقروءة من استغاثات النساء والأطفال ونداءات المجاهدين الأبطال.
إنه والله لعارٌ شديد أن يكون هؤلاء الخنساوات الفدائيات اللاتي حولن أنفسهن إلى دروع بشرية أول من يستجيب لنداء المجاهدين الذي خرج عبر مكبرات الصوت في المساجد والشوارع ينادي بأعلى صوته : يا خيل الله اركبي.
لقد خرج نساؤنا وقتل منهن من قُتل وأصيب منهن من أصيب وبترت أرجل وأيدي بعض النساء من ومع ذلك خرجن للعالم بثبات ورباطة جأش وقلن جميعاً :
" لن يرهبنا العدوّ.. لن يخيفنا أي تهديد .. لن تفلّ عزائمنا هذه الدبابات والطائرات .. نحن عشاق شهادة .. " بهذه العبارات والشعارات قلنها وهن حول دبابات الاحتلال وفوقهن زخات الرصاص ويصعقهن دوي المدافع والقنابل الحربية.
أين من سمعناه يتشدق بالوطنية من هذه المجزرة ، وأين من سمعناه يشيد بتاريخ حركته النضالية حيال هذه المجزرة، وأين من يرفع عقيرته ليلاً ونهاراً بالعمل على مصلحة الوطن أمام هذه المجزرة .
ثم أين من سهروا الليالي والأيام للتفاوض حول الجندي الصهيوني الأسير جلعاد شاليط وذهبوا في كل مكان واستنفذوا كل ما يملكون من مفاوضات وضغوطات للإفراج عنه وتسليمه سالماً غانماً لإسرائيل أمام هذه المجازر والاعتقالات وشلالات الدماء التي تتدفق منذ عشرات السنين:
خطف جندي صهيوني جريمة لا تغتفر
وقتل شعب كاملٍ مسألة فيها نظر
وختاماً :
سلام الله عليك يا بيت حانون .. سلام الله عليكم يا مجاهديننا في بيت حانون .. سلام الله عليكن يا خنساوت فلسطين ورحمة الله وبركاته ، لقد برهنتم بهذه التضحيات أنكم أهل لحمل مسئولية هذا الشعب المجروح وأظهرتم فشل العساكر الصهيونية ببذلكم المهج والأرواح قبل كل شيء.
الثبات .. الثبات والصبر الصبر أخوتنا في بيت حانون فما هي إلا صبر ساعة وغمامة صيف وستنقشع والليل مهما طال فلا بدّ من طلوع الفجر والقيد مهما كان قوياً فلا بد وأن ينكسر و عذراً إليكم لمن يراكم ولا يحرك ساكنا فلا يعرف مرارة السجن إلا من ذاقه ولا يتألم من الجراحات إلا صاحبها ،
ولكأني بثباتكم وصمودكم نساءً ورجالاً ، شيوخاً وصغاراً تصدون اليهود بأعز ما تملكون لأزف إليكم بشارة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم يوم أحد لأصحابه لما هجم المشركون عليهم برماحهم ونبالهم وسيوفهم فقال لأصحابه : من يصدهم عنا وله الجنة
فهنيئا لكم هذه البشارة ونحن نزفها إليكم ونقول : من يصد اليهود عنا وله الجنة ، من يصد الاحتلال عنا وله الجنة ، من يصد الغاصبين المجرمين عنا وله الجنة.
اللهم ارفع عن بيت حانون الحصار وتقبل قتلاهم مع الشهداء الأبرار وأنزل نصرك الذي وعدت عليهم وثبت أقدامهم واربط على قلوبهم وقوي عزائمهم وارفع درجتهم في عليين وانتقم من اليهود المجرمين وأرنا فيهم عزائم قدرتك يا رب العالمين.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
.