دراسات وتوثيقات / مخطوطات ومكتبات

الحملة الصهيونية على مكتبات القدس.

لا تزال الحملة الصهيونية تصب غضبها على كل إرث إسلامي في القدس الشريف، فتارة تهدم بنيانه وتارة تقوض معالمه وتارة تزيف تاريخيه بأنه إرث لهم وإلى غير ذلك من الاعتداءات المتتالية التى تضرب تراثنا الفلسطينيي في مقتله.

 

    وأختصر الحديث في هذه السطور لأبين صفحة مظلمة من صفحات الاعتداءات اليهودية على تراثنا السليب والتى لا يزال أثرها على تراثنا إلى يومنا هذا، وتعتبر القدس منذ أزمنة عديدة قبلة للوافدين إليها وكانت لقداستها هيبة ومحبة في النفوس جعلت أفئدة الناس تهوى إليها من كل فج عميق وييمم شطرها الناس والملوك رجالاً وركباناً، فرادى وجماعات على شتى دياناتهم ومآربهم كل يرنو إلى زيارة أو سكنى أو مجاورة في هذا البلد المقدس المبارك، واعتبرت مدينة القدس بلا نزاع – مدينة العلم الأولى في فلسطين سواءً بعلمائها أو دور العلم فيها أو مكتباتها المتوافرة فيها.

 

   وأختزل حديثي الآن أكثر لأتكلم عن انموذج تراثي خالد كان له أثر البالغ في الحياة الثقافية في فلسطين إلا هو المكتبات ودور الكتب فها.

 

   فلقد كانت مكتبات وخزائن الكتب في القدس من الوفرة بمكان تجاوزت أكثر من ستين خزانة ما بين عامة وخاصة، حوت في طواها الكتب ونوادر المؤلفات التى عزّ وجود نظير بعضها في بلد آخر.

 

 

 

وأذكر في هذه العجالة بعضها:

 

   مكتبة المسجد الأقصى – المكتبة الخالدية – مكتبة الشيخ محمد صنع الله الخالدي – مكتبة العلامة خليل الخالدي – مكتبة أحمد سامح الخالدي – مكتبة حسن الترجمان – مكتبة البديري – مكتبة أبي السعود (محمد طاهر) – مكتبة اليبرودي – مكتبة عمّان الشرعية (دائرة قاضى القضاة) - مكتبة آل الخطيب – مكتبة الفُتيا – مكتبة آل اللحام – مكتبة حسن عبد اللطيف الحسيني – مكتبة إسحاق موسي الحسيني – مكتبة النشاشيبي – مكتبة خليل بيرس – دار الكتب الفخرية – المكتبة الخليلية – مكتبة آل الموقت – ومكتبة آل قطينة – مكتبة عبد الله مخلص – مكتبة آل جارالله – مكتبة المدرسة الصلاحية - مكتبة الكلية العربية - مكتبة الزاوية النجارية (النقشبندية) – مكتبة المدرسة الأشرفية السلطانية – مكتبة المدرسة الأمينية - مكتبة الزاوية النصرية.... إلى غير ذلك من المكتبات والخزائن التى كانت تحفل بها القدس في ذلك الوقت.

 

   وعندما احتلت القوات الإسرائيلية مدينة القدس عام 1967م كانت مكتبات القدس الخاصة والعامة تضم أكثر من 100ألف كتاب وأكثر من نصف مليون وثيقة ومخطوط وسجل، ومنذ ذلك الاحتلال الغاصب لهذه المدينة وهي تتعرض إلى إجراءات بالغة الخطورة غاية هدفها الرئيس تهويد القدس من جهة والقضاء على هذا الإرث من جهة أخرى .

 

ويلخص لنا الأستاذ إسحاق البديري مجمل مظاهر هذه الانتهاكات في مجال الكتب والمكتبات[1]، وهاك ما رصده:

 

1- مصادرة مكتبة القدس العامة حيث قامت السلطات الإسرائيلية مباشرة بعد الاحتلال بمصادرة هذه المكتبة بكل محتوياتها من الكتب والدوريات ونقلت ملكيتها وإدارتها من بلدية القدس العربية إلى ما يسمى بلدية القدس الموحدة، كما قامت في الوقت نفسه بمصادرة عدد من الكتب والدوريات الموجودة في المكتبة واعتبرتها ممنوعة ونقلتها إلى مكان مجهول، كما حددت نوعية الكتب والدوريات المسموح بإدخالها إلى هذه المكتبة.

 

2- حظرت سلطات الاحتلال استيراد العديد من الكتب وتوزيعها ومنعت تداولها في أسواق ومكتبات القدس، ولم يقتصر الحظر على الكتب السياسية والكتب الخاصة بفلسطين والقضية الفلسطينية، بل امتد ليشمل بعض كتب التاريخ والتراجم والأدب وخاصة الشعر.

 

3- فرضت سلطات الاحتلال رقابة صارمة على طباعة الكتب العربية ونشرها في القدس حيث أصدرت أوامر عسكرية بضرورة مرور أي مطبوع على دائرة الرقيب العسكري الإسرائيلي للاطلاع واتخاذ قرار بشأن السماح بالنشر وقد أدى ذلك إلى انخفاض كبير وملموس في حركة التأليف والنشر في مدينة القدس التى تراجعت إلى الوراء.

 

4- منع المكتبات في القدس الشرقية (العربية) من اقتناء كل ما تقتنيه المكتبات في القدس الغربية وتداوله، على سبيل المثال: كانت الكتب الصادرة عن مؤسسة الدراسات الفلسطينية ومركز الأبحاث الفلسطيني موجودة في مكتبات الجامعات والمعاهد الإسرائيلية ولكنها منعت في مكتبات القدس العربية.

 

5- قامت سلطات الإحتلال الإسرائيلي بإغلاق العديد من المؤسسات الثقافية في القدس العربية فقد قامت بإغلاق جمعية الدراسات العربية لمدة (4) سنوات ومصادرة العديد من الكتب والوثائق مما أدى إلى إلحاق أضرار بالغة في مكتبة الجمعية وأرشيفها، كما تم إغلاق إتحاد الكتاب وغيره من المؤسسات الثقافية .

 

6-  فرض الرقابة الصارمة على الصحف والدوريات الصادرة في القدس بدعوى الحفاظ على أمن الدولة حيث ألزمت سلطات الاحتلال جميع الصحف و المجلات بضرورة إرسال كافة موادها إلى الرقيب العسكري وقد عانت صحف القدس من هذه الإجراءات كثيراً فقد كانت عملية الشطب والحذف تصل أحياناً إلى نصف حجم الصحيفة.

 

7-             الاستيلاء على وثائق وأوراق ومستندات وسجلات المحكمة الشرعية بالقدس وتحتوي هذه المحكمة على وثائق ومعلومات على جانب كبير من الأهمية لأنها تخص حياة المسلمين في القدس منذ علم 1517م.

 

8-             إتباع سياسة الاعتقال والأبعاد وفرض الإقامة الجبرية ومنع السفر بحق العشرات من الكتّاب والباحثين والأدباء والمثقفين من أبناء القدس وخاصة الذين نشطوا في الدفاع عن عروبة القدس.

 

9-             إغلاق القدس ومنع الدخول إليها وعزلها عن الضفة الغربية وقطاع غزة مما أدى إلى حرمان أساتذة الجامعات والباحثين والدارسين والطلبة من الوصول إلى مراكز الأبحاث والمكتبات في المدينة للإستفادة من الكتب والمراجع الموجودة فيها .[2]

 

     ويقول الأستاذ كامل العسلي منوهاً للانتهاكات الإسرائيلية للكتب والمكتبات في مدينة القدس :

 

1-     هناك مكتبات دمرت جزئياً أو كلياً من جراء العمليات العسكرية ومن تلك المكتبات مكتبة عبد الله مخلص التى خبّأها في دير القربان في القدس فدمرت عندما نسف الإسرائيليون الدير وضاعت تحت الأنقاض، ويقال أن اليهود سرقوها ونهبوها قبل النسف.

 

2-     منع استيراد الكتب ومنع تداولها في المكتبات ونشرها وقد شمل هذا الإجراء (5410) كتاب منع تداولها منذ عام 1967م وحتى مطلع1985م وتأتي في مقدمة هذه الكتب تلك التى تتحدث عن الإسلام والقضايا العربية والقضية الفلسطينية، وتهدف سلطات الاحتلال من وراء ذلك إلى محاربة الوعي القومي وقطع الصلة بين المواطن العربي الفلسطيني وتراثه وتاريخه.

 

3-     إحراق محتويات مخازن شركة التوزيع الأردنية في القدس عام 1983هـ.

 

4-     بسبب القيود الشديدة المفروضة على النشر فقد تقلص عدد دور النشر في الضفة الغربية من 23 داراً إلى 4 دور ثلاثة منها في مدينة القدس.

 

5-      منع اليهود ولم يسمحوا بإنشاء مكتبات عامة جديدة في القدس [3]

 

   وفي بحث حول الانتهاكات الإسرائيلية للكتاب والمكتبات في فلسطين من واقع الأوامر العسكرية اليهودية يقول طوقان: (مدير مكتبة بلدية نابلس العامة ورئس جمعية المكتبات والمعلومات الفلسطينية) دأبت سلطات الاحتلال الإسرائيلي منذ احتلالها للضفة الغربية وقطاع غزة عام 1967م على فرض قيود صارمة على الحياة الثقافية والفكرية في فلسطين، حيث شددت في مراقبة حاجيات القادمين والمغادرين الشخصية وخاصة الكتب التى كانوا يحملونها حيث كانت تصادر العديد من هذه الكتب بذريعة الأمن.

 

   وقد لعبت هذه القيود دوراً مركزياً في إعاقة نمو المكتبات العامة والمدرسية التى ألزمت بالقوة على سحب الكتب الممنوعة من على رفوفها وتسليمها إلى الإدارة العسكرية، كل ذلك أوجد فراغاً كبيراً في الحياة الثقافية وأسهم في عزلها عن العالم الخارجي، وقد بلغت الكتب التى تم مصادرتها من المواطنين بين عامي (1967- 1990م) وتعود ملكيتها إلى مكتبة بلدية نابلس العامة ( 6500) كتاباً، وقد حاول الباحث استعراض بعض النماذج من الكتب الممنوعة ليجد أن الأسباب واهية مثل استخدام كلمة فلسطين على الخارطة بدل (إسرائيل) أو ورود كلمة الكيان الصهيوني في الكتاب أو عبارة في ديوان شعر أو رواية تشير إلى ممارسات تجاه الشعب الفلسطيني [4].

 

.