دراسات وتوثيقات / توثيق
رسالة ابن غُنم لعمر بن الخطاب
رسالة ابن غُنم لعمر بن الخطاب
حازم صالح
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد :
بعد أن حصلت على نسخة مخطوط مصور بعنوان رسالة ابن غُنم لعمر بن الخطاب ، والذي هو موجود في المكتبة المركزية للمخطوطات الإسلامية التابع لوزارة الأوقاف في جمهورية مصر العربية ، تحت الرقم العام 3059، ورقم الرسالة 47124، وعدد الأوراق أربع، وسنة النسخ غير مذكورة، وخط النسخة جيد.
نسخت المخطوط وفق القواعد الإملائية المعاصرة ، وقارنته ببعض المصادر، وذكرت بعض الرموز في الحاشية ، وهي على النحو التالي (هق) أقصد به البيهقي في السنن الكبرى ،و(ص) أبو يعلى الموصلي من طريق السبكي في فتاويه ، و(خل) الخلال من طريق إسماعيل بن عياش ،و(عر) ابن الأعرابي في معجمه، وأثبت الفروق في الحاشية.
وقد خرجت أثر عبد الرحمن بن غنم ورسالته إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وكذلك خرجت أثر عمر بن الخطاب المختصر ، ونقدت نص تجديد العهد المأخوذ على اليهود والنصارى في مصر والشام سنة سبعمائة للهجرة.
ولا شك أن الرسالة تكمن أهميتها في موضوعها، وقد أفرد بعض العلماء هذا الموضوع -أعني أحكام أهل الكتاب في بلدان المسلمين- منهم الإمام ابن القيم في كتابه أحكام أهل الذمة ، وهو من علماء القرن الثامن ، وكان معاصرا للواقعة التي حدثت عند تجديد العهد المذكور سنة سبعمائة، والإمام السبكي ،والإمام أبو يعلى الحنبلي ، ومن قبل القاضي عبد الله بن أحمد بن زبر من قضاة القرن الرابع ، وقد ذكرها الفقهاء في كتبهم .
نص المخطوط :
روى أبو يعلى الموصلي في مسنده و البيهقي في سننه بأسانيدهما إلى عبد الرحمن بن غنم : قال كتبت لعمر بن الخطاب رضي الله عنه حين صالح نصارى أهل[1] الشام بسم الله الرحمن الرحيم ـــ هذا كتاب لعبد الله عمر أمير المؤمنين من نصارى مدينة[2] كذا وكذا إنكم لما قدمتم علينا سألناكم الأمان لأنفسنا و ذرارينا و أموالنا[3] و أهل ملتنا وشرطنا[4] على أنفسنا أن لانحدث في مدينتنا[5] و لا فيما حولها ديرا ،و لا كنيسة ،و لا قلايّة[6] ،ولا صومعة راهب .
و لا نجدد ما خرب منها و لا نحيي[7] ما كان منها في خطة[8] المسلمين وأن لا "نمنع"[9] كنائسنا أن ينزلها[10] أحد من المسلمين في ليل ولا[11] نهار و أن[12] نوسع أبوابها للمارة و ابن السبيل و أن ننزل من مر بنا من المسلمين ثلاثة أيام[13] نطعمهم "ولا نأوي"[14] جاسوسا و لا نكتم غشا للمسلمين و لا نعلم أولادنا القرآن و لا نظهر شركا
و لا ندعوا إليه " أحدا"[15] ، و"أن"[16] لا نمنع أحدا من"ذوي"[17] قرابتنا الدخول في الإسلام إن أرادوه[18] و أن نوقر المسلمين ، و[19] نقوم لهم في[20] مجالسنا إن أرادوا الجلوس[21] ، ولا نتشبه بهم في شيء من لباسهم في[22] قلنسوه ، ولا عمامة، و لا نعلين و لا فرق شعر و لا نتكلم بكلامهم، و لا نتكنى بكناهم، ولا نركب السروج[23] و لا نتقلد السيوف و لا نتخذ شيئا من سلاح[24] ولا نحمله معنا و لا ننقش[25] خواتيمنا بالعربية و لا نبيع الخمور و أن نجز مقادم[26] رؤسنا[27] و أن ( ننكر )[28] زينا[29] حيث ما كان وأن نشد الزنار[30] على أوساطنا وأن لا نظهر الصليب على كنائسنا ولا نظهر (صلبانا و كثيبا )[31] في طريق المسلمين ولا أسواقهم[32] وأن (نضرب بنواقيسنا في كنائسنا ضربا خفيفا وأن لا نرفع أصواتنا بالقراءة في كنائسنا في شيئ من حضرة المسلمين)[33] و أن لا نخرج شعانين ولا باعوثا[34] وأن لا نرفع أصواتنا مع موتانا[35] وأن لا نظهر النيران معهم في شيء من طريق المسلمين وأسواقهم[36] و لا نجاورهم بموتانا[37] ولا نتخذ من الرقيق ما جرى عليه سهام المسلمين (و أن نرشد المسلمين)[38] و لا نطلع[39] في منازلهم فلما أتيت عمر[40] بالكتاب زاد( و)[41] لا نضرب أحدا من المسلمين شرطنا( لكم)[42] ذلك على أنفسنا و أهل ملتنا و( قبلنا)[43] (عليه)[44] الأمان وإن[45] نحن خالفنا (عن شيئ)[46] مما شرطناه لكم
( وضمناه )[47] على أنفسنا[48] فلا ذمة[49] وقد حل لكم (منا)[50] ما يحل (لكم)[51] من أهل المعاندة و الشقاق[52] [53].
وروى أبو عبيد أن عمر أمر أهل الذمة أن يجزوا نواصيهم، و أن يركبوا عرضا، ولا يركبوا كما يركب المسلمون ، وأن يشدوا المناطق يعني الزنانير انتهى هذا آخر الكتاب.[54]
وهذه نسخة العهد المأخوذ على الطائفتين النصارى واليهود.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي رفع كلمة الإسلام وأعلا منارها و جعل به وبرسوله (استقامتها ) في كل ما يأتي (ويذر واستنصارها)[55] ، نحمده على أن وفقنا الصواب ، و هدانا لشريف السنة والكتاب ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الواحد الأحد الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد ،وأشهد أن محمدا عبده و رسوله الذي (شج إنة)[56] الشرك ومحاها و أزال ظلمات الإلحاد بأنوار المعجزة (بالشمر )[57] وعمد إلى أهل الطغيان فكسر أصنامهم , وحرم حلالهم , وحلل حرامهم , وهدم بيعهم وصوامعهم , وفرق بالهيبة الإلهية جوامعهم , وقام بشروط الشريعة الإسلامية أيّما قيام , وحقق بشريف معجزه ومحكم موجزه "إن الدين عند الله الإسلام"[58] , ختم به الرسل , وأوضح به السبل ونسخ بشريعته كل شريعة ,(واضطره)[59] بمعجزه الخارق ونبائه الصادق حتى غدت الأمة لنبائه سامعة , ولأمره مطيعة صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين منهم[60] من يجتنب خلافه, وأحسن بعده الخلافة , وحفظ عهوده ورعاها , وتفهم وصاياه ووعاها , ومنهم[61] من شمر عن ساق الاجتهاد, وبادر إلى استئصال شأفة أهل العناد , واهتم بالنفس والمال في فتوح ما استغلق من البلاد , ووجه الجيوش إلى كل وجهة, (وأحد)[62] الهمم في كل مستصعب ، ومصر الأمصار (وجيدها)[63] ، فلم يصرف دون نيلها وجهه، وجيَّش الجنود وجندها، وعقد الذمة على أهل (لزبة)[64] ، وشرط الشروط فجعل الصغار والذل لمن خرج عن خير أمة ، وقرر القواعد وحررها ، وحصر المدد وقررها ، ووطأ البلاد شرقا وغربا ، ونشر كلمة الإسلام بعدا وقربا ، ومنهم[65] من جمع القرآن فأحسن جمعه ، ودافع عن الدين المحمدي فشكر الله دفعه، وناضل عن دين الله فأحسن المناضلة ، ورزق أجر الشهادة فحصل على خير العاجلة والآجلة ، ومنهم[66] من جمع فضيلة القرابة والصهارة ، وقاوم الأعداء فكان ريحهم بعزائمه الشريفة حارة ، فلا يستطيع لسان التعبير أن يعبر عنهم ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين سنوا ، فسنو الرتب وشرعوا , فشرعوا الأسنة دون الريب ، وسلم تسليما كثيرا ، وبعد فإن الله سبحانه وتعالى لما بعث فينا محمدا صلى الله عيه وسلم بمعجز كتابه ، وموجز خطابه ، وأدلة نبوته القاطعة ، وأنباء رسالته الصادقة ، فبلغ الرسالة ، وأدى الأمانة ، ونصح الأمة ، وجاء بالحق الأبلج ، فأزال غمامة كل غمة ، وجاهد وأمر بالجهاد ، وشمر عن ساعد العزم (لإطفاء من أجج)[67] نار العناد ، حتى دخل الناس في دين الله أفواجا ، وقطعوا إلى رضى الله ورسوله فجاجا ؛ امتثالا لقوله تعالى : ( قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون)[68] ، ثم أتى الخلفاء الراشدون رضي الله عنهم بعده ، فاقتفوا في الجهاد سننه، وأحيوا فيه فروضه وسننه، وجيشوا الجيوش إلى الأداني والأقاصي ، واستنزلوا الجبابرة من المعاقل والصياصي ، وملكوا أزمة البلاد، واستولوا على الطارف والتلاد، وأعملوا النجاد (ودا)[69] اللسان في استئصال (البهائم)[70] والنجاد، وكان أكثرهم في ذلك مدة ومددا ، وعدة وعددا ، وأقواهم ساعدا ، وأبسطهم يدا ، وأكثرهم فتوحا ، وأوفرهم ، الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، فإن الله فتح على يديه , وقاد كل جامح إليه ، ويسر له الصعاب ، وأذل له الرقاب , ففتح البلاد شرقا وغربا ، وقاد إلى دين الإسلام عجما وعربا ، وحسن ما لان ، وخفف عن من أطاع شديد وطأته ما أنالهم الآن ، وكان ما فتح في خلافته مصر والشام اللذين هما مواطن الإسلام ، وكان رضي الله عنه قد ألزم أهل الذمة عندما سألوه عقدها وتقلد عقدها ، شروطا قيدها بالكتاب ، وشحنها بالحكمة وفصل الخطاب ، فدخلوا تحت رقها وحافظوا على ميمون رقها ، فلما تمادت الشهور والأعوام وأخلق جديدها الجديدان ، في الليالي والأيام ، تعاموا عن تبصيرها ، وجهلوا وقال مصيرها وخرجوا عن شروطها المحررة ، وقواعدها المقررة ، والتزاماتها المسطرة المطهرة ، واعتقدوا أن ذلك قد أهمل فخاب ما اعتقدوه ، وغالطوا أنفسهم فيما أحصاه الله ونسوه ، وتعدوا أطوارهم وجازوا في المخالفة فأكثروا جورهم ، ولبسوا المفرجات من الثياب ، وتشبهوا بالمسلمين في امتطاء الخيل والرقاب ، وشيدوا الأبنية ورفعوها ، وحطوا عنهم الجزية بجاه العمل ووضعوها فمنهم من حل عقد زناره ، ومنهم من أهل ( سيمون) شعاره ، وركبوا الخيول المسومة بالسروج المثمنة والعدد المفتنة ، وجهروا بالفساد ، وطغوا في البلاد وكبروا العمائم ، وجددوا المعالم ، ورفعوا الأصوات وشهدوا الجنائز الأموات ، وأعلنوا بالنقوس إعلان الأذان ، ورنموا في مزامرهم بمطرب الألحان ، إلى غير ذلك من أمور ينقض لها الزمام ، ويورد بعضها مورد الحمام فعند ذلك برزت المراسيم السلطانية الناصرية ، لا برحت نافذة المرسوم ومحددة ما محاها العدوان من الرسوم ، أن يجمع أكابر النصارى واليهود من البطارقة والقسوس (والروشا)[71] والربانيين ، وأن يقرأ عليهم نص الكتاب العمري الشاهد به الكتب الحديثية المعنعنة الإسناد الصحيحة الإصدار والإيراد ، بحضرة السادة العلماء الأعلام ، وأجلة الفقهاء الفخام ، والمفتيين في الحلال والحرام ، فامتثل المرسوم العالي ، وعقد لهم مجلسا(عام)[72] ومحفلا بحضرة السادة الكرام ، وقرأ عليهم نص ما عوهدوا عليه، فانقادوا سامعين مطيعين راغبين سائلين إليه وهو أن لا يحدثوا في البلاد الإسلامية وأعمالها ديرا ، ولا كنيسة ، ولا قلاية ، ولا صومعة راهب ، ولا يجددوا فيها ما خرب منها ، ولا يمنعوا كنائسهم التي عوهدوا عليها ، وثبت عهدهم عليها ، أن ينزلها أحد من المسلمين ثلاث ليال يطعمونهم ، ولا يأووا جاسوسا ، ولا من فيه ريبة لأهل الإسلام ، ولا يكتموا غشا ، ولا يعلموا أولادهم القرآن، ولا يظهروا شركا ، ولا يمنعوا ذوي قرابة من الإسلام إن أرادوه ، ( وإن أسلم منهم أحد لا يأووه ، ولا يساكنوه)[73] ، وأن يوقروا المسلمين وأن يقوموا لهم في مجالسهم إن أرادوا الجلوس ، ولا يتشبهوا بشيء من المسلمين في لباسهم ، لا قلنسوة ، ولا عمامة ولا نعلين ، ولا فرق شعر ، بل يلبس النصراني منهم العمامة الزرقاء عشرة أذرع غير الشعر[74] فما دونها ، واليهودي العمامة الصفراء كذلك ، ويمنع نساؤهم من التشبه بنساء المسلمين[75] ، ولا يتسموا بأسماء المسلمين ، ولا يتكنوا بكناهم[76] ، ولا يركبوا سرجا ، ولا يتقلدوا سيفا ، ولا يركبوا الخيل ولا البغال ، ويركبون الحمير بالأكف عرضا من غير تزين ولا قيمة عظيمة لها، ولا يتخذوا شيئا من السلاح ، ولا ينقشوا خواتيمهم بالعربية ، ولا يبيعوا الخمور ، وأن يجزوا مقادم رؤوسهم ، وأن يلزموا رتبتهم[77] حيث ما كانوا ،( ولا يخدمون عند الملوك والأمراء ، ولا فيما يجري أمرهم فيه على المسلمين من كتابة ووكالة وأمانة وما فيه تأمر على المسلمين بحيث لا يكون لهم كلمة يستعلون بها على المسلمين)[78] ، ويشدوا زنانيرهم غير الحرير على أوساطهم ، والمرأة البارزة من النصارى تلبس الإزار الكتان المصبوغ أزرق ، واليهودية الإزار المصبوغ أصفر، ولا يدخل( منهم أحد إلى الحمام)[79] إلا بعلامة تميزه عن المسلمين في عنقه من خاتم نحاس أو رصاص[80] أو غير ذلك ،( ولا يستخدموا في أعمالهم الشاقة مسلما)[81] ، وتلبس المرأة البارزة[82] خفين أحدهما أسود والآخر أبيض ، ولا يجاوروا المسلمين بموتاهم ، ولا يرفعوا بناء قبورهم ، ولا يعلو على المسلمين في البناء ولا يساوونهم ، ولا يتحيلوا على ذلك بحيلة ، بل يكونوا أدون من ذلك ، ولا يضربوا بالناقوس إلا ضربا خفيفا ، ولا يرفعوا أصواتهم في كنائسهم ولا يخرجوا شعانين ، ولا يرفعوا أصواتهم على موتاهم ، ولا يظهروا النيران[83] (ويتجنبوا)[84] أوساط الطريق توسعة للمسلمين ، ولا يفتنوا مسلما عن دينه ، وأن لا يدلوا على عورات المسلمين ، ومن زنى بمسلمة قتل ، وأن لا يضعوا أيديهم على أراضي موات المسلمين ، ولا غير موات ، ولا مزروع ، ولا ينسبوه لصومعة ، ولا كنيسة ، ولا دير ولا غير ذلك ، ولا يشتروا شيئا من الجلب[85]، ولا يوكلوا فيه ، ولا يتحيلوا عليه بحيلة، ومتى خالفوا ذلك (فلا ذمة لهم ، وقد حل بهم ما يحل من أهل المعاندة والشقاق)[86] ،[87] هذا ما عهد به إليهم ، وقص قصصه عليهم ، فمن خرج عن النص المشروح فيه واعتمد شيئا يخالف ما رتله لسانه وتلاه فقد تعرض للهلاك ، وألقى صفحته لسيف الإسلام والقتال ، وقد جزم بطريك النصارى يونس اليعقوبي ، وأسقف الملكية نائب البطريك اثنا سوس بحرمان الله عليهم أن لا يخرجوا عن هذه الشروط وأوقع رئيس اليهود الكلمة على من يتعدى طور هذه الذمة المضبوط ، وأشهدوا على أنفسهم بذلك معلنين بالإشهاد ، وقاموا مصرخين على رؤوس الأشهاد وكتب هذا المكتوب (ليخلد)[88] بما دخلوا تحت طاعته من الالتزام وليكون حجة عليهم على ممر الليالي والأيام ، وتم ذكر بشروطه ، ولزم بمشروطه بالقاهرة المحروسة بالمدرسة الصالحية النجمية قدس الله روح واقفها في اليوم المبارك ، يوم الثلاثاء الثالث والعشرين من شهر رجب الفرد الحرام عام سبعمائة من الهجرة النبوية المحمدية صلاة الله وسلامه على صاحبها ، والحمد لله وحده وحسبنا الله ونعم الوكيل ، وهذه صورة ما كتب بتجديد العهد على أهل الذمة النصارى واليهود لما برز أمر السلطان الملك الناصر حسن بن قلاون وجدد عليهم العهد ، وكتب بذلك مرسوم بخط الشهاب الشيخ الإمام العالم العلامة شهاب الدين محمود الحلبي كاتب الدست[89] إذ ذاك ، وكتابته هذا المرسوم في سنة سبعمائه تجديدا لما كانوا أيام الخلفاء الراشدين من الشرائط وذلك بحضرة مولانا الشيخ الإمام العلامة شيخ الصوفية تقي الدين أبي عبدا لله بن الحاج ، وسيدنا ومولانا الشيخ الإمام العالم العلامة ابن دقيق العيد ، ومولانا الشيخ العارف بالله تعالى عبد الله بن أبي جمرة ، وسيدنا ومولانا أبي عبد الله القروي ، ومولانا الشيخ علي بن القروي وبقية قضاة العصر والعلماء فكتب ما صورته برزت المراسيم الشريفة إلى جميع ممالكنا المحروسة بالديار المصرية وأعمالها والبلاد الشامية وثغورها أن يعتمدوا في جميع أهل الذمة من النصارى والسامرة التزام[90] الشريعة المطهرة فيما يلزمهم من الشروط التي ترتب عليها عقد الذمة لهم اقتداء بالشروط العمرية فيهم وتقريرا لأحكامها وتجديدا لما تقادم من أيامها وتعظيما لدين الإسلام ، ولأهل[91] الأبرار وإلزاما لأهل الذمة بما كتبه الله تعالى عليهم من الذلة والصغار ودفعا لهم عما كانوا يتطرقون إليه من مباشرة المسلم[92] لصونها ،( ولعبد مسلم خير من مشرك ولو أعجبكم أولئك يدعون إلى النار ، والله يدعوا إلى الجنة )، فمن ذلك أن لا يتشبهوا بالمسلمين في شيء إلى آخر ما تقدم في شروط سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
أولا: تخريج أثر عبد الرحمن بن غنم قال كتبت لعمر بن الخطاب....)
1- رواه الإمام البيهقي في السنن الكبرى , ومن طريقه ابن عساكر في تاريخ دمشق عن أبي بكر يعقوب بن يوسف المطوعي[93] حدثنا الربيع بن ثعلب حدثنا يحيى بن عقبة بن أبي العيزار عن سفيان الثوري ؛والوليد بن نوح؛ والسري بن مصرف يذكرون عن طلحة بن مصرف عن مسروق عن عبد الرحمن بن غنم فذكره .
تابعه محمد بن إسحاق بن أبي إسحاق أبو العباس الصفار[94] أخبرنا الربيع بن ثعلب أبو الفضل به. أخرجه ابن الأعرابي في معجمه, ومن طريقه ابن عساكر في تاريخ دمشق, و أخرجه ابن حزم في المحلى عن سفيان الثوري فقط.
وتابعهما أبو يعلى الموصلي ثنا الربيع بن ثعلب به .أخرجه السبكي في فتاويه من طريق أبي الشيخ به و فيه (الربيع بن نوح ) مكان (الوليد بن نوح) .
وتابعهم أبو جعفر المستملي[95] ثنا الربيع بن ثعلب الغنوي به ،أخرجه ابن عساكر في تاريخ دمشق من طريق أبي محمد بن زبر أخبرنا محمد بن هشام بن البختري أبو جعفر المستملي به .
أما الربيع بن ثعلب أبو الفضل فهو ثقة من عباد الله الصالحين قاله صالح جزره ووثقه الدار قطني , وقال الإمام الطبري "وكان فيما ذكر لي رجلا صالحا صدوقا ورعا"[96] , ووثقه ابن ماكولا في الإكمال, وذكره ابن حبان في" الثقات" وذكره من قبل ابن أبي حاتم في" الجرح والتعديل" ونقل توثيقه عن علي بن الحسين بن الجنيد.وله ترجمة حسنة في تاريخ بغداد
قلت: وتابعه يحيى بن سعيد القطان عن يحيى بن عقبة به, رواه حرب[97] عن محمد بن مصفى عن القطان به.
لكن آفة الإسناد هو يحيى بن عقبة بن أبي العيزار
قال ابن حبان في" المجروحين" كان ممن يروي الموضوعات عن أقوام أثبات؛لا يجوز الاحتجاج به بحال من الأحوال . وقال البخاري في التاريخين الصغير، والكبير :" منكر الحديث" , وقد أورده ابن عراق في"الوضاعين "من مقدمة كتابه "تنزيه الشريعة " وذكره سبط ابن العجمي في الكشف الحثيث عمن رمي بوضع الحديث .
لذلك قال الألباني رحمه الله تعالى: في إرواء الغليل (1265) إسناده ضعيف جدا من أجل يحيى بن عقبة . وقال السبكي في فتاويه رواته كلهم ثقات كبار إلا يحيى بن عقبة ففيه كلام كثير؛ أشده قول أبي حاتم الرازي متروك الحديث كان يفتعل الحديث. وقال الحافظ في "التلخيص الحبير" بعد أن أورد الأثر قال: وفي إسناده ضعف .
2- وتابعه عبد الملك بن حميد بن أبي غنية عن السري بن مصرف و الثوري والوليد بن روح بنحوه
قال السبكي وقد رأيتها في كتاب ابن زبر قال .... رواه عبد الوهاب بن نجدة الحوطي عن محمد بن حمير عن عبد الملك بن حميد فذكره معلقا ،وأشار السبكي كذلك إلى ضعف ابن زبر[98] نفسه.
قلت لكن أخرجه ابن عساكر في تاريخه من طريق محمد بن محمد بن مصعب المعروف بوحشي ، أخبرنا عبد الوهاب بن نجدة الحوطي به[99] . فوصله .
وعبد الملك بن حميد بن أبي غنية : الكوفي ,أصبهاني الأصل, قال الحافظ في التقريب ثقة
ومحمد بن حمير : قال الحافظ في التقريب "صدوق" , روى له البخاري ؛ و أبو داود في المراسيل؛ والنسائي ؛ وابن ماجه؛ وقال أيضا في" تبصير المنتبه" حمصي مشهور, و قال أيضا في" العبر في خبر من غبر" محدث مصر وثقه ابن معين ودحيم وذكره فيمن توفي سنة مئتين من الهجرة . وذكره ابن حبان في "الثقات" . وقال الذهبي في" سير أعلام النبلاء" حديثه يعد في الحسان وقد انفرد بأحاديث.
وعبد الوهاب بن نجدة الحوطي قال الحافظ في التقريب: ثقة .
فهذه متابعة قوية يثبت بها الأثر والله أعلم.
3- أفاد السبكي كما في فتاويه أن عبد الحق-أي الإشبيلي- ذكر هذه الشروط في الأحكام ولم يذكر يحيى بن عقبة واقتصر على سفيان فمن فوقه هكذا في الوسطى قال:( والظاهر أنه ذكره في الكبرى لا بد من ذلك ولم أر في كلام ابن القطان اعتراضا عليه) انتهى .
4- قلت وأخرج ابن عساكر في تاريخ دمشق من طريق أبي محمد عبد الله بن أحمد بن زبر أخبرنا محمد بن إسحاق بن إبراهيم الحنظلي أخبرنا أبي أخبرنا بشر بن الوليد عن عبد الحميد بن بهرام عن شهر بن حوشب عن عبد الرحمن بن غنم أن عمر بن الخطاب فذكر نحوه .
5- قلت فيه: بشر بن الوليد مختلف فيه؛ قال صالح جزرة صدوق لكنه لا يعقل كان فد خرف؛ ووثقه الدار قطني . وسئل أبو داود أبشر بن الوليد ثقة؟ قال: لا؛ وذكره ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل" ولم يذكر قيه جرحا ولا تعديلا. وذكره ابن حبان في الثقات ووصفه الذهبي في السير بالإمام العلامة المحدث الصادق؛ وقال ابن سعد في" الطبقات" : بقي حتى كبر سنه , وتكلم في الوقف؛ فأمسك أصحاب الحديث عنه وتركوه ؛ قال الألباني كبر سنه وفيه ضعف؛ وقال في موضع آخر ضعيف . ومات عن سبع وتسعين سنة .
و الراوي عنه هنا هو الإمام بلا مدافعة إسحاق بن إبراهيم الحنظلي , والذي كانت وفاته في نفس عام وفاة بشر بن الوليد أي سنة ثمان وثلاثين ومائتين .فروايته عنه - إن ثبتت- فهي صحيحة والله أعلم.
وشهر بن حوشب ضعيف ، وكذا عبد الله بن أحمد بن زبر فقد قال الخطيب في تاريخه:كان غير ثقة وقال عبد الغني بن سعيد المقدسي كنت لا أكتب حديثه عن أبيه إذا جاء منفردا إلا أن يكون مقرونا بغيرها وقال الحافظ ضعفه غير واحد في الحديث[100] انتهى.
6- ثم أخرج الخلال في "أحكام أهل الملل" , وأبو يعلى في كتاب" ما يلزم أهل الذمة" من طريق عبد الله بن أحمد _أي ابن الإمام أحمد _ حدثني أبو شرحبيل الحمصي عيسى بن خالد قال حدثني عمي أبو اليمان وأبو المغيرة قالا أخبرنا إسماعيل بن عياش قال : حدثنا غير واحد من أهل العلم قالوا كتب أهل الجزيرة إلى عبد الرحمن بن غنم فذكره نحوه
وفيه ما أضافه عمر –رضي الله عنه:
( ألا يشتروا من سبايانا ومن ضرب مسلما فقد خلع عهده )
أبو شرحبيل الحمصي : روى عنه عبد الله بن أحمد بن حنبل, و أبو بكر بن أبي عاصم, والإمام محمد بن جرير الطبري وغيرهم جمع, وكان يقرئ الناس القرآن كما في تاريخ ابن عساكر وجاء وصفه "بالمعلم " قال الألباني في ظلال الجنة :" لم أعرفه". لكن قال ابن جرير في "تهذيب الآثار": نذكر ما صح عندنا سنده مما حضرنا... قلت يشير إلى حديث ( ما أظلت الخضراء)، فذكر ثلاثة آثار اثنان منها شيخه فيها أبو شرحبيل المذكور. فهو حسن الحديث على أقل الأحوال والله أعلم.
إسماعيل بن عياش : ثقة في الشاميين , وغالب الظن أن الجمع المذكورين هم شاميون وذلك لأن القصة قصتهم والكتاب خرج من الشام والله أعلم .والجمع من أهل العلم تنجبر جهالتهم ، لكن الأثر منقطع أو معضل بين شيوخ ابن عياش وعبد الرحمن بن غنم .
7- قال السبكي في فتاويه ( رواها جماعة في أسانيد ليس فيها يحيى بن عقبة لكنها أو أكثرها ضعيفة أيضا وبانضمام بعضها إلى بعض تقوى وجمع فيها الحافظ عبد الله بن زبر جزءا وذكر منه الحافظ ابن عساكر في تاريخ دمشق).
8- وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في اقتضاء الصراط المستقيم بعد أن أورد الأثر رواه حرب بإسناد جيد
9- وذكره المتقي الهندي في كنز العمال وقال: رواه ابن منده في غرائب شعبة , وابن زبر في شروط النصارى.
10- وذكر ابن حزم شروط عمر في " الإجماع"
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في جامع الرسائل :"شارطهم _ أي عمر _بمحضر من المهاجرين والأنصار , وعليها العمل عند أئمة المسلمين .....لأن هذا صار إجماعا من أصحاب رسول الله –صلى الله عليه وسلم – الذين لا يجتمعون على ضلالة على ما نقلوه وما فهموه من كتاب الله وسنة رسوله "
11- وأختم البحث بقول: العلامة ابن القيم كما في كتابه " أحكام أهل الذمة :" وشهرة هذه الشروط تغني عن إسنادها , فإن الأئمة تلقوها بالقبول وذكروها في كتبهم , واحتجوا بها , ولم يزل ذكر الشروط العمرية على ألسنتهم وفي كتبهم وقد أنفذها بعده الخلفاء وعملوا بموجبها ".
ثانيا: تخريج أثر عمر بن الخطاب المختصر
1- أخرجه أبو عبيد في "الأموال" ومن طريقه ابن زنجويه في" الأموال" كذلك عن عبد الرحمن-أي ابن مهدي- عن عبد الله بن عمر عن نافع عن أسلم فذكره نحوه وزاد" وأن يركبوا على الأكف"
2- تابعه عبد الرزاق في مصنفه عن عبد الله بن عمر به مطولا وفيه شرح معنى قوله "الأكف عرضا" قال يقول رجلاه من شق واحد قال عبد الله وفعل ذلك بهم عمر بن عبد العزيز حين ولي.
3- قال العلامة الألباني في" الإرواء" : وعبد الله بن عمر هو العمري المكبر سيئ الحفظ.
4- أما عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى فقد ثبت عنه ما أخرجه عبد الرزاق في مصنفه مطولا ومن طريقه الخلال في "الجامع"[101] واللفظ له حدثنا معمر عن عمرو بن ميمون بن مهران قال كتب عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى أن ينهوا النصارى أن يفرقوا رؤوسهم ، وتجز نواصيهم ، وأن تشد مناطقهم ، ولا يركبوا على سرج ، ولا يلبسوا عصبا ، ولا خزا ، وأن يمنع نساؤهم أن يركبن الرحائل[102] فإن قدر على أحد منهم فعل ذلك بعد التقدم إليه فإن سكنه لمن وجده . وإسناده صحيح ومما زاده في المصنف : "وأن يمنع النصارى بالشام أن يضربوا ناقوسا ...... ولا يرفعوا صلبهم فوق كنائسهم" وفيه "سلبه" مكان"سكنه"
5- ويشهد له الأثر الطويل السابق .
6- عن أسلم قال" كتب عمر بن الخطاب إلى أمراء الأجناد اختموا رقاب أهل الجزية في أعناقهم"
رواه البيهقي في سننه ، ومن طريقه ابن عساكر في تاريخه مطولا عن محمد بن عبد الله بن نمير أخبرنا أبي ثنا عبيد الله أخبرنا نافع عن أسلم مولى عمر أنه اخبره أن عمر فذكره
7- تابعه عبد الرحيم بن سليمان عن عبيد الله به نحوه أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف ومن طريقه البيهقي في معرفة السنن والآثار.
8-وتابعهما سفيان عن عبيد الله بن عمر به أخرجه أبو عبيد في الأموال, والبيهقي في سننه
9- تابعهم محمد بن عبيد أخبرنا عبيد الله به وفيه قوله" رجال أهل الجزية"أخرجه ابن زنجويه في الأموال .
10- قال الألباني رحمه الله تعالى: إسناده صحيح يعني إسناد البيهقي كما في الإرواء , وقال البيهقي رحمه الله روينا في الثابت عن عمر بن الخطاب فذكره .
ثالثا: نقد نص تجديد العهد المأخوذ على اليهود والنصارى في مصر والشام سنة سبعمائة للهجرة
1- ورد ضمن النص المشار إليه أن تجديد العهد المذكور وقع سنة سبعمائة للهجرة وأنه يوم الثلاثاء الثالث والعشرين من شهر رجب الفرد الحرام
2- ذكر اسم العلامة ابن دقيق العيد ضمن الحضور
3- ذكر اسم كاتب الدست بأنه شهاب الدين محمود الحلبي
4- ذكر اسم السلطان بأنه الملك الناصر حسن بن قلاوون
قلت: لقد ثبت تجديد العهد على اليهود والنصارى في تلك السنة وتفصيله كما يلي:
1- أورد الإمام ابن كثير في البداية والنهاية في حوادث سنة سبعمائة من الهجرة النبوية الواقعة فقال: وفي يوم الاثنين قرئت شروط الذمة على أهل الذمة وألزموا بها واتفقت الكلمة على عزلهم عن الجهات وأخذوا بالصّغار ونودي بذلك في البلد وألزم النصارى بالعمائم الزرق واليهود بالصفر والسامرة بالحمر فحصل بذلك خير كثير وتميزوا عن المسلمين.
2- قال صاحب النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة: "وأين هذا من همة الملك المظفر بيبرس الجاشنكير رحمه الله لما قام في بطلان عيد شبرا ولبس النصارى الأزرق واليهود الأصفر فلله دره ما كان أعلى همته وأغزر دينه رحمه الله تعالى ورضي عنه" قلت: الملك المظفر بيبرس كان أميرا سنة سبعمائة وهو الذي صمم على تنفيذ شروط أهل الذمة ثم تسلطن مدة سنة أو أقل.
3- قال الإمام ابن كثير في حوادث سنة تسع وسبعمائة:" تكلم الوزير في إعادة أهل الذمة إلى لبس العمائم البيض بالعلائم وأنهم قد التزموا للديوان بسبع مائة ألف في كل سنة زيادة على الحالية فسكت الناس وكان فيهم قضاة مصر والشام وكبار العلماء من أهل مصر والشام من جملتهم ابن الزملكاني..... فقال لهم السلطان ما تقولون ؟ يستفتيهم في ذلك فلم يتكلم أحد فجثى الشيخ تقي الدين –أي ابن تيمية – على ركبتيه وتكلم مع السلطان في ذلك بكلام غليظ ورد على الوزير ما قاله ردا عنيفا وجعل يرفع صوته والسلطان يتلافاه ويسكته بترفق وتؤدة وتوقير, وبالغ الشيخ في الكلام وقال ما لا يستطيع أحد أن يقوم بمثله ولا بقريب منه وبالغ في التشنيع على من يوافق في ذلك وقال للسلطان حاشاك أن يكون أول مجلس جلسته في أبهة الملك تنصر فيه أهل الذمة لأجل حطام الدنيا الفانية فاذكر نعمة الله عليك إذ رد ملكك إليك وكبت عدوك ونصرك على أعدائك فذكر أن الجاشنكير هو الذي جدد عليهم ذلك فقال والذي فعله الجاشنكير كان من مراسيمك لأنه إنما كان نائبا لك فأعجب السلطان ذلك واستمر بهم على ذلك.
4- قال الحافظ السيوطي في تاريخ الخلفاء في حوادث سنة تسع وسبعمائة : وفي هذه السنة تكلم الوزير في إعادة أهل الذمة إلى لبس العمائم البيض وأنهم قد التزموا الديون بسبعمائة ألف دينار كل سنة زيادة على الحالية فقام الشيخ تقي الدين ابن تيمية في إبطال ذلك قياما عظيما وبطل ولله الحمد.
5- قال صاحب السلوك لمعرفة الدول والملوك في حوادث سنة سبعمائة: وقدم البريد في أمر الذمة إلى دمشق يوم الإثنين سابع شعبان فاجتمع القضاة والأعيان عند الأمير آفش الأفرم وقرئ عليهم مرسوم السلطان بذلك فنودي في خامس عشريه أن يلبس النصارى العمائم الزرق واليهود العمائم الصفر والسامرة العمائم الحمر وهددوا على المخالفة فالتزم النصارى واليهود بسائر مملكة مصر والشام ما أمروا به ....
6- قال صاحب المختصر في أخبار البشر: ثم دخلت سنة سبعمائة وفيها التزمت الذمة بلبس الغيار فلبس اليهود عمائم صفراء والنصارى عمائم زرقاء ،(و) السمرة عمائم حمراء.
7- قال الإمام ابن كثير[103] : وفي هذا الشهر –أي شوال من سنة سبعمائة للهجرة النبوية- عقد مجلس لليهود الخيابرة وألزموا بأداء الجزية أسوة أمثالهم من اليهود فاحضروا كتابا معهم يزعمون أنه من رسول الله صلى الله عليه وسلم بوضع الجزية عنهم فلما وقف عليه الفقهاء تبينوا أنه مكذوب مفتعل لما فيه من الألفاظ الركيكة والتواريخ المحبطة واللحن الفاحش وحاققهم عليه شيخ الإسلام ابن تيمية وبين لهم خطأهم وكذبهم وأنه مزور مكذوب فأنابوا إلى أداء الجزية وخافوا من أن تستعاد منهم الشؤون الماضية.
8- قال صاحب السلوك لمعرفة الدول والملوك في حوادث سنة سبعمائة: وفي رجب كانت وقعة أهل الذمة......فاتفق قدوم وزير ملك المغرب يريد الحج ...واجتمع بالأميرين بيبرس وسلار ...وشنع في أمر النصارى وقال: كيف ترجون النصر والنصارى تركب عندكم الخيول وتلبس العمائم البيض وتذل المسلمين وتشبههم في خدمتكم...فأثر كلامه في نفوس الأمراء فرسم أن يعقد مجلس بحضور الحكام واستدعيت القضاء والفقهاء وطلب بطرك النصارى وبرز مرسوم السلطان بحمل أهل الذمة على ما يقتضيه الشرع المحمدي...فذكرها مختصرة وذكر نحوها صاحب "نهاية الأرب في فنون الأدب" و "صبح الأعشى"، وذكرها كذلك ابن خلدون في "تاريخه".
9- الإمام تقي الدين ابن دقيق العيد ولي قضاء الديار المصرية في سنة خمس وتسعين وستمائة وتوفي سنة اثنتين وسبعمائة فقد كان حقا في ذلك التاريخ قاضيا[104].
10- كان ينبغي ذكر اسم قاضي القضاة شمس الدين أحمد بن ابراهيم بن عبد الغني السروجي الحنفي فقد قال صاحب "رفع الإصر عن قضاة مصر" لما كان في شهر رجب سنة سبعمائة طلب بطرك النصارى وربان اليهود وجمع القضاة والعلماء ففوضوا إليه أخذ العهد عليهم[105].
11- كان كاتب الدست في تلك الفترة هو "الإمام الرئيس أبو الثناء محمود بن سليمان الحلبي"
12- لكن الذي يشكل أن السلطان في ذلك الوقت كان هو الناصر محمد بن قلاوون وليس الناصر حسن بن قلاوون ويحتمل عندي أنه سبق قلم والله أعلم .
13- ويزيده وضوحا أنه تم تجديد العهد أيضا في منتصف القرن الثامن في عصر الناصر حسن بن الناصر محمد[106] بن قلاوون قبيل عودته إلى التسلطن ، فلعل هذا كان سببا للوهم ,قال الإمام ابن كثير[107] في حوادث سنة خمس وخمسين وسبعمائة :" في يوم الجمعة ثامن عشر رجب الفرد قرئ بجامع دمشق بالمقصورة بحضرة نائب السلطنة وأمراء الأعراب وكبار الأمراء وأهل الحل والعقد والعامة كتاب السلطان بإلزام أهل الذمة بالشروط العمرية وزيادات أخر منها أن لا يستخدموا في شيء من الدواوين السلطانية والأمراء .....ولا يركبوا الخيل ولا البغال ولكن الحمير بالأكف عرضا وأن لا يدخلوا(إلى الحمامات) إلا بالعلامات من جرس أو بخاتم نحاس أصفر أو رصاص ولا تدخل نساؤهم مع المسلمات الحمامات وليكن لهن حمامات تختص بهن وأن يكون إزار النصرانية من كتان أزرق واليهودية من كتان أصفر وأن يكون أحد خفيها أسود والآخر أبيض ".
رابعا:موقف بعض أهل العلم من شروط عمر بن الخطاب رضي الله عنه الواردة في حديث عبد الرحمن بن غنم:
1- ذكر ابن حزم رحمه الله تعالى شروط عمر في مراتب الإجماع
2- قال ابن القيم في أحكام أهل الذمة: "والواجب عند القدرة أن يصالحوا على ما صالحهم عليه عمر رضي الله عنه ويشترط عليهم الشروط المكتوبة في كتاب عبد الرحمن بن غنم...فلو وقع الصلح مطلقا من غير شرط حمل على ما وقع عليه صلح عمر، وأخذوه بشروطه لأنها صارت كالشرع، فيحمل مطلق صلح الأئمة بعده عليها"
3- وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في جامع الرسائل :"شارطهم _ أي عمر _بمحضر من المهاجرين والأنصار , وعليها العمل عند أئمة المسلمين .....لأن هذا صار إجماعا من أصحاب رسول الله –صلى الله عليه وسلم – الذين لا يجتمعون على ضلالة على ما نقلوه وما فهموه من كتاب الله وسنة رسوله "
4- وقال شيخ الإسلام ابن تيمية كما في الفتاوى الكبرى : "إن الشروط المضروبة على أهل الذمة تضمنت تمييزهم عن المسلمين في اللباس والشعور والمراكب وغيرها لئلا تفضي مشابهتهم إلى أن يعامل الكافر معاملة المسلم"
5- قال شيخ الإسلام: "وهذه الشروط يجددها عليهم من يوفقه الله تعالى من ولاة المسلمين كما جدد عمر بن عبد العزيز في خلافته وبالغ في اتباع سنة عمر بن الخطاب حيث كان من العلم والعدل والقيام بالكتاب والسنة بمنزلة ميزه الله بها عن غيره من الأئمة ، وجددها هارون الرشيد ، وجعفر المتوكل وغيرهما..."[108]
[1] كلمة "نصارى" سقطت من (هق) ؛ وكلمة أهل سقطت من (عر) و(عسم) والأخير قال "صالحوا" بالجمع .
[2] في (عسم) "بلد" مكان "مدينة"
[3] في(عسم) "وموالينا" مكان "وأموالنا"
[4] زيادة "لكم" عند (هق) و(عر) و(ص)
[5] في(ص) "فيها" مكان "في مدينتنا"
[6] في (عر) "قبلة" مكان " قلاية" ، وقلاية : من بيوت العبادة عند النصارى.
[7] في (عسم) "نجئ" مكان "نحي"
[8] في (هق) و(ص) و (عر) و(عسم) "خطط"
[9] ملحقة في حاشية المخطوطة ؛ و سقطت "أن" في (عر) و(عسم)
[10] في(هق) "يذلها" وهو خطأ فاحش من الناسخ ؛ وفي (عر) و(عسم)"ينزلها" وكذا في المجموع للنووي نقلا عن (هق)
[11] في (عسم) "أو " مكان "ولا"
[12] وهي كذلك في(ص) و(عسم) وفي (هق) "لا" مكان "أن"؛" وهو خطأ فاحش من الناسخ
[13] في (هق) "و"؛وفي (عسم) كلمة "من المسلمين" ذكرت بعد قوله "ثلاثة أيام"في (عسم)
[14] في (هق) "وأن لا نؤمن في كنائسنا ولا منازلنا"؛ وفي (ص) ؛ و} (عر) لكن مع شئ من التقديم والتأخير{ "ولا نؤوي في كنائسنا ولا منازلنا"؛وكذا في (عسم) لكنها مسبوقة بقوله"وأن نرشدهم"
[15] سقطت من (ص)
[16] سقطت في (هق) ؛ و(عر) ؛
[17] سقطت في (هق) ؛ وفي (عسم) ؛و(عر) كما المخطوطة لكن الأخير ذكر الفعل على البناء للمجهول
[18] في (هق) بالإفراد
[19] زاد في (هق) "أن"
[20] في (هق) ؛و(عر) "من" مكان "في"
[21] في (هق) "جلوسا"
[22] في (هق) "من" مكان "في"
[23] لكن في (عر) "السرج"
[24] في (هق) ؛ و(عسم) ؛ و (عر) "السلاح"
[25] وهي كذلك في(عسم) ؛ لكن في (هق) ؛و(ص) ؛و(عر) زيادة "على"
[26] في (هق) ؛ و(عر) ؛ و(ص) "مقاديم"
[27] في(خل) زيادة "ولا نفرق نواصينا"
[28] في (هق) ؛ و(ص) وغيرهما "نلزم" وهي أوضح
[29] في (ص) "ديننا"وهو تصحيف فاحش
[30] في (هق) "الزنانير" ؛وفي (عر) "زنانيرنا"
[31] في (هق) "صلبنا وكتبنا في شيء من " وهي أوضح , وزاد في (عر) "ولا نجلس في شيئ من طرق المسلمين ولا أسواقهم"
[32] في (هق) شيئ من التقديم والتأخير
[33] في (هق) " لا نضرب بنا قوس في كنائسنا بين حضرة المسلمين" مكانها ؛ وفي (عر) " ولا نضرب بنوا قويسنا في كنائسنا إلا ضربا خفيا"
[34] في (عر) "باعوثنا" ؛وفي (هق) "سعانينا ولا باعونا"
[35] وفي (هق) أمواتنا
[36] سقطت "أسواقهم" من (هق)
[37] وفي (هق) "نجاوزهم موتانا"
[38] سقطت من (عر)
[39] وفي (هق) إضافة "عليهم"
[40] وفي (هق) " رضي الله عنه"
[41] وفي (هق) " فيه وأن" مكانها ؛ وكذا في (عر) لكن بدون"أن"
[42] وكذا في (عر) لكن قدم "ذلك" ؛ وفي (هق) "لهم" مكان "لكم"
[43] وفي(عسم) "قبلتنا" ؛ ولا وجه لها
[44] وفي (هق) "منهم"
[45] وفي (هق) ؛و (عر) "فإن" مكان "وإن"
[46] وفي (هق) "شيئا"
[47] سقطت من (عر) ؛ وفي(هق) "فضمناه"
[48] و في (عر) "وأهل ملتنا"
[49] وفي (هق) ؛ و (عر) زيادة "لنا" .
[50] سقطت من (هق) .
[51] سقطت من (عر).
[52] وفي (هق) "والشقاوة" مكان "والشقاق".
[53] وفي(خل) "ولا يشارك أحد منا مسلما في تجارة إلا أن يكون إلى المسلم أمر التجارة "؛ وفيه" فكتب إليه عمر أن امض لهم ما سألوا وألحق فيها حرفين اشترطهما عليهم مع ما شرطوا على أنفسهم أن لا يشتروا من سبايانا شيئا ومن ضرب مسلما عمدا فقد خلع عهده فأنفذ عبد الرحمن بن غنم ذلك وأقر من أقام من الروم في مدائن الشام على هذا الشرط".
[54] كأن الناسخ ينقل من كتاب بعينه وليس من جمع نفسه .
[55] الكلمتان متداخلتان
[56] كذا في المخطوطة, والسياق يقتضي أن تكون"شج آلهة" أو نحوها
[57] كذا في المخطوطة ولعلها "كالشمس" أي إذا طلعت بددت الظلام
[58] الآية 19 من سورة آل عمران
[59] كذا في المخطوطة
[60] يشير إلى الخليفة الراشد أبي بكر الصديق
[61] يشير إلى الخليفة الراشد عمر بن الخطاب الفاروق
[62] قد تقرأ "وأحمد"
[63] كذا في المخطوطة
[64] كذا في المخطوطة ولعلها (الذمة) .
[65] يشير إلى الخليفة الراشد عثمان بن عفان ذي النورين
[66] يشير إلى الخليفة الراشد علي بن أبي طالب
[67] كلمتان متداخلتان
[68] الآية 29 من سورة التوبة
[69] كذا في المخطوطة
[70] كذا في المخطوطة وقد تقرأ "السهائم"
[71] كذا في المخطوطة
[72] كذا في المخطوطة (عام) ، والأصوب عاما
[73] كذا في المخطوطة ، وفي صبح الأعشى "لا يؤذوه" مكان "لا يأووه"
[74] في صبح الأعشى "الشعرى"
[75] في صبح الأعشى زيادة "ولبس العمائم"
[76] في صبح الأعشى زيادة "ولا يتاقبوا بألقابهم"
[77] في صبح الأعشى" زيهم"
[78] سقطت من صبح الأعشى
[79] في صبح الأعشى"أحدهم"
[80] في صبح الأعشى زيادة"أو جرس"
[81] في صبح الأعشى" ولا يستخدموا مسلما في أعمالهم"
[82] في صبح الأعشى زيادة "منهم"
[83] كلمة ملحقة تشبه "سهم" أو "منهم"
[84] في صبح الأعشى "ولا يشتروا مسلما من الرقيق ولا مسلمة ولا من جرت عليه سهام المسلمين ولا من منشؤه مسلم، ولا يهودوا ولا ينصروا رقيقا ويجتنبون.."
[85] في صبح الأعشى زيادة "الرقيق"
[86] في صبح الأعشى"فقد حل منهم ما يحل من أهل النفاق والمعاندة"
[87] انتهت المقابلة إلى هنا مع صبح الأعشى ثم هناك إضافات كثيرة عند الأخير ثم قال هناك "وقد رسمنا بأن يحمل الأمر في هذا المرسوم الشريف على حكم ما التزم في المرسوم الشريف الشهيدي الناصري المتقدم المكتتب في رجب سنة سبعمائة المتضمن للشهادة على بطركي النصارى اليعاقبة والملكية ورئيس اليهود بالتحريم وإيقاع الكلمة على من خالف هذا الشرط المشروط والحد المحدود..."
[88] كذا في المخطوطة
[89] ما يلبسه الإنسان من ثياب ويكفيه لتردده في حوائجه .
[90] التصويب من هامش المخطوطة وفي الأصل "إلزام"
[91] كذا ولعل الصواب "ولأهله"
[92] كذا ولعل الصواب "المسلمة"
[93] قال الدارقطني: ثقة فاضل مأمون ولد سنة ثمان ومائتين وتوفي سنة سبع وثمانين ومائتين كما في تاريخ بغداد
[94] قال الخطيب في تاريخه وابن الجوزي في المنتظم ومنه نقلت مستقيم الحديث ، انتهى ،ووثقه الدارقطني
[95] هو محمد بن هشام بن البختري بن أبي الدميك قال الخطيب كان ثقة وقال الدارقطني لا بأس به وقال ابن المنادي كتب الناس عنه صدوق مات سنة تسع وثمانين ومائتين كما في تاريخ بغداد
[96] كما في تاريخ بغداد للخطيب
[97] في مسائله عن أحمد وإسحق، نقلا عن السبكي في فتاويه
[98] قلت وهو حري بذلك قال الخطيب كان غير ثقة ،وحط عليه الدارقطني انظر ترجمته في لسان الميزان وتاريخ ابن عساكر
[99] قال ابن عساكر: أخبرنا أبو الحسين الخطيب أنا جدي أبو عبد الله أخبرنا أبو الحسن علي بن الحسن بن علي الربعي أخبرنا أبو الفرج العباس بن محمد بن (حبان) بن موسى أخبرنا أبو العباس بن الزفتي وهو عبد الله بن عتاب أخبرنا محمد بن محمد بن مصعب المعروف بوحشي به
فأبو الحسين الخطيب هو عبد الرحمن بن عبد الله بن الحسن بن أحمد , ووصفه تلميذه ابن عساكر بخطيب دمشق المعدل وقال كتبت عنه، وقال أبو سعد السمعاني : شيخ صالح سليم الجانب سديد السيرة من بيت الحديث والخطابة سمعت منه بدمشق أجزاء، وروى عنه أيضا القاسم بن أبي القاسم ابن عساكر ، وأبو اليمن الكندي وغيرهم وكانت ولادته سنة أربع وستين وأربعمائة بدمشق ووفاته بها سنة ست وأربعين وخمسمائة (انظر تاريخ الإسلام للذهبي) قلت فهو حسن الحديث على الأقل والله أعلم)
[100] كما في العبر في خبر من غبر وذكر أنه توفي سنة تسع وعشرين وثلاثمائة وقد سبق شيئ من ترجمته، وله ترجمة في تاريخ دمشق.
[101] قال الخلال حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثني أبي حدثنا عبد الرزاق فذكره. نقلا عن كتاب ابن القيم في كتاب "أحكام أهل الذمة"
[102] سرج يصنع من جلد ليس فيه خشب تتخذ للركض الشديد .
[103] كما في البداية والنهاية 14/25-26
[104] كما في البداية والنهاية 14/36
[105] وذكر ذلك أيضا صاحب "السلوك لمعرفة الدول والملوك"
[106] توفي الملك الناصر محمد بن قلاوون في العشرين من ذي الحجة سنة إحدى وأربعين وسبعمائة
[107] كما في البداية والنهاية 14/312
[108] كما في جامع الرسائل