دراسات وتوثيقات / دراسات وبحوث

التشبه باليهود ... وأثره في أخلاق المجتمع المسلم

التشبه باليهود ... وأثره في أخلاق المجتمع المسلم

 د. عبد الرحمن صالح الجيران

     لاشك أن التحديات التي تواجه أمتنا الإسلامية هي تحديات جمة وكثيرة في هذا العصر ولا شك أن من أخطرها وأشدها فتكاً بالأمة هو الخطر اليهودي أو التحدي اليهودي الذي تعانيه بلاد المسلمين في كل مكان وما نتج عن ذلك التحدي من غزو ثقافي وإعلامي واجتماعي يهدف إلى القضاء على معالم هذه الأمة ومقدساتها وخلخلة كل القيم والأخلاق النبيلة لديها .

       لذلك فقد حذرنا القرآن الكريم والسنة المطهرة من اليهود والنصارى والتشبه بهم فهم الأعداء لهذه الأمة فقد قال تعالى :)لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا )[1] ، وروي في الحديث " ما خلا يهودي بمسلم إلا هم بقتله " وفي لفظ إلا حدث نفسه بقتله [2].

      واليهود أشد الناس عداوة للذين آمنوا بل إنهم أعداء البشرية كلها ، وقد حذر رسول الله صلى الله عليه وسلم من التشبه باليهود والسير على طريقهم ودربهم المشئوم .فقال : " لتتبعن سنن من كان قبلكم شبراً بشبر وذراعاً بذراع حتى لو دخلوا جحر ضب لتبعتموهم قالوا : يا رسول الله اليهود والنصارى قال : فمن ؟ [3] وسنن الله لا تحابي أحداً سنة الله التي قد خلت من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلاً " [4]

       وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم قوله : " فو الله ما الفقر أخشى عليكم ولكن أخشى أن تبسط الدنيا عليكم كما بسطت على من كان قبلكم فتنافسوها كما تنافسوها فتهلككم كما أهلكتهم " [5]

       وقد قرأ قول الله تعالى (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ)[6] عند حذيفة بن اليماني رضي الله عنه فقال  رجل " إن هذا في بني إسرائيل فقال حذيفة : " نعم الأخوة بنو إسرائيل إن كان لكم الحلو ولهم المر ، كلا والذي نفسي بيده حتى تحذوا السنة بالسنة حذو القذة بالقذة " [7]

     ومع هذا التحذير المتكرر والمبكر في صدر الإسلام الأول فقد وقع المسلمون في التشبه كما أخبر بذلك الرسول صلى الله عليه وسلم وهو الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى كما أخبر الله تبارك وتعالى .

     وقد شمل التشبه باليهود نواح عدة في مجالات شتى من الأخلاق والآداب والعقيدة والعبادات من ذلك على سبيل المثال لا الحصر : الوقوع في الشرك ، وطبيعة الجبن والخوف ، وتحريف الشريعة والتلاعب بها في التحليل والتحريم ، وترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والاختلاف في الدين والغلو فيه .

    إذاً فالمسلمون قد اتبعوا سنن اليهود والنصارى وتشبهوا بهم في الأعياد المزعومة واللباس والحياة الاجتماعية والسياسة والاقتصادية ، لذلك أصبح خطر التشبه باليهود محدقاً فقد انتشر الفساد والعرى والعهر والاختلاط بحكم وافد الثقافة اليهودية التي تنضح بسمومها على العالم الإسلامي وتجلب عليه بخيلها ورجلها والله المستعان .

    لهذه الأسباب كان بحث هذا الموضوع لتنبيه المسلمين على هذا الخطر والتحذير منه  لعل الله أن ينفع بها في إرجاع هذه الأمة إلى جادة الصواب واكتشاف ما هي عليه من بعد عن نهج الكتاب والسنة الذين هما المخرج من كل فتنة والملاذ عند الشبهات واحتلاك ليل الفتن واشتعال نار الشهوات !!

        خطر التشبه باليهود :

      اليهود قوم بهت ، فهم قتلة الأنبياء ومكذبي الرسل وهم الشرذمة الضالة المضلة المغضوب عليها بنص كتاب الله فهم الخطر المستطير على البشرية جميعاً وعلى أمة محمد صلى الله عليه وسلم بوجه خاص ومن خلال هذا الفصل نتعرض – إن شاء الله_ لبعض أوجه هذا الخطر ومعنى التشبه باليهود ونعطي أمثلة لذلك كما نتعرض لدرجات هذا التشبه وأثر ذلك على المسلمين : 

 كلمة هاد وكيفية التشبه :

         اختلف في أصل كلمة يهودي فقيل بمعنى رجع سموا بذلك حين تابوا عن عبادة العجل وقالوا : إنا هدنا إليك ، أي تبنا ورجعنا ، روي عن جماعة من المفسرين[8] وذكر ذلك الشهرستاني في الملل والنحل[9]

وقيل من هاد يهود وهو الميل والرجوع لأنهم كانوا يهودون إلى ملوكهم لإخبارهم عن ظهور الأنبياء ليقتلوهم [10] ، وقيل إن أصلهم من اسم ( يهوذا ) أبدلت الذال دالاً وأدخل الألف واللام للنسبة فقيل اليهود[11] ، ولا يمكن الجزم بالاشتقاق الحقيقي لهذه الكلمة ولأسبابها أو تاريخ التسمية بها غير أن الاستقراء في القرآن يدل على أن هذه النسبة لصقت بهم بعد تحريفهم لكتابهم فقد جاءت مقترنة بالذم دائماً وباللوم والتوبيخ والتقريع [12]

واليهود في العصر الحاضر هم علم على كل من اعتنق الديانة اليهودية سواء كان أصلي أو دخل فيها من جديد [13]

التشبه لغة :

  من تشبه بغيره ماثله وجاراه في العمل والشبيه المثيل واشتبه الأمر عليه اختلط وشُبه عليه وشُبه له لبس وفي التنزيل : ( وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ)(النساء: الآية 157)[14]

واليهود معروفون عبر تاريخ البشرية القديم والحديث بجملة من الأخلاق المركوزة في طبائعهم ، فهي طبعهم وديدنهم وسلوكهم المتحكم لذلك كل من انحرف من المسلمين واتصف بهذه الصفات اليهودية المتأصلة فقد شابه اليهود عن وعي أو عن غير وعي ، والتشبه أمر تقتضيه الطباع البشرية ويزينه الشيطان ، كما إن المغلوب مولع بتقليد القوي المنتصر ولهذا نعرف الحكمة الإلهية في تشريع سؤال الله تعالى الهداية للصراط المستقيم في اليوم والليلة .

ولهذا نقول إنه من أولى أولويات الدعوة الإسلامية بعد الدعوة إلى التوحيد تأتي الدعوة إلى تزكية النفس البشرية من أدرانها وأوضارها التي علقت من اليهود وخطورة التشبه بهم ، ومن أعظم التشبه باليهود اليوم هو الاستهانة بحرمات الله وضعف الوازع الديني عند المسلمين إلا من رحم الله ، وفيما يلي بعض الأمثلة لذلك التشبه ودرجاته.

 أمثلة لهذا التشبه ودرجاته :

أولاً : الوقوع في الشركيات :

   وهذه من أعظم المخالفات وهي سبب النكبات وتوالي الهزائم ، وانحسار الخير عن مناحي الحياة وسبب وقوع الشرك في الأمة جهلها بربها وعدم إحاطتها بعقيدة التوحيد ومقتضايتها .

     وقع بنو إسرائيل في عبادة العجل بل والأصنام التي أقاموها في المسجد  الذي بناه سليمان بعد ذلك لعبادة الله ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ)[15]

وحذر النبي صلى الله عليه وسلم أمته من الوقوع في الشرك وقال : " أيها الناس اتقوا هذا الشرك فإنه أخفى من دبيب النمل " [16] وقال لمن قال من مسلمة الفتح اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط قال : " قلتم والذي نفسي بيده كما قال قوم موسىاجْعَلْ لَنَا إِلَهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ) إنها السنن لتركبن سنن من كان قبلكم سنة سنة " [17]

   ومن  صور الشرك التي نراها في حياة المسلمين ما نراه من عبادة القبور والأضرحة والنذر لها والذبح عندها والطواف حولها ، وقد وقعنا فيما حذر منه صلى الله عليه وسلم حين قال : " لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد يحذر ما صنعوا " [18] وفي رواية أولئك قوم إذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجداً وصوروا فيه تلك الصور أولئك شر الخلق عند الله " [19] ، وقال : " لا تقوم الساعة حتى يلحق حي من أمتي بالمشركين وحتى تعبد فئام من أمتي الأوثان "[20]

 قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه "أنتم أشبه الأمم ببني إسرائيل سمتاً وهدياً تتبعون عملهم حذو القذة بالقذة غير أني لا أدري أتعبدون العجل أم لا " وقال " ويحكم يا أمة محمد ما أسرع هلكتكم صحابة نبيكم متوفرين وهذه ثيابه لم تبل وآنيته لم تكسر والذي نفسي بيده إنكم لعلى ملة وهي أهدى من ملة محمد أو مفتتحوا باب ضلالة [21]

   والأمة الإسلامية اليوم سواء كانت أمة الدعوة أم أمة الإجابة مدعوة لأن تراجع نفسها وتعيد حساباتها وأن لا تنشغل بالمهم وتترك الأهم وهو التوحيد ونبذ الشرك على اختلاف مظاهره ولا يمكن أن ينصرها الله تعالى على عدوها وأن تتقدم مسيرتها وهي ملوثة بضروب الشرك

 ثانياً : الجبن والخوف على النفس وترك الجهاد والذل بالصغار :

 قال الله تعالى عن اليهود)وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ ) [22]

   ولما أمروا بقتال عدوهم في الأرض التي زعموا بعد ذلك أنها أرض الميعاد الأرض المقدسة تملكم الخوف والرعب وقالوا قولتهم الجبانة النكرى )فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ)[23] إنه الجبن اليهودي )إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَداً مَا دَامُوا فِيهَا)[24] )لا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً إِلَّا فِي قُرىً مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ )[25]

     ولقد وقعت الأمة الإسلامية فيما حذره النبي صلى الله عليه وسلم حين قال : " يوشك أن تداعى عليكم الأمم كما تداعي الأكلة على قصعتها قالوا : " أو من قلة نحن يومئذ يا رسول الله ، قال : لا أنتم يومئذ كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم وليقذفن الله في قلوبكم الوهن قالوا : وما الوهن يا رسول الله ؟ قال حب الدنيا وكراهية الموت " [26]

    وقال : " إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أذناب البقر ورضيتم بالزرع وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه  حتى ترجعوا إلى دينكم " [27]

    وهذا ما أصاب المسلمين اليوم حيث ضربت عليهم الذلة والصغار كما ضرب على بني إسرائيل الذلة والمسكنة ، وفي الطبراني في الأوسط بإسناد حسن من حديث أبي بكر : " ما ترك قوم الجهاد إلا عمهم الله بالعذاب " ، وهذه من الأمراض التي انتقلت من اليهود إلى المسلمين اليوم وأخرت مسيرة الدعوة الإسلامية وأخرت تقدمها حيث ركن فئام من الناس إلى الدعة والراحة والانغماس في الدنيا بل والتنافس فيها الأمر الذي أدى إلى ضعف المسلمين عموماً وعدم صمودهم أمام عدوهم حتى استهان بهم الأعداء وعاملوهم معاملة السيد للمسود .

 ثالثاً : تحريف الشريعة والتلاعب بها بالتحليل والتحريم :

    أخذ اليهود من دينهم ما وافق هواهم وتركوا غيره )اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ )[28]: فكانوا إذا أحلوا لهم شيئاً استحلوه وإذا حرموا عليهم شيئاً حرموه .

   رابعاً : ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر :

    لقد عد الله تعالى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من الخصائص التي تميزت بها هذه الأمة حيث قال : ( كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ)[29] ، وإذا تركت الأمة هذه المسيرة زال عنها هذا الوصف وحصل لها النقص وتطرق لها الخلل ، وقال عليه الصلاة والسلام : " إن أول ما دخل النقص على بني إسرائيل أنه كان الرجل يلقى الرجل فيقول له يا هذا اتق الله ودع ما تصنع فإنه لا يحل لك ثم يلقاه من الغد وهو على حاله فلا يمنعه ذلك أن يكون أكيله وشريبه وقعيده فلما فعلوا ذلك ضرب الله قلوب بعضهم ببعض ثم قال : )لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (78) كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ)[30] ثم قال : " كلا والله لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر ولتأخذن على يد الظالم ولتأطرنه على الحق أطراً أو لتقصرنه على الحق قصراً " وجاء في رواية أخرى لأبي داود " أو ليضربن الله بقلوب بعضكم بعضاً ثم ليلعنكم كما لعنهم "[31]

    نسأل الله أن يسلم هذه الأمة من لعنة بني إسرائيل فهي لا تزال سادرة في غيها متبعة سنن بني إسرائيل قال صلى الله عليه وسلم " ستكون بعدي فتن لا يستطيع المؤمن أن يغير بيده ولا بلسانه قلت يا رسول الله وكيف ذلك قال "ينكرونه بقلوبهم " [32] وبالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر صلاح العامة والخاصة ، فإذ قام الجميع بما يجب عليهم في هذا الواجب انصلح المجتمع وساد العدل وانتظم سوق الدعوة إلى الله تعالى .

 خامساً : الافتراق في الدين والغلو فيه :

     التفرق في الدين أمر فاشٍ في الأمم السابقة وخاصة اليهود )وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ )[33] ، )مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ) [34].

والآيات في هذا السياق كثيرة .

  وقد حذر رسول الله هذه الأمة صلى الله عليه وسلم من أسباب الفرقة التي أهلكت الأمم السابقة حتى لا نصير إلى ما صاروا إليه . ومن ذلك معارضة النصوص بعضها ببعض قال عبد الله بن عمرو : " هجرت إلى رسول الله يوماً فسمع أصوات رجلين اختلفا في آية فخرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرف في وجهه الغضب فقال : " إنما هلك من كان قبلكم من الأمم باختلافهم في الكتاب " [35]

   قال ابن مسعود سمعت رجلاً قرأ آية سمعت من النبي صلى الله عليه وسلم خلافها فأخذت بيده فأتيت به رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " كلاكما محسن قال شعبة أظنه قال : " لا تختلفوا فإن من كان قبلكم اختلفوا فهلكوا " [36]

   وفي مسند أحمد " خرج علينا رسول الله يوماً والناس يتكلمون في القدر قال فكأنما تفقأ في وجهه حب الرمان من الغضب فقال لهم : ما لكم تضربون كتاب الله بعضه ببعض بهذا هلك من كان قبلكم " [37]

   والغلو في الدين سبب من أسبب التفرق حذر منه صلى الله عليه وسلم فقال " إياكم والغلو في الدين فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين " وقد وقع أهل الكتاب في الغلو  ( يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ) [38] وفي الصحيح " لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم فإنما أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله "[39]

  لهذه الأسباب ولغيرها وقعت الأمة في التفرق المذموم والاختلاف المشئوم الذي حذرها إياه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبر بوقوعه حين قال : " تفرقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة أو اثنين وسبعين فرقة والنصارى مثل ذلك وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة " [40]

   هذه بعض الأمثلة شاهدة بتطابق الصورة بين انحراف اليهود وانحراف هذه الأمة الذي حذر منه رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون اليوم اختلفت درجات التشبه عندهم

    ففي الانحرافات والشذوذ عن المنهج السوي يظل الناس على درجات مختلفة كل حسب حاله في التشبه بأعداء الله وأعداء البشرية اليهود المغضوب عليهم بنص كتاب الله فمن التشبه باليهود والنصارى :

1.  ما هو ردة وكفر والعياذ بالله تعالى : وذلك كنسبة الولد إلى الله ، تعالى الله عن ذلك )وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا) [41] وقولهم)إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ) وقد رد الله تعالى عليهم بقوله (كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذباً ) وقولهم "إن الله تعب فاستراح يوم السبت "ورد الله تعالى عليهم بقوله ( وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ)[42] وغير ذلك من أقوال الكفرة في جناب الله وملائكته ورسله فالاعتقاد بهذا والتشبه باليهود فيه كفر وردة واضحة .

2.ومن التشبه ما هو من المحرمات والمحظورات التي يذم فاعلها ويستحق العقوبة من الله وذلك مثل المنهيات التي شهدت لها النصوص ونص شرعنا على حرمتها كتخليد الأعياد اليهودية الماسونية وما شابه ذلك من مضاهاة أعمال الكفار .

3. ومن التشبه ما هو في درجة الفسق والفجور كالتشبه بالأخلاق والسمت والعادات الاجتماعية واستحسان ذلك من أخلاقهم .

4. ومن التشبه ما هو مثل سائر المعاصي  وذلك مثل التشبه في اللباس والزينة الخاصة بهم وتربية الأولاد على أخلاقهم ومنهجهم لأننا مطالبون شرعاً بمخالفتهم ومتعبدين بها لله رب العالمين وذلك هو اقتضاء صراط الله المستقيم صراط الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين .

أثر التشبه على أخلاق المجتمع المسلم

         إن التشبه باليهود فاش في المجتمع الإسلامي فشو النار في الهشيم . لذلك فإن آثاره السلبية يكتوي بها الكل متمثلة في أخلاقيات غريبة على هذه الأمة ونلمس أثر التشبه على أخلاق المجتمع المسلم من خلال فشو بعض المظاهر في المجتمع المسلم ومنها ما يلي :

أولاً : قلة الحياء :

    فاليهود عليهم من الله ما يستحقون معروفون بالتساهل في التعري أمام بعضهم البعض كما تقدمت الإشارة إليه وذلك منتشر بينهم نساء ورجالاً في الحاضر والماضي حيث كانوا في الماضي ولازمتهم تلك الطباع إلى الآن يغتسلون عراة ينظر بعضهم إلى بعض ويعتبرون ذلك أمراَ طبيعياً لا ينكر عليه ويتعجبون من لا يشاركهم ذلك الفعل وما نلحظه من تعر بين المسلمين وتساهلهم في لباسهم ولباس أبنائهم وبناتهم ما هو إلا اقتداء باليهود في سلوكهم المشين وعريهم الفاضح [43] حيث التساهل في حمامات السباحة وبحجة التدليك في النوادي الصحية ودخول البخار والسونا ، ومما يشاع لبس "الشورت" للرجال على أنه نوع من التحرر والحضارة وكذلك بممارسة الألعاب الرياضية وكأن ممارستها منوطة بذلك اللباس وكشف العورات والمفاتن .

    ووصل تقليد البعض لليهود بأنهم يتتبعون آخر ما توصلت إليه دور الأزياء وآخر صيحات الموضة من اللباس الفاجر ، ونظرة اليوم لشواطئ الكثير من الدول الإسلامية يندى لها الجبين من رجال ونساء المسلمين الذين قتل حياؤهم وابتعدوا عن تعاليم شرعهم وكشفوا ما أوجب الله ستره ، هذا إضافة إلى ما تبثه وسائل الإعلام وأفلام هووليود من الدعوة الصريحة إلى الفجور وتزيين الشهوات للناس وتيسير الوصول إليها بكل سبيل وما القائمين على هذه الأجهزة الإعلامية الهائلة إلا أتباع القردة والخنازير من عبدة الطاغوت الداعين إلى كل رذيلة والمحاربين لكل فضيلة .

ثانياً : الرشوة :

   الرشوة من الآفات الاجتماعية التي زلزلت أركان المجتمع وحقوق الناس وهي إحدى السمات البارزة في صفات اليهود السلوكية فالغاية عندهم تبرر الوسيلة ولكي يصلوا إلى غايتهم لا ما نع عندهم من أن يسلكوا المسالك المشروعة وغير المشروعة .

قال تعالى : وَأَخْذِهِمُ الرِّبا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَاباً أَلِيماً)[44]

يقول استفن د أيزاكسي : لسببين اثنين مال اليهود إلى ممارسة النشاط في نطاق الرشوة ، أحدهما يرجع إلى أن ضروب معيشتهم ورزقهم كانت على غرار ضروب ومعيشة المافيا أي أنها تقوم على الوساطة والمضاربات .

والسبب الثاني هو أن الرشوة كانت تؤلف جزء جوهرياً من التاريخ اليهودي [45]

ويقول الأمير وليام غاي كار : " برع اليهود في استعمال الرشوة بالمال والجنس للوصول للسيطرة على الأشخاص الذين يحتلون المراكز الحساسة على مختلف المستويات في جميع الحكومات وفي مختلف مجالات النشاط الإنساني وعندما يقع أحد هؤلاء الأشخاص من ذوي النفوذ في قبضتهم محاط بالعقد من كل جانب واسترق بالعمل في سبيلهم عن طريق الاستفزاز السياسي أو بالتهديد بالخراب المالي أو يجعله ضحية لفضيحة عامة كبرى أو بالإيذاء الجسدي أو حتى الموت هو ومن يحبه "[46] أقول وحال مجتمعاتنا مع الرشوة حيث تساهل كثير من المسلمين فيها إما جهلاً منهم لحكمها أو متابعة منهم لأهوائهم أو تأويلهم لها تأويلاً مشيناً ، وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم لعن الله الراشي والمرتشي وفي رواية والرائش (هو الواسطة بينهما)[47] وهذه الآفة إذا انتشرت فإنها تهضم الحقوق وتساوي بين الكسول وبين الجاد المثابر ، وتقضي على الكفاءات العلمية والمهنية ، وتجعل الفرد يائساً محبطاً في عمله .

ثالثاً : أكل الربا :

   الربا والمراباة خاصية من خصائص اليهود كذلك فإن كلمة المرابي مرادفة لكلمة " يهودي " وفي المجتمعات التي عاشوا فيها عملوا في الربا الفاحش حتى برعوا في تلك الصفة واشتهروا بها .

   قال تعالى : ( فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيراً (160) وَأَخْذِهِمُ الرِّبا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَاباً أَلِيماً)[48]

   قال الإمام الحافظ ابن كثير رحمه الله : " إن الله قد نهاهم عن الربا فتناولوه وأخذوه واحتالوا عليه بأنواع من الحيل وصنوف من التشبه وأكلوا أموال الناس بالباطل "[49] ، واليهودي يسمح بغش الأممي وأخذه بواسطة الربا الفاحش ولكن إذا بعت أو اشتريت من أخيك اليهودي شيئاً فلا تخدعه ولا تغشه " كما جاء في التلمود [50]  وحظ المسلمين اليوم من أكل الربا كثير ونصيبهم منه وافر من خلال البنوك الربوية والقمار والميسر واليانصيب حتى دخل الربا مطعم ومشرب كل مسلم إلا من رحم ربك ومن لم يطعمه أصابه من غباره وآثاره ولا يخفى أن كثير من البلاد الإسلامية اليوم ولا سيما الغنية منها أودعت أموالها بحوزة اليهود والنصارى الأمر الذي جعلها تجني ثمارها السيئة من حيث محق بركتها ومن حيث جعل المسلمين أداة طيعة بيد هؤلاء القوم الأمر الذي جعل الأمة الإسلامية خانعة خائفة . 

رابعاً : التبرج :

    عرف التبرج واشتهر في نساء بني إسرائيل وتفننّ في إظهار مفاتنهن أمام الرجال وكان ذلك سبباً لهلاكهم مع ما انضم إلى ذلك من ارتكابهم ما ارتكبوه من المعاصي ، وأخبرنا الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم عن تبرج نساء بني إسرائيل وأن فتنة بني إسرائيل الأولى كانت في النساء وحذرنا مع اتباع سننهم ومن فتنة النساء لأن ذلك هلاكاً للأمة .

   قال صلى الله عليه وسلم " إن الدنيا حلوة خضرة وإن الله مستخلفكم فيها فناظر كيف تعملون فاتقوا الدنيا واتقوا النساء فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء "[51]

وقال معاوية رضي الله عنه : " سمعت النبي صلى الله عليه وسلم ينهى عن مثل هذا يعني قَََََََصة من شعر ويقول : " إنما هلكت بنو إسرائيل حين اتخذها نساؤهم "[52] والكيس الفطن اليوم من يستطع أن يميز بين الرجل والمرأة في المشية أو الثوب وقص الشعر .

   وقد تفنن نساء المسلمين في التشبه بالكافرات في التبرج واللباس والمشية والعري الفاحش فوقعن في المحذور بل إن بعض نساء المجتمعات الإسلامية أشد عرياً من نساء اليهود وغيرها من مجتمعات الأمم الكافرة وما ذلك إلا انبهاراً بالسلوك اليهود الرامي إلى إفساد البشرية وإشاعة الفاحشة فيها فالله العاصم من كل مكروه ، ولعل المتابع لوسائل الإعلام في بلاد المسلمين يدرك الهجمة الشرسة التي تستهدف نساء المسلمين لإخراجها من عفتها وطهارتها تحت دعاوي الحرية والحقوق السياسية وممارسة الرياضة ورشاقة الجسم وغيرها من الأباطيل التي زينوا بها دعواهم

 خامساً : الزنا واللواط وإشاعة الرذائل :

       الزنا محرم في شريعة بني إسرائيل ورغم ذلك كثر فيهم وعرفوا به حتى حملهم على تحريف عقوبة الزنا في التوراة . لأن الزنا لم يكثر في عامتهم بل كثر في الأشراف والشريفات منهم مما حملهم على التحميم والجلد تحريفاً لكتبهم السماوية [53].

      وبغايا بني إسرائيل معروفات عبر تاريخ البشرية بالفساد والإفساد لذلك لا زال اليهود حتى اليوم يسعون بكل الطرق لهدم الأخلاق والقيم الروحية لأن في ذلك مصلحة عظيمة لليهود تمكنهم من الشعوب والأمم وهي طرقهم للغنى والثراء السريع وسبيلاً لبلوغ أهدافهم وغاياتهم .

   وما موجة الأفلام الداعرة التي تدخل البيوت والروايات الجنسية أو الأدب المكشوف كما يسمونه إلا وظل حركة الأصابع اليهودية وراء الستار  وكذلك الصحافة المأجورة التي تثير الغرائز بما تنشره من صور خليعة في أوضاع تنهار معها أعصاب الشباب والشابات من ضعاف الإيمان وكذلك التلفاز وأشرطة الفيديو الجنسية التي تتسرب الآن إلى شتى بقاع العالم وتباع في المحلات التجارية العامة كما يباع الطعام والسلع الأخرى .

   والدعوة إلى الحرية الجنسية للفتاة والفتى بغير ضوابط أو قيود واتهام كل القيم بالرجعية والتأخر وتشجيع الفجور على أنه حضارة وفن وتحرر من عقدة التخلف كل ذلك وراءه جهات خفية لينخدع به البسطاء من الناس ويطعم للشعوب ليلاً ونهارًا ليكون زادها اليومي "[54]  بل زوروا هذه الدعاوى الباطلة للانحلال وزينوها وأضافوا لها أسماء لينخدع بها الناس مثل الأكاديمية العلمية وستار والأخ الأكبر وهذه الأسماء وضعت لتغطي حقيقة ما يدعون إليه من إزالة الفوارق الطبيعية بين الذكر والأنثى وجعلهم يعيشون لشهواتهم وملذاتهم فقط كالبهائم وادعاؤهم بأن هذا هو التقدم والحضارة وهم يعلمون أن الحضارة العلمية والتقنية ليس هذا طريقها فطريق الحضارة البحث العلمي الجاد وتحصيل العلوم النافعة والقيام بالتجارة الهادفة والملاحظة والاستنتاج بعيداً عن أجواء الرذيلة وتبادل عبارات الحب والغرام .

 التأصيل الشرعي لوجوب مخالفة اليهود

    وجوب مخالفة اليهود والنصارى والمجوس وعامة المشركين أمر مجمع عليه بين المسلمين وذلك لما تواتر عليه من الأدلة الصحيحة الصريحة من الكتاب والسنة وفيما يلي ذكر طرف من ذلك :

 الأدلة من الكتاب والسنة والإجماع على الأمر بمخالفة الكفار والنهي عن التشبه بهم :

    فمن القرآن قوله تعالى : ( وَلَقَدْ آتَيْنَا بَنِي إِسْرائيلَ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ * وَآتَيْنَاهُمْ بَيِّنَاتٍ مِنَ الأَمْرِ فَمَا اخْتَلَفُوا إِلا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ * ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ * إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ) [55]

      قال شيخ الإسلام بن تيمية رحمه الله معلقاً على هذه الآية [56] " أخبر سبحانه أنه أنعم على بني إسرائيل بنعم الدين والدنيا وأنهم اختلفوا بعد مجيء العلم بغياً من بعضهم على بعض ثم جعل محمداً صلى الله عليه وسلم على شريعة شرعها له وأمر باتباعها ونهاه عن اتباع أهواء الذين لا يعلمون . وقد دخل في دين الذين لا يعلمون كل من خالف شريعته وأهواءهم هو ما يهوونه وما عليه المشركين من هديهم الظالم الذي هو من موجبات دينهم الباطل وتوابع ذلك فهم يهوونه وموافقتهم فيه اتباع لما يهوونه ولهذا يفرح الكافرون بموافقة المسلمين لهم في بعض أمورهم ويسرون بذلك ويودون أن لو بذلوا مالاً عظيماً ليحصل ذلك "2 وموافقة المسلمين لهم في القبلة بداية الإسلام ثم نسخ ذلك مثال واضح لذلك ، قال ابن تيمية – رحمه الله - معلقاً على آية تحويل القبلة " قال غير واحد من السلف : معناه لألا يحتج اليهود عليكم بالموافقة في القبلة فيقولوا : قد وافقونا في قبلتنا فيوشك أن يوافقونا في ديننا فقطع الله ذلك بمخالفتهم في القبلة .

   وظاهر أن الله سبحانه لما أمر بمخالفة الذين لا يعلمون وهم كل من خالف شرعة محمد صلى الله عليه وسلم لما أمر بمخالفتهم في هواهم دل ذلك من باب الأولى على الأمر بالمخالفة بالأعمال الظاهرة إذ الهوى ميل النفس إلى ما تحب وهو أخص من العمل الظاهر فالنهي عن الأخص نهي عن الأعم بطريق الأولى كما هو معروف في محله والآيات كثيرة وقد تقدم بعضها معنا : وأما ما جاء في السنة المطهرة من الأمر بالمخالفة فنورد ما يلي :

   ما جاء في الصحيحين عن عمرو بن عوف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث أبا عبيدة بن الجراح – رضي الله عنه - إلى البحرين يأتي بجزيتها وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد صالح أهل البحرين وأمر عليهم العلاء بن الحضرمي فقدم أبو عبيدة – رضي الله عنه - بمال من البحرين فسمعت الأنصار بقدوم أبو عبيدة فوافوا صلاة الفجر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم انصرف فتعرضوا له فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رآهم ثم قال : " أبشروا وأملوا ما يسركم فو الله ما الفقر أخشى عليكم ولكن أخشى عليكم أن تبسط الدنيا عليكم كما بسطت على من كان قبلكم فتنافسوها كما تنافسوها فتهلككم كما أهلكتهم " [57]

   قال شيخ الإسلام وهذا يعني بسط الدنيا هو الاستمتاع بالخلاق الذي جاء في الآية ( فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلاقِهِمْ وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا )[58] والأمر بمخالفة اليهود والنصارى محل إجماع بين المسلمين ولله الحمد ، قال صلى الله عليه وسلم "من تشبه بقوم فهو منهم "[59]

   والمسلم يدعو الله في اليوم سبع عشرة مرة أن يجنبه صراط المغضوب عليهم والضالين ، وأن يرزقه الله تعالى صراط الذين أنعم الله عليهم وهذا الصراط يقتضي مخالفة أصحاب الجحيم .

 المخالفة للكفار والشياطين أمر مطلوب  حتى في المسميات

     اليهود هم المنظرون والمؤسسون لكل الحركات الهدامة للقضاء على الأديان والقيم  فهم مؤسسوا البهائية وهم مؤسسوا حركة عبادة الشيطان . ولقد كانت بداية حركة عبادة الشيطان عام 1966 م وقد نظمت على يد اليهودي أنوان شيلدز وهو أمريكي الجنسية . وقد أسس معبد الشيطان الأول في ولاية سان فرنسسيكو وحلق شعر رأسه وأصبح هذا العام السنة الأولى لبدء عبادة الشيطان " [60]

    ولا غرو فهم الذين عرفوا باتباع الشياطين وتصديقهم وأخذ السحر والشعوذة منهم وقال جلّ من قائل )وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ)[61]

       قال شيخ الإسلام بن تيمية رحمه الله : " وقد تقدم بيان أن ما أمرنا الله به ورسله من مخالفتهم مشروع سواء كان ذلك بالفعل مما قصد فاعله علة التشبه بهم أو لم يقصد ولذلك ما نهى عنه من متابعتهم يعم ما إذا قصد مشابهتم أو لم يقصد فإن عامة هذه الأعمال لم يكن المسلمون يقصدون المشابهة فيها وفيها ما لم يتصور قصد المشابهة فيه كبياض الشعر وطول الشارب ونحو ذلك "[62]

    قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله - : " وهذه أيضاً مسألة يجب التنبه  لها أن بعض الناس إذا ذكر التشبه بالكفار يقول : " أنا لم أقصد التشبه والتشبه حاصل سواء قصدت أم لم تقصد ما دامت المشابهة حصلت فلا فرق أن ينوي المشابهة أو لم ينوها كما قال الشيخ رحمه الله " [63]

المشابهة في الأعياد والمزارات

 ومشابهة اليهود والمشركين ومن على شاكلتهم في تعظيم  الأعياد والأمكنة والأزمنة ممنوعة شرعاً حتى ولو كان ذلك بقصد الوفاء بالنذر لله رب العالمين الذي مدح الله عباده وأمرهم به فقال تعالى : ( وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ ... ) الحج: من الآية29)[64]وقال: (يُوفُونَ بِالنَّذْرِ )[65] فقد جاء في سنن أبي داود بإسناد صحيح أن رجلاً  نذر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينحر إبلاً ببوانة فأتي النبي صلى الله عليه وسلم فقال : إني نذرت أن أنحر إبلاً ببوانة فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " هل كان فيها وثن من أوثان الجاهلية يعبد ؟ قالوا : لا قال : هل كان فيها عيداً من أعيادهم ؟ قالوا : لا قال رسول الله  صلى الله أوف بنذرك فإنه لا وفاء لنذر في معصية ولا فيما لا يملك بن آدم " [66]

   ومن هنا نعلم أن السكوت على مشابهة  المسلمين الكفار اليوم المتمثلة في احتفالهم بأعياد الميلاد وغيرها من المناسبات المكانية والزمانية هو من قبيل السكوت على الباطل والساكت على الباطل شيطان أخرس كما أن الساكت عن الحق متكلم بالباطل .

قال ابن تيمية رحمه الله تعالى : " العيد اسم جنس يدخل فيه كل يوم أو مكان لهم فيه اجتماع  "

   وكل عمل يحدثونه في هذه الأمكنة والأزمنة فليس النهي عن خصوص أعيادهم بل كل ما يعظمونه من الأوقات والأمكنة التي لا أصل لها في دين الإسلام وما يحدثونه من الأعمال يدخل في ذلك .

       وكذلك يحرّم العيد هو وما قبله وما بعده من الأيام التي يحدثون فيها أشياء لأجله أو ما حوله من الأمكنة يحدث فيها شيئاً لأجله أو ما تحدث بسببه أعماله من أعمال حكمها حكمه فلا يفعل شيء من ذلك فإن بعض الناس قد يمنع من إحداث أشياء في أيام أعيادهم كيوم الخميس والميلاد ويقول لعياله أنا أصنع لكم في هذا الأسبوع أو الشهر الآخر وإنما المحرك له على إحداث ذلك وجود عيدهم ولولا هو لم يقاضوه ذلك فهذا من مقتضيات المشابهة لكن يجامل الأهل على عيد الله ورسوله ويقضي لهم فيه من الحقوق ما يقطع استشرافهم إلى غيره .[67]

نصر الدعوة وظهور الدين  يكون بتميز الأمة الإسلامية

 أولا : أصل دين المسلمين انه لا تخص بقعة بقصد العبادة فيها إلا المساجد :

      مطلوب من المسلم أن يتميز عن الكفار في هديه وسمته وخلقه وغير ذلك من جملة أخلاقه في القول والعمل : لأن مثلهم مثل السوء وليس للمسلمين مثل السوء وإذا كان ذلك مطلوب في العادات والآداب فمن باب أولى مطلوب في العبادات فالواجب على المسلم التميز عن المشركين فيما يذهبون إليه مما جرت عليه عاداتهم وجبلتهم من حب الشرك وعبادة القبور والصالحين وتقديس الأزمنة والأمكنة التي لم يرد بها شرع .

والأصل عند المسلمين أن الله تعالى لا يعبد إلا بما شرع وأنه أرسل جميع الرسل بأصل التوحيد وإن اختلفت الشرائع ( لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً)[68] ، " نحن معاشر الأنبياء بنوا علات أبونا واحد وأمهاتنا شتى "[69] كما جاء عن المصطفى صلى الله عليه وسلم .

   لذلك فإن ما عليه المشركين وأهل الكتاب من تعظيم بقاع العبادة غير المساجد كما كانوا في الجاهلية يعظمون حراء ونحوه من البقاع هو مما جاء الإسلام بمحوه وإزالته ونسخه سداً لذريعة وحماية للتوحيد وشهادة أن لا إله إلا الله.

ثم المساجد جميعها تشترك في العبادات مثلما يفعل في مسجد يفعل في سائر المساجد إلا ما خص به المسجد الحرام من الطواف ونحوه فإن خصائصه لا يشاركه فيها شيء من المساجد كما أنه لا يصلى إلى غيره في الفرائض .

        وسواه من المساجد شرع فيه ما شرع في غيره غير القصد للزيارة كما صح بذلك الحديث " لا تشد الرحال إلا إلى ثلاث مساجد ... "[70] وقد كان صلى الله عليه وسلم حريصاً أن يحذر أمته من البناء على القبور مشابهة للهالكين من اليهود والنصارى حتى في أحلك اللحظات في آخر عهده بالدنيا خارجاً منها وأول عهده بالآخرة مستقبلا لها حيث قال : " قاتل الله اليهود والنصارى ... الحديث "[71]

   وقال لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم إنما أنا عبد الله فقولوا عبد الله ورسوله " [72] وقد كان صلى الله عليه وسلم " نهى أمته عن زيارة القبور في بداية عهد الإسلام حتى يقوى إيمانهم ويطول الأمد بينهم وبين عهد الجاهلية التي كانت تعبد الأصنام .

   ثم لما قوي التوحيد في قلوب الصحابة رخص لهم في ذلك فقال : " كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزورها فإنها تذكركم بالآخرة " [73] إن تحذيره صلى الله عليه وسلم من الجلوس على القبور والصلاة إليها ولعن اليهود والنصارى الذين اتخذوها مساجد وخطر زيارتها في بداية الإسلام كل ذلك يوضح حكمة الشرع في سد الذريعة إلى المحاذير الشركية وضبط سلوك المسلم بضوابط التوحيد بعيداً عن الغلو والتفريط والله الهادي إلى سواء السبيل .

   إن على المسلمين إذا أرادوا تحقيق النصر الموعود من رب العالمين على أيديهم أن يخلصوا العمل لله ولا يصرفوا شيئاً من العبادة لغيره إذ لا معبود بحق سواه

   وقد استبطأ المسلمون النصر في ليلهم البهيم الذي خيم على العالم الإسلامي وصاروا يتساءلون متى نصر الله ؟

   لكن فاتهم بأن شرط تحقق النصر لمّا يتم ما دام المسلمون لم يتميزوا عن غيرهم في العبادات والعادات والسلوك فلن يدال لهم من عدوهم فإنما ينصر المسلم بقوة الإيمان واليقين بالله رب العالمين والله المستعان .

    ثانياً : تشديد النبي صلى الله عليه وسلم على لعن اليهود والنصارى لاتخاذهم قبور أنبيائهم مساجد :

   نهى صلى الله عليه وسلم عن الصلاة على القبور ونهى عن الجلوس إليها"[74]

   وقال : " لأن يجلس أحدكم على جمرة فتحرق ثيابه فتخلص إلى جلده خير له من أن يجلس على قبر " [75]

   كما نهى عن تجصيص القبور والبناء عليها فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجصص القبر وأن يقعد عليه وأن يبنى عليه " [76]

وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " قاتل الله اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد "[77]

   ولما وصفت له أم سلمة رضي الله عنها كنيسة رأتها في الحبشة قال لها صلى الله عليه وسلم أولئك إذا كان فيهم الرجل الصالح فمات بنوا على قبره مسجداً   أولئك شرار الخلق عند الله يوم القيامة " [78]

ثالثاً : مشابهة اليهود في عبادة القبور والصالحين :

     لقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من اتخاذ القبور مساجد أو اتخاذها أعياداً لتزار في المواسم والمناسبات وأخبر عن ذلك أنه من صنيع الأمم السابقة حيث اتخذوا قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد فقصدها الناس للعبادة ثم توجهوا بالدعاء وأنواء القرابين حتى فشى فيهم الشرك الأكبر وأخذوا يطلبون الحوائج مثل الرزق وشفاء المريض وعودة المسافر إلى غير ذلك من المسائل التي لا تجوز إلا لله وحده قال تعالى : ( وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُو مَعَ اللَّهِ أَحَداً)[79] وقال ( إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ)[80] ولو طفت العالم الإسلامي اليوم من أقصاه إلى أقصاه لوجدت أنواع الشرك ومظاهره في غالب البلاد الإسلامية اليوم .

أثر الشرك على الدعوة إلى الله :

    لقد أثر الشرك تأثيراً بالغاً على الدعوة الإسلامية اليوم بل إن الشرك يناقض حقيقة الدعوة لأن حقيقة الدعوة هي قول لا إله إلا الله محمد رسول الله وهذا المشرك في عمله يناقض قول لا إله إلا الله ومعنى قول لا إله إلا الله أي لا معبود بحق سوى الله  ، وحقيقة عمل المشرك هي أن يقول بلسان حاله لا معبود بحق سوى الله وصاحب هذا القبر وهذا عين الشرك بالله .

آثار الشرك :

1. صرف جهود الدعوة إلى غير الوجهة الصحيحة .

2.عدم الاهتمام بعمارة الأرض والانطلاق للسعي والعمل لأن هؤلاء المنحرفين عكفوا على القبور والمزارات وأخذوا يطلبون منها المدد والغوث تاركين العمل وعمارة الأرض .

3.صرف الأموال في معصية الله تعالى .

4. التعاون على الإثم والعدوان، والعدوان هنا هو العدوان على حق الله تعالى الذي هو التوحيد وهو عبادة الله وحده .

5. إضلال الناس وغوايتهم لاتباع سبل الشياطين في عبادتهم لغير الله تعالى .

6. إحياء البدع المخالفة لسنن المرسلين وهدي النبيين .

7.ترك التعاون على البر والتقوى والتواصي بالحق والصبر عليه .

   ولقد عد العلماء من المحرمات العكوف عند القبور والمجاورة عندها وسدانتها وتعليق الستور عليها تشبيهاً لها ببيت الله الكعبة

   وقد بلغ الشيطان بهذه البدع إلى الشرك في كثير من الناس حتى أضحى منهم من يعتقد أن زيارة المشاهد التي على القبور – إما قبر نبي أو شيخ أو بعض أهل البيت أفضل من حج البيت الحرام ويسمي زيارتها الحج الأكبر ومن هؤلاء من يرى أن السفر لزيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم أفضل من حج البيت وبعضهم إذا وصل إلى المدينة رجع ولم يذهب إلى البيت الحرام وظن أنه حصل له المقصود .

   وهذا لأنهم ظنوا أن زيارة القبور إنما هو لأجل الدعاء عندها والتوسل بها وسؤال الميت ودعائه ومعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم أفضل من الكعبة .

   ولو علموا أن المقصود إنما هو عبادة الله لا شريك له وسؤاله ودعاءه وأن المقصود بزيارة القبور هو الدعاء لها كما يقصد بالصلاة على الميت لزال هذا الشرك عن قلوبهم "[81]

ولهذا نجد كثيراً من هؤلاء يسأل الميت والغائب كما يسأل ربه فيقول اغفر لي وارحمني وتب علي ونحو ذلك .

 فالقلوب إذا اشتغلت بالبدع أعرضت عن السنن فتجد أكثر هؤلاء العاكفين على القبور معرضين عن سنة ذلك المقبور ( صاحب القبر ) وطريقه مشتغلين بقبره عما أمر به ودعا إليه " [82] .

الأمراض التي انتقلت من اليهود إلى المسلمين وأثرها على الدعوة الإسلامية

1. داء الحسد الذي سرى في هذه الأمة :

   قال سبحانه وتعالى : ( وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ )[83]

  لقد حسد اليهود المسلمين لما عندهم من الهدى والعلم وسرى هذا المرض إلى المسلمين وابتلى به طائفة من المنتسبين إلى العلم من المسلمين وأخذ كل واحد يظلم الآخر بسبب الحسد 

2.كتمان العلم : قال تعالى : ( وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ)[84]

وسبب كتمان العلم يعود إلى أمور ثلاثة :

1.البخل به

2.مخافة فوات رئاسة أو جاه أو حظ إذا أظهر ما عنده من العلم المخالف لرغبة من يخشاه

3.مخافة أن ينال غيره ما نال هو من الشرف بهذا العلم فوصف المغضوب عليهم بكتمان العلم بخلاً تارة وتارة خوفاً فوات حظ دنيوي وتارة خوفاً من أن يحتج عليهم بما أظهروا من ذلك ، وهذا ظاهر في الدعوة إلى الله بين بعض المنتسبين للعلم وبعض طلاب العلم وأثر ذلك سلباً في الدعوة إلى الله تعالى حيث قل الخير وكثر الجهل في أوساط الناس .

3.عدم قبول الحق ما لم يكن من طائفة الشخص أو فرقته :

    قال الله تعالى : )وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا نُؤْمِنُ بِمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَيَكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً لِمَا مَعَهُمْ)[85] وقد سرى ذلك إلى المسلمين رغم خطورته وشدة الوعيد فيه ، وذلك لما تفرغ المسلمون وأصبحوا طرائق قددا كل طائفة رضيت ما عندها ونبذت ما عند الطائفة الأخرى وأصبحوا كحال اليهود الذين قال الله تعالى عنهم (أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ )[86] وقال سبحانه ( إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ)[87]

4.تحريف كلام الله :

   التحريف للرسالات ديدن اليهود وقد رأينا ذلك وهو إما تحريف في التنزيل (النص) أو تحريف في التأول أي تأويل النص مع بقائه .

مثال الأول : ( وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيماً[88] حيث قرأه بعض المعطلة بنصب لفظ الجلالة .

ومثال الثاني : ( يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ )[89]

ومن أمراضهم التي انتقلت إلى المسلمين : الغلو في الصالحين ،  فتنة النساء ، الابتداع في الدين ،اتخاذ القبور مساجد ، التفرق والاختلاف ، القول على الله بلا علم – التنافس في الدنيا وغيرها كثير .

خلاصة المبحث

 وبهذا نصل إلى نهاية هذا المبحث ونخلص فيه إلى النتائج التالي :

1.عداوة اليهود للمسلمين وللدين الإسلامي جبلة متأصلة فيهم لذلك وجب الحذر منهم ومن كيدهم ودسائسهم للمسلمين في الماضي والحاضر .

2. حرمة التشبه باليهود والكفار فيما اختصوا به من دينهم وعاداتهم لما في ذلك من خطر على الشعوب المسلمة .

3. بلورة خطة عملية لتحذير المسلمين من خطورة وعواقب التشبه باليهود.

4. تقديم الحلول اللازمة للحيلولة دون وقوع المسلمين في خطر التشبه باليهود وسواء كان ذلك عن وعي أو عن غير وعي .

5.بيان خطر اليهود وتاريخ صراعهم عبر تاريخ الأمة الإسلامية .

6.توعية الأجيال المسلمة بالتاريخ الأسود لليهود وسلوكهم وعاداوتهم لمعلم البشرية محمد صلى الله عليه وسلم .

7.ضرورة التمسك الحقيقي بالأخلاق الإسلامية وتعميق الإيمان بها كضمان ما نع من الانجراف في التشبه باليهود وغيرهم من الكفرة .

8. وضع مناهج تربوية مكثفة تعرف الأجيال على قيمها ودينها لأجل التميز والشعور بالكرامة وتحمل الرسالة بهداية البشرية .

9.دراسة التاريخ اليهود من خلال القرآن والسنة للتعرف على شرهم وسوء طويتهم عبر تاريخ البشرية

10. إن علينا أن نعيد النظر في كل ما يدفع لأبنائنا لأن الأبناء هم عماد الأمة وعدة المستقبل فنقبل معهم على كل ما من شأنه رفع مستواهم الخلقي أولاً والعقلي ثانياً ونبعد عن طريقهم كل المفاهيم المستوردة .

11. علينا كذلك بذل الجهد لنوفر لأبنائنا التربية الصالحة والتعليم السليم كي نبني مجتمعاً إسلامياً صحيحاً يغار على دينه ومثله ويدافع عن أرضه وعرضه ويساهم في بناء أمة صنعت التاريخ [90]

والله نسأل أن يهدينا الصراط المستقيم صراط الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا.

--------------------

 [1] المائدة من الآية 82

[2] ضعيف الجامع الصغير رقم 50/62

[3] البخاري من طريق أبي سعيد الخدري

[4] الفتح 23

[5]  رواه البخاري في الجزية رقم 29/24 ومسلم في الزهد والرقائق رقم 52/61 وأخرجه الترمذي وابن ماجة

[6]  المائدة: من الآية44

[7]  رواه الحاكم ووافقه2/312

[8] الأزهري وتهذيب اللغة 6/387

ابن منظور لسان العرب 4/451

الزبيدي تاج العروس 2/548

أمين الخولي تاريخ الملل والنحل 2/3

[9] الشهرستاني الملل والنحل 2/3

[10] مقارنة الأديان د. عوض الله جاد حجازي ص 60

[11] ابن منظور 4/452

[12] انظر بحث أخلاق اليهود ص 5

[13]  أطعمة أهل الكتاب بين الإباحة والتحريم فصل مفهوم أهل الكتاب ص 18 إعداد الطالب المجتبى

[14] المعجم الوسيط ص 471 مطبعة المكتبة الإسلامية

[15]  البقرة: من الآية51

[16]  رواه أحمد ح 19781

[17] رواه أحد ح 20892  والترمذي ح 2180

[18] البخاري ح 434 ومسلم ح 531

[19]  البخاري ح 434 ومسلم ح 528

[20]  أحمد 21361 والترمذي 2219 وابن ماجه ح 3952

[21] رواه عمر و ابن يحي عن أبيه عن جده انظر كتاب ليس من الإسلام لمحمد الغزالي ص 86

[22] البقرة: من الآية96

[23]  المائدة: من الآية24

[24] المائدة: من الآية24

[25]  الحشر: من الآية14

[26] أبو داود ح 4297 وأحمد ح 21363

[27]  أبو داود ح 3462 وأحمد وهو صحيح

[28] التوبة: من الآية31

[29] آل عمران: من الآية110

[30] المائدة:78- 79

[31] أبو داود  ح 4336 والترمذي ح 3047 وابن ماجه ح 4006

[32] رواه الإسماعيلي

[33]  فصلت: من الآية45

[34]  الروم:32

[35] مسلم ح 2666

[36] البخاري 241

[37]  أحمد 6381

[38]  النساء: من الآية171

[39]  البخاري ح 3262

[40]  الترمذي ح 3640 ، أبو داود ح 4596 ، ابن ماجه ح 3991

[41]  التوبة: من الآية30

[42]  قّ: من الآية38

[43] انظر بحث أخلاق اليهود وأثرها  على أمة الإسلام للدكتور بسام الشطي وعيسى القدومي ( الفصل الرابع )

[44] النساء 161

[45] اليهود تاريخ إفساد وانحلال ودمار د. توفيق الواعي ط الأولى 1995 م

[46] أحجار على رقعة الشطرنج وليام غاي كار ص 10 – 11 (نقلا عن بحث أخلاق اليهود)

[47] رواه الترمذي من حديث ابن عمر رقم 26/21 والفغ الآخر للحاكم 

[48] النساء 161 - 162

[49] تفسير بن كثير طبعة جمعية إحياء التراث الإسلامي 1/646

[50] العقيدة اليهودية وخطرها على الإنسانية د. سعدم  الدين صالح ط الثالثة ص 20 (نقلا عن بحث أخلاق اليهود)

[51] رواه مسلم في الصحيح من طريق أبي سعيد الخدري ح 4925

[52] البخاري في الصحيح ح 3209

[53] انظر بحث أخلاق اليهود الفصل الرابع

[54] اليهود تاريخ إفساد وانحلال ص 121 - 122

[55] الجاثـية16 :19

[56] اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أهل الجحيم ص 38

[57] رواه البخاري ح 4015 و 6425 ومسلم ح 2961

[58]التوبة: من الآية69

[59] صحيح مسلم 2662

[60] نفس المصدر ص 56

[61] البقرة: من الآية102

[62] اقتضاء الصراط ص 263

[63] فتح    في التعليق على اقتضاء الصراط

[64] الحج 29

[65]   الإنسان من الآية 7

[66]  أبو داود رقم 3313 إسناده حسن

[67] المرجع السابق ص 317

[68] المائدة: من الآية48

[69] هذه الألفاظ ونحوها دفعهما أو نحوه من البخاري 3443 ومسلم 2365

[70] البخاري في الجمعة رقم 1115

[71] أخرجه البخاري في الصلاة رقم 418 والنسائي في الجنائز 2020

[72] تقدم تخريجه

[73] رواه مسلم بلفظ فإنها تذكركم الموت وللترمذي فإنها تذكركم الآخرة ، انظر إرواء الغليل حديث رقم 772 وهو صحيح

[74] الحديث في صحيح مسلم رحمه الله رقم 972

[75] صحيح مسم

[76] صحيح مسلم

[77] الحديث متفق عليه

[78]  سنن النسائي حديث رقم 704 وهو صحيح

[79] الجـن:18

[80] فاطر:14

[81] اقتضاء الصراط ص 521

[82]  اقتضاء الصراط ص 522

[83] البقرة من الآية 109

[84] آل عمران من الآية 187

[85] البقرة من الآية 91

[86] البقرة: من الآية85

[87] الأنعام: من الآية159

[88]  النساء من الآية 164

[89] النساء من الآية 171

[90] اليهود والماسونية للشيخ عبد الرحمن الدوسري ص 176 - 177

 

العدد الرابع – مجلة بيت المقدس للدراسات

.