فلسطين التاريخ / تهويد وتزوير وإجرام

"المسجد الأقصى" ترميم أم تهويد.

"المسجد الأقصى" ترميم أم تهويد

 

المسجد الأقصى وأرض فلسطين هي بقعة باركها الله لعالمين ، وهي وقف إسلامي منذ أن فتحها الصحابي الراشدي عمر بن الخطاب رضي الله عنه وكتب عهدتها لتكون أمانة في أعناق المسلمين إلى يوم الدين ، وبقت إسلامية إلا فترة يسيرة من التاريخ حين أحتلها الصليبيين ، وهيأ الله تعالى لها الفاتح صلاح الدين ليعيدها إلى امتدادها الإسلامي ، إلى أن احتلها اليهود بممارساتهم الوحشية وخداعهم المعهود .

 

         ثم أصبح المسجد الأقصى بموجب القانون الدولي وبموجب معاهدة وادي عربة تحت رعاية الحكومة الأردنية بصفتها الوصية على شرقي القدس  وخدمة المسجد الأقصى والأوقاف الإسلامية فيها ، وليس من حق السلطات اليهودية أو بلدية القدس التابعة للاحتلال تغيير أو تبديل أو ترميم أي جزء من المسجد الأقصى المبارك ، حيث صدر عن الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي عشرات القرارات الدولية برفض ضم الكيان اليهودي لشرقي القدس ، ورفض أية إجراءات مادية أو إدارية أو قانونية تغير من واقع القدس واعتبار ذلك لاغياً.

 

وتحت ذريعة ترميم الطريق المؤدى لباب المغاربة ، قامت بلدية القدس أخيراً بالحفريات لإزالة الطريق التاريخي والذي بني منذ العهد الأموي أي ما يقارب الـ 1400 سنة. وللحقيقة والتاريخ نقول إن اليهود فشلوا على امتداد أربعين عاماً في إثبات أو إيجاد أي أثر تاريخي يثبت لهم حقاً أو وجوداً في تلك الأماكن المقدسة أو أي إثر للهيكل المزعوم.

 

وجدير بالذكر أن هنالك العديد من الإنشاءات التي أقامها اليهود داخل أسوار المسجد الأقصى وأسفله من إقامة المعابد والكنس اليهودية وفتح متحف الأجيال (تاريخ الهيكل المزعوم) وهي أشد انتهاكاً من هدم طريق المغاربة ولكن تلك الاعتداءات لم تأخذ حقها في الإعلام العربي والدولي.

والغريب في الأمر أن يدعي الكيان اليهودي بأسلوب ماكر أنه نسق بشأن تلك الترميمات والهدم مع دائرة الأوقاف الإسلامية في القدس ليمتص ردود الأفعال ويشتت الموقف الإسلامي والعالمي من ممارساته ، وقد أنكرت دائرة الأوقاف تلك التصريحات الكاذبة واستهجنتها ، واعتبرت تلك الإجراءات انتهاكاً صارخاًَ لحرمة المسجد الأقصى وضرباً بعرض الحائط لكل القرارات الدولية ، واستفزازا للمسلمين ، ووجهت عدة نداءات للمسلمين في القدس وما حولها للتجمع في باحات المسجد الأقصى والعمل على تعطيل الهدم والإزالة للطريق والمباني الملاصقة للمسجد الأقصى.

 

المسجد الأقصى عنوان الصراع:

جنود الاحتلال وقواتهم الأمنية الموزعة في البلدة القديمة وعلى بوابات المسجد الأقصى والتي يصل تعدادها لألفي جندي أو يزيد مدجج بالسلاح لحماية عمليات الهدم والإزالة لتلة الطريق التاريخي لباب المغاربة المؤدي إلى المسجد الأقصى، تحت ذريعة الترميم تعيد لنا ذاكرة مشهد اقتحام شارون للمسجد الأقصى في 28/9/2000م وهو محاطاً بالآلاف من جنود جيش الاحتلال اليهودي ، وقوات حرس الحدود والقوات الخاصة ، مما استفز المسلمين وأثار مشاعرهم ، وتبعها أحداث جسام راح ضحيتها العديد من الدماء واندلعت انتفاضة في كل أنحاء فلسطين .

         فالمسجد الأقصى كان وما زال عنوان الصراع مع اليهود الغاصبين ، ومقياس التهدئة والتصعيد ، والشعلة والفتيل لتصاعد الأحداث ، وكثير من الأحداث الجسام على أرض فلسطين اشتعلت شرارتها من المسجد الأقصى المبارك ، مروراً بأحداث البراق في عام 1929م عندما حاول اليهود السيطرة على حائط البراق ، وحرق المسجد الأقصى ، وأحداث النفق أسفل منه ، إلى اقتحام المجرم شارون ساحات المسجد الأقصى ، وتلاها تهديدات الجماعات اليهودية باقتحام المسجد الأقصى ، وممارسات خلال العام المنصرم هي الأخطر منذ أن سقطت القدس بأكملها بأيدي اليهود !!

حارة المغاربة التاريخ المفقود:

كان أول عمل قام فيه اليهود بعد احتلالهم مدينة القدس سنة 1967م الاستيلاء على حائط البراق ، ودمروا حارة المغاربة ، وتم تسويتها بالأرض بعد أربعة أيام من  احتلال القدس ، وشردت سكانها المسلمين ، وكان في حارة المغاربة قبل أن تهدم أربعة جوامع ، والمدرسة الأفضلية وأوقاف أخرى ، وأصبحت حارة المغاربة في ذاكرتنا بعد أن كانت أوقافاً إسلامية ، وأطلق اليهود عليها بعد ذلك ساحة المبكى بعد أن دفنوا تاريخ حارة وقفية إسلامية ، وهاهم اليوم يعملون ليوسعوا تلك الساحة ويقيموا عليها مبانٍ جديدة أو متجددة ويفتحوا طرق ليسهل عليهم الوصول منها إلى ساحات المسجد الأقصى ، متى شاءوا ...

نداءات وتنديدات من يسمعها ؟!

وحمل قاضي القضاة ورئيس رابطة العلماء المسلمين في الأراضي الفلسطينية تيسير التميمي "الحكومة الصهيونية وعلى رأسها رئيس الوزراء إيهود اولمرت مسؤولية عواقب هذه الجريمة الكارثية في المنطقة ، وأضاف أن على أبناء الشعب الفلسطيني في جميع أماكن تواجدهم أن يهبوا لنجدة المسجد الأقصى المبارك ".

وناشد مفتي القدس محمد حسين القادة وزعماء العالم العربي والإسلامي والدول والحكومات والمنظمات الدولية ذات العلاقة, وبالذات "منظمة اليونسكو" التحرك لوقف الحفريات في السور الغربي للمسجد الأقصى ، وحذر من كارثة حقيقية في مدينة القدس في حال وقوع أي زلزال ارضي "بسبب الحفريات التي تقوم به سلطات الاحتلال تحت مسجد الأقصى".

وأكدت دائرة الأوقاف الفلسطينية أن هذه الأشغال تعرض للخطر أساسات المسجد الأقصى ، حيث بدأت جرافات الاحتلال فجر اليوم الثلاثاء 6/2/2007م بإزالة الجدران الخشبية المحيطة بتلة باب المغاربة و المحاذية لبوابات المسجد الأقصى المبارك تمهيداً لإزالتها.

عام 2006م الأخطر على المسجد الأقصى منذ الاحتلال:

الاعتداءات اليهودية على المسجد الأقصى في عام 2006م هي الأخطر منذ عام 1967م ، فقد استغلت الحكومة اليهودية وبلدية القدس والجماعات اليهودية المتطرفة انشغال الساحة الفلسطينية حكومة ورئاسة وشعب بأكمله بأنفسهم ، وعمل بكل قوته لمسح كافة المعالم الإسلامية في القدس ، ونفذ الكثير من الإنشاءات خلال عام 2006م لفرض الأمر الواقع على الأرض ، فافتتح كنيس لصلاة اليهود أسفل وجوار المسجد الأقصى ، ودشن المتاحف ليجعل له تاريخ من لاشيء ، ووسع ساحة البراق والتي جعلوها ساحة للمبكى على أمجادهم المزعومة ... واعتمد إنشاءات جديدة وكأنهم في سباق مع الزمن لسلب المسجد الأقصى وتهويده - وقد عرضنا ذلك بالتفصيل في الحلقة الأولى من مقال (عام 2006م  الأخطر على القدس والمسجد الأقصى منذ الاحتلال)  - وحيث أن الاعتداءات طالت جوانب عدة ينبغي الإشارة إليها والتنبيه على خطورتها والتي لم تهمل شيئاً نافعاً لتغيير الحقائق وفرض أمر واقع يصعب معه معرفة ما جرى وما يجري ، فالتزوير طال كل ما هو إسلامي وعربي في بيت المقدس والبلدة القديمة في شرقي القدس ، فالأسماء حرفت والآثار سرقت والمعالم طمست ، والحفريات مستمرة ، والمنازل تهدم ، والهويات تسحب ، وجدار عزل أهل القدس عن محيطهم العربي.

 

ولا شك أن الوقت الحالي وفر فرصة ذهبية للاحتلال لتنفيذ مخططاته العلنية ، لجني ثمار الوضع العربي والإسلامي ، فدفعوا بآلياتهم ومعداتهم ليهدموا ما أرادوا في مشاهد مؤلمة تبث لنا بثاً مباشراً لتطلعنا على نتاج عمل دؤوب نفذوا قبله العديد من المشاريع والتي ظهرت للجمهور أجمع من كنس ومتاحف وجرف لمقابر للمسلمين تحوى رفات بعضاً من صحابة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، والمتابع للأحداث خلال العام المنصرم (2006م) يجد أنها كانت الأكثر إنجازاً في التهويد لفرض أمر واقع لا يمكن معه الصمود كثيراً ، وقد استغلوا في ذلك انشغال الطرف الفلسطيني بمشاكله الداخلية والتي تعقدت أسوأ تعقيد ، ولخداع الرأي العام سمحوا بتركيب منبر جديد لمصلى المسجد الأقصى يشابه ويحاكي المنبر الذي تم حرقه حينما حرقوا المسجد في 21/8/1969م !!

 

لماذا هذا الاجتراء على المسجد الأقصى؟

 الاعتداء على المسجد الأقصى المبارك فعلاً لم يعد مطروحاً للنقاش كونه سيكون أو لا يكون ، بقدر ما أن السؤال هو كيف ومتى سيكون ؟! فبالتالي فإن الاعتداء على المسجد الأقصى المبارك هو مرتبط أصلاً بقناعات الجماعات اليهودية والتي تدعمها أحزاب سياسية تحت قبة البرلمان اليهودي التي تؤمن بضرورة بناء الهيكل الثالث على أنقاض المسجد الأقصى المبارك.

ولنا أن نقف ونسأل لماذا هذا الاجتراء على المسجد الأقصى ؟ وفي هذا الوقت بالذات! ولماذا تصعّد الأحداث في فلسطين بالاعتداء على المقدسات ؟! على الرغم من كل صيحات التنديد والتحذير من محاولة الاحتلال اليهودي المساس بالمسجد الأقصى ، أو السماح لليهود بدخوله ، وتحميلهم عواقب هذه الممارسات ، والذي يشهد عليها التاريخ منذ أن دخل أول مغتصب يهودي أرض فلسطين ، إلى يومنا هذا. 

ومع ذلك فاليهود قادة وشعباً وأحزاباً ومؤسسات سائرون في مخططاتهم واستفزازاتهم، وما زالت الاعتداءات مستمرة على المسجد الأقصى - بل على المساجد في فلسطين عموماً - فهي ممارسات مدروسة ومحسوبة النتائج ومفضوحة الأهداف لكل من عرف تاريخ اليهود وافتعالهم للأحداث لينالوا أهدافاً أخرى يرجونها ، فالحقيقة التي يجب أن يعرفها الجميع هي أن اليهود يصعدون ويعملون على استمرار الأحداث في فلسطين ، بجعل القدس والمسجد الأقصى بؤرة الصراع ، ومنطلق الأحداث!!

ومما سبق نخلص الآتي :

·    أن دفاعنا عن القدس والمسجد الأقصى هو دفاع عن كل شبر من أرض فلسطين فالقدس عنوان وبوابة فلسطين ، وأن ما يحدث من قرارات واعتداءات يهودية للمساس بإسلامية المسجد الأقصى ، وحقوق المسلمين فيه ، هي شعلة لأحداث جديدة تشمل كل فلسطين والعالم الإسلامي .

·    والمسؤول الأول والأخير هي "قيادة الاحتلال" ، فالكيان اليهودي اليوم وأكثر من أي وقت مضى مرتبط كمصير بمجموعة من المتطرفين ، ويجب الحذر على صعيد الأمة الإسلامية والعالم العربي والشعب الفلسطيني ألا تنطوي علينا هذه الحيل الإعلامية الرخيصة الذي يشرف عليها بعض الصحفيين العبريين محاولين أن يبيضوا وجه المؤسسة الصهيونية بقولهم أن أعمالهم تقتصر على الترميم دون أهداف أخرى!!

 

نسأل الله تعالى أن يرد كيد اليهود ، ويرحم إخواننا في القدس وفلسطين ، وأن يحفظ المسجد الأقصى من دنس اليهود ومن كل ظالم جحود .

 
والحمد لله رب العالمين

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ...

 

عيسى القدومي

العدد الثالث – مجلة بيت المقدس للدراسات

.