فلسطين التاريخ / الواقع الفلسطيني في العراق

فلسطينيو العراق وانعدام الحس العربي!!

 

 

فلسطينيو العراق وانعدام الحس العربي!!

 

يوماً بعد يوم تتكشف الأمور وتظهر للعلن شواهد مؤلمة من واقع الفلسطينيين في العراق الذين أصبحوا لا بواكي لهم إلا تقمّص الفرص التي تسيس الأمور لصالح فئات معينة، ثم الارتقاء بتلك المظالم لمكاسب نفعية ومصلحية يطول المقام بذكر أصولها فضلاً عن مفرداتها.

كان قديماً يضرب المثل بالأخلاق والآداب العربية وأصالتها التي جاء الإسلام ليتممها إذ يقول عليه الصلاة والسلام كما في الحديث الصحيح ( إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق ) حتى كان يضرب المثل بكرم حاتم الطائي وشجاعة عنترة في الجاهلية لمعدنهم العربي وأصالة مبادئهم رغم الجاهلية.

هنالك مواقف وقصص سطرها التاريخ عن شجاعة العربي والتزامه بأصالته ومواقفه حتى لو كلفت حياته، ونذكر من ذلك حادثتان :

الأولى : عن أبي موسى قال : لما فرغ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من حنين ، بعث أبا عامر الأشعري على جيش أوطاس ، فلقي دريد بن الصمة ، فقتل دريد ، وهزم الله أصحابه ; فرمى رجل أبا عامر في ركـبته بسهم ، فأثبته . فقلت : يا عم ، من رماك ؟ فأشار إليه . فقصدت له ، فلحقته ، فلما رآني ، ولى ذاهبا . فجعلت أقول له : ألا تستحي ؟ ألست عربيا ؟ ألا تثبت ؟ قال : فكف ، فالتقيت أنا وهو ، فاختلفنا ضربتين ، فقتلته . ثم رجعت إلى أبي عامر ، فقلت : قد قتل الله صاحبك . قال : فانزع هذا السهم . فنزعته ، فنزا منه الماء . فقال : يا ابن أخي ، انطلق إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، فأقْرِه منِّي السلام ، وقل له : يستغفر لي . واستخلفني أبو عامر على الناس ، فمكث يسيرا ، ثم مات . فلما قدمنا ، وأخبرت النبي -صلى الله عليه وسلم- ، توضأ ، ثم رفع يديه ، ثم قال  "اللهم اغفر لعبيد أبي عامر" ، حتى رأيت بياض إبطيه . ثم قال :اللهم اجعله يوم القيامة فوق كثير من خلقك" فقلت : ولي يا رسول الله ؟ فقال : اللهم اغفر لعبد الله بن قيس ذنبه، وأدخله يوم القيامة مدخلا كريما .

فهذا رجل مشرك كافر لكن منعته الشجاعة والشهامة العربية من الهرب ولقي حتفه، ونحن لا نريد من العرب اليوم التضحية بدمائهم بل بأدنى من ذلك بكثير وهو الإحساس فقط وتخفيف المعاناة عن 25000 فلسطيني تعرضوا لاضطهاء وتطهير عرقي وتهجير على خلفيات طائفية وتذويب في مجتمعات غريبة عليهم.

الثانية: الشاعر الذي قتله شعره هو أبو الطيب المتنبي، وتتلخص قصة مقتل أبو الطيب أنه عندما سافر إلى شيراز ومدح عضد الدولة البويهى، ثم قرر أن يعود إلى الكوفة مسقط رأسه، حيث اعترضه أعراباً من بني ضبة بقيادة فاتك الأسدي طريقه لأنه كان قد هجا ضبة بشعر مقذع ، فدار قتال شديد بينهم وبين المتنبّي وابنه وغلامه ، وأراد المتنبي أن يفر ولكن غلامه قال له: كيف تفر من المعركة. وأنت القائل: الخيل والليل والبيداء تعرفني والسيف والرمح والقرطاس والقلم فرجع الى القتال وقاتل في المعركة حتى قتل عام 354 هـ.

فأين نحن عن مثل هذه المواقف إذا أردنا أن نستهجن ضعف المواقف الإسلامية مع قضيتنا، فأين الأصالة العربية؟! أين الحس أين الشهامة أين النخوة ؟!! فهذا المتنبي يجازف بحياته حتى لا يقال عنه خالف قوله فعله، لأن هذا عيبا عند العرب وأشد من ذلك قول ربنا سبحانه ( لم تقولون ما لا تفعلون . كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون ) وما أكثر ما قيل في قضيتنا لكن أين العمل!! وأين بلاد العرب أوطاني؟!!

ولو رجعنا قليلا إلى الوراء وتأملنا الحكمة من اختيار الجزيرة العربية لحمل أعباء هذا الدين والرسالة المحمدية، لوجدنا أن في تلك الفترات كانت دولتا الفرس والروم هي الحاكمة والمهيمنة، إلا أن الفرس كانوا عباد النار والروم رغم أنهم نصارى إلا أنهم حرفوا دين المسيح عليه السلام وأصبحوا وثنيين، ولم تكن هذه القوى قادرة على توجيه البشرية لدين صحيح تصلح به أحوال الناس.

أما الشعوب الأخرى فكانت تعبد الأوثان وينتشر عندهم الفساد والانحلال والبربرية كاليونان وأوربا، أما الهند والصين وغيرها فتنتشر عندهم البوذية والهندوسية وغيرها، ناهيك عن اليهود المشتتين في بلاد الشام والعراق والحجاز وحرفوا دين موسى عليه السلام.

جزيرة العرب كانت في عزلة عن تلك الاضطرابات والانحرفات والضلالات، لبعدها عن المدنية والتحرر والترف، وعلى ما كانت عليه من انحراف إلا أنها كانت أقرب إلى الفطرة وأدعى لقبول دين صحيح يخرج الناس من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد ومن ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام.

ناهيك عن الموقع الجغرافي المميز بوسط تلك الأمم الغارقة، بالإضافة لوجود البيت العتيق، وسلاسة اللغة العربية وما تمتاز به، وما نود التنبيه عليه أن اختيارهم بالإضافة لأنه تشريف فهو تكليف أيضا لنشر هذا الدين ونقله في أرجاء المعمورة، مع أن الإسلام جعل مقياس الخيرية بالتقوى ولم يفرق بين عربي أو أعجمي إلا بذلك ( إن أكرمكم عند الله أتقاكم ).

والسؤال الذي يطرح نفسه في خضم ضياع أقلية عربية مسلمة اقتلعت من جذورها بفلسطين، لتلاقي مصير مجهول آخر في العراق بعد ستة عقود وهجرات متكررة؛ ما هو الموقف العربي الرسمي والشعبي إزاء هذه الفاجعة؟!!

الواقع المرير.. والشر المستطير.. والتشرذم الكبير.. وخطورة التهجير .. ومستقبل مجهول خطير، كل ذلك يجيب بوضوح بضحالة الموقف العربي الرسمي والجماهيري، إلا من رحم الله وقليل ما هم، حتى أصبحنا ثقلا وعبئا على تلك الدول، بدلا من إنصافنا واستضافتنا وحمايتنا.

بلاد العرب تمتاز بمساحات شاسعة وصحراي متعددة وخيرات هائلة، فلا يطلب منهم أن يجوعوا حتى نشبع، ولا أن يموتوا حتى نعيش، ولا أن نزاحمهم في خيراتهم ومساحاتهم، بل ما نريده الحفاظ على هويتنا وديننا وعروبتنا المعرضة لخطر محدق يفوق القتل والتعذيب، وربنا جل في علاه يقول( إنما المؤمنون أخوة )، ويقول عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح (ليس المؤمن بالذي يشبع و جاره جائع إلى جنبه ) فهل يعي ذلك من ترك آلاف الفلسطينيين جوعى في صحراء الحدود العربية!!

ومن فقد الحس الإسلامي نخاطبه بالأصالة العربية والنخوة والشهامة، فالكل سيسئل بين يدي الله عز وجل عن تلك العوائل التي لم تسعها الأراضي العربية لتستقبلهم دول ما وراء المحيط وبلاد الأمزون بل أبعد من ذلك في نيوزلندا وغيرها رحماك ربي رحماك.

هل تعلمون أيها السادة أن رسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام دخل مكة بجوار المطعم بن عدي وهو مشرك، بعد أن طرده أهل الطائف وآذوه، لكن هذا الكافر أخذته الحمية العربية، مع أن نهاية عز أولئك ببقاء الإسلام شامخا، لكن شهامته وكرمه أبى إلا التغلب على الجاهلية في هذه الجزئية، واليوم أمثال المطعم بن عدي في غير بلاد المسلمين يقبلون الفلسطينيين على أراضيهم ويستضيفونهم وبلاد العرب أوطاني ضاقت بهم وأصبحت على الخريطة فقط!!

للأسف هنالك من يموت بسبب التخمة من العرب والعديد من العوائل لا يجدون مأوى، وآخرون لا يعرفون أين يذهبون بأموالهم والفلسطيني في العراق لا يجد من يسأل عنه، والله الذي لا إله غيره لو توقف العرب عن التدخين يوم واحد فقط لتمت معالجة مشكلة الفلسطينيين في العراق، أو لنقل لو توقف العرب لساعة واحدة فقط عن استعمال أدوات التجميل الزائدة عن الحاجة، لانتهت معاناة 25000 فلسطيني يعانون الأمرين فضلا عن آلاف مؤلفة في شتات الأرض، إلا أننا اليوم نعيش في زمن طغت عليه الماديات والله المستعان!

إن القلب يكاد يتفطر والعقل يفجع، بهذا الواقع الأليم الذي آلت إليه الأحوال، والعجب كل العجب أن أي دولة عربية لم تقبل استضافة واستقبال أي فلسطيني من العراق أسوة بدول أوربا وأميركا اللاتينية وغيرها، فحق للقلب أن يحزن والعين أن تدمع وإنا على حال أمة العرب لمحزونون لمحزونون لمحزونون.

أي جرح في فؤاد المجد غائـر *** أي موج في بحار الذل هـادر
أي حزن أمتي بـل أي دمـع في *** المآقي أي أشجان تشاطـر
أمتي يا ويح قلبي مـا دهـاكِ *** داركِ الميمون أضحى كالمقابر
كل جزء منكِ بحر من دمـاء *** كل جزء منكِ مهدوم المنابـر
تغرس الرمح الدنيئة في صدور *** العز والأمجاد ترمقها البصائر
كم هوت منا حصون غير أنـا *** نفتح الأفواه في وجه التآمـر
ذلك الوجه الذي يلقى قضايانا *** كما يلقى الطرائف والنـوادر
أيها التاريخ لا تعتـب علينا *** مجدنا الموؤود مبحوح الحناجر
كيف أشكو والمسامع مغلقات *** والرجال اليوم همهم المتاجـر
ثلة منهم تبيع الديـن جهـراً *** تلثم الحسناء والكـأس تعاقـر
ثلة أخرى تبيت علـى كنـوز *** لا تبالي كان بؤس أم بشائـر
لا تـراع فالحقائـق مترعاة *** بالأسى يا أمتي والدمع سائـل
إنها حواء تمضـي لا تبالـي *** إنها تجني من اللهو الخسائـر
إنما العيـش الذي نحياه ذل *** نرتضي حتى وان دنت الكواسر
يرفع المحتال قومي يا الهـي *** والصديق الحق للعدوان آمـر
أيها التاريخ حدث عن رجـال *** عن زمان لم تمت فيه الضمائر
هل ترى يا أمتي ألقاك يومـاً *** تكتبين لنا من النصر المفاخـر
ذلك الحلم الذي أرجـوه دوماَ *** أن أراك عزيـزة والله قــادر

 

 

أيمن الشعبان

باحث متخصص بشأن الفلسطينيين في العراق

12/2/2010

 

 

.