فلسطين التاريخ / أعلام بيت المقدس
نبذة من سيرة الشيخ أحمد بن قدامة .
نسبه: هو أحمد بن محمد بن قدامة بن مقدام بن نصر بن عبدالله بن حذيفة بن محمد بن يعقوب بن القاسم بن ابراهيم بن اسماعيل بن يحيى بن محمد بن سالم بن الصحابي الجليل عبد الله بن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب العدوي القرشي رضوان الله عليه، وكان الشيخ أحمد ينتسب إلى القدس، فيقال عنه: أحمد بن قدامة الجماعيلي المقدسي ويكنى بأبي العباس وكان والد الشيخ محمد بن قدامة خطيب جماعيل وجاء بعده ابنه الشيخ أحمد الذي نحن بصدده وكذلك ابنه محمد (أبو عمر) خطباء جماعيل، وقد اشتهروا بالتقوى والعلم ومقاومة الفرنجة، فقد كان الشيخ أحمد يحرض الفلاحين ضد الكفار الصليبيين المحتلين ويحثهم على الانصراف للدين وترك العمل للفرنجة في الأرض، حيث أن الفرنجة قد جعلوا من الفلاحين المسلمين عبيد الأرض، وقد فرضوا عليهم الجزية وقيود الإقامة الجبرية فأصبحوا عبيداً رقيقاً عندهم، كالعبد لسيده، فهم مورد الزرق بالنسبة لهم، وتنبه الفرنجي باليان بن بارزان صاحب إقطاع الجماعينيات لنشاطات الشيخ أحمد وقيل له: إن هذا الرجل يشغل الفلاحين عن العمل، ويجتمعون عنده، فتحدث في قتله، ونما الخبر إلى الشيخ أحمد من أحد المقربين من باليان، فقرر الشيخ أحمد الرحيل إلى دمشق فراراً بدينة، حيث كان قد درس العلم على حنابلتها بني الشيرازي الحنبلي، ولم يكن اختيار الشيخ أحمد لدمشق ناجماً فقط عن أنه درس فيها وعن أنها أقرب بلد إسلامي إلى بلده وعن أن العلاقات التجارية والاجتماعية كانت دوماً قائمة وقوية بين نابلس ودمشق من خلال الطريق التجاري الذي يربطهما باستمرار، ولكن ثَمَّةَ سبب آخر يجتذب الشيخ أحمد الجماعيلي إلى دمشق ويفتح لضيقه بالحكم الفرنجي باب الأمل، وهو أن هذا البلد (دمشق) قد انقلب من بلد مستسلم متخاذل أمام الفرنجة على مدى السنين الماضية أيام معين الدين أنر ثم أيام الملك مجير الدين أبق إلى بلد مجاهد منقذ للمسلمين بعد ما وقع بيد السلطان نور الدين بن زنكي وقام بتوحيده مع حلب في جبهة واحدة أمام الصليبيين، مع ما اتصف به من التقوى والورع والزهد والعدل والجهاد في سبيل الله، فكان في نظر المسلمين هو بطل الإسلام المنتظر وبطل التحرير، مما جذب كثيراً من العلماء والفقهاء والمتطوعة والمجاهدين لهذا البلد والانضواء تحت راية التوحيد والجهاد التي رفعها السلطان نور الدين رحمه الله وقدس روحه، ولم تكن طرق السفر آمنة بين مملكة الفرنجة ومملكة دمشق، فعليها قطاع الطرق في الغور وعلى نهر الشريعة، وعليها جند الفرنجة يقبضون على من يهرب من الفلاحين، ولهذا مضى الشيخ أحمد مع ثلاثة من أهله، ابن أخيه محمد بن أبي بكر وابن أخته عبد الواحد بن أحمد، وزوج أخته الأخرى عبد الواحد بن علي بن سرور في رجب سنة 551هـ الموافق أيلول 1156م فوصل دمشق وقرر البقاء فيها نهائياً، وكتب مع أقربائه الذين أوصلوه رسالة إلى ابنه أبي عمر محمد يطلب منه اللحاق به، وأنه : ما بقي يرجع إلى تحت أيدي الكفار أبداً، ويقول : ما أقول إلا كما قال إبراهيم عليه السلام: "فمن تبعني فإنه مني ومن عصاني فإنك غفور رحيم".
وحصلت بعض المشاكل للشيخ أحمد حين اتهمه بنو الحنبلي وجماعته بأنهم أصبحوا أشاعرة شافعية، وأن المسجد الذي نزلوا فيه (مسجد أبي صالح) وما يتبعه من أوقاف هو للحنابلة، واستعدوا عليهم السلطات وكان بنو الحنبلي قد أنزلوا الشيخ في المسجد المذكور وما يتبعه من أوقاف لكونه من الحنابلة، وقد نقل الشيخ وأولاده بعض المسائل عن ابن عصرون قاضي القضاة الشافعي فنقموا عليهم واتهموهم بأنهم أصبحوا أشاعرة، وأنه لا بد من إخلائهم للمسجد المذكور ولكن شهادة القاضي ابن عصرون قاضي القضاة لدى نور الدين بتقوى هذه الجماعة كانت كافية لكي يكتب نور الدين للمقادسة كتاباً رسمياً بتحويل الوقف إليهم، وجاء ابن عصرون إليهم بنفسه يحمل الكتاب ويسلم المسجد والوقف، وفرح المقادسة إلا الشيخ أحمد كبيرهم فإنه ضاق صدره وقال: أنا هاجرت حتى أُنافس الناس على دنياهم؟ ما بقيت أريد أن أسكن هاهنا!!! فانتقل من ذلك المكان إلى سفح جبل قاسيون وترك مسجد أبي صالح وأوقافه لأصحابه بني الحنبلي الذين حرضوا عليهم السلطات.
وقد لحقت بآل قدامة بعض الأسر القريبة منهم، فهاجروا معهم إلى دمشق، ومن هذه العائلات:
- آل عبد الهادي وجدهم يوسف بن محمد بن قدامة ، وهو شقيق الشيخ أحمد المهاجر الأول إلى دمشق.
- بنو سرور بن رافع الجماعيلي، ويرتبطون مع آل قدامة برابطة المصاهرة.
- بنو عبدالواحد بن أحمد السعدي، وابنه الحافظ الضياء بن رقية بنت الشيخ أحمد وهم بدورهم أصهار في آل قدامة.
وغيرهم من العائلات التي انضوت تحت رايتهم، مثل أسرة المرداوي وأسرة راجح وأخيراً الأسرة التي برزت في القرن الثامن بنو مفلح الراميني.
أما صفات الشيخ أحمد بن محمد بن قدامة (جد العائلة) القدامية فقد كان رحمه الله زاهداً صالحاً عابداً ورعاً قانتاً لله، صاحب جد وصدق، وحرص على الخير، صاحب كرامات وعبادات، ومجاهدات، وكان له مهابة عظيمة، لا يراه أحد إلا قبّل يده، وكان خطيب جماعيل وعالمها وزاهدها ومحدثها، وحَدَّث وروى عنه ولداه: محمد (أبو عمر) وعبدالله (الموفق) وبناته: رقية ورابعة، قال أبو الفرج بن الحنبلي: كان له قدم في العبادة والصلاح، سمعت والدي يقول: لو كان نبي يبعث في زمان الشيخ أحمد بن محمد بن قدامة كان هو، وكان مولده سنة 491هـ، وتوفي سنة 558هـ، ودفن بسفح قاسيون وإلى جانبه دفن ولده أبو عمر. رحمهما الله وسائر المسلمين وأسكنهما فسيح جناته..آمين.