فلسطين التاريخ / منتقى الأخبار
حوار مركز بيت المقدس للدراسات التوثيقية مع فضيلة الشيخ الدكتور ناصر العمر
حوار مركز بيت المقدس للدراسات التوثيقية مع فضيلة الشيخ الدكتور ناصر العمر
* أ. د. ناصر بن سليمان بن محمد العمر ـــــ من قبيلة بني خالد المعروفة , مواليد عام 1373هـ الموافق 1952م
* حاصل على درجة الأستاذية ـــــ تخصص ( القرآن الكريم وعلومه ) عام 1993 م . [2]
* الأمين العام لرابطة علماء المسلمين .
* رئيس مجلس إدارة الهيئة العالمية لتدبر القرآن الكريم .
* المشرف العام على مؤسسة ديوان المسلم " التي تضم عدة مؤسسات مختلفة " .
* له العديد من المؤلفات والكتب والبحوث والمقالات المنشورة .
وهذا هو نص الحوار :
مركز بيت المقدس للدراسات التوثيقية :
في بداية هذا الحوار يسعدني أن أرحب بكم في أرض غزة المنتصرة بحول الله سبحانه وتعالى وأقول لكم : حللتم أهلا ونزلتم سهلا , وأسأل الله سبحانه وتعالى أن تكون زيارتكم التضامنية في ميزان حسناتكم , وبعد
فاسمح لي شيخي الفاضل أن نبدأ الحوار مع فضيلتكم على بركة الله لأستهله بالسؤال الأول ..
ما هي الرسائل التي تودون إيصالها من خلال زيارتكم لقطاع غزة , وحبَّذَا لو أعطيتنا فكرة عن رابطة علماء المسلمين التي أتيتم ضمن إطارها وتحملون شعارها ؟
ن
د. ناصر العمر : بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا وبعد .
جئنا للسلام أولا , وتهنئةً بهذا الانتصارِ الذي قد يَرَاهُ البعضُ يسيراً ونحن نراه عظيماً ؛ لأنه تَحَوُّلٌ في تاريخ القضية الفلسطينية , وفي الوقت نفسه أردنا أن نقول : إن علماء الأمة معكم وبخاصة فإن رابطة علماء المسلمين قد يسأل سائل ما يميزها عن غيرها من الروابط والتجمعات فأقول : أنها تحمل منهج أهل السنة والجماعة " منهج السلف الصالح " ذلك المنهج الوسطي السليم البعيد عن الإفراط والتفريط .
جئنا لنلتقيَ مع إخوانِنَا في قطاع غزة ولنزورَ الجميع فهم يمثلون أهل فلسطين عموما , ولننقل لإخواننا في العالم الإسلامي بل إخواننا في الرابطة ؛ لأن الرابطة يشترك فيها الآن أكثر من أربعين بلدا إسلاميا , وعدد الأعضاء فيها أكثر من مائة عالم ؛ لأننا لم نفتح العضوية بسهولة , والعضوية تَمُرُّ بعدة قنوات صعبة جدا . فأردنا أن ننقل لهم أيضا ما يتعلق بغزة .
وفي الوقت نفسه ننظر ماذا نستطيع أن نقومَ به ونقدمَه لأهلنا في قطاع غزة . وهذا ما تباحثنا فيه اليوم مع إخواننا في الجامعة الإسلامية بغزة , وغدا بإذن الله تعالى سندرس ذلك مع وزير الأوقاف والشؤون الدينية .
نبحث ما هو الشيء الذي يستطيع العلماء أن يؤدوه سواء على مستوى الرابطة , أو على مستوى الأفراد .
فمثلا كوني أنا من بلاد الحرمين الشريفين " المملكة العربية السعودية " أُمَثِّلُ بلدي في هذه الرحلة , وكوني أمينا عاما لرابطة علماء المسلمين يشكل عليَّ مسؤولية أخرى , وكوني أعمل رئيسا للهيئة العالمية لتدبر القرآن الكريم يضيف إلي مسؤولية ثالثة وهكذا .
إذاً نحن نتباحث ونتشاور في حدود قدراتنا وإمكانياتنا , والرسالة الإعلامية والصوت الإعلامي مهم جدا في خدمة القضية الفلسطينية . فعلى سبيل المثال : أجريت اليوم عدة لقاءات مع عدة قنوات إخبارية منها قناة الجزيرة العامة , وقناة الجزيرة مباشر , وقناة الأقصى الفضائية , وقناة المجد .
هذه رسالة إعلامية في يوم واحد , وقبل أيام كنت في زيارة للدوحة ـــــ عاصمة قطر ــــ وخرجت على قناة الجزيرة وتحدثت عن غزة والواجب تجاه أهل فلسطين , وقبل أن أسافر إلى قطر بيوم واحد كنت على قناة المجد للحديث عن نفس الموضوع .
إذاً عَمَلُنَا وتَوَاصُلُنا مع أهل غزة ليس مقتصرا على مجيئنا إلى هنا وزيارتنا قطاع غزة ؛ بل إن غزة تعيش في قلوبنا لأن فلسطين فيها بيت المقدس والمسجد الأقصى , وكل ما نقوم به هو جزء من الواجب وإلا فالمسؤولية كبيرة والواجبات كثيرة .
المركز : ما هي أبرز الأشياء التي لاحظتموها ووقفتم عندها خلال زيارتكم لغزة ؟
أ. د. ناصر العمر : لقد رأينا في غزة أشياءً تُفْرِح وأموراً تُحْزِن . وجدنا الدمارَ الهائل من تدمير لبيوت الله تعالى وتمزيق للمصاحف وكتب العلماء من كتاب الطحاوية , ومجموع الفتاوى لابن تيمية , وفتح الباري شرح صحيح البخاري وغيرها من كتب العلماء . وجدنا تدمير البيوت والمدارس والمساكن فضلا عن القتل والتشريد الذي سمعنا عنه وشاهدنا آثاره .
وفي الوقت نفسه فرحنا من هذا الصمود العجيب ؛ إذ إن الاحتلال الصهيوني قد دَمَّرَ المباني لكنه لم يدمر المعالي , وجدنا الناس أنفسهم قوية وصلبة ومستعدة ومتأهبة للقاء أعداء الله سبحانه وتعالى اليهود , وأن ما حدث من هدنة لم يطلبها المجاهدون ؛ ولكنهم رأوا أن فيها مصلحة لمزيد من الاستعداد وإعداد العدة لملاقاة العدو الصهيوني .
ولقد أدركت سرا من أسرار الصمود حينما رأيت ذلك لدى الأطفال والنساء والشيوخ والمسئولين , فالزائر لقطاع غزة يرى المباني التي لم يمض على هدمها سوى أسابيع قليلة ومع ذلك فإن الناس يعيشون وكأنه لم تمر عليهم حرب , وهذا معنى عظيم جدا وأثَّر فينا كثيرا , وسيكون له بالغ الأثر في ذاكرة الإنسان .
كما أنني كنت أقول للإخوة بأن العلم على ثلاثة مراحل : علم اليقين , عين اليقين , حق اليقين .
فأولها علم اليقين ونحن هناك في بلادنا عندنا علم اليقين عن قضية فلسطين وأحوالها وما يجري فيها فهذا هو علم اليقين .
وعندما جئنا ووصلنا قطاع غزة , وجلسنا في اللحظة الأولى مع المسئولين في غزة وصلنا إلى عين اليقين .
وبعد أن تجولنا في أرجاء غزة وقابلنا الناس وصلنا إلى المرحلة الثالثة وهي مرحلة حق اليقين إذ وجدنا في أهل غزة الكرم والشجاعة والعطاء والإباء والإقدام , وأهم شيء نجده ونطلبه أن يكونوا كلمة واحدة ولحمة واحدة في مواجهة أعداء الله سبحانه وتعالى .
مركز بيت المقدس :
ثار الجدل في الآونة الأخيرة حول مسألة زيارة المسجد الأقصى تحت حراب المحتل الصهيوني , وانقسم العلماء في المسألة ما بين من يقول بالجواز وآخر يقول بالمنع .. ما هو الموقف الشرعي والتأصيلي الذي يراه الدكتور ناصر العمر ؟
أ . د. ناصر العمر : هذا موقفٌ من مواقفِ السياسةِ الشرعيةِ , وقد لا يكون محرمٌ لذاته , ولكنه محرمٌ لما قد يُفْضِي إليه ؛ لأنه عندما يُتَاحُ للمسلمين ويذهبوا ليزوروا المسجد الأقصى المبارك في ظل الاحتلال الصهيوني سَيَتَطَبَّعُوا على وجود الاحتلال ويكون كأنه بمثابة إقرار لهذا الاحتلال الصهيوني , ولكن عندما ننظر إلى منع الناس من الذهاب للمسجد الأقصى سيظلون يَحُنُّون إليه وإلى شيء ثمين وغالٍ في نفوسهم , وهنا تجدهم يدفعون الغالي والنفيس من أجل أن يحرروا الأقصى لذاته , ولكي يصلوا فيه ؛ بخلاف لو أُذِن لهم الآن الصلاة في المسجد الأقصى .
وحتى نعرف الحكم الشرعي لديَّ مثالٌ بسيط جدا مع التأكيد أنني من المانعين الذين لا يرون جواز الذهاب للمسجد الأقصى في ظل الاحتلال الصهيوني .
لو أننا قلنا لليهود هل تسمحون للمسلمين بزيارة المسجد الأقصى فأظن أنهم سيقولون : نعم وسيفرحون بذلك . إذاً موافقتهم وفرحهم يدل على أن لهم مكاسب كبيرة من وراء تلك الزيارة وعليه : فلا نذهب في هذا الوقت مخالفة لرغبتهم وهواهم .
كما أن الذين ذهبوا وزاروا المسجد الأقصى في ظل الاحتلال الصهيوني تعلمون الحملة التي نظمت ضدهم , وخطؤهم في هذا التصرف , واسمح لي أن أقول : أن بعض الذين ذهبوا لم يحرروا المسألة تحريرا شرعيا ؛ لأن بعضهم لم يكن أهلا لتحرير مثل تلك النازلة الخلافية .
وخلاصة القول : فلا أرى جوزا الذهاب للمسجد الأقصى , وإن كان هناك مخالفين لرأيي ؛ لأن تلك المسألة من المسائل الخلافية التي تحدث فيها العلماء كثيرا . وبشكل عام فرأيي مع المنع وإلى التحريم أقرب . والله أعلم .[3]
المركز : هل لك أن تُقَيِّم عمل مركز بيت المقدس للدراسات التوثيقية , وهل من نصيحة توجهها للقائمين على المركز ؟
د. ناصر العمر : أخي الكريم هناك قاعدة تقول : " من يملك المعلومة يملك القوة " , ولذلك معلوماتي عن هذا المركز معلومات محدودة من خلال كلمات سمعتها منك أخي محمد [4], لكنني فهمت من قولك أن عمل المركز يُعْنَى بتحرير المعلومة المتعلقة ببيت المقدس , المعلومة الموثقة , المعلومة التي تخضع للعرض العلمي الدقيق الذي يفحص الصحيح من غيره .
ولهذا فإنني أوصيهم وأقول لهم : بأننا في أمس الحاجات للمعلومات الدقيقة المتعلقة ببيت المقدس وتوصيلها للأجيال .
أحيانا قد لا نملك تحقيق ما نريده نحن في حياتنا لكننا نستطيع أن نخدم الأجيال اللاحقة , فمثلا الرجل الذي يحتفظ بنسبه ينفع لأبنائه ولو بعد الابن السابع لأنه احتفظ بالنسب من أن يكون مدخولاً أو مُزَيَّفًا , وكذلك الذي يعنى ببيت المقدس ويوثق ما يتعلق بهذا البيت من إيجابيات وسلبيات من تاريخ النشأة ومرورا بما مر به هذا المسجد من احتلال على أيدي الصليبيين ومن بعدهم .
أعتقد أن هذه فرصة نحتاجها لتحرير بيت المقدس لذلك أسأل الله أن يعينكم على هذه المهمة الصعبة المرتبطة بجلب المعلومة وتوثيقها والتدقيق فيها , والتاريخ لا يظلم أحدا ويعرف المزيف من الحقيقي وسيأتي أجيال يُقَدِّرُون تلك الحقيقة , ولذلك نحن نقدم صحيح البخاري وصحيح مسلم على غيرهما , وقد تجد بعض الكتب فيها من الأحاديث أكثر من صحيح البخاري , ولكن الشروط التي وضعها الإمامين البخاري ومسلم في كتابيهما جعلتهما أصح الكتب بعد كتاب الله عز وجل .
هكذا إذا تكون مهمة هذا المركز في التوثيق والدقة والانتشار , كما أوصيهم بإرسال ما يصلون إليه من معلومات عبر الوسائل الحديثة ؛ إذ كان في السابق إذا استطعت أن تطبع عشرة آلاف نسخة من الرسالة أو الكتاب يعتبر رقما عظيما ومع ذلك لا تصل إلا إلى هذا العدد هذا إن قرؤوها .
أما اليوم بفضل الله عز وجل انتشرت وبكثرة مواقع الانترنت وتويتر ووسائل إعلامية أخرى , وهذه فرصة ثمينة لكي توصلون رسالتكم للجميع للقريب والبعيد عبر حسن استخدام وسائل الإعلام والاتصال الحديثة .
المركز : في ختام هذا اللقاء لا يسعنا إلا أن نشكر فضيلتكم على ما منحتنا من وقت غال وثمين سائلين المولى عز وجل أن نلتقي قريبا في باحات المسجد الأقصى المبارك .
[1] ــ أجرى الحوار محمد زياد الناجي , وقد أجرى الحوار مع فضيلة الدكتور ناصر العمر في فندق المتحف بمدينة غزة .
[2] ــ بعد نيل الشيخ درجة الأستاذية أُدخل مدرسة يوسف عليه السلام ـــ يقصد بذلك السجن ـــ وأمضى فيه عدة سنوات , ويقول الشيخ حفظه الله : بعد نيل أعلى شهادة لم يتبق لي من الشهادات إلا أن أدخل مدرسة يوسف حيث الشهادات هناك من نوع مختلف .
[3] - ينوه مركز بيت المقدس للدراسات التوثيقية بأن هذه التصريحات الصادرة عن الدكتور ناصر العمر هي للزوم الحوار فقط , ولا يجوز استخدامها لأغراض أخرى , وسيقوم المركز بنشر قول الشيخ العلمي الدقيق في هذه المسألة , وتدوين الفتوى في وقت لاحق بإذن الله تعالى .
[4] - كان عقد الحوار مع الأستاذ الدكتور ناصر العمر قبل أن يطلع بشكل واف على إنجازات المركز , ومشاريعه التي يقيمها في غزة , والحوار بمثابة بداية لتعرف الدكتور على المركز , ولكن قبل أن يغادر الدكتور قطاع غزة كانت الأمور قد اتضحت لديه أكثر بعد تقديم المركز إصداراته وعرض مشاريعه على فضيلة الدكتور حفظه الله .