فلسطين التاريخ / الواقع والمأمول

غزة ... بعد عام من العدوان

 

 

 

غزة ... بعد عام من العدوان

 

عيسى القدومي

 

 

بعد عام من العدوان على غزة .. وبعد الهدم والدمار والقتل والتشريد.. لا يسمح للضحية أن تلملم جراحها أو تعيد بناء نفسها !! بل وتمنع من يساعدها من مؤسسات إغاثية القيام بدورها في إغاثة المنكوب من أهل غزة ..

بعد عام من العدوان على غزة ... ما زال الحصار يمنع دخول مواد البناء والترميم ، كما هو الحال في بيوت البلدة القديمة في القدس ، وحال المخيمات الفلسطينية في لبنان !! لا للترميم ، لا للحياة ، لا للإنسانية ... وكلما زادت مناشدات الشعوب العربية والإسلامية ومناداتها لفك الحصار ، زاد الحصار إلى حد الخنق والقتل الجماعي !! وآخره جدار فولاذي !!

بعد عام من العدوان على غزة .. وحصار التحويلات البنكية للمؤسسات الخيرية  في غزة ما زال فاعلاً ، والقطاع الإغاثي معطل أعماله ، العالم أجمع يقف موقف المتفرج ، وإن تحرك سمعنا بيانات الشجب والاستنكار .

بعد عام من العدوان على غزة .. نقف عاجزين أمام 75 % يعيشون تحت خط الفقر ( 2 دولار يومياً ) ، وكثافة سكانية هي  الأعلى في العالم " 54000 شخص " في كم2 الواحد ؛ ما زالت المعابر مغلقة ،و 96 % من المصانع مغلقة  ،و 30 % من المتاجر أغلقت أبوابها ، 65 % من المتاجر خفضت أعمالها و100 % من مصانع النسيج أغلقت أبوابها .

 بعد عام من العدوان على غزة .. لا لمسحة دمعة اليتيم ولا لمعالجة المريض  ، ولا لكفالة أرملة ولا مساعدة لطالب علم !! ما حدث في غزه مذبحه تعود بنا بالذاكرة لتفاصيل مذبحة دير ياسين قبل ستون عام ... مسيره مستمرة منذ المذابح ، جريمة حرب ..... كل من ساهم بها فهو مجرم حرب .

بعد عام من العدوان على غزة ... هل من مجيب لتحذيرات المؤسسات الإنسانية كمؤسسة الضمير لحقوق الإنسان في بيانها الأخير  الذي حذرت فيه من الخطر الصحي والبيئي الذي يواجه قطاع غزة، والذي يؤدي إلى ارتفاع عدد المواليد المشوهة ومعدلات الإجهاض المبكر والأمراض السرطانية بسبب استخدام جيش الاحتلال الأسلحة المحتوية على مواد سامة ومشعة خلال عدوانه على القطاع.

حيث جاء في البيان : "أن الأوضاع الصحية والبيئية في قطاع غزة تزداد سوءاً يوماً بعد يوم، كنتاج لهذا العدوان ولمواصلة إغلاق سلطات الاحتلال لمعابر وحدود القطاع للعام الثالث على التوالي. كما أكد البيان وجود أبعاد وتداعيات بيئية وصحية آنية و مستقبلية خطيرة على صحة مليون ونصف مليون فلسطيني في القطاع، إضافة لتلوث جميع مكونات البيئة الأساسية من مياه وتربة وهواء التي تعاني من تدهور خطير أصلا جراء بقاء هذه المواد في تربة وهواء القطاع واستنشاق المواطنين لها بشكل يومي.

بعد عام من العدوان على غزة ... نقرأ التقارير حول ما استخدمه جيش الاحتلال من أسلحة محرمة أطلقت على كل قطاع غزة حيث جاء في تقرير ايطالي : أن "إسرائيل" أطلقت 3500 قذيفة فوسفورية على غزة وتأثيرها على صحة السكان في المدى المتوسط والطويل ؛ وخلّفت تلوثاً عالياً بالمعادن السامة في التربة.  

وطبقاً للمركز الفلسطيني لحقوق الإنسان ومقره غزة فإن 1417 فلسطينياً استشهدوا 65 بالمئة منهم من المدنيين ومن بين هؤلاء 313 قاصراً و116 امرأة. ولحق الدمار الكامل طبقاً للأمم المتحدة بأكثر من 3530 منزلاً في غزة وتعرض أكثر من 2850 منزلاً لدمار شديد و52900 لدمار طفيف.

بعد عام من العدوان على غزة نسأل لماذا كان ذلك العدوان ؟! سؤال يجيب عليه قادة اليهود ويلخصه "إيهود باراك" في رده على صحفي أمريكي حينما سأله لماذا هذا الإذلال للشعب الفلسطيني فأجاب: " إسرائيل تعلمت أنه ليس ثمة سبيل لتحقيق النصر بالاحتلال، وأن الطريق الوحيد هو اختيار شدة المهانة " !! هذا ما قاله نصاًً وزير دفاع الكيان اليهودي السابق.

فقادة الاحتلال على قناعة بأن تمكين هذا الكيان على أرض فلسطين لن يكون إلا بذلك الحصار وتلك المذابح ، وحواجز الإذلال الموزعة في الضفة على أكثر من 475 بقعة يقف أمامها الفلسطينيين بالساعات بل بالليالي أحياناً يعانون الذل والهوان، وهدفهم واحد هو الإذلال، وتدنيس المقدسات والاعتداءات والممارسات في تغيير معالم القدس فتلك ممارساتهم حتى يدوم احتلالهم.

يمر عام على جريمة الحرب على غزة وما زال القادة والجنود الذين اقترفوا تلك المجازر طلقاء أحرار !! والصمت الدولي على تلك الجرائم والأرقام يفضح حقيقة الموقف الدولي تجاه الصراع العربي الصهيوني والذي يوفر الشرعية والدعم الكامل لجرائم الاحتلال بكل ألوانها.

 

واجبنا جميعاً أن نعمل على نصرة إخواننا في غزة ، ولا نقصد بذلك حكومة هذا أو حكومة ذاك ، وإنما نقصد نصرة مليون ونصف المليون مسلم يحاصرون ويقتلون ببطء وبدم بارد ، ويُحكم عليهم الحصار ، ويمنع عنهم القوت والدواء ونذكر أنفسنا جميعاً بما جاء في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه و سلم: (ما من امرئ يخذل امرءاً مسلما في موطن ينتقص فيه عرضه وينتهك فيه من حرمته إلا خذله الله تعالى في موطن يحب فيه نصرته) . رواه احمد وأبو داوود وهو صحيح  . وقوله صلى الله عليه وسلم: "أوثق عرى الإيمان الموالاة في الله والمعاداة في الله والحب في الله والبغض في الله عز وجل" صحيح الجامع.

 

.