فلسطين التاريخ / تهويد وتزوير وإجرام

مسيرات ورقص في باحات المسجد الأقصى

عيسى القدومي

30-5-2012

ضمن احتفالات سلطات الاحتلال بذكرى اغتصاب شرقي القدس سنة 1967 وضمها للكيان الصهيوني وفق التقويم العبري, وقرار الاحتلال الإسرائيلي بضم القدس وإعلانها عاصمة لإسرائيل.سُمح لعشرات المغتصبين المتطرفين باقتحام المسجد الأقصى والتجول في ساحاته. وقد نُظِّمت مسيرة تكررت مراراً وهي "مسيرة الأعلام" حيث ترفع فيها أعلام الكيان الغاصب  في مدينة القدس، وقد أجبرت شرطة الاحتلال في القدس أصحاب المحلات التجارية إغلاقها بعد أن تم إبلاغهم بأنهم لا يضمنون لهم عدم الاعتداء عليهم من قبل المستوطنين المحتفلين!!

وقد اضطر تجار البلدة القديمة بالقدس إلى إغلاق محلاتهم التجارية, خشية اعتداءات المغتصبين الذين انتشروا بكثافة في القدس رافعين الأعلام الصهيونية احتفالا باحتلال القدس وضمها لذلك الكيان الغاصب، وهذا الإغلاق لم يمنع المغتصبين اليهود من تخريب وتدمير ممتلكات الفلسطينيين، من خلال وضع لاصق الحديد على أقفال المحلات التجارية، مما يؤدي لتلفها وبالتالي وضع أقفال جديدة ، كما قاموا بتدمير السيارات الفلسطينية وواجهات المحلات التجارية، وذلك أمام مرأى ومسمع شرطة الاحتلال، والتي لم تحرك ساكناً، بل أولت هؤلاء المغتصبين الأمن والرعاية والدعم في تسهيل احتفالاتهم, واقتحام المسجد الأقصى.

 مسيرة الأعلام :

وبتنسيق مسبق مع الجماعات اليهودية المتطرفة، والتي تعلن نواياها للعالم أجمع  بهدم المسجد الأقصى, وإقامة المعبد اليهودي على أنقاضه، أعلنت شرطة الإحتلال بأنها سمحت  لنشطاء اليمين الإسرائيلي بتنفيذ تظاهرة ومسيرة رقص الأعلام التي تجوب شوارع القدس والبلدة القديمة، بل وسمحت لهم باقتحام المسجد الأقصى من باب المغاربة في إطار تلك الاحتفالات، ضمن حماية أمنية مشددة.

وقد استفزت تلك الممارسات أهل القدس من المسلمين وحراس المسجد الأقصى الذين  منعوا اليهود من إقامة شعائر تلمودية مقابل قبة الصخرة، فقاموا بحركات استفزازية ضد المصلين المتواجدين داخل الأقصى.وكان من ضمن هؤلاء القطعان من المغتصبين عضوي البرلمان الصهيوني :" اوري ارييل" و "ميخائيل بن اري" وذلك ضمن سلسة الاقتحامات للمسجد المبارك في محاولات لفرض أمر واقع في المسجد الاقصى المبارك .

وسبق ذلك أن قامت مجموعة من المقتحمين الشهر الماضي بتنظيم حلقة رقص استفزازية لدى خروجهم من المسجد، بالقرب من باب السلسلة،  وكان المئات من المصلين من أبناء الداخل الفلسطيني والقدس المحتلة وطلاب "مشروع مصاطب العلم في المسجد الأقصى ، قد تواجدوا في المسجد الأقصى وتوزعوا عند مصاطب العلم فيه، لكن ذلك لم يمنع من اقتحام المغتصبين للأقصى المبارك.

وتأتي هذه الممارسات لتكريس احتلال القدس والتأكيد على أنها عاصمة دولة الاحتلال بشقيها الغربي والشرقي، وعدم الالتفات إلى القرارات الدولية واتفاقات السلام التي تعد شرقي القدس مناطق محتلة. فمسيرات التهويد أضحت ممارسة شهرية حسب التقويم العبري، والاقتحامات واعتبار ساحات المسجد الأقصى ساحات عامة مباحة للجميع !! 

مشاريع تهويدية :

وقد نشرت سلطات الاحتلال عطاءات بإقامة 9 فنادق بـ 1100 غرفة، وتوسيع مستوطنات معاليه ادوميم, وجبل أبو غنيم بإنشاء 632 وحدة سكنية، وذلك لاستكمال مخط تهويد المدينة المقدسة وتشويهها وسلخها عن محيطها الطبيعي.  وأحيت سلطات الاحتلال الذكرى السنوية لإعلانها ضم القدس بعد احتلالها في سنة1967, وذلك بأن عقدت حكومة الاحتلال اجتماعها الأسبوعي في القدس وصادقت على سلسلة إجراءات بزعمهم "تطوير المدينة اقتصاديا وسياحيا واجتماعيا" بكلفة 370 مليون شيكل.

وتجري هذا الممارسات في ظل صمت عربي وإسلامي، وتواطؤ دولي،  وتكتم إعلامي, وفي ظل تقاعس العرب والمسلمين عن كبح هذا الخطر الصهيوني والتصدي لهولا شك أن كثرة المساس يقلل الإحساس ، حيث كان كل حدث يحدثه اليهود سابقاً يلقى رد فعل عربي موحد غاضب ، ثم صارت اعتداءات اليهود تقوى، وردود الفعل العربية والإسلامية تضعف ، ثم صارت مقتصرة على مجرد الشجب والاستنكار والاستنجاد بالمنظمات والهيئات والدول المنحازة إلى إسرائيل التي زرعتها في الشرق الإسلامي , وتدرج العرب والمسلمون في رد فعل أضعف؛ حتى وصل الحال إلى ما نقرأه من كتابات تدعو إلى التعقل مع المحتل وملاينتهم .

فقد انتهز قادة الاحتلال الأوضاع والغليان الحادث في عالمنا العربي، والانشغال بما أسموه الربيع العربي ، فصعدوا من اعتداءاتهم على المسجد الأقصى، فقد افتتح الصهاينة قبل فترة وجيزة رسمياً منطقة قصور الخلافة الأموية جنوبي المسجد الأقصى على أنها "مطاهر الهيكل" المزعوم، حيث قام رئيس البلدية العبرية في القدس "نير برقات" وما يسمى بـ "سلطة الآثار الإسرائيلية" بافتتاح رسمي للمنطقة، بمشاركة عشرات الطلاب اليهود وبعض الشخصيات الرسمية، وقد تم الانتهاء شبه الكامل من بناء مدرجات ومنصات حديدية تربط بين أجزاء واسعة في منطقة القصور الأموية، على شكل مسار أطلق عليه الاحتلال "مسار توراتي لمطاهر الهيكل".

وقد نصبت العديد من اللافتات واللوحات على طول المسار التهويدي الجديد، تتحدث باطلاً وزوراً عن فترة الهيكل الأول والثاني المزعومين، وعن أسوار هذين الهيكلين، كما تم وضع موجودات أثرية جديدة في المنطقة لم تكن من قبل، على أنها آثار من فترة الهيكل المزعوم، وبحسب المعلومات فانه سيتمّ افتتاح المنطقة كمسار توراتي تهويدي أمام الجمهور في الأيام القريبة.

ولا شك أن هذه الممارسات, وفرض الواقع على الأرض تتم وسط طمس وتدمير للمعالم الإسلامية الأثرية التاريخية, والسيطرة على أوقاف إسلامية تعتبر جزءاً لا يتجزأ من المسجد الأقصى المبارك. 

الأقصى متنزه لليهود !!

وفي بداية العام الحالي أعلنت سلطات بلدية الاحتلال وضمن مخططها لإحكام السيطرة على المسجد الأقصى وساحاته، وتهويده وتغيير معالمه، عن تحويل ساحات المسجد إلى ساحات عامة، على اعتبار أن تلك الساحات ليس لها أية حرمة، وأنها أرضاً مشاع، وليست جزءاً من المسجد الأقصى، ولا قداسة لها .

وحسب هذا الإعلان فلا مانع لبلدية القدس أن تستثمر ساحاته لإقامة المطاعم والمقاهي والمعارض وغيرها، وتقديم المسكرات، وأن يمارس مرتادو تلك الساحات الموبقات, والفواحش من شرب للخمور ومقابلات للعشاق، وارتداء للملابس الفاضحة، وغيرها من الأعمال والممارسات التي يجيدها اليهود .   

وهذا الإعلان جعل أبواب المسجد الأقصى مشرعة لليهود ليقتحموه ويعبثوا فيه متى شاؤوا، ومن أي باب أرادوا، بعد أن كانوا في السابق لا يدخلون إلا من باب واحد وهو باب المغاربة الذي استولى عليه اليهود منذ احتلال شرقي القدس عام 1967م، أما الآن فهم يدخلون من جميع الأبواب بلا استثناء.

وفي ذلك استباحة علنية للمسجد الأقصى، باعتباره مكاناً عاماً, ومتنزهاً تاريخياً، ومزاراً لطلبة المدارس اليهودية، والمجندين والمجندات، والسائحين والسائحات، وهذه الاستباحة قد مورست فعلاً قبل ذلك الإعلان، فأضحى دخول المسجد الأقصى في كل الأوقات ولكل من أراد، وتكرر دخول قوات الاحتلال الصهيوني ساحات المسجد الأقصى المبارك مدججين بالأسلحة ومرتدين زيهم العسكري، وانقلب يوم "الغفران" اليهودي إلى يوم عدوان على المسجد الأقصى المبارك, وانتهاك لحرمته وتدنيسه، تحت حماية الشرطة اليهودية لفرض واقع جديد لتهويد المسجد الأقصى ومدينة القدس، وإظهار أن تلك القرارات أمر لا مناص منه.

فالمسجد الأقصى في عقدينا هو اسم لجميع المسجد, وهو كل ما دار عليه السور وفيه الأبواب والساحات الواسعة، والمصلى الجامع وقبة الصخرة والمصلى المرواني والأروقة والقباب والمصاطب وأسبلة الماء وغيرها من المعالم، وعلى أسواره المآذن,  والمسجد كله غير مسقوف سوى بناء قبة الصخرة, والمصلى الجامع الذي يُعرف عند العامة بالمسجد الأقصى, وما تبقى فهو في منزلة ساحة المسجد، وهذا ما اتفق عليه العلماء والمؤرخون، وعليه قال علماؤنا بأن مضاعفة ثواب الصلاة تكون في أي جزء مما دار عليه السور .

وقد سبق ذلك الإعلان من سلطات الاحتلال عن إجراءات عدة ضمن مشروع تهويد القدس، فكان التضييق على المقدسيين وإبعادهم وسحب هوياتهم وسلب حقهم في الوجود في داخل القدس ليتحقق لليهود ما أرادوا من تغيير ديمغرافي يضمن لهم الأغلبية السكانية، وتسارع مع ذلك السيطرة على الأرض من خلال الجدار العازل, والاستيطان, وحفر الأنفاق, وإقامة الكنس, وتغيير المعالم, وتزييف التاريخ بادعاء أن لهم أماكن مقدسة في القدس .

ومن الممارسات العملية التي قام بها الاحتلال مؤخراً، مناقشة قرار الكنيست باعتبار القدس عاصمة للشعب اليهودي، وإجراء التدريبات العسكرية في ساحات المسجد الأقصى وعلى جدرانه، وتكرار دخول قوات الشرطة الصهيونية على شكل دوريات تابعة للجيش, أو أجهزة الأمن المختلفة في أرجاء المسجد الأقصى، وتنفيذ مشاريع الحدائق التوراتية، والإجراءات العملية لهدم جسر باب المغاربة الخشبي, وإقامة جسر فولاذي معلق مكانه. وقد نجح رعاة المشروع من اليهود في جعل أمر دخول المسجد الأقصى من جيش وشرطة، وطلبة المدارس الدينية, والجماعات المتطرفة التي تعمل لإقامة الهيكل المزعوم على أنقاض المسجد الأقصى أمراً اعتيادياً ، بل رفعوا عدد الأماكن التي ادعوا قدسيتها في فلسطين من " 49" مكانا سنة 1949م وفق ما دونه الانتداب البريطاني زوراً وبهتاناً،  إلى "326" مكانا حتى سنة 2000م ، وازداد العدد الآن ليصل إلى أكثر من 350 موقعا تقريباً !!

والحقيقة التي نراها بأعيننا أن مشاريع تهويد القدس والمسجد الأقصى, مشاريع عملية, وليست مجرد آمال وتطلعات، وأخطر هذه المشاريع المفصلة في ذلك الكتاب : إقامة هيكل مزعوم بين قبة الصخرة والمصلى الجامع في صدر المسجد الأقصى؛ وافتتاح كنس يهودية على أجزاء من المسجد الأقصى، وإزالة طريق المغاربة, وإغلاق بابه وإقامة جسر بديل، يحمل مواصفات خاصة تمكن الجرافات والشاحنات والسيارات العسكرية من المرور عليه, واقتحام المسجد الأقصى، وفتح باب خارجي يوصل إلى المصلى المرواني بهدف تحويله إلى كنيس يهودي، وأيضاً عن مخطط لاقتطاع جزء من مقبرة الرحمة المدفون فيها عدد من الصحابة ليشيدوا مكانها محطة تليفريك " عربات هوائية"  .

لذا فإن الحكومات العربية والإسلامية مدعوة اليوم أكثر من أي وقت مضى للعمل ضمن إستراتيجية واضحة ومحددة لحماية المسجد الأقصى، والقدس بأكملها من العبث اليهودي؛ وعدم ترك أبناء القدس وحدهم في مواجهة العدوان وحملات التهويد التي تمارسها سلطات الاحتلال بحق كل شبر بالبلدة القديمة. ولا بد من تنسيق جهود المؤسسات الدولية والإسلامية لتكثيف نشاطاتها ودعمها للمدينة وسكانها، وتطوير برامج الدعم .

ووسائل الإعلام مطالبة كذلك بالاهتمام الخاص بتغطية أخبار القدس والمسجد الأقصى, وإيجاد الآليات اللازمة لذلك، وإبقاء هذه القضية ضمن القضايا الأساسية في مختلف أنواع التغطيات الحوارية والوثائقية والثقافية لحمل عبء قضية الأقصى, والاهتمام بها, ومعرفة تاريخها وما جاء فيها من أخبار وآثار إسلامية، ليتحصن المسلم من شبهات وأكاذيب اليهود ، وتوظيف القلم للدفاع عن المسجد لأقصى, ورد الشبهات والأساطير .

والسكوت عن تلك الممارسات تحت مسوغ انشغال الشعوب العربية بالربيع العربي، لا مبرر له، فاليهود يجيدون استغلال الفرص، بل إن هذا الإعلان وتلك الممارسات ما هي إلا جس نبض الأمة، لمعرفة حقيقتها بعد التغير ، هل تبدل بها الحال؟ وهل عادت لها الحياة؟ أم ما زالت لا تملك مقومات عزها ونصرها للوقوف أمام المعتدين على مساجدنا ومقدساتنا؟  .

نسأل الله تعالى أن يرد كيد اليهود، ويحفظ المسجد الأقصى, وأرض المسرى من دنس اليهود, ومن كل ظالم جحود.

.