القدس والأقصى / حقائق مقدسية
"الملحمة" أم " هَرْمَجِدُّون "
"الملحمة" أم " هَرْمَجِدُّون "
كثر الكلام في الآونة الأخيرة عن ما يسمى معركة "هرمجدون" القادمة ، والبعض حاول أسلمة ذلك المصطلح اليهودي النصراني ، وخاض في علامات آخر الزمان وأشراط الساعة بتجاوزات كبيرة ؛ وشاعت المقالات التي تروج لهذا المصطلح العبري الدخيل ، بل طبعت الكتب التي ادعى أصحابها أن معركة "هرمجدون" مرادفة "للملحمة" التي جاء خبرها في صحيح قول النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
و" هَرْمَجِدُّون " كلمة عبرية لا يشير العهد القديم إليها ألبته، أما العهد الجديد فيذكرها في موضع واحد في سفر الرؤيا : " يجمعهم إلى الموضع الذي يدعى بالعبرانية هرمجدون " الإصحاح ( 16/15 ) ؛ وتعني " جبل أو هضبة مجدو"، أما اصطلاحاً فتعني المعركة الفاصلة بين الخير والشر التي ستدور رحاها في المستقبل وتكون على إثرها نهاية العالم !!
وتقع هضبة "مجيدو" في منطقة فلسطين على بعد 90 كلم شمال القدس و 30 كلم جنوب غرب مدينة حيفا وكانت مسرحاً لحروب ضارية في الماضي كما تعتبر موقعاً أثرياً هاماً أيضاً .
ومعركة " هرمجدون " هي عقيدة نصرانية بروتستانتية ، تؤمن بمجئ يوم يحدث مجزرة بشرية أو حرب نووية يباد فيها معظم البشرية ، وسوف تقع بين قوى الشر من جانب ممثلة في الشيطان وجنوده، يعاونه - في زعمهم - المسلمون وبعض الروس، وبعض المنشقين على الكنيسة، وبعض اليهود أيضاً، وبين قوى الخير من جانب آخر ممثلة في المسيح وقواته من الملائكة التي سترافقه في عودته، يعاونهم قوى الخير من البشر ومنها الشعب الأمريكي، وسوف تباد في هذه المعركة غالبية البشر ، وسوف تقوم تلك المعركة في أرض فلسطين في منطقة مجدو أو وادي مجدو .
ومع أن اليهود لا يؤمنون بالعهد الجديد إلا أنهم استثمروا فكرة " معركة هرمجدون " لتوجيه الأحداث لصالحهم، وربما ادّعوا أن يوم " هرمجدون " هو يوم "غضب الرب " المذكور في توراتهم !!
أما المسلمون فيؤمنون بمعركة كبرى هائلة تقع في آخر الزمان تسمى الملحمة بين المسلمين والصليبيين دون الإشارة إلى اسم "هرمجدون" تحديداً ، وينتهي الأمر بانتصار المسلمين في المعركة .
الملحمة كما ثبتت بالسنة الشريفة :
وقد حدثنا الرسول صلى الله عليه وسلم في حديث آخر عن هول تلك المعركة، وعن الفدائية التي تكون في صفوف المسلمين، حتى أن مجموعات من المسلمين يتبايعون على القتال حتى النصر أو الموت ثلاثة أيام متوالية ؛ والظاهر من حديث " الملحمة " أن المسلمين سيكونون وقتها على قدر عظيم من القوة والبأس، حيث إنهم يغزون، ويُنصرون، ويَغنمون، ويعودون سالمين .
فقد سئل جبير بن نفير عن الهدنة؟ فقال للسائل: انطلق بنا إلى ذي مخبر رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فأتيناه فسأله جبير عن الهدنة؟ فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ستصالحون الروم صلحاً آمناً فتغزون أنتم وهم عدواً من ورائكم فتنصرون وتغنمون وتسلمون ثم ترجعون حتى تنزلوا بمرج ذي تلول فيرفع رجل من أهل النصرانية الصليب فيقول: غلب الصليب فيغضب رجل من المسلمين فيدقه فعند ذلك تغدر الروم وتجمع للملحمة" . رواه أبو داود ، والطبراني.
ورواه ابن حبان كذلك ولفظه "ستصالحون الروم صلحاً آمناً حتى تغزوا أنتم وهم عدواً من ورائهم فتنصرون وتسلمون وتغنمون حتى تنزلوا بمرج، فيقول قائل من الروم غلب الصليب ويقول قائل من المسلمين بل الله غلب ويتداولونها وصليبهم من بعيد فيثور إليه رجل من المسلمين فيدقه ويثورون إلى كاسر صليبهم فيضربون عنقه ويثور المسلمون إلى أسلحتهم فيقتتلون فيكرم الله تلك العصابة بالشهادة فيأتون ملكهم فيقولون كفيناك جزيرة العرب فيجتمعون للملحمة فيأتون تحت ثمانين غاية تحت كل غاية اثنا عشر ألفاً".
وروى مسلم ، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تقوم الساعة حتى ينزل الروم بالأعماق أو بدابق فيخرج إليهم جيش من المدينة من خيار أهل الأرض يومئذ فإذا تصافوا قالت الروم: خلوا بيننا وبين الذين سبوا منا نقاتلهم، فيقول المسلمون: لا والله لا نخلي بينكم وبين إخواننا، فيقاتلونهم فينهزم ثلث لا يتوب الله عليهم أبداً ويقتل ثلثهم أفضل الشهداء عند الله ويفتتح الثلث لا يفتنون أبداً، فيفتتحون قسطنطينية فبينما هم يقتسمون الغنائم قد علقوا سيوفهم بالزيتون إذ صاح فيهم الشيطان إن المسيح قد خلفكم في أهليكم فيخرجون وذلك باطل فإذا جاؤوا الشام خرج، فبينما هم يعدون للقتال يسوون الصفوف إذ أقيمت الصلاة فينزل عيسى بن مريم صلى الله عليه وسلم فأمهم فإذا رآه عدو الله ذاب كما يذوب الملح في الماء فلو تركه لانذاب حتى يهلك ولكن يقتله الله بيده فيريهم دمه في حربته".
خدعة "هَرْمَجِدُّون":
لقد أُقْحم مصطلح " هَرْمَجِدُّون " مؤخراً في لغتنا اليومية، مع أنه مصطلح" عبري "، ومن الخطأ العدول عن الاصطلاح النبوي العربي إلى اصطلاح عبراني نصراني ، فمصطلح"هَرْمَجِدُّون" لا يوجد في كتب السنة ، ولكن جاءت باسم (الملحمة)، وأما الذين أقحموه في لغتنا فهم أخذوه عن أهل الكتاب ؛ وجزم بعضهم أنه اسم لنفس الملحمة التي بشر النبي صلى الله عليه وسلم بأنها ستنتهي بانتصار المسلمين ، على الرغم من أن هناك فروق أساسية، بين"الملحمة"وبين"هرمجدون" نلخصها مما جاء في كتاب الشيخ محمد إسماعيل المقدم - حفظه الله – "خدعة هرمجدون":
- أن خبر الملحمة ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوى، أما " هرمجدون " فاصطلاح نصراني يهودي لا يُدرى مدى مصداقيته ولا ثبوته، وهو مجرد اسم للموضع الذي يُدَعى أن المعركة ستقع فيه، في حين ثبت عنه صلى الله عليه وسلم تسمية موضع الملحمة بأنه " الأعماق " أو " دابق " موضعان بالشام قرب حلب .
- ستقع الملحمة بين أهل الإسلام أتباع خير الأنام عنه صلى الله عليه وسلم ، وبين الروم النصارى الضالين، في حين يدعي أهل الكتاب أن معركة " هرمجدون " طرفاها: قوى الشر، ممثلة - في زعمهم - في المسلمين ومن حالفهم، وقوى الخير وهم النصارى ومن ناصرهم .
- ثبت أن الله عزَّ وجلَّ ينصر المسلمين على أعدائهم في " الملحمة "، في حين يدعي أصحاب " هرمجدون " أن الغلبة ستكون لهم على " قوى الشر " وهم المسلمون في زعمهم.
- يحدد أهل الكتاب موعد " هرمجدون " وينتظرون فيه مسيحهم على رأس الألف سواءً الأولى أو الثانية، فإن طال الزمان فسينتظرونها في الألف الثالثة، أما الأحاديث النبوية الشريفة فلم تحدد موعداً للملحمة سوى أنها من أشراط الساعة.
- والترويج لمصطلح " هرمجدون " يعني الترويج لمفاهيم يهودية نصرانية لا أصل لها في دين الإسلام، بل التعامل معها على أنها حقائق مُسَلَّمة، أضف إلى ذلك أن لهذه المفاهيم أبعاداً سياسية خبيثة تُظهر أن الاستسلام لليهود الغاصبين أمر حتمي قدري لا مناص منه، وكما آمنت " النصرانية الصهيونية " بهذه الجبرية الحتمية، فكذلك تدعو فكرة " هرمجدون " المسلمين إلى أن ينضموا لهذا القطيع الصائر إلى مصيره المحتوم، وأن ضياع فلسطين، واغتصاب القدس، بل هدم المسجد الأقصى، وبناء الهيكل المزعوم فوق أنقاضه أمور "حتمية" ينبغي الاستسلام لها، وقد وقع في هذا " الفخ " كثير من الكُتَّاب المعاصرين حتى حدد بعضهم باليوم والساعة موعد هدم الأقصى ، صانه الله من كل سوء، وحفظه من شر المغضوب عليهم والضالين.
والخلاصة : " هرمجدون " ضد السنن الكونية والشرعية، و"الملحمة " متوافقة معها ؛ و"هرمجدون " يأس وقنوط ؛ والملحمة بشرى وأمل ؛ و"هرمجدون" تدعو إلى استحضار هزيمتنا كأمر واقع، و"الملحمة " تجعل انتصار المسلمين هو الأمر الواقع.
هرمجدون والنصرانية المتصهينة:
ذكرت "غريس هالسل" في كتابها " يد الله " والذي يتناول مدى انتشار المسيحية الصهيونية في الغرب ، وعقائدهم النووية التي تشعل منطقتنا العربية حروب ودمار !! وعقيدتهم في "هرمجيدون" ... وكيف أنهم كما قال أحدهم : يعيشون في سباق نحو "هرمجيدون" وأن نهاية العالم تقرب أكثر وأكثر !! وأنه لابد من حدوث حروب قبل هرمجيدون يقتل فيها واحداً من كل اثنين ، وأن ثلاث مليارات شخص سوف يقتلون ، وهذا ما أعلنه القس " كين بوغ " في كنيسة ماكلين للكتاب المقدس ، ويُدَرسه للكثير من القادة وأصحاب القرار !!
وعن مدى انتشار الكتب التي تتحدث عن هرمجيدون تقول "هالسل" : لقد بيع من كتاب هول ليندسي "الكرة الأرضية العظيمة المأسوف عليها" أكثر من 25 مليون نسخة !!
وتضيف "هالسل:" إن المسيحيين لم يولوا من الاهتمام قولا وعملا لأي مكان عدا الجنة وجهنم، ما أولوه لفكرة هرمجيدون ".
"المسيحية المتصهينة" في العالم العربي !!
والغريب أن يحذر مجلس رؤساء الكنائس في الأردن من وجود نحو أربعين فرقة تبشيرية تعمل في البلاد تحت غطاء "الجمعيات الخيرية" وستار الخدمة الاجتماعية والتعليمية والثقافية ، والخطير في الأمر – كما صُرّحَ - وجود أجندات خفية لهذه المجموعات الأقرب إلى "المسيحية المتصهينة".
ومن السخرية أن تصل هذه الحركة للعالم العربي وتروج للمشروع اليهودي من جانب عَقَديّ ، بضرورة الموافقة على تجميع اليهود في فلسطين ، وأن لا يواجهوا حتى لا تحرقوا في المعركة القادمة !! ولعلنا نجد بعض المغفلين الذين يصدقون هذا وذاك !!
عيسى القدومي