فلسطين التاريخ / الواقع والمأمول

من عدوان اليهود محاولة منع الاعتكاف في المسجد الأقصى

أسامة شحادة

عدوان اليهود واحتلالهم للأقصى وفلسطين وشعبها لن يتوقف إلا عند وصولهم لغايتهم النهائية وهي السيطرة على كل فلسطين والخلاص من أهلها من الفلسطينيين إما بالقتل أو الطرد والتهجير.

وفي طريقهم لتحقيق تلك الغاية الخبيثة –خيب الله مسعاهم وأبطل مكرهم- يقومون بأنواع كثيرة جداً من العدوان، مما يساعد في تحقيق تلك الغاية العدوانية، ومن أنواع العدوان هذه السيطرة على المسجد الأقصى، وهم يحاولون في البداية أن يكون لهم موضع قدم في المسجد الأقصى، ثم يوسعون عدوانهم وسيطرتهم عليه.

ومن أجل وضع قدم لهم في الأقصى محاولة فرض زيارة اليهود للمسجد الأقصى على المسلمين، بدعوى أن الدخول إلى ساحات الأقصى سياحة وزيارة ونزهة، وأنها تقع في الساحات المجاورة للمسجد الأقصى!

وقد نبهنا من قبل على التحريف اليهودي الخطير لمفهوم المسجد الأقصى الذي يروجه اليهود، فهم يحاولون قصر المسجد الأقصى على المسجد القبلي وقبة الصخرة فقط، بينما المسجد الأقصى هو كل السور وما في داخل السور من المسجد القبلي وقبة الصخرة والساحات المرصوفة والترابية والمصاطب والأشجار وكل الأبنية والمرافق، كل هذا هو المسجد الأقصى والذي تبلغ مساحته 144 دونما.

ثم تطورت محاولاتهم العدوانية إلى محاولة فرض إقامة صلوات يهودية في ساحات المسجد الأقصى، وهو اعتداء صارخ على حقوق المسلمين، فكل العقلاء يتفقون أن أماكن العبادات الخاصة بكل دين لا يجوز أن يفرض على أصحابها إقامة طقوس لدين آخر، فضلاً عن الاستيلاء عليها لغير أصحابها وأهلها.

ولما اعترض المسلمون ودافع الفلسطينيون عن مسجدهم ومقدساتهم بكل الوسائل والأساليب، والتي كان منها عبادة الاعتكاف والرباط في المسجد الأقصى حتى لا يترك فارغاً في الليل أو في النهار مما يسهل لليهود التسلل إليه وإلى ساحاته وإقامة طقوسهم بحجة أنهم يفعلون ذلك في الوقت الذي لا يتواجد فيه المسلمون وبذلك لا نزعجهم!

ولو نجح اليهود في وضع موضع قدم لهم فيه، فسيصبح (مسمار جحا) الذي بواسطته يستولون على الكثير الكثير من مساحة المسجد الأقصى.

فاليهود ومنذ عدة سنوات يخططون للقيام بالسماح للمستوطنين المتدينين بدخول ساحات المسجد الأقصى تحت حماية جيش الاحتلال، في محاولة لتثبيت التقسيم الزماني والمكاني على الأقصى بين المسلمين واليهود، ولكن فاجأهم المسلمون بالاعتكاف والرباط في المسجد الأقصى في مصلياته ومصاطبه وساحاته، مما أحبط الكثير من مخططاتهم وأجّلها.

ولكن الخبث اليهودي لم يستسلم، فلجأ لمحاولة إقرار قوانين تمنع الاعتكاف في المسجد الأقصى، وجعلوا ذلك تحت شعارات مخادعة كعادتهم، فتقدمت مجموعة من حزب الليكود بطلب منع "المبيت" في المسجد الأقصى!

وقبل مناقشة فحوى الطلب ومخالفته للشريعة الإسلامية، يجب أن نتساءل: بأي حق يتدخل اليهود في شؤون المسجد الأقصى ومن يبقى ومن يخرج؟ ما علاقتهم بمساجدنا وعباداتنا؟ وهل يقبل أن يتدخل المسلمون أو المسيحيون في شؤون كنس اليهود الداخلية؟

ولاحظوا المكر والخداع والخبث بمنع إقامة الشعائر التعبدية للمسلمين باسم "منع المبيت"، مع السماح لليهود بإقامة عبادتهم وصلواتهم في مسجد المسلمين باسم الزيارة والسياحة!!

لم ينجح اليهود للآن في منع الاعتكاف والرباط في المسجد الأقصى لكنهم ماضون في هذا، وقد قام اليهود باقتحام المسجد الأقصى وإخراج المعتكفين فيه بالقوة، وهذا عدوان على مقدسات المسلمين وانتهاك لسيادة الأردن على المسجد الأقصى، وانتهاك لحقوق حرية المسلمين في ممارسة شعائرهم الدينية في مساجدهم ومقدساتهم.

الاعتكاف هو أحد العبادات الإسلامية وعرّفه الفقهاء بأنه الإقامة في المسجد بنية التقرب إلى الله عز وجل ليلاً أو نهاراً.

وقد ذكر الله عز وجل عبادة الاعتكاف في القرآن الكريم في عدد من الآيات منها قوله تعالى: "وأنتم عاكفون في المساجد" (البقرة: 187)، وقوله عز وجل: "أنْ طهرا بيتي للطائفين والعاكفين" (الحج: 26). وأفضل الاعتكاف ما كان في المساجد الثلاثة: المسجد الحرام والمسجد النبوي والأقصى، لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا اعتكاف إلا في المساجد الثلاثة" رواه الطحاوى وصححه الألباني.

وبهذا يتبين لنا أن الاعتكاف بالمسجد الأقصى له فضل خاص وميزة كبرى بدون أي سبب، فكيف إذا كان مع عبادة الاعتكاف عبادة صوم، أو عبادة التعلم والتفكر من خلال مصاطب العلم التي أحييت من قريب في جنبات المسجد الأقصى، أو عبادة دفاع وحماية لجناب المسجد الأقصى من عدوان اليهود وشرهم، إذا اقتحم اليهود -جيشاً ومستوطنين- المسجد الأقصى، هبوا لحمايته والدفاع عنه، وهذه بذاتها عبادة عظيمة شريفة جليلة "ذلك ومن يعظم حرمات الله فهو خير له" (الحج: 30)، عندها يتعاظم الفضل والبركة والأجر، بإذن الله الكريم الوهاب.

وقد حدث في عام 2014م أن منع اعتكاف ورباط المسلمين في الأقصى من اقتحام اليهود المستوطنين للأقصى تحت حماية جيش الاحتلال، فقد كانوا ينوون فتح أربع بوابات للمسجد أمام اليهود ليدخلوه بمئات وربما ألوف المستوطنين، لتثبيت ذلك كأمر واقع، لكن الله عز وجل أكرم وأصطفى ثلة من الرجال والنساء والشباب والشابات والأطفال أيضاً كانوا معتكفين مرابطين، فأكرم الله سبحانه هؤلاء بشرف حماية مسجده المبارك.

والاعتكاف في المسجد الأقصى أمر معروف مشهور منذ مطلع الإسلام، ولقد سجل لنا العديد من العلماء والرحالة أخبار الاعتكاف في المسجد الأقصى عبر الزمن في كتبهم ومشاهداتهم، وقد جمع طرف واسع من تلك الأخبار والرحلات الدكتور كامل العسلي في كتابه القيم (بيت المقدس في كتب الرحالة).

ومن هنا فإن محاولة منع المسلمين من القيام بعباداتهم بالاعتكاف في المسجد الأقصى هو عدوان صارخ لا مبرر له بأي شكل من الأشكال إلا نية اليهود الخبيثة بالاستيلاء والاحتلال للمسجد الأقصى، والذي يعطل الاعتكاف فيه عليهم مخططاتهم العدوانية.

.