فلسطين التاريخ / الواقع والمأمول

حصار جائر وشعب صابر

 

 

حصار جائر وشعب صابر

 

 

غزة ـ محمد الناجي ـ مركز بيت المقدس للدراسات التوثيقية

 

 

 

    ما إن انتهت الحرب الشرسة على أهل غزة قبل عام حتى أصبح الفلسطينيون يلملمون جراحاتهم وينهضون من جديد في محاولة منهم كي تعود الحياة إلى سابق عهدها وظنوا أن الحصار الظالم الذي فرضه الأعداء وتواطأ الأقرباء معهم  قد يرفع  بعد تلك الحرب , وما علموا ولم يكن في بالهم أن الحصار سيزيد عن السابق وستشتد وطأته أكثر وبوتيرة أسرع  .

فالمنازل التي هدمها الاحتلال الصهيوني الغاشم ما زال ساكنوها يعيشون في الخيام في ظل انعدام مواد البناء, وانعدام الموارد الاقتصادية, والمساجد التي هدمت أعيد ترميمها بطريقة لم يشهدها العالم من ذي قبل حيث أعاد الغزيون ترميمها بالنايلون وجذوع وجريد النخل ليظهروا للعالم أن الحاجة أم الاختراع , وأن بيوت الله عز وجل ستعمر برغم أنف كل صهيوني حاقد .

سبعة أقفال مشددة ما زالت تُحكم الحصار على هذا القطاع المنكوب , وتحول حياة ساكنيه إلى جحيم لا يطاق,  وإذا تحدثنا عن الأقفال فإننا نعني بذلك المعابر التجارية والاقتصادية التي تحيط وتجاور قطاع غزة  والتي من المفترض أن تقوم بتسهيل حياة الناس وتأمين حاجياتهم  , وهذه المعابر ستة يتحكم بها ويسيطر عليها أعداء الله اليهود ومعبر تتحكم به دولة مصر , فالمعابر التي تسيطر عليها دولة يهود إذا ما قاموا بفتحها ولو بشكل جزئي وموسمي ومذل ومشين تجد الفلسطينيين على الرغم من ذلك يطيرون فرحاً لوجود نفس بعد انحباس ذلك النفس طويلاً.

وأما معبر رفح الذي تسيطر عليه الشقيقة مصر فهو مغلق ولا يفتح إلا للحالات الاضطرارية من المرضي ذوي الحالات الصعبة وبعد تنسيق ومعاناة مريرة .

لقد دفن الحصار المفروض على قطاع غزة الكثير من أحلام العمال الفلسطينيين في العيش بكرامة , وتوفير لقمة العيش الكريمة البعيدة عن الذل والمهانة والابتزاز التي تسد رمق عائلاتهم وأطفالهم ليعيشوا في وضع اقتصادي صعب لا يجدوا فيه حاجاتهم الأساسية من حـليب ودواء ومأكل ومأوى .

حصار غزة طال المرضي حيث تم حرمانهم من السفر للعلاج في الخارج لعدم توفر العلاج اللازم  لهم في قطاع غزة , ومنع وصول الأدوية اللازمة لهم وإدخالها للقطاع .

آلاف الفلسطينيين المرضي أمراضاً مزمنة وخطيرة كمرضى السرطان والفشل الكلوي والالتهاب الرئوي وما إلى ذلك ينتظرون إما الإفراج عنهم من سجنهم الكبير في غزة أو تنفيذ الحكم الصادر بحقهم منذ أعوام وهو الانتظار حتى الموت تحت طائلة الحصار .

يعيش الفلسطينيون في غزة واقعاً مريراً مؤلماً صدم كل الوفود الغربية التي زارت القطاع للاطلاع على أوضاع أهله المأساوية في ظل الحصار المفروض منذ عدة أعوام .

فما نسبته 80 % من سكان غزة ( المليون ونصف مليون ويزيد ) يعيشون تحت خط الفقر , و70 % معدل البطالة أو يزيد , في حين أن  معدل الدخل السنوي للمواطن الفلسطيني 650 دولار في السنة أي ما يعادل دولارين اثنين فقط في اليوم .

حصار أي أمة مهما كان دينها أو عرقها بهذا الشكل المخجل هو إهانة للبشرية جمعاء , وسقوط لكل دعاوى حقوق الإنسان , فكيف إذا كان هؤلاء المحاصرون يحاصرون لتمسكهم بالثوابت ورفضهم الحلول الانهزامية.

لم يعد غريباً أن ترى عربياً مسروراً لحصارك , وأن ترى في المقابل غربياً يتألم لوجعك وموتك.. فأين أنتم يا من تغارون على أمتكم وعلى المخلصين من حملة العقيدة ؟

غزة اليوم تدفع ثمناً باهظاً لتمسكها بعقيدتها في زمن ماتت فيه القيم التي يدندن لها كل العالم الغربي . ويبقي لسان حال أهل غزة يقول : هل من نصير ؟ هل من مغيث ؟ إلى متى يا أمة المليار ؟ ! فهل ستجد تلك النداءات التي رددت  طويلاً صدى في أسماع العالم ؟ سؤال ستجيب عنه الأيام القادمة .

 

.