فلسطين التاريخ / تهويد وتزوير وإجرام

"إسرائيل" جذور التسمية ... وخديعة المؤرخين الجدد-الجزء (2)


"إسرائيل" جذور التسمية ... وخديعة المؤرخين الجدد

 

الجزء الثاني

 

أسماء تعددت وتنوعت تلك التي تطلق على اليهود اليوم، والتي من أشهرها مسمى "يهود" و "إسرائيليين" و "عبريين" و "صهاينة" ... ورغم بساطة تلك الأسماء إلا أنها تحمل إشكالية معقدة ومختلطة في تفسير معانيها لتعدد إشارتها واستخداماتها، وكثير من الناس لا يعرف حقيقة هذه التسميات، فتجد البعضُ لا يطلقُ عليهم غير التسميةِ الأولى، والبعضٌ الآخرُ يجمعُ معها الثانية ، وثالثٌ : الثالثةَ ، والرابعة ...

ولدفع هذا اللبس والإيهام جمعت شتات ما قيل عن تلك الأسماء ومعانيها وخلفياتها، حتى نعي الفرق بينها، وأبعاد تلك المسميات، ولماذا اختار اليهود المغتصبين لأرض فلسطين مسمى " إسرائيل " ؟! وما هي الأسماء الأخرى التي تم طرحها؟ ولماذا استبعدت؟ وكيف وقع الاختيار على مسمى " إسرائيل" دون غيره؟ وما الأسماء التي يحاول اليهود تجاوزها واستبعاد نطقها؟ 

وبعد أن أفردنا مقالاً مستقلاً حول كلمة اليهود وسبب تسميتهم بهذا الاسم، وعرفنا من هو اليهودي في عُرف يهود اليوم، وإشكالية مدلول كلمة اليهود واليهودية عند طوائف اليهود، ولماذا يفضلون تسميتهم "بالشعب اليهودي"؟!!... سنحاول في هذا المقال جمع ما جاء في مدلول كلمة إسرائيل وإسرائيلي وإسرائيليين... 

 

إسرائيل وإسرائيلي وإسرائيليين

 

تم إطلاق مصطلح إسرائيليين على شتات اليهود القادمين إلى فلسطين بعد إعلان اليهود قيام دولة أسموها "إسرائيل"  في 15 مايو 1948م ، فأصبح كل من يعيش على أرض فلسطين من اليهود يأخذ مُسَمى "إسرائيلي" ، وجنسية  "إسرائيلية"، ومجموع شتاتهم على أرض فلسطين المغتصبة  "إسرائيليين"!!.

وشاعت تلك التسميات على ألسن الناس عامة وفي بلاد المسلمين، حيث أطلق على الكيان اليهودي والصهيوني "إسرائيل" وعلى اليهودي "إسرائيلي"، وشاع مصطلح "إسرائيليون" على اليهود الذين أتوا إلى فلسطين كغزاة ...

 

من هو إسرائيل ؟!

 

إسرائيل كلمة عبرانية مركبة من ( إسرا ) بمعنى: عبد ، ومن ( إيل ) وهو الله، فيكون معنى الكلمة: عبد الله ، وإسرائيل اسم لنبي الله يعقوب عليه السلام، وجاء في تسمية بني إسرائيل بهذا الاسم نسبة إلى أبيهم يعقوب عليه السلام، ويهود اليوم التصقوا بهذا الاسم، ليلبّسوا على العامة بأنهم من نسل " إسرائيل " يعقوب عليه السلام، ولإثبات عدم اختلاطهم بالشعوب الأخرى ليتحقق لهم الزعم بنقاء الجنس اليهودي، وأن يهود اليوم هم النسل المباشر ليهود التوراة، وذلك لتبرير العودة إلى أرض الميعاد !!

لذا فهذه التسمية منكرة، لما شاع على الألسن القول في سياق الذم... فعلت إسرائيل كذا، وستفعل كذا؛ و"إسرائيل" هو رسول كريم من رسل الله تعالى، وهو "يعقوب" عليه السلام، وهو بريء من الكيان اليهودي الخبيث الماكر، إذ لا توارث بين الأنبياء والرسل وبين أعدائهم من الكافرين.

وقد نبه الشيخ عبد الله بن زيد آل محمود في رسالة له باسم "الإصلاح والتعديل فيما طرأ على اسم اليهود والنصارى من التبديل" أن "يهود" انفصلوا بكفرهم عن بني إسرائيل زمن بني إسرائيل، كانفصال إبراهيم عن أبيه آزر، والكفر يقطع الموالاة بين المسلمين والكافرين كما في قصة نوح مع ابنه. ولهذا فإن الفضائل التي كانت لبني إسرائيل ليس ليهود فيها شيء، ولهذا فإن إطلاق اسم بني إسرائيل على يهود يكسبهم فضائل ويحجب عنهم رذائل، فيزول التمييز بين "إسرائيل" وبين يهود المغضوب عليهم، الذين ضربت عليهم الذلة والمسكنة.

 

والأصح أن يطلق عليهم "يهود" بدلاً من "إسرائيليين" للأسباب التالية:

·      إسرائيل عليه السلام يبرأ إلى الله تعالى منهم في الدنيا والآخرة، لأنه نبي مسلم، وعبدٌ لله، فأين هم من العبودية لله؟! فادعاؤُهم بأنهم من سلالة "إسرائيل" عليه السلام كذب وافتراء لأن "يعقوب" عليه السلام نبي مسلم، قال تعالى: ] ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب يا بني إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون [ فهل اليهود مسلمون؟!!.

·      أثبت العديد من الدارسين والباحثين أن أكثر من 92% من يهود اليوم والذين يستوطن الكثيرون منهم الآن في الولايات المتحدة ودول أوروبا وروسيا والكيان اليهودي ليسوا من الوجهة التاريخية من سلالة الذين عُرِفُوا بـ "يهود الأرض المقدسة" في تاريخ "العهد القديم"، وأن الحقائق المقررة في كتب التاريخ أن "الخزر" قد تحولوا عن وثنيتهم ليسموا أنفسهم "يهوداً"، ولم يسمهم أحدٌ "يهوداً" قبل نهاية القرن الثامن عشر الميلادي، حيث تحول في نهاية ذلك القرن ملك الخزر ونُبلاؤُه وعددٌ كبير من شعبه إلى الديانة اليهودية. وهذا دلالة واضحة على كذب مزاعمهم وافتراءاتهم.

·      لهذا فإنه من الخطأ إطلاق اسم "إسرائيل" على الكيان اليهودي المغتصب لأرض فلسطين، ولإبقاء اسم "إسرائيل" على نقائه وحُسنه، وعدم تلويثه بإطلاقه على الشعب اليهودي الحاقد، ورَدًّا لمزاعم اليهود، فلنطلق عليهم الاسم الجدير بهم، وهو "اليهود" و"يهود"، والكيان اليهودي، ونبطل بذلك استغلالهم اسم: "إسرائيل ".

والعجيب أننا أصبحنا نسميهم بغير اسمهم؟! فاليهود أصبحوا إسرائيليين، والمعتدون صاروا أصحاب الأرض، والمغتصبون صاروا مستوطنين، وأهل الحرب صاروا دعاة السلام، ومقاومتهم أصبحت عنفاً وإرهاباً، وما ذاك إلا دلالة على نجاح الإعلام اليهودي في نشر المصطلحات التي يريدها !!!.

 

هكذا أسمت نفسها "إسرائيل" !!

 

         مازال الجدال والسجال سواء من المؤرخين الجدد أو من أناس شاركوا في صنع الأحداث، حول أول من أطلق اسم "دولة إسرائيل" على الكيان اليهودي ... وأغرب تلك الآراء أن ذلك المسمى لم يقر إلا قبل أيام فقط من إعلان "دافيد بن غوريون" – أول رئيس وزراء في الكيان اليهودي - عن قيامها في 15 مايو 1948، وقد يتعاظم الاستغراب عند معرفة أن سجالاً لا يزال يدور بين المؤرخين اليهود حول شخصية المبادر لإطلاق هذه التسمية.

كتب "أهرون رؤبيني" مقالة في صحيفة "هآرتس" العبرية، استعرض فيها السجالات التي دارت في الكيان الصهيوني طوال عقود حول أول شخص استخدم علناً اسم "دولة إسرائيل" وهو السؤال الذي ظل يحير الجمهور، وأوضح الكاتب أن الكثيرين في "إسرائيل"
 يعزون الفضل في اختيار الاسم إلى "بن غوريون". وأضاف أن زوجة أحد قادة الحركة الصهيونية "يهودا أليتسور" كتبت حينها في "هآرتس" و"جيروزليم بوست" أن زوجها كان أول من اقترح الاسم ونشره في "بلستاين بوست" باللغة الإنكليزية في الثاني عشر من مايو 1948م ولكن تبين أنه في ذلك اليوم تحديداً كانت "الإدارة القومية" التي كانت بمثابة حكومة اليهود قد قررت اعتماد هذا الاسم.

ونشر أحد الصحفيين اليهود بمناسبة الذكرى الأولى لإعلان قيام "إسرائيل" في عام 1949م  أن اختيار الاسم تم في الثاني عشر من أيار العام 1948 في اجتماع عقدته "الإدارة القومية" التي تحولت بعد ذلك إلى حكومة مؤقتة؛ وأشار إلى أنه بعد أن قررت هذه الإدارة إعلان الدولة أثير موضوع الاسم الذي ستتخذه، وكان الميل الغالب في الاجتماع هو تسمية الدولة الجديدة بـ"دولة يهودا".

واستبعدت تلك التسمية كون أن القسم الذي منحه لليهود مشروع التقسيم الصادر عن الأمم المتحدة لا يحوي أياً من أراضي "دولة يهودا التاريخية" ، كما أن الدولة اليهودية الجديدة لم تكن تشمل القدس التي كانت "عاصمة يهودا"، ولذلك تم إهمال اسم يهودا وبدأ النقاش في تسمية الدولة بـ "صهيون" أو "تسبار" أو "أرض إسرائيل"، ولكن كل هذه التسميات لم ترق للحاضرين لأسباب عديدة؛ فصهيون اسم جبل في القدس التي كان من المقرر أن تخضع لنظام دولي خاص؛ واسم "تسبار" لا يعني من الوجهة التاريخية شيئاً، كما أن اسم "أرض إسرائيل" لا يصح إطلاقه على قسم فيما يبقى القسم الأكبر من هذه الأرض خارجه.

وفعلاً اقتصر الصهاينة استخدام كلمة "يهود" و "دولة يهودية" على فكرتهم وكيانهم وتجمعهم، ولم يذكروا كلمة "إسرائيل" إلا قبيل إعلان دولة العدوان – على الرغم أنها كانت تستخدم في بعض كتاباتهم إلا أنها لم تصل إلى حد إطلاقها على الكيان اليهودي -  والدلالة على ذلك كثيرة. فأول رابطة أسست لتسهيل هجرة اليهود أطلق عليها "رابطة الاستعمار اليهودي" في 1891م ، التي قام بتأسيسها البارون موريس دي هيرش  المليونير اليهودي الألماني. وتحت عنوان "الدولة اليهودية"  صدر كتاب في عام 1896م للزعيم اليهودي الصهيوني تيودر هيرتسل ، وفيه يدعو إلى إقامة "دولة يهودية" في فلسطين. ومن أهم قرارات المؤتمر الصهيوني الأول في بال بسويسرا عام 1897م ، تشجيع "الاستيطان اليهودي" في فلسطين، وتأسيس "الصندوق القومي اليهودي". ونص الوعد الجائر والمسمى بوعد بلفور في عام 1917م على إيجاد وطن قومي "لليهود" في فلسطين. وفي عام  1945م مجلس النواب الأمريكي طلب من الحكومة الأمريكية تسهيل "الهجرة اليهودية" غير المحدودة إلى فلسطين، بهدف تحويل فلسطين إلى "كومنولث يهودي". وأعلنت القيادة الصهيونية في 1946م أن إقامة "دولة يهودية" هي الطريقة الوحيدة لحل مشكلة "الشعب اليهودي". وأوصت بريطانيا الأمم المتحدة في عام 1947م بإلغاء الانتداب على فلسطين في 15 أيار / مايو 1948 ، على أن يعقب ذلك إقامة "دولة يهودية مستقلة" و "دولة فلسطين مستقلة". وقررت الجمعية العامة للأمم المتحدة في 29 نوفمبر 1947م وجوب إقامة دولتين في فلسطين: دولة يهودية - هكذا أسموها - ودولة عربية، وأن قيام دولة يهودية هي حق طبيعي للشعب اليهودي!!.

وجاء كذلك في إعلان الاستقلال الصادر في يوم انتهاء الانتداب البريطاني وتسليم القيادة للعصابات اليهودية  14/مايو / 1948م : نجتمع لنعلن بهذا قيام دولة يهودية على أرض إسرائيل، تدعى "إسرائيل"، ومضى البيان معلناً فتح أبواب الهجرة اليهودية وجمع الشتات اليهودي.

وبحسب الصحافي نفسه فإن بن غوريون كان أول من عرض اسم "إسرائيل" على أعضاء الإدارة القومية الذين أقروه بغالبية سبعة ضد ثلاثة، ومنذ ذلك الحين شاع الانطباع بأن بن غوريون هو من اقترح التسمية.

ولكن "رؤبيني" يدعي أنه كان قد نشر اقتراحه في صحيفة "بلستاين بوست" و"هيد همزراح" في حزيران وتموز من العام 1947م وأشار إلى أنه عشية اتخاذ الجمعية العمومية للأمم المتحدة في التاسع والعشرين من تشرين الثاني العام 1947 قراراً بتقسيم فلسطين، كتب موضحاً عيوب الأسماء الكثيرة المقترحة وأفضلية اسم "دولة إسرائيل".

ونشر في مجلة "الميزان" في الخامس من كانون الأول العام 1947م أفضليات تسمية الدولة الجديدة بـ (إسرائيل) ، وكتب أنه لا يمكن تسميتها "أرض إسرائيل" لأنها لن تشمل كل بقاع هذه الأرض ولا حتى غالبيتها، وأن تسمية كهذه في مثل هذا الحال ستقود إلى بلبلة المفاهيم.

وأضاف: كذلك الحال مع دولة "يهودا" التي لا تجوز فيها هذه التسمية في ظل وقوع كل أراضي "يهودا" في القسم العربي وفق مشروع التقسيم، كما أنه لا يجوز استخدام اسم "صهيون" في ظل غياب جبل صهيون والقدس عن الدولة اليهودية، أما تسمية الدولة العبرية فكانت مرفوضة لأنها تعني "العابر" من مكان ما وهم يريدون ترسيخ فكرة أنهم كانوا هنا وما زالوا. 

ويشرح "رؤبيني" أن سبب عدم تسمية (إسرائيل) باسم دولة اليهود يعود إلى أن هذا ليس الاسم الأصلي لبني (إسرائيل) ، وأن اسم اليهود لم يطلق عليهم إلا بعد خراب المملكة الشمالية السامرية ، وحينها قالوا إن "يهودا ورثت إسرائيل"، ولكن ليس للأبد.

عموماً رأى المؤرخون في العودة إلى اسم "إسرائيل" توحيداً للفكرة التاريخية بأن ممالك بني "إسرائيل" في أرض فلسطين انقسمت إلى سامرية شمالية عاصمتها نابلس، ويهودية جنوبية عاصمتها القدس .

ولهذا أطلق اليهود مصطلح " يهودا والسامرة والجليل"  على فلسطين لتسويغ عملية الضم، ولإيجاد تاريخ وثقافة وحضارة لهم على أرض فلسطين، وطمس المسميات الإسلامية والتاريخية والحضارية والثقافية والعربية لمدن ومناطق فلسطين، بادعاء أن فلسطين يهودية الأصل، وأن المسلمين دُخلاء على تلك الأرض، وما أتى اليهود الآن إلا ليأخذوا حقًّا لهم. وأشاعوا تلك المسميات على مناطق فلسطين  لإنكار كل الحضارات التي عاشت على أرض فلسطين، وبالأخص الحضارة والخلافة الإسلامية، وكذلك لتبرير الاحتلال الغاصب بدعوى العودة إلى أرض كانت ملكهم!! وأطلقوا عليها أرض الأباء والأجداد  لتسمية الأشياء بغير اسمها حتى ينسى أصلها !! .

عيسى القدومي

13 رمضان 1427هـ

5/10/2006م

 

 

.