فلسطين التاريخ / الواقع الفلسطيني في العراق
فلسطينيو العراق .. وحرب اللاقيم.
فلسطينيو العراق .. وحرب اللاقيم
الظلم والاضطهاد الذي تعرض له اللاجئون الفلسطينيون في العراق فاق كل التصورات ، وتزداد الأمور تعقيدا ومأساوية إذا ما نظرنا لتلك القضية من زاوية أخرى بعيدا عن كل الذي حصل وحدث ، ألا وهو مقياس القيم من عدمها ومظاهرها وأشكالها بحق هذه الأقلية المستضعفة .
لابد من ذكر حقيقة وهي أنه حتى في الحروب وفترات المحن والفتن التي تمر بها الشعوب هنالك قيم لابد من إتباعها أيا كان الظرف والمواجهة ، ولو أمعنا النظر في القيم والمبادئ الإسلامية في أحنك الظروف لوجدنا العجب العجاب ، فرسول الله صلى الله عليه وسلم أعظم البشر يعلمنا درسا ويرشد جميع الحكام والقادة والعظماء الاقتداء به ، فعندما فتحت مكة في رمضان من العام الثامن للهجرة النبوية دخلها متواضعا مطئطئا رأسه خاشعا مخبتا متذللا لله حين رأى ما أكرمه الله حتى أن عثنونه ليكاد يمس واسطة الرحل ، من شدة انحناءه وتواضعه ، مع أن الله عز وجل سمى فتح مكة نصرا وفتحا .
وعندما وبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن سعد بن عبادة قال لأبي سفيان عندما رآه في مضيق الوادي: "اليوم يوم الملحمة، اليوم تستحل الكعبة" فلم يرض عليه الصلاة والسلام بقوله هذا، وقال: بل اليوم يوم الرحمة، اليوم يعظم الله الكعبة. وأمر قادة جيوشه أن لا يقاتلوا إلا من قاتلهم .
دخل الرسول الكريم مكة ظافرًا منتصرًا.. ودانت له الرقاب.. لكنه دخلها متذللاً لله رب العالمين. فليس في النصر إغراء يحوله عن طريقته الفضلى..!! ولا ما يستدعي أن يقترف شيئًا من جرائم الجبارين، زعماء الغرور والطغيان، من سفك دماء العزل من السلاح، وهتك أعراض الحرائر المسالمات، وسلب الأموال وتخريب الديار وانتهاك حرمات الله، وإهانة الشرفاء والفضلاء، وإذلال الناس .
وهنالك موقف آخر لأولئك القدوات في مثل تلك الظروف ، فعندما فتحت قبرص وحملت غنائم الحرب إلى المدينة ، وشوهد أبا الدرداء وهو يبكي، فسأله جبير بن نفير: (يا أبا الدرداء، ما يبكيك في يوم أعز الله فيه الإسلام وأهله؟)... فأجاب أبوالدرداء: (ويحك يا جبير، ما أهون الخلق على الله إذا هم تركوا أمره، بينما هي أمة قاهرة ظاهرة، لها الملك، تركت أمر الله، فصارت إلى ما ترى)... فقد كان يرى الانهيار السريع للبلاد المفتوحة ،وإفلاسها من الروحانية الصادقة والدين الصحيح...
وما أروع وصايا الخليفة الراشد أبو بكر الصديق رضي الله عنه لأسامة بن زيد رضي الله عنه عندما ذهب لمحاربة الروم فقال له ( لا تخونوا ولا تعتدوا ولا تمثلوا ولا تقتلوا طفلا ولا شيخا ولا كبيرا ولا امرأة , ولا تعقروا نخلا وتحرقوه ولا تقطعوا شجرة مثمرة ولا تذبحوا شاة ولا بقرة ولا بعيرا إلا لمأكله ) ، فيا الله ما أروعها من وصايا فهي بحق دستور ينبغي أن نسلكه في أحرج الظروف وأصعبها معلما إيانا القيم الحقيقية لأصعب الأوقات واللحظات .
ولو أمنعنا النظر بما حل بأقلية قليلة عاشت ستة عقود من الشتات والتهجير والتشرد بعيدا عن أوطانها تسمى " فلسطينيو العراق " لوجدنا العجب العجاب من أناس يدعون الإسلام والعروبة وشعارات لا نهاية لها ودعاوى مزركشة مزخرفة .
ولو بدأنا من انعدام القيم بتلك الحرب التي قادتها الولايات المتحدة ضد العراق لرأينا بأنه من دون جميع السفارات قصفت السفارة الفلسطينية واعتقل سفيرها مع عشر موظفين ، ثم تم قصف مجمع البلديات بقنايل عنقودية وصواريخ لأكثر من مرة ، وانعدام القيم لتلك القوات تكمن في مخالفتهم للأعراف والقوانين الدولية بحق الأقليات واللاجئين التي يدعون أنهم حريصون على تطبيقها ، فمرارا كانوا يصرحون ويتكلمون مع الناس بأنهم جاءوا لتحرير البلاد وهم من يقوم بحماية الفلسطينيين من أي اعتداءات وانتهاكات حكومية أو ميليشياوية لكن واقع الحال عندما كان يحدث أي اعتداء في الغالب يقفوا مكتوفي الأيدي أو يكون تدخلهم متأخرا أو في عدد من الحالات يكونوا عونا مع المعتدي ضد الفلسطينيين كما حصل بالاعتداء الحاصل على مجمع البلديات بتاريخ 26/6/2006 على سبيل المثال لا الحصر .
ولو رجعنا قليلا للأيام الأولى من الاحتلال لوجدنا أعداد من الساسة والزعماء العراقيين الذي دخلوا على الدبابات الأمريكية بدءوا مباشرة بالتصريحات والتحريضات ضد الوجود العربي عموما والفلسطيني خصوصا حتى أن أحدهم سمى الفلسطينيين " بالمستوطنين " وقال بضرورة طردهم من البلاد ، فهل برأيكم هؤلاء لديهم أدنى القيم أو يحملون جزءا منها ؟!! الجواب : كلا وحاشا .
وقد برزت عضلات الحكومات المتوالية بعد الاحتلال في الغالب لتظهر على الفلسطينيين من خلال سوء المعاملة في المؤسسات ومديرية الإقامة ومنعنا من أداء مناسك الحج في بداية عام 2004 ، بحيث أي ظلم يراد تطبيقه في العراق لابد أن يكون للفلسطيني نصيب كبير منه ، لأنهم أقلية ومستضعفون ولا منعة لهم ولا مطالب بحقهم ، وهذا ديدن فاقدي القيم في الأزمات كيف يتصرفون مع الضعفاء والأقليات .
فهل من القيم الاستهداف المباشر والحرب الشعواء التي أعلنتها الميليشيات ضد هذه الفئة القليلة ؟!!! ولو قلنا جدلا فهذا متوقع منهم لأنهم طائفيون وعنصريون فلم الاستغراب ؟!! سنقول لا بأس ، فهل من القيم اختطاف وتعذيب أناس كبار بالسن لا دخل لهم بأي شيء ؟!! أم هل من القيم بعد تعذيب الشباب وقتلهم اصطياد ذويهم وقتلهم أيضا ؟!! وهل من القيم منع ذوي الضحايا من استلام جثث أبنائهم ؟!! لم يحدث هذا حتى عند اليهود .
ونذكر يوم اعتدى الغربان السود على المساجد وكان من ضمنها مسجدنا في مجمع البلديات ( جامع القدس ) وكيف رأيناهم وهم مدججون بالسلاح ويقولون " الله أكبر " ويوجهون أسلحتهم صوب المسجد ويريدون حرقه وتهديمه ؟!!! أم هل من القيم انتهاك حرمة بيوت الله أم أنهم يعتبرونها مساجد الضرار !!! وهل من القيم قصف مجمع مليء بالعوائل والنساء والأطفال بقذائف الهاون التي لا تفرق بين طفل وشيخ كبير وامرأة ؟!!! والغريب أنه في إحدى المرات تم توقيت القصف ليلة السابع والعشرين من رمضان قبل سنتين بعد خروج المصلين من المسجد وحصل ما حصل .
وقبل ذلك هل من القيم في تلك الحرب التي أكلت الأخضر واليابس أن يعتقل عدد من الفلسطينيين ويتم إجبارهم على اعترافات تحت القوة والتعذيب والإكراه ؟!! ، فهذه نماذج وأمثلة لحرب شرسة همجية ضد تلك الأقلية في زمن انعدام القيم .وهل من الشهامة والقيم تهديد وتهجير العديد من العوائل الفلسطينية والاستيلاء على منازلهم ؟!!! وهل من القيم أن تصل الأمور لقتل النساء ، فأين كل ما يجري ويحدث من وصايا الصديق رضي الله عنه ، أو على أقل تقدير ألا من عروبة أو شهامة أو أصالة ؟!!!بل حتى المشركين كان لديهم بعض القيم والمبادئ في حروبهم مع المسلمين .
ولو انتقلنا إلى مشهد آخر من انعدام القيم بما يخص أوضاع أكثر من 3000 آلاف فلسطيني يعيشون الأمرين في صحراء قاحلة يذوقون حر الصيف المحرق وبرد الشتاء القارص ، فأين العروبة التي تتغنى بها الدول العربية ؟!! وأين الكرم والشهامة والنخوة اليعربية لإنقاذ هؤلاء مما هم فيه ؟!!! يبدو أن انعدام القيم في مثل هذه الأحوال وصل الذروة إلا من رحم الله وقليل ما هم .وأين القيم في العديد ممن استغل واستثمر قضية اللاجئين الفلسطينيين في العراق لأغراض شخصية ومصالح مادية ومآرب وقتية ، فهنالك قصور كبير لدى العديد من المسؤولين الفلسطينيين الرسميين وغير الرسميين تجاه أهلهم في العراق وكذلك المؤسسات والتنظيمات ، حتى وصل الحال بالبعض بالمتاجرة بقضيتنا ، وكلنا يذكر ما حصل في المؤتمر الذي كان عنوانه وأهدافه " فلسطينيو العراق وكيفية إخراجهم " الذي عقد بالسويد العام الماضي وتبين أنه في الغالب لمآرب شخصية ومنافع محددة بعيدا عن أي حلول حقيقية لأهلنا وإلا فأين تلك الجهات وأين الذين شاركوا في المؤتمر الآن ، ولدينا أسماء أشخاص ذهبوا للمشاركة في هذا المؤتمر من غير العراق والغاية هي الحصول على لجوء في السويد !!! وفعلا هم الآن في السويد ولا علاقة لهم بتلك القضية لا من قريب أو بعيد ، فهل هذا من القيم أم من التصيد بالماء العكر على حساب عناء واضطهاد الفلسطينيين في العراق .وهل من القيم أن يقوم بعض المسؤولين والشخصيات الفلسطينية بتبرير قتل الفلسطينيين في العراق أو اعتقالهم ، أو التردد بتسمية الجناة والمجرمين ولو تلميحا ؟!!! بل البعض كان عونا مع المعتدين ضد أبناء جلدتهم .في الحقيقة هنالك في القلب الكثير الكثير عن تلك النماذج وما آل بهم الحال من انعدام أدنى القيم في تلك الظروف الصعبة والمحن والفتن التي يتعرض لها الفلسطينيون في العراق ، نختم بتشتيت نصف الفلسطينيين في العراق لأكثر من ثلاثين دولة غالبيتها أجنبية بمرأى ومسمع من عامة المسلمين والعرب حكاما ومحكومين قادة ومسئولين وزراء ومهنيين تجار ومثقفين ، والكل يتفرج إلا من رحم الله وقليل ما هم فأين القيم في كل ذلك ، إلى الله المشتكى .
18/9/2008
أيمن الشعبان
باحث مختص بشأن الفلسطينيين في العراق