فلسطين التاريخ / تاريخ

صفحات سوداء من الحقد الصليبي.

 

صفحات سوداء من الحقد الصليبي

 

الحقد الصليبي على الإسلام والمسلمين ما الجديد فيه؟! والوصف الصليبي للإسلام والمسلمين متى تغير وتبدل؟! وقسيس الفاتيكان الأخير ما الجديد في كلماته السيئة التي طالما لامست أسماعنا؟!  

لا نشك في كرهه وحقده على الإسلام والمسلمين، وحبه لليهود وكيانهم الغاصب الذي أعمى بصره وبصيرته عن الحق والإنصاف، فلا نكاد ننسى كيف بادر وبدون مقدمات بعد أن استلم مهمته الجديدة في الفاتيكان بإطلاق كلماته المؤيدة لعصابات العدوان والقتل والتشريد من اليهود في أرض المسلمين في فلسطين، حيث قال: "ليبارك الرب شعب ودولة إسرائيل "؛ ليوضح موقفه على وجه السرعة من اليهود وكيانهم، في أول حفل استقبال لسفراء السلك الدبلوماسي المعتمدين في دولة الفاتيكان!!

ولعل التقارير التي يقرأها حول انتشار الإسلام وأعداد المهتدين الجدد تتجاوز توقعاتهم، مع كل إعداداتهم وإمكاناتهم الكبيرة  .... أفقدته صوابه وأنطقته بكلمات ظالمة من المعاناة النفسية التي هو فيها ... ولهذا نقول شئتم أم أبيتم الدين الإسلامي هو آخر الأديان، ومحمد صلى الله عليه وسلم هو خاتم الأنبياء، والإسلام هو دين الله في الأرض، الذي يُصلح كل زمان ومكان.

 

عدل الإسلام مع غير المسلمين :

كلمات ومواقف وشهادات ونصوص نقدمها لمن لم يقرأ كتاب ربنا ولا سنة نبينا، ولم ينظر في تاريخنا، ليقف عندها كل منصب أراد الحقيقة، وقد سجلت صفحات التاريخ بأحرف من نور صور العدل الذي قام به المسلمون مع غير المسلمين، فالإسلام يحفظ للإنسان الحقوق الأساسية في الحياة التي لا غنى له عنها، ولم يحظ الإنسان – أيا كان جنسه أو مكانه أو مكانته أو زمان عيشه – بمنزلة أرفع من تلك التي ينالها في ظلال الدين الحنيف "الإسلام"، وما ذلك إلا لأن الإسلام دين عالمي ورسوله صلى الله عليه وسلم أرسل للعالمين كافة.

ودراسة سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم تنبئ عن صفحات مشرقه في حسن تعامله – عليه أفضل الصلاة والسلام – مع غير المسلمين، فقد كان له جيرانٌ منهم، وكان يداوم على برهم، ويعود مرضاهم، ويهدى لهم، ويقبل هداياهم، حتى إن امرأة يهودية وضعت له السم في ذراع شاة أهدته إياها. روى البخاري في صحيحه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إذا رأيتم الجنازة فقوموا حتى  تخلفكم، فمرت به يوماً جنازة، فقام، فقيل له: إنها جنازة يهودي، فقال: أليست نفساً؟".

وقد راعى الخلفاء المسلمون كرامة غير المسلمين، وشواهد التاريخ ملأى بتلك الحوادث التي يشهد لها المنصفون، وثقت بمعاهدات نذكر صورة منها وهي العهدة العمرية التي أعطاها أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه لسكان القدس من النصارى عند فتحها والتي جاء فيها:

      "بسم الله الرحمن الرحيم: هذا ما أعطى عبد الله؛ عمر أمير المؤمنين أهل إيلياء من الأمان، أعطاهم: أماناً لأنفسهم، وأموالهم، ولكنائسهم وصلبانهم، وسقيمها، وبريئها، وسائر ملتها. أن لا تسكن كنائسهم، ولا تهدم، ولا ينتقص منها ولا من حيزها ولا من صلبهم، ولا من شيء من أموالهم، ولا يكرهون على دينهم ولا يضار أحد منهم، ولا يسكن بإيلياء معهم أحد من اليهود ...".

وتحرير بيت المقدس على يد المجاهد صلاح الدين الأيوبي كانت صورة للفارق بين سماحة الإسلام حين يحكم وتكون كلمته هي العليا، وبين الحقد الصليبي وغدرهم حين احتلوا بيت المقدس وعاثوا فيه الفساد من ذبح وقتل أكثر من سبعين ألفا من المسلمين في عام  492هـ ، وكثير من القتلى كانوا أئمةً وعلماءً وعباداً ممن فارق الأوطان، وجاوروا بذلك المسجد الأقصى.

وبقاء غير المسلمين على دينهم قروناً متتالية في الشام ومصر والأندلس دليل على سماحة الإسلام، فهاهم يهود السامره ويطلق عليهم السامريون كانوا وما زالوا يسكنون مدينة نابلس وقد حفظ المسلمون منذ الفتح العمري إلى اليوم حقوقهم وخصوصيتهم، ماداموا في عهد المسلمين، وهاهي كنائس النصارى في فلسطين وغيرها من الأوطان يدل وجودها إلى الآن أنها برعاية المسلمين، وما زالت مفاتيح كنيسة القيامة في القدس بيد أسرة مسلمة من أسر القدس تتوارثها جيلاً بعد جيل، وهذا مطلب نصارى القدس حتى لا تحدث الشحناء بينهم على من يمتلك المفاتيح.     

ومن تسامح الإسلام مع غير المسلمين أنه لم يلزمهم دفع الزكاة ولم يفرض عليهم الجهاد مع المسلمين، كما سمح الإسلام لغير المسلمين بإقامة حياتهم الاجتماعية (الأحوال الشخصية) على تشريعاتهم الخاصة كالزواج والطلاق ونحو ذلك.

يقول "غوستاف لوبون" في كتابه (حضارة العرب): "كان يمكن أن تُعمي فتوح العرب الأولى أبصارهم، وأن يقترفوا من المظالم ما يقترفه الفاتحون عادةً، ويسيئوا معاملة المغلوبين، ويكرهوهم على اعتناق دينهم الذي كانوا يرغبون في نشره في العالم... ولكن العرب اجتنبوا ذلك، فقد أدرك الخلفاء السابقون الذين كان عندهم من العبقرية السياسية ما ندر وجوده في دعاة الديانات الجديدة أن النظم والأديان ليست مما يفرضُ قسراً، فعاملوا كما رأينا أهل سوريا ومصر وإسبانيا وكل قطر استولوا عليه بلطف عظيم، تاركين لهم قوانينهم ومعتقداتهم، غير فارضين عليهم سوى جزية زهيدة في الغالب إذا ما قيست بما كانوا يدفعونه سابقاً، في مقابل حفظ الأمن بينهم، فالحقّ أن الأمم لم تعرف فاتحين متسامحين مثل العرب، ولا ديناً مثل دينهم".

ومن الصور المشرقة لحماية غير المسلمين موقف شيخ الإسلام "ابن تيمية" رحمه الله حينما تغلب التتار على الشام، فسمح القائد التتري للشيخ بإطلاق أسرى المسلمين، وأبي أن يسمح له بإطلاق أهل الذمة، فما كان من شيخ الإسلام إلا أن قال: لا نرضى إلا بإطلاق سراح جميع الأسارى من اليهود والنصارى فهم أهل ذمتنا، ولا ندع أسيراً لا من أهل الذمة ولا من أهل الملة ، فلما رأى إصراره وتشدده أطلقهم له .

بل عزا الدكتور غوستاف لوبون سرعة انتشار الإسلام بين الشعوب الأخرى إلى هذه المعاملة الحسنة من قِبَلِ المسلمين لغيرهم، فقال: "ساعد وضوح الإسلام البالغ، وما أمر به من العدل والإحسان، كل المساعدة على انتشاره في العالم، ونفسر بهذه المزايا سبب اعتناق كثير من الشعوب النصرانية للإسلام، كالمصريين الذين كانوا نصارى أيام حكم قياصرة القسطنطينية، فأصبحوا مسلمين حين عرفوا أصول الإسلام ...، كما نفسر السبب في عدم تنصر أية أمة بعد أن رضيت بالإسلام ديناً، سواء أكانت هذه الأمة غالبة أم مغلوبة ".

وقال ابن حزم رحمه الله في (مراتب الإجماع): "أن من كان في الذمة، وجاء أهل الحرب إلى بلادنا يقصدونه، وجب علينا أن نخرج لقتالهم بالكراع والسلاح، ونموت دون ذلك صوناً لمن هو في ذمة الله تعالى وذمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فغن تسليمه دون ذلك إهمال لعقد الذمة "

 

وهكذا عامل الصليبيين المسلمين في القدس:

عندما احتل الصليبيون بيت المقدس في يوم الجمعة الثالث والعشرين من شعبان 492 هـ ، قتلوا نحو سبعين ألفاً من المسلمين، وكثير من القتلى كانوا أئمةً وعلماءً وعباداً ممن فارق الأوطان ، وجاوروا بذلك المسجد الأقصى.

وظل الصليبيون محتلين لبيت المقدس إحدى وتسعين عاماً، هتكوا خلالها الحرمات،  وأزالوا الأمن والأمان، وسنكتفي بوصف المجزرة في بيت المقدس بنقولاتٍ عن مؤرخيهم الذين شاهدوا وعايشوا ذلك الحقد الصليبي على الإسلام والمسلمين ومقدساتهم.

·    يذكر (وليم الصوري) المؤرخ الصليبي، أنه حدثت مذبحة رهيبة، وأصبحت مدينة بيت المقدس مخاضة واسعة من دماء المسلمين أثارت خوف الغزاة واشمئزازهم.

·     وأوضح "غوستاف لوبون" في كتابه حضارة العرب كيف عامل الصليبيين المسلمين في القدس، ووثق ذلك بشهادة "ريمون أجيل" الذي وصف بشاعتها بالآتي: لقد حدث ما هو عجيب عندما استولى قومنا الصليبيون على أسوار القدس وبروجها فقد قطعت رؤوس بعض العرب وبقرت بطون بعضهم وقذف بعضهم من أعلى الأسوار وحرق بعضهم في النار، وكان لا يرى في شوارع القدس وميادينها سوى أكداس من رؤوس العرب وأيديهم وأرجلهم فأفنوهم على بكرة أبيهم في ثمانية أيام ، ولم يستثنوا منهم امرأة ولا ولداً ولا شيخاً.

·    ويذهب مؤرخ صليبي آخر إلى أنه لم يستطع غداة المذبحة الرهيبة " أن يشق طريقه وسط أشلاء المسلمين إلا في صعوبة بالغة، وأن دماء القتلى بلغت رُكبتيه ".

·    ويصفه المؤرخ مل: "كان المسلمون القتلى في الشوارع والبيوت ولم يكن للقدس من ملجأ يلجأ إليه، فقد فر بعض القوم من الذبح فألقى بنفسه من أعلى الأسوار، وانزوى البعض الآخر في القصور والأبراج وحتى في المساجد، غير أن هذا كله لم يخفهم عن أعين النصارى الذين كانوا يتبعونهم أينما ساروا، ومشى أولئك المنتصرون فوق أكوام من الجثث الهامدة وراء أولئك الذين يبحثون عن ملجأ أو مأوى".

·    ويقول (ميشود): "أما أولئك الذين أبقاهم الفرنج أحياء أملاً بأموالهم فقد ذُبحوا بلا مبالاة ولا شفقة حتى اضطر المسلمون إلى أن يلقوا بأنفسهم من فوق المنازل، وقد أحرق بعضهم وهم أحياء وسُحب آخرون إلى الساحات العمومية، وقُتلوا على جثث القتلى هناك، وما كانت مياه عيون النساء ولا صياح الأطفال لتسكن من ثورة أولئك المنتصرين ".

 

سماحة الإسلام:

لقد ضرب صلاح الدين مثلاً عظيماً في سماحة الإسلام وقوته وعزته، فحين تَسَلَّم المسلمون بيت المقدس في يوم الجمعة السابع والعشرين من رجب، استقر رأي صلاح الدين في مجلس الشورى الذي عقده أن يُؤخذ من الرجل عشرة دنانير يستوى فيه الغني والفقير والطفل من الذكور والبنات دينارين، والمرأة خمسة دنانير فمن أدى ذلك إلى أربعين يوماً فقد نجا، ومن انقضّت الأربعون يوماً عنه ولم يؤد ما عليه فقد صار مملوكاً. وسنكتفي كذلك بوصف سماحة الإسلام وعدالته بما شهد به الصليبيون أنفسهم:

*   يقول (استيفن سن): إن السلطان قد سمح لعدد كبير بالرحيل دون فدية".

*  ويروي (استانلي لين بول ): "إن السلطان قد قضى يوماً من أول بزوغ الشمس إلى غروبها وهو فاتح الباب للعجزة والفقراء تخرج من غير أن تدفع الجزية " .

*  ويقول المؤرخ الإنجليزي (مل): " ذهب عدد من المسيحين الذين غادروا القدس إلى أنطاكية المسيحية فلم يكن نصيبهم من أميرها إلا أن أبى عليهم أن يضيفهم ، فطردهم فساروا على وجوههم في بلاد المسلمين، فقوبلوا بكل ترحاب" .ولقد خرج البطرك " ستانلي " بأمواله وذخائره الكثيرة دون أن يصرف منها شيئاً في فداء الفقراء والمساكين ، فقيل لصلاح الدين "لم لا تصادر هذا فيما يحمل، وتستعمله فيما تقوي به أمر المسلمين؟ "فقال : "لا آخذ منه غير العشرة دنانير ولا أغدر به " ، وفي ذلك يقول ( ستانلي لين بول ) : قد وصل الأمر إلى أن سلطاناً مسلماً يلقي على راهب مسيحي درساً في معنى البر والإحسان".

وبعد ، فهذا هو الفارق بين سماحة الإسلام حين يحكم وتكون كلمته هي العليا، وبين الحقد الصليبي وغدرهم حين يحكمون.

 

عيسى القدومي

.