فلسطين التاريخ / تهويد وتزوير وإجرام

اليهود ومن والاهم أصل التحريش والفتن

سعى اليهود بكل ما أوتوا من قوَّة وخديعة للتحريش بين المسلمين، وإيقاد الفتن على مرِّ التاريخ .. هذا دأبهم وديدنهم، وليس بمستغرب عليهم، وقد روى الطبري بسنده وغيره عن زيد بن أسلم قال: مرّ شاس بن قيس -وكان شيخًا قد عسا في الجاهلية عظيم الكفر، شديد الضغن على المسلمين، شديد الحسد لهم- على نفرٍ من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأوس والخزرج في مجلس قد جمعهم يتحدثون فيه، فغاظه ما رأى من جماعتهم وألفتهم وصلاح ذات بينهم على الإسلام بعد الذي كان بينهم من العداوة في الجاهلية، فقال: قد اجتمع ملأ بني قيلة -يعني الأنصار الأوس والخزرج- بهذه البلاد، لا والله ما لنا معهم إذا اجتمع ملؤهم بها من قرار، فأمر فتى شابًا من يهود وكان معه فقال له: اعمد إليهم فاجلس معهم فذكرهم يوم بعاث وما كان قبله، وأنشدهم بعض ما كانوا تقاولوا فيه من الأشعار، ففعل، فتكلم القوم عند ذلك فتنازعوا وتفاخروا حتى تواثب رجلان من الحيين على الركب فتقاولا، وقال بعضهم لبعض: إن شئتم رددناها الآن جذعة، وغضب الفريقان وقالوا: قد فعلنا السلاح، السلاح موعدكم الحرّة، فخرجوا إليها ، وتحاوز الناس على دعواهم التي كانت في الجاهلية، فبلغ ذلك رسول صلى الله عليه وسلم، فخرج إليهم فيمن معه من أصحابه حتى جاءهم فقال: "يا معشر المسلمين الله الله..أبدعوى الجاهلية وأنا بنين أظهركم بعد إذ هداكم إلى الإسلام وأكرمكم به وقطع عنكم أمر الجاهلية واستنقذكم به من الكفر وألف بني قلوبكم ترجعون إلى ما كنتم عليه كفارا؟!" فعرف القوم أنها نزغة من الشيطان وكيد من عدوهم، فألقوا السلاح وبكوا وعانق بعضهم بعضًا، ثم انصرفوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سامعين مطيعين، قد أطفأ الله عنهم كيد عدو الله شاس بن قيس.

وأنزل الله تعالى في ذلك:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ * وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) (آل عمران 100-101)

وفي هذه القصة وفي الآيات التي نزلت بسببها من الدروس والعبر ما ينبغي للمسلمين أن يقفوا

عنده ويتأملوه طويلاً، ولا سيما في هذه الأيام التي كثرت فيها دسائس اليهود والنصارى وأذنابهم ومن والاهم من بعض ضعاف النفوس والإيمان من المسلمين، وتنوعت مكائدهم لتمزيق صف المسلمين وإثارة النعرات والخلافات بينهم حتى أصبحوا يقتتلون في كل مكان وعلى أتفه الأسباب، وما كان لهم أن يصلوا إلى ما وصلوا إليه لولا بُعد المسلمين عن دينهم وتجاهلهم لتاريخ هؤلاء الأعداء مع نبي الإسلام صلى الله عليه وسلم ومع المسلمين على مرّ التاريخ، وقد حذرنا القرآن الكريم من كيدهم فقال تعالى:( وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ) (البقرة: 109) ، وقال تعالى:( وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً) (النساء: 89)، ويبقى أملنا بالله أن يرد كيدهم إلى نحورهم، وأن يحفظ أمتنا من مكائدهم وذلك مصداقا لقوله تعالى:(كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ) (المائدة 64) ، ونصيحتنا لعموم المسلمين وأهل فلسطين خاصة أن يتثبتوا من كل ما يرد إليهم من أخبار ووشايات عبر وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي؛ حفظًا لدمائهم وأعراضهم ولنا في سلف الأمة خير أسوة في ذلك فقد عاتب معاوية الأحنف في شيء فأنكره، فقال: أخبرني الثقة أنك قلت عني كذا وكذا، فقال: إن الثقة لا يبلغ. لو كان ثقة ما بلغك عني هذا الكلام، وكتب بعض الخلفاء على رقعة أرسلها إليه نمام قال: سننظر أصدقت أم كنت من الكاذبين.

وبسبب التحريش قتل عثمان رضي الله عنه، وكان مصدر التحريش الأساس عبدالله بن سبأ اليهودي...

اللهم إنا نسألك أن تصلح ذات بيننا، وأن تتوب علينا، وأن تجعلنا إخوة متحابين في سبيلك يا رب العالمين.

كلمة العدد (26) من مجلة بيت المقدس-شتاء 2020

.