فلسطين التاريخ / تهويد وتزوير وإجرام
إسرائيل جذور التسمية ... وخديعة المؤرخين الجدد-الجزء (3)
إسرائيل
جذور التسمية ... وخديعة المؤرخين الجدد
الجزء الثالث
أسماء تعددت وتنوعت تلك التي تطلق على اليهود اليوم، والتي من أشهرها مسمى "يهود" و "إسرائيليين" و "عبريين" و "صهاينة" ... ورغم بساطة تلك الأسماء إلا أنها تحمل إشكالية معقدة ومختلطة في تفسير معانيها لتعدد إشارتها واستخداماتها، وكثير من الناس لا يعرف حقيقة هذه التسميات، فتجد البعضُ لا يطلقُ عليهم غير التسميةِ الأولى، و بعضٌ آخرُ يجمعُ معها الثانية، وثالثٌ: الثالثةَ، والرابعة ...
ولدفع هذا اللبس والإيهام جمعت شتات ما قيل عن تلك الأسماء ومعانيها وخلفياتها، حتى نعي الفرق بينها، وأبعاد تلك المسميات، ولماذا اختار اليهود المغتصبين لأرض فلسطين مسمى "إسرائيل" ؟! وما هي الأسماء الأخرى التي تم طرحها ؟ ولماذا استبعدت ؟ وكيف وقع الاختيار على مسمى "إسرائيل" دون غيره ؟ وما الأسماء التي يحاول اليهود تجاوزها واستبعاد نطقها ؟
وبعد أن أفردنا مقالاً مستقلاً حول كلمة اليهود وسبب تسميتهم بهذا الاسم، وعرفنا من هو اليهودي في عُرف يهود اليوم، وإشكالية مدلول كلمة اليهود واليهودية عند طوائف اليهود، ولماذا يفضلون تسميتهم "بالشعب اليهودي" ؟!! ... وتبعه مقال ثان جمعنا به ما جاء في مدلول كلمة إسرائيل وإسرائيلي وإسرائيليون، والخلاف الحاصل بين قادة اليهود وحاخاماتهم في تعريف من هو اليهودي ؟ وما المسمى الأصح اليهود أم الإسرائيليون ؟ ولماذا اختار قادة اليهود مسمى إسرائيل لكيانهم الغاصب ولماذا استبعدوا المسميات المقترحة الأخرى ؟!
وفي هذا المقال سنتطرق إلى مسمى عبري، والعبريون، واللغة العبرية، وأسباب تلك التسميات وأبعادها:
العبريون ... أسباب التسمية وأبعادها
اختلفت الآراء في سبب تسميتهم بـ"العبريين" أو "العبرانيين"، قيل: إنهم سموا بذلك نسبة إلى إبراهيم عليه الصلاة والسلام نفسه، فقد ذكر في سفر التكوين باسم: "إبراهيم العبراني"، لأنه عبر نهر الفرات و أنهاراً أخرى، وقيل إنهم: سموا بالعبرانيين نسبة إلى "عِبْر"، وهو الجد الخامس لإبراهيم عليه الصلاة والسلام، والرأي الثالث يقول: إن سبب التسمية يرجع إلى الموطن الأصلي لبني إسرائيل، ذلك أنهم في الأصل كانوا من الأمم البدوية الصحراوية التي لا تستقر في مكان، بل ترحل من بقعة إلى أخرى بإبلها وماشيتها للبحث عن الماء والمرعى.
وغالب المؤرخون اجمعوا على أن التسمية ناتجة عن عبور إبراهيم علية الصلاة والسلام نهر الفرات, ويؤكد هذا الرأي ما جاء في سفر يوشع: "وهكذا قال الرب إله إسرائيل في عبر النهر سكن آباؤكم منذ الدهر". ويرى البعض إن هذه اللفظة لم تظهر إلا بعد اجتياز إبراهيم نهر الفرات" , فضلا ًعن أن الأخذ بهذا الرأي أقرب إلى الصحة والصواب من الآراء الأخرى.
قال الأستاذ شراب في كتابه العرب واليهود في التاريخ ص/ 63: " لفظ العبري أطلق تاريخياً على شراذم من الغجر الرحل كانوا يعيثون في الأرض فساداً، ويتبعون الجيوش الغازية، بوصفهم مرتزقة يستعان بهم في الأعمال الدنية، ووصفهم إبراهيم بأنه عبري غير صحيح، إلا إذا أخذنا من لفظ عبري معنى: الترحال والتنقل، وقد ألصق اليهود بإبراهيم وصف "العبري" ليصلوا إلي وصف لغتهم بأنها "عبرية" قديمة ترجع إلى زمن إبراهيم عليه السلام، وهذا كلام باطل لأن اللغة العبرية جاءت متأخرة جداً عن زمن إبراهيم، وهي لهجة آرامية عربية، ظهرت بعد عصر موسى بحوالي ست مئة سنة ولأن التوراة نزلت باللغة الهيروغليفية، حيث تخاطب قوماً في مصر أو أخرجوا من مصر".
وأرى أن الذي ذكره هو الصواب، فاللغة العبرية لغة متأخرة جداً عن زمن الخليل إبراهيم عليه الصلاة والسلام.
عبري
لفظ " عبري " هي أقدم التسميات التي تطلق على الجماعات اليهودية ويقال أيضاً "عبراني" وجمعها "عبرانيون"، ومن الآراء المطروحة أيضاً أن كلمة "عبري" مشتقة من "العبور" من عبارة "عبر النهار": "فهرب هو وكل ما كان له وقام وعبر النهر وجعل وجهه نحو جبل جلعاد " ( تكوين 31/21).
ويرى عبد الوهاب المسيري في موسوعته "اليهود واليهودية والصهيونية": أن كلمة "عبري" ترد أحياناً مرادفة لكلمة "يهودي" على نحو ما جاء في سفر إرميا (34/9): "أن يطلق كل واحد عبده وكل واحد أمته العبراني والعبرانية، حُريَّن حتى لا يستعبدهما أحد". كما كانت الكلمة مرادفة لكلمة "يسرائيلي" خروج ( 9 / 1 –4 ): "هكذا يقول الرب إله العبرانيين ... ويميز الرب بين مواشي يسرائيل ومواشي المصريين" وفي صمويل الأول ( 4/9 ) يقول أحد الفلستيين: "تشددوا .. وكونوا رجالاً لئلا تستعبدوا للعبرانيين" وهو يتحدث عن جماعة يسرائيل.
ويضيف المسيري: "ويفضل بعض الصهاينة العلمانيين أن يستخدموا كلمة "عبري" أو "عبراني" على استخدام كلمة "يسرائيلي" أو "يهود" باعتبار أن الكلمة تشير إلى العبرانيين قبل اعتناقهم اليهودية، أي أن مصطلح "عبري" يؤكد الجانب العرقي على حساب الجانب الديني فيما يسمى "القومية اليهودية" بل إن بعض أصحاب الاتجاهات الإصلاحية والاندماجية، في مرحلة من المراحل، كانوا يفضلون كلمة "عبري" على كلمة "يهودي" بسبب الإيحاءات القدحية للكلمة الأخيرة.
ويقول الدكتور ظاظا: "بعد العودة من بابل في القرن الخامس قبل الميلاد، اقتصر استخدام مصطلح "عبرانيين" على الإشارة إلى الرعيل الأول من اليهود حتى عصر التهجير البابلي واستخدمت كلمة "يهود" أو "يسرائيلي" للإشارة إلى الأجيال التي أتت بعد ذلك، والتي لم تعد تستخدم اللغة العبرية وإنما تتحدث الآرامية وتكتب بها".
ورغم هذا نجد أن معظم الدراسات لا تفرق بين تاريخ العبرانيين والتواريخ اللاحقة للجماعات اليهودية، متأثرة في ذلك بالرؤية الإنجيلية التي تنظر إلى اليهود باعتبارهم شعباً مقدساً حافظ على تماسكه وهي رؤية تخلط التاريخ الدنيوي بالتاريخ المقدس.
اللغة العبرية
العبرية إحدى اللغات السامية من المجموعة الكنعانية، كما أن بدايتها يلفها الغموض فهي مجرد لهجة من لغة أكبر (اللغة الكنعانية)؛ لهجة لم تكن قد نضجت أو تبلورت بعد كان يتحدث بها الكنعانيون ثم اتخذها العبرانيون لغة لهم بعد تسللهم إلى أرض كنعان وسميت هذه اللغة "عبرية" في وقت متأخر من العصور الوسطى فلا يوجد في صحف العهد القديم ما يدل على أنهم كانوا يسمونها بهذا الاسم، إذ كان يشار إليها بمصطلح "يهوديت" (يهودي) و"لسان كنعان" ولم يظهر مصطلح "لاشون عفريت"، أي "اللسان العبري" ، إلا مع المشناه.
وفي العصر الحديث ظهرت أول مجلة عبرية في عام 1856م ، وقد حاول المفكر الصهيوني إليعازر بن يهودا إحياء العبرية، وقوبلت محاولته بعداء شديد في بادئ الأمر من قبل اليهود المتدينين الذين كانوا يرون أن العبرية لغة مقدسة يجب ألا تمتهن باستخدامها في الحديث اليومي.
وقام صراع حول استخدام العبرية في الصلوات. وكان ذلك من المسائل الأساسية التي ناقشتها الفرق اليهودية المختلفة في العصر الحديث. فحاول الإصلاحيون استبعادها لتأكيد عدم ازدواج ولاء اليهود ولتشجيع اندماجهم الحضاري واللغوي مع الأمم التي يعيشون بين ظهرانيها، في حين حاول المحافظون والأرثوذكس (بدرجات متفاوتة) الإبقاء عليها ونشبت حرب اللغة بين دعاة استخدام العبرية ودعاة استخدام الألمانية. وانتصرت العبرية في نهاية الأمر.
بأي لغة يتحدث بها اليهود ؟!
بحسب قانون الكيان اليهودي اللغة العبرية لغة رسمية للدولة، ويضاف لها اللغة العربية وتكتب معظم اللافتات باللغتين العبرية والعربية، وتختفي اللغة العربية من لافتات الجهات الرسمية للدولة وفي أغلب الأحياء التي يقطن فيها اليهود، كما أن المؤسسات والشركات الخاصة لا تستعمل العربية.
وتؤكد حكومة الاحتلال لمواطنيها أن الرباط اللغوي يكاد يكون الرباط القومي الوحيد بينهم وليس التوراة، وذلك على اعتبار أن التراث الحضاري للجماعات اليهودية متنوع، كما أن الكتب اليهودية متنوعة وبعضها مكتوب بالآرامية ولا يؤمن به كثير من اليهود وتحاول الحكومة استخدام اللغة كأداة لتذويب الفوارق القومية الدينية فالعبرية أحد أسس أسطورة "بوتقة الصهر" الإسرائيلية. كما أن الجيش "الإسرائيلي" يدرس العبرية للمجندين القادمين من أطراف العالم ليصبغهم بالصبغة القومية المرجوة. كما أنه يتعين على كبار موظفي الحكومة أن يعبرنوا أسماءهم.
ورغم كل هذه المحاولات، يبدو أن عملية الدمج لم تنجح بعد تماماً. ويتضح هذا من عدد الصحف التي تظهر بلغة البلاد الأصلية التي هاجر منها اليهود، كما أن الإذاعة الصهيونية تذيع برامج بلغات عديدة: مثل اليديشية والفرنسية والإنجليزية والرومانية والتركية والفارسية والعربية والروسية والإسبانية، ولكن معظم الإسرائيليين يتحدثون العبرية خارج منازلهم. أما داخلها، فإنهم يتحدثون إما لغة الموطن الذي جاءوا منه وإما العبرية باللهجة التي يعرفونها، ولكن الصابرا يتحدثون العبرية داخل المنازل وخارجها فهي اللغة الأم بالنسبة إليهم.
ومع ذلك فلا تزال العبرية لغة القلة من اليهود إذ يتحدث أعضاء الجماعات اليهودية لغة أوطانهم بما في ذلك ما يكتبونه عن أنفسهم وعن اليهودية، فيتحدث أكثر من عشرة ملايين يهودي الإنجليزية ويتحدث مليونان الروسية وعدة آلاف تتحدث اليديشية (لكن عددهم آخذ في التناقض بسرعة)، وأكثر من مليون ونصف المليون يتحدثون لغات أخرى مثل الفرنسية في فرنسا وغيرها أو الإسبانية أو البرتغالية لغة يهود أمريكا اللاتينية ولا يتحدث العبرية سوى 83 % من الصهاينة في فلسطين، وهم لا يتحدثونها طوال الوقت. ويفضل كثير من العلماء اليهود نشر أبحاثهم بالإنجليزية حتى يكون لهم جمهور واسع من القراء.
فلسطين وعبرنة العربية
منذ بداية المشروع الصهيوني على أرض فلسطين اهتم قادة الكيان اليهودي بإحياء العبرية والتي تعني لهم الوجود وأساس يجمع به هذا الشتات الذي ينتمي إلى بلاد كثيرة. لذا لجأ قادته إلى دس مصطلحات وأسماء عبرية عديدة في لغة الإعلام العالمي، تزييناً للواقع وتزويراً للتاريخ.
في فلسطين المحتلة أخذت الكثير من المفردات في اللغة العبرية تحل محل مفردات عربية أصيلة، وفي بعض الأحيان يلجأ الكثير من المتخصصين إلى استخدام اللفظ العبري لأنهم لا يعرفون المصطلح المهني المرادف بالعربية. ولا شك أن هيمنة الاحتلال على مجريات الحياة العامة للفلسطينيين وضعت واقعاً أجبر الكثيرين على التعامل بلغة الاحتلال.
والغريب في الأمر أنه رغم وفرة مفردات اللغة العربية وغزارة مادتها اعتاد المتحدثون "استيراد" كلمات من العبرية واستعمالها في مجمل حديثهم اليومي، والتي تصبح مع مرور الوقت جزءاً من لغة الناس اليومية، وتأخذ وضعها الطبيعي عندهم، وربما استخدمتها الأجيال اللاحقة على أنها جزء من لغتهم الأم.
وما زالت محاولة العمل على "عبرنة" بعض كلمات اللغة العربية، وتهويد بعض مصطلحاتها ونحت ألفاظها، بما يحقق لها الرواج والتداول والاستمرار والانتشار، ليس بهدف التكلم بالعبرية في نهاية المطاف، ولكن لنستخدم بعض الكلمات العبرية التي تخدم مخططاتهم وتعود عليهم بالنفع.
ولا شك إذا لم نتنبه إلى عبرنة ألفاظنا سنصحو وإذا بنا وبإعلامنا يتكلم العبرية في بعض مفردات الخطاب من حجم المصطلحات المستخدمة، فهم المبادرون لنحت تلك المصطلحات وهم الساعين لنشرها وإشاعتها، ومن الضروري ألا ندع اليهود يحتكرون لأنفسهم توليد المصطلحات وتسمية الأشياء ومن ثم التحكم في المقولات الكامنة وراء الخطاب والتي يحرص الصهاينة على إخفائها، لعزل الظواهر والمسميات عن أصولها التاريخية وكأنها أحداث وممارسات مجردة، ليحلو لهم تسميتها كما أرادوا ...
وبما أن آلة صك وتوليد المصطلحات اليهودية والصهيونية لا تكف عن الدوران، فسوف تظل الحاجة لدراستها وإظهار مقاصدها، وإيجاد المصطلح الصواب للتعبير في كلماتنا وخطاباتنا. ومع الإصرار على العودة إلى المصطلحات الصحيحة والتحذير من المقاصد اليهودية فأننا يقينا "بمشيئة الله تعالى" سنعتاد المسميات والمصطلحات الصحيحة التي تلتزم بالثوابت الإسلامية والعربية الأصيلة. فهناك العديد من الأسماء العربية للقرى والمدن والأماكن والأحياء وغيرها والتي لا يسع المجال لذكرها قد تم استبدالها بأسماء عبرية!! ، وهنا ننوه أن لا بد من ذكر الأسماء العربية لهذه الأماكن ولو كانت مدمرة.
عيسى القدومي
30/رمضان/1427هـ
الموافق 22/10/2006م
.