دراسات وتوثيقات / دراسات وبحوث
حق العودة: ميراث شرعي لأرض التوحيد والحق
حق العودة: ميراث شرعي لأرض التوحيد والحق
كتبه / حكمت أحمد محمود المغربي
الأردن-عمان
المقدمة:
إن الحق في فلسطين والعودة إليها بالنسبة للمسلمين لا ينبغي أن يرتبط بمسألة أسبقية الوجود التاريخي على هذه الأرض، ولا أن يتصل بمنطلقات قومية أو وطنية، فهو حق يؤول وحسب لعباد الله الأتقياء، بغض النظر عن الجنسية والأصل: "إنَّ الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين" (سورة الأعراف- الآية 128).
أولئك الذين يبدون على استعداد لبذل أرواحهم في سبيل نصرة الله سبحانه وإعلاء رسالته: "وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ، الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأرض أَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عاقِبَةُ الأمور"(سورة الحج - الآية 40-41).
والذين يخلصون الايمان برسالة التوحيد التي دعا إليها الأنبياء كافة في تلك الأرض المقدسة، قال الله تعالى: "يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم ولا ترتدوا على أدباركم فتنقلبوا خاسرين" (سورة المائدة –الآية 21).
وإذا كان اليهود يدعون بأن أرض فلسطين هي أرض الميعاد، وأنها مملكة داود وسليمان -عليهما السلام- ما يعطيهم الحق فيها بوصفهما -عليهما السلام- من ملوك اليهود، فقد وضّح القرآن الكريم في أكثر من موطن أن مملكة داود وسليمان -عليهما السلام- هي مملكة النبوة، التي كانت تقوم على العبودية لله تعالى وتحقيق العدل وكمال العبادة والطاعة والتسبيح والذكر[1]، وكل تلك العناصر الإيمانية لا علاقة لها من قريب أو بعيد بيهود اليوم: "ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون، إن في هذا لبلاغا لقوم عابدين، وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين" (سورة الأنبياء- الآية 105 – 107).
فالذين كفروا من اليهود والنصارى، وأشركوا بالله سبحانه، وعصوه، ونقضوا العهود مع الله تعالى، وقتلوا الأنبياء، وحرفوا كلام الله؛ فقدوا حقهم في الأرض المقدسة، واستحقوا لعنة الله سبحانه ولعنة أنبيائه كما قال الله جل جلاله: "وقالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله، ذلك قولهم بأفواههم، يضاهئون قول الذين كفروا من قبل، قاتلهم الله، أنّى يؤفكون"(سورة التوبة- الآية 30).
وإذا كان اليهود ومن لفَّ لفَّهم يزعمون أن لهم حقاً دينياً في أرض فلسطين استناداً إلى تحدرهم من ابراهيم عليه السلام، فقد أسقط القرآن الكريم دعواهم وقطع صلتهم المزعومة بإبراهيم عليه السلام بقوله سبحانه وتعالى: "ما كان إبراهيم يهودياً ولا نصرانياً، ولكن كان حنيفاً مسلماً، وما كان من المشركين" (سورة آل عمران- الآية 67). "هو سماكم المسلمين من قبل" (سورة الحج-الآية 78).
اللاجئ والمعاهدات والمؤتمرات:
في زماننا هذا، لا يملك المسلم إلا أن يحزن؛ لأن القضية الفلسطينية قد اتخذت طابعاً جغرافياً في المقام الأول والأخير، فصار يراد لها أن تعزل عن سياقها الديني وأن ترتبط فقط بمن ولد وعاش على أرض فلسطين قبل عام 1948، أي بمن أطلق عليه فلسطيني لاجئ[2]، وبدرجة أقل فلسطيني نازح! ومن ثم، أخذت المفاهيم والقوانين الدولية – هذا إن تم الاعتراف بالفلسطيني من حيث المبدأ - تتبلور فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية في ظل ذلك المنظور الجغرافي الضيق!
وكان لقضية اللاجئين وحق العودة نصيب من اهتمام العديد من المؤتمرات والمعاهدات والاتفاقيات في تاريخ فلسطين الحديث وتاريخنا كمسلمين. ومن أشهر تلك المؤتمرات، أو المؤامرات إن جاز التعبير، مؤتمر أوسلو: الذي تمخض عن توقيع اتفاقية "سلام" بين كيان الاحتلال المسمى “إسرائيل“ ومنظمة التحرير الفلسطينية عام 1993.
وبالتدقيق في بنود تلك الاتفاقية، يلاحظ وجود ميل مشبوه للتملص من مواجهة قضية اللاجئين وحق العودة، أو تجميدها أو ترحيلها على الأقل، في محاولة لنزع الأهمية عنها وتهميشها وتصفيتها، لعلم القائمين على تلك الاتفاقية استحالة نقضها لاحقاً مهما بلغت حدة الخلاف بشأن بعض بنودها؛ فقد نصت الاتفاقية على ما يلي: "أنه بعد ثلاث سنين من توقيع الاتفاقية تبدأ "مفاوضات الوضع الدائم" يتم خلالها مناقشة القضايا الجوهرية التالية:
1. القدس، ومن يتحكم بالقدس الشرقية والغربية والأماكن المقدسة وساكنيها…إلخ.
2. اللاجئون، حق العودة وحق التعويض ..إلخ.
3. المستوطنات في الضفة الغربية والقطاع.
وبالإضافة لوجود تصريحات لمحمود عباس توحي بتخلي الطرف الفلسطيني عن قضية اللاجئين وعن ذلك الحق على أرض الواقع، فإن المتتبع لتلك الاتفاقية وحراك الصهاينة أثناء طبخها وما بعد ذلك، يعلم علم اليقين أنه لم يتم تطبيق شيء يذكر من فصول تلك المسرحية المسماة اتفاقية، فلا قضايا جوهرية ولا ثانوية تم البت فيها ولا يحزنون!
فبالرغم من وجود مزاعم من جانب البعض بأن الاتفاقية قد حققت جزءا من حق عودة اللاجئين الفلسطينيين للعيش في الضفة الغربية وقطاع غزة تمهيدا لإعادتهم لمدنهم وقراهم الأصلية عندما تتهيأ الظروف لذلك، إلا أن هناك ما يشبه الإجماع من جانب المختصين على أن اتفاقية "أوسلو" نسفت العديد من الثوابت المهمة في القضية الفلسطينية، وشكلت ضربة قاصمة لحق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى أرضهم وديارهم التي هجروا منها بعد نكبة عام 1948.
حيث لم تتوقف قوات الاحتلال يوما منذ توقيع الاتفاقية عن تكثيف الاستيطان في مدن الضفة الغربية وبخاصة القدس، وإتخام سجونه بالأسرى من الشباب والشيوخ والنساء والأطفال، وممارسة كل أشكال القمع والارهاب، والتوسع في أعمال الحفريات في المسجد الأقصى، وغلق المعابر، وسرقة المياه، ناهيك عن بناء ما يسمى "الجدار العازل".....!!
ولا أحد يعلم في الواقع تحت أي بند من بنود الاتفاقية يمكن لنا أن ندرج الحرب الانتقامية المدمرة التي خاضها ضد غزة وجهوده الحثيثة لمحو المدينة الصامدة من خارطة الوجود عدة مرات!
حق العودة: الرؤية الشرعية لحق العودة :
"أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ. الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ". (سورة الحج آية: 39-40).
لقد صدرت العديد من الفتاوى عن أهل العلم الشرعي حول القضية الفلسطينية منذ بدايات القرن المنصرم[3]، والتي دعت جميعها المسلمين إلى الجهاد بمختلف الوسائل الممكنة لاسترجاع أرض فلسطين ومقدساتها وكرامة أهلها، مؤكدة أن عودة اللاجئ الفلسطيني أمر محسوم، وليس موضع نقاش وتفاوض.
وفي ذات الشأن، اهتم العلماء الذين لا يخشون في الله لومة لائم، بتوعية عوام المسلمين حول وجوب التمييز بين "معاهدة السلام" مع الكيان الصهيوني التي تم إبرامها في عصرنا، وبعض المعاهدات التي عقدها الرسول عليه الصلاة والسلام مع اليهود، كتلك التي وقعها على سبيل المثال معهم بعد هجرته إلى المدينة.
فأين تلك المعاهدات التي رعاها النبي عليه الصلاة والسلام من موقع القوة بغية ضمان تفرغ الدولة الإسلامية الوليدة أيامها لنشر رسالة الإسلام، من معاهدة أوسلو المشينة، التي شكلت تفريطاً صارخاً بالحقوق التاريخية والدينية الثابتة للمسلمين في فلسطين؟! فقد أجمع العلماء أن معاهدات الصلح الدائم مع اليهود باطلة، وشروطها باطلة، وهي غير ملزمة للمسلم، بل عليه بذل قصارى جهده للعمل على إسقاطها. ومن مظاهر البطلان ما يلي[4]:
1. "بطلان وضع الحرب إلى الأبد بين المسلمين واليهود؛ فالمُعاهَدَةُ الدائِمَةُ عَلى السلمِ، وعَدَمِ الحَرْبِ فهذا لاَ يَجوزُ إطلاقًا.
2. إزالة أسباب العداوة والبغضاء بين المسلمين واليهود، وإزالة كل نصوص التشريع التي تبقي هذه العداوة.
3. إقرار تلك المعاهدات لليهود على ما أخـذوه من أرض الإسلام عنوة وغـدراً.
4. إبرام المعاهدات عن غير مشورة من المسلمين".
وقد أصـدرت كذلك رابطـة عـلمـاء فلسـطـين بتـاريـخ 25/1/2007م القول الفصل في موضوع المعاهدات وحق العودة، من خلال فتوى مفادها تحريم التنازل عن حق عودة الشعب الفلسطيني إلى أرضه فلسطين. وقد أبرزت الفتوى نقاط جوهرية بأسباب التحريم[5]:
1. إن المتنازل عن حق العودة يلغي وقف أمير المؤمنين لأرض الشام على ذراري المسلمين.
2. إن المتنازل عن حق العودة عاملٌ ومُظاهِر على إخراج المسلمين من ديارهم، وخروج فلسطين من ملكية الوقف الإسلامي إلى غيره، ومُقر بحق ملكية اليهود لها.
3. إنه ظالم ومانع لمساجد الله - وعلى رأسها الأقصى قبلة المسلمين الأولى - أن يذكر فيها اسمه وساعٍ في خرابها. "وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا"(سورة البقرة- الآية 114).
4. إنه متخذ اليهود أولياء."يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإنَّهُ مِنْهُمْ إنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِـمِينَ" (سورة المائدة: الآية 51).
5. إنه مؤذٍ وخائن لله ولرسوله وللمؤمنين.
6. إنه كافر ومرتد عن دين الله، وبذلك يصبح أحد الثلاثة الذين يحل دمهم".[6]
وختاماً، إن حق العودة إلى فلسطين هو حق مقدس لا جدال فيه، وليس من حق أحد كائنا من كان أن يتنازل عنه أو يتلاعب به.
وإذا كانت الأقدار قد شاءت أن يتفرق الكثير من أبناء فلسطين بعيدا عنها في المنافي والشتات رغما عنهم، فإنها ستظل مزروعة في قلوبهم وعقولهم ووجدانهم، جيلا بعد جيل، إلى أن يشاء الله سبحانه تعالى ويقيض لها أن تتحرر من دنس اليهود، وأن تعود أرض التوحيد والحق!
[1] سعيد حوى، مستقبل الصراع على الأرض المقدسة، دار الرازي، عمان، 2005، الطبعة الأولى، ص 41.
[2]تطلق وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين "الأنروا" وصف "اللاجئون الفلسطينيون" على: الأشخاص الذين كانت فلسطين مكان إقامتهم الطبيعي في الفترة الواقعة بين يونيو/ حزيران 1946 ومايو/ أيار 1948 –أي أقاموا لفترة سنتين على الأقل في فلسطين قبل عام 1948- والذين فقدوا أماكن سكنهم ووسائل عيشهم نتيجة الصراع العربي الإسرائيلي عام 1948، مما اضطرهم للجوء إلى بلاد مجاورة كالأردن ولبنان وسوريا والضفة الغربية التي كانت تابعة للأردن، وإدارة قطاع غزة الذاتية في ظل الحكم المصري. ويغطي تعريف الأنروا للاجئين أولئك المنحدرين من أصل لاجئي منطقة 48 الذين ارتفعت أعدادهم من 914 ألفاً عام 1950 إلى أكثر من 3,6 ملايين عام 1999، ويستمر العدد في الارتفاع نتيجة النمو السكاني الطبيعي.
[3]خباب الحمد، خلاصات من فتاوى العلماء حول القضية الفلسطينية، موقع طريق الإسلام، نقلا عن فتوى علماء المسلمين بتحريم التنازل عن أي جزء من فلسطين، دار الفرقان.
[4]انظر: عبد الرحمن عبد الخالق،، حكم معاهدات الصلح والسلام مع اليهود، وموقف المسلم منها، وانظر موقع الشبكة السلفيَّة، فتوى الشيخ عبد الرحمن عبد الخالق. http://www.salafi.net/ . وكذلك انظر موقع مركز بيت المقدس للدراسات التوثيقية، فتاوى فلسطينية / القدس والأقصى / رأي الشيخ إبنعثيمين في القضيَّةِ، 30/10/2014. http://www.aqsaonline.org/News.aspx?id=5926 نقلا عن كتاب: (في رثاء الشيخ ابن عثيمين )، مُحَمَّد حامد أحمد، ص52..
[5] رابطة علماء فلسطين، فتوى بتحريم التنازل عن حق العودة، 2007، الرابط الالكتروني / http://www.rapeta.org/Rapta/ar/?page=news&portal=mn&id=99
[6] رابطة علماء فلسطين، 2007.