فلسطين التاريخ / تقارير

هل سيشهد الفلسطينيون انهياراً للسلطة عما قريب ؟!!

هل سيشهد الفلسطينيون انهياراً للسلطة عما قريب ؟!!

 مركز بيت المقدس للدراسات التوثيقية ـــــ خاص

يكثُر الحديث في أروقة الساسة , ويتابع الجميع عن كثب ما ستؤول إليه أمور السلطة الوطنية الفلسطينية , ودافِع أولئك في متابعتهم  ذلك الحديث المتكرر لرئيس السلطة الوطنية الفلسطينية محمود عباس باعتزامه حلَّ السلطة , وتسليم مقاليدها للاحتلال الصهيوني , وهو ما أفصح عنه مؤخرا بشكل واضح لا يقبل اللبس أو التأويل .

ولعلَّ المجموع الفلسطيني بات يتساءل هل نحن على أعتاب مرحلة جديدة يتم فيها قلب الطاولة وانتفاض الشعب من جديد ؟ أم أننا سنشهد إعلانا لحل السلطة الفلسطينية وبالتالي تعود الأمور لما كانت عليه قبل عشرين عاما ؟ , أم أن كل ما يصدر من هنا وهناك هو مجرد هرطقات إعلامية وزوبعة في فنجان , وبمثابة تهديدات للاحتلال ليعود إلى طاولة المفاوضات ؟!

أسئلة يحاول مركز بيت المقدس للدراسات التوثيقية البحث فيها , والتقصي عنها , وطرحها على الساسة والمحللين ليصل إلى الحقيقة بإذن الله .

انقلاب الموازين

قيام السلطة الفلسطينية " سلطة الحكم الذاتي " كان تتويجا لاتفاقية أوسلو التي أبرمت في العام 1993 م بين منظمة التحرير الفلسطينية والكيان الصهيوني برعاية دولية , ويعتبر رئيس السلطة " محمود عباس " مهندس أوسلو ومن أكبر الداعمين لها , وشهدت تلك الفترة معارضة حركة حماس والجهاد الإسلامي لتلك الاتفاقية التي اعتبروها مجحفة وظالمة بحق الشعب الفلسطيني ودفعوا ضريبة معارضتهم التعذيب والزج في السجون .

وعلى هذا الأساس رفضت حماس والجهاد الإسلامي المشاركة في انتخابات عام 1996 م لأنها من إفرازات أوسلو التي يرفضونها جملة وتفصيلا .

ولكن حركة حماس قامت بالمشاركة في انتخابات 2006 متذرعة بأن أوسلو قد انتهت ولم يعد لها أي أثر على أرض الواقع , ولكن حركة الجهاد الإسلامي لا تزال تصر على عدم المشاركة في أي مؤسسة شكلت بعد اتفاقية أوسلو .

ولكن الغريب أن تنقلب المعادلة رأسا على عقب فمن أسَّس السلطة وبناها لَبِنة لَبِنة يُهدِّد بحلِّها وتسليمها للاحتلال الصهيوني , بينما من حاربها وناهضها في بادئ الأمر ونعتها  بأقبح الأوصاف , وقال فيها ما قال  يطالب اليوم  بتسلم مقاليد السلطة وزمام الأمور في الضفة الغربية وقطاع غزة !.

حيث كتب نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس الدكتور موسى أبو مرزوق على صفحته عبر الفيس بوك متسائلا : " لماذا يريد تسليم السلطة لنتنياهو؟ أليس الأقربون أولى بالسلطة".

وقال أبو مرزوق "الأفضل والأجدى التهديد بتسليمها لحماس ونجاح حماس بالصمود في وجه الحصار الذي فرض عليها والانتصار في الحروب التي خاضتها والبدء في تجاوز المناكفة الداخلية يؤهلها للنجاح في الضفة وهذا يشكل أقرب الطرق للمصالحة أليس كذلك !".

أما عضو المكتب السياسي لحركة حماس الدكتور محمود الزهار فقد اعتبر أن تهديد رئيس السلطة الفلسطينية بحل السلطة محاولة لجرِّ الكيان الصهيوني للتفاوض من جديد .

وشدد الزهار على أن قرار حل السلطة قرار فلسطيني لا يملك الرئيس البت فيه بمفرده , وعليه الرجوع إلى الجميع لاستشارتهم  .

الاستيطان مستمر والسلطة أمر واقع

الأستاذ الدكتور عبد الستار قاسم " المحاضر في جامعة النجاح الوطنية بالضفة الغربية "  أكد لــ مركز بيت المقدس للدراسات التوثيقية بأن الاستيطان مستمر منذ زمن بعيد , وأن ما يحدث هو تهويل من قبل الإعلام لتحقيق مآرب خاصة , وعليه لا نستطيع الاستناد لوسائل إعلام كاذبة وساقطة ومجيرة .

واستهجن قاسم تسليط الإعلام الضوء على الاستيطان في هذا الوقت تحديدا , في حين أن الاستيطان في الضفة الغربية مستمر ويلتهم أراضي المواطنين منذ عشرات السنين ! .

وفي سؤال لـــ مركز بيت المقدس حول مدى استفادة الفلسطينيين من الاعتراف بدولتهم دوليا قال الدكتور عبد الستار قاسم : "  إن قرار الاعتراف بالدولة الفلسطينية كدولة عضو مراقب لا قيمة ولا معنى له , ولن يغير من حقيقة الأمر شيئا ؛ بدليل استمرار الاحتلال في غيِّه وإفساده ومواصلة الاستيطان وتمدده خير شاهد ودليل .

واستبعد المحلل السياسي المعروف إمكانية إقدام رئيس السلطة على إعلان حل السلطة الفلسطينية واصفا إياه بأنه لا يتحلى بالجرأة التي تُمكِّنه من فعل ذلك .

وأوضح قاسم بأن قيام السلطة الفلسطينية واستمرارها مصلحة صهيونية وليست فلسطينية , وبالتالي فإن إقدام محمود عباس على حل السلطة هو تجاوز لكل الخطوط الحمراء , وستتدخل الأمم المتحدة وغيرها للحيلولة دون ذلك , وتابع قاسم يقول : " حل السلطة ليس بيد الفلسطينيين وليس قرارا فلسطينيا , والذي يستطيع أن ينهي السلطة هو ليس الفلسطينيين " .

وأضاف قاسم بأن حل السلطة الفلسطينية يعني توقف الراتب عن موظفي السلطة الفلسطينية , وشلل في الحياة الفلسطينية العامة , وتوقف السلطة عن كونها وكيلة للاحتلال الصهيوني من الناحية الأمنية , وبالتالي ستكون وجهة الشعب وأنظاره تجاه الاحتلال الصهيوني , وهذا لن يحدث على المدى القريب ـــ بحسب الدكتور قاسم ــــ .

المقاومة هي السبيل للحصول على الدولة

من جانبه فقد أوضح الكاتب والمحلل السياسي الأستاذ مصطفى الصواف لــ مركز بيت المقدس بأن ما حدث في الأمم المتحدة لا يغير من الواقع شيئا , لافتا إلى أن الدولة تقام عبر طريق واحد وهو التحرير , والتحرير لا يتم إلا بالمقاومة , ومن ثمَّ يتم الاعتراف بتلك الدولة المحررة عبر الأمم المتحدة أو غيرها .

وقلَّل الصواف من خطوة الاعتراف بالدولة الفلسطينية في الجمعية العامة للأمم المتحدة قائلا : " قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة أشبه بالتوصيات وعليه لا ترتب أي التزام أو أثر على الدول التي وقعت على قرار الاعتراف " .

وذكر الصواف بأن الاعتراف بالدولة الفلسطينية لن يغير من الحالة القائمة كثيرا ؛ لأن منظمة التحرير الفلسطينية كانت تحمل صفة المراقب مع تغير بسيط في الحادثتين .

وشدد المحلل السياسي لمركز بيت المقدس بأن الاعتراف بالدولة الفلسطينية سينعكس سلبا على جوهر القضية الفلسطينية , وعدَّد الصواف ثلاث سلبيات للاعتراف وهي :

أولها : بموجب هذا الاعتراف فإنه قد أصبح هناك دولتين متجاورتين (  فلسطينية ويهودية )  بإجماع دولي , وعليه نسف وهدم لحق العودة للاجئين الفلسطينية ؛ إذ إنه لا يمكن الحديث للفلسطينيين بأن يعودوا ليافا وحيفا واللد والرملة وصفد وغيرها لأنها أصبحت ضمن حدود الدولة اليهودية ــــ كما هو نص قرار الاعتراف ــــ الذي صفَّق له الكثيرون .

ثانيها : إن منظمة التحرير الفلسطينية ـــ بالرغم من تحفظنا على وضعها الحالي ــــ كانت تمثل الفلسطينيين في فلسطين والمهجر والشتات وكانت تحظى بصفة الممثل الشرعي والوحيد للفلسطينيين أينما حلوا وارتحلوا , ولكن بعد الاعتراف بالدولة أصبح تمثيل الدولة للفلسطينيين داخل حدودها ( قطاع غزة , والضفة الغربية , والقدس الشرقية ) , وبالتالي أسس ذلك لمشروع توطين اللاجئين الفلسطينيين في دول الشتات والمهجر .

ثالثها : على الرغم من تحفظنا على قرارات الأمم المتحدة وخصوصا القرار ( 181 , 194 ) إلا أنها منحت الفلسطينيين ما مساحته 46 % من مساحة فلسطين التاريخية , ولكن الاعتراف بالدولة منحنا دولة على حدود 22 % للفلسطينيين , و78 % للصهاينة .

وأضاف الصواف بأن الأمر لن يتوقف عند هذا بل إن الاحتلال الصهيوني سيساوم السلطة على ما تبقى من هذه المساحة الضيقة والصغيرة ليلتهمها وينهبها , واستشهد بما يروج له  ويتداول الآن من إمكانية تبادل الأراضي بين الجانبين .

وأكد الصواف على أن الشعب الفلسطيني هو الخاسر الوحيد من استمرار قيام السلطة الفلسطينية على حالها , ولكنه شدد في الوقت نفسه على ضرورة الاتفاق على شكل المرحلة المقبلة , ورسم السياسات العامة والاستراتيجية للخطوات القادمة وبتوافق وطني فلسطيني حتى لا تنهار مقدرات الشعب الفلسطيني بين عشية وضحاها .

وختم الصواف قوله بأن الأيام تخبئ الكثير من الأحداث كاشفا عن اتفاقيات تحاك ضد الشعب الفلسطيني مفادها إما الموت أو قبول تلك الاتفاقيات , ولكنه أكد أن الشعب الفلسطيني يفكر ويخطط أيضا , وكلمة الفصل والحسم ستكون للشعب الذي سيفجر الانتفاضة الثالثة ويقلب كل المعادلات ويخلط كل الحسابات , ويحبط كل المؤامرات . 

.