فلسطين التاريخ / تاريخ
لماذا لا يلبس يهود اليمن الخنجر ؟!
" نحن لا نلبس الخنجر ( الجنبية ) لأننا نعد "أهل ذمة" أي في حماية المسلمين ، وبناء على ذلك فلا يصح أن نتسلح حتى بالجنبية – الخنجر - وهذا أمر قديم وهي عهدة توارثناها جيلاً إثر جيل " . يهودي في اليمن .
هذا ما أجاب عليه أحد أفراد الجالية اليهودية في اليمن عندما سأله الصحفي في التحقيق الذي نشرته صحيفة الرأي العام الكويتية يوم الجمعة 11/2/2004 م حول الأقلية اليهودية في اليمن , وسبب عدم تمنطقهم بالخنجر اليمني الذي يسميه اليمنيون " الجنبية " بينما يعتبر جزءًا من الزي الشعبي اليمني للمسلمين ومن تقاليد كل اليمنيين .
وحقيقة لقد أرجعتني تلك الكلمات إلى ذاكرة التاريخ ، التاريخ العريق في التعامل مع غير المسلمين و"أهل الذمة" وهم أهل العهد والأمان ، لأنهم يصيرون في ذمة المسلمين أي في عهدهم وأمانهم على وجه التأبيد .
فلم يحظ الإنسان – أيا كان جنسه أو مكانه أو مكانته أو زمان عيشه – بمنزلة أرفع من تلك التي ينالها في ظلال الدين الحنيف " الإسلام" ، وما ذلك إلا لأن الإسلام دين عالمي ورسوله صلى الله عليه وسلم أرسل للعالمين كافة .
ودراسة سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم تنبئ عن صفحات مشرقه في حسن تعامله – عليه أفضل الصلاة والسلام – مع غير المسلمين ، فقد كان له جيرانٌ منهم ، وكان يدوام على برهم ، ويعود مرضاهم ، ويهدى لهم ، ويقبل هداياهم ، حتى إن امرأة يهودية وضعت له السم في ذراع شاة أهدته إياها .
روى البخاري في صحيحه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إذا رأيتم الجنازة فقوموا حتى تخلفكم، فمرت به يوماً جنازة، فقام، فقيل له : إنها جنازة يهودي ، فقال : أليست نفساً ؟ " .
وقد راعى الخلفاء المسلمون كرامة غير المسلمين ، وشواهد التاريخ ملئا بتلك الحوادث التي يشهد لها المنصفون ، وثقت بمعاهدات نذكر صورة منها وهي العهدة العمرية التي أعطاها أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه لسكان القدس من النصارى عند فتحها والتي جاء فيها :
" بسم الله الرحمن الرحيم : هذا ما أعطى عبد الله : عمر أمير المؤمنين أهل إيلياء من الأمان ، أعطاهم : أماناً لأنفسهم ، وأموالهم ، ولكنائسهم وصلبانهم ، وسقيمها ، وبريئها ، وسائر ملتها . أن لا تسكن كنائسهم ، ولا تهدم ، ولا ينتقص منها ولا من حيزها ولا من صلبهم ، ولا من شيء من أموالهم ، ولا يكرهون على دينهم ولا يضار أحد منهم ، ولا يسكن بإيلياء معهم أحد من اليهود ...".
وتحرير بيت المقدس على يد المجاهد صلاح الدين الأيوبي كانت صورة للفارق بين سماحة الإسلام حين يحكم وتكون كلمته هي العليا ، وبين الحقد الصليبي وغدرهم حين احتلوا بيت المقدس وعاثوا فيه الفساد من ذبح وقتل أكثر من سبعين ألفا من المسلمين في عام 492 هـ ، وكثير من القتلى كانوا أئمةً وعلماءً وعباداً ممن فارق الأوطان ، وجاوروا بذلك المسجد الأقصى .
وبقاء غير المسلمين على دينهم قروناً متتالية في الشام ومصر والأندلس لدليل على سماحة الإسلام ، فهاهم يهود السامره ويطلق عليهم السامريون كانوا وما زالوا يسكنون مدينة نابلس وقد حفظ المسلمون منذ الفتح العمري إلى اليوم حقوقهم وخصوصيتهم ، ماداموا في عهد المسلمين ، وهاهي كنائس النصارى في فلسطين وغيرها من الأوطان يدل وجودها إلى الآن أنها برعاية المسلمين ، وما زالت مفاتيح كنيسة القيامة في القدس بيد أسرة مسلمة من أسر القدس تتوارثها جيلا بعد جيل ، وهذا مطلب نصارى القدس حتى لا تحدث الشحناء بينهم على من يمتلك المفاتيح .
ومن تسامح الإسلام مع غير المسلمين أنه لم يلزمهم دفع الزكاة ولم يفرض عليهم الجهاد مع المسلمين ، كما سمح الإسلام لغير المسلمين بإقامة حياتهم الاجتماعية (الأحوال الشخصية ) على تشريعاتهم الخاصة كالزواج والطلاق ونحو ذلك .
يقول "غوستاف لوبون" في كتابه ( حضارة العرب ) : " كان يمكن أن تُعمى فتوح العرب الأولى أبصارهم ، وأن يقترفوا من المظالم ما يقترفه الفاتحون عادةً ، ويسيئوا معاملة المغلوبين ، ويكرهوهم على اعتناق دينهم الذي كانوا يرغبوا في نشره في العالم ... ولكن العرب اجتنبوا ذلك ، فقد أدرك الخلفاء السابقون الذين كان عندهم من العبقرية السياسية ما ندر وجوده في دعاة الديانات الجديدة أن النظم والأديان ليست مما يفرضُ قسراً ، فعاملوا كما رأينا أهل سوريا ومصر وإسبانيا وكل قطر استولوا عليه بلطف عظيم ، تاركين لهم قوانينهم ومعتقداتهم ، غير فارضين عليهم سوى جزية زهيدة في الغالب إذا ما قيست بما كانوا يدفعونه سابقاً ، في مقابل حفظ الأمن بينهم ، فالحقّ أن الأمم لم تعرف فاتحين متسامحين مثل العرب ، ولا ديناً مثل دينهم ".
وقد سجلت صفحات التاريخ بأحرف من نور صور العدل الذي قام به المسلمون مع غير المسلمين ، فالإسلام يحفظ للإنسان الحقوق الأساسية في الحياة التي لا غنى له عنها ، وهي : حفظ النفس ، والدم ، والمال ، والعرض ، والعقل ، ويستوي في هذه الحقوق المسلم وغير المسلم ، سواء أكان مواطناً أم وافداً ، فهي حقوق وحرمات معصومة ، لا تنتهك إلا بسبب شرعي ، مثلهم في ذلك مثل المسلمين ، فلا يصح إزهاق أرواحهم إلا عقوبة ، لأن الله تبارك وتعالى يقول : ( قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئاً ولا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقكم وإياهم ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ذلكم وصاكم به لعلكم تعقلون ) الأنعام : 151.
وقال ابن حزم رحمه الله في ( مراتب الإجماع ) : " أن من كان في الذمة ، وجاء أهل الحرب إلى بلادنا يقصدونه ، وجب علينا أن نخرج لقتالهم بالكراع والسلاح ، ونموت دون ذلك صوناً لمن هو في ذمة الله تعالى وذمة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فغن تسليمه دون ذلك إهمال لعقد الذمة "
ومن الصور المشرقة لحماية غير المسلمين موقف شيخ الإسلام "ابن تيمية" رحمه الله حينما تغلب التتار على الشام ، فسمح القائد التتري للشيخ بإطلاق أسرى المسلمين ، وأبي أن يسمح له بإطلاق أهل الذمة ، فما كان من شيخ الإسلام إلا أن قال : لا نرضى إلا بافتكاك جميع الأسارى من اليهود والنصارى فهم أهل ذمتنا ، ولا ندع أسيراً لا من أهل الذمة ولا من أهل الملة ، فلما رأى إصراره وتشدده أطلقهم له .
بل عزا الدكتور غوستاف لوبون سرعة انتشار الإسلام بين الشعوب الأخرى إلى هذه المعاملة الحسنة من قِبَلِ المسلمين لغيرهم ، فقال : " ساعد وضوح الإسلام البالغ ، وما أمر به من العدل والإحسان ، كل المساعدة على انتشاره في العالم ، ونفسر بهذه المزايا سبب اعتناق كثير من الشعوب النصرانية للإسلام ، كالمصريين الذين كانوا نصارى أيام حكم قياصرة القسطنطينية ، فأصبحوا مسلمين حين عرفوا أصول الإسلام ...، كما نفسر السبب في عدم تنصر أية أمة بعد أن رضيت بالإسلام ديناً ، سواء أكانت هذه الأمة غالبة أم مغلوبة " .