فلسطين التاريخ / الواقع والمأمول

التجسس شجرة خبيثة ... من يجتثها ؟

 

التجسس شجرة خبيثة ... من يجتثها ؟

 

محمد الناجي – مركز بيت المقدس للدراسات التوثيقية – فرع غزة

 

إن اليهود اعتادوا الخبث والغدر والخيانة ، وهذه الصفات المتأصلة فيهم ، تدفعهم للقيام بسلوكيات تنسجم تماماً مع هذه الصفات القذرة ، ولا شك فإن هناك احتلالاً لفلسطين وهناك حصاراً قضى على الأخضر واليابس ، ومع هذه الظروف التي من الصعوبة بمكان يحتملها الإنسان يلجأ الصهاينة الحاقدين إلى استغلال نقاط الضعف لدى ضعيفي النفوس وتجنيدهم للعمل في سلك الاحتلال مقابل رغيف خبز أو دراهم معدودة لا شك غمست بدماء الشهداء والأبرياء وغيرهم كثير .

إن ظاهرة التخابر والتعاون مع المحتل الصهيوني تأتي كنتيجة لهذه الصفات الخبيثة ولوقوع الشعب الفلسطيني تحت نير الاحتلال مدة طويلة من الزمن , وظاهرة التعاون مع العدو الصهيوني  قد تشتد من فترة إلى أخرى وذلك بحسب الظروف والمتغيرات .

ولقد عمد العدو الصهيوني في الآونة الأخيرة إلى تكثيف نشاطاته الاستخباراتية والاتصال العشوائي  بجمهور المواطنين وترغيبهم بالمال لفقرهم  تارة وترهيبهم بفضحهم والضغط عليهم  تارة أخرى ,  وحثهم على التعامل معه وتقديم المعلومات مستغلاً بذلك فاقة الناس وفقرهم وجوعهم  ومرضهم , ويتخذ من ذلك وسيلة للإيقاع بأبناء الشعب الفلسطيني في مستنقع ووحل الجاسوسية .

 

وهذا يتطلب منا أن نقف بشكل من التفصيل على المحاور التالية :

 

أولاً : أهمية العملاء بالنسبة للكيان الصهيوني , وتأثيرهم على المجتمع الفلسطيني :

 

1- نشر الرذيلة والفساد والانحلال والانحدار الأخلاقي  داخل المجتمعات الإسلامية والعربية والشعب الفلسطيني خاصة وشغله عن قضيته المركزية وهي الجهاد واسترداد الأوطان , وسلخه عن هويته وانتمائه لدينه ولأمته  .

 2- تكريس ثقافة الاستسلام والذل والخنوع والتسليم لسياسة الأمر الواقع التي يفرضها العدو الصهيوني ؛ وذلك من خلال التشكيك في أداء الفرد الفلسطيني وأدواته وأساليبه في إدارة الصراع وأن أعمال المقاومة تضر بمصالح الشعب الفلسطيني ولا تجلب سوى  الدمار والويلات والنكبات , ومحاولة زرع تلك المفاهيم في عقول العامة من الناس , فيحاول العدو الصهيوني دوماً ومن خلال وسائله الإعلامية وعملائه ومعاونيه أن يسوق نفسه على أنه الطرف المتفوق عسكرياً وتكنولوجياً بهدف خفض الروح المعنوية والقتالية للمقاومة وتحطيمها , والتشكيك في القدرات الإبداعية على المستوى العسكري والسياسي والعلمي ودفعها للتخلي عن المحاولات الابتكارية لتطوير قدراتها الذاتية .

3- يسهل العملاء على الجيش الصهيوني حسم المواجهة مع أبناء المقاومة بأقل عدد من الخسائر في الجانب الصهيوني , وكذلك المساهمة في تحديد الظرف الأفضل لإنجاح العمليات العسكرية  ؛ حيث يمارس العملاء دوراً كبيراً في جمع المعلومات عن المقاومة , وبالتالي يصبح لدى الاحتلال الصهيوني حصيلةً لا بأس بها من المعلومات عن فصائل المقاومة يستطيع من خلالها ضربها وإضعافها وملاحقتها في الوقت والزمان المناسبين . وهذا ما برز واضحاً وجلياً في الحرب الأخيرة على قطاع غزة حيث أن العدو الصهيوني شكل قبل الحرب بنكاً للأهداف المنوي ضربها وتدميرها وهذا هو أحد نتاج أولئك العملاء الذين زرعهم العدو الصهيوني بين أوساط الشعب الفلسطيني .

4- نقل الإنسان الفلسطيني من معسكر الأعداء الذين يقومون بمواجهة ذلك الاحتلال البغيض أو يفكرون في مهاجمته إلى معسكر الأصدقاء المتعاونين المدافعين المتخابرين أو إلى معسكر المحايدين اللامبالين المتهاونين .

5- التأثير على أجندة المجتمع الفلسطيني حيث كان للعملاء دوماً جهوداً وآثاراً في إثارة الفتن الداخلية بين الفلسطينيين وتخديرهم وشلِّ قدرتهم على التفكير , بل إنهم يسعون جاهدين لتكريس عناصر الفوضى الهدامة في المجتمع الفلسطيني ليتمكنوا من زج أبناء الشعب الفلسطيني في دائرةٍ مغلقةٍ من العنف والاقتتال والحقد والبغضاء والكراهية , وتعميق انقسامه , وإحباط مقاومته , والنيل من قدرته على الصمود والثبات والتحدي .

6- هدم وتدمير المجتمع الفلسطيني من خلال تدمير أخلاق الشباب الفلسطيني وإفسادهم , ولقد دلت التحقيقات وثبت بالاستقراء والتتبع على أن العملاء لعبوا دوراً كبيراً في نشر ظاهرة تعاطي المخدرات بين أوساط الشباب , كما كان لهم دورٌ بارز في نشر الرذيلة والعهر .  

 

ثانياً : الظروف المساعدة لتجنيد العملاء :

 

1- ضعف الوازع الديني , حيث لا شك أن قوة العقيدة والدين لدى الفرد تشكل حصناً حصيناً وعزاًّ منيعاً من الوقوع في شرك العمالة والتخابر مع العدو الصهيوني , وهذا ما فهمه الصهاينة جيداً حيث أنهم لا يجندون للتعامل معهم إلا ضعاف النفوس ممن لديهم شك في الدين أو المعتقد , أو أنهم أصلاً أناسٌ لا يتسمون بالأخلاق الحسنة والتقوى والورع , والخوف والخشية من الله سبحانه وتعالى .

2- الوقوع تحت نير الاحتلال , ففي حال نشوب صراع بين فئتين فإن الفئة المنتصرة يسهل عليها تجنيد عملائها من المنهزمين وذلك إما بالتهديد (الحرب النفسية) , أو الترغيب (الإغراء بالمال والمنصب) , أو استغلال حاجات المواطنين (الاقتصادية أو المرضية أو العلمية).

3- استغلال الوضع الإنساني وذلك من خلال تقديم خدمات علاجية للمرضى والمصابين والمتضررين من الصراعات الداخلية الذين يعيشون حالة نفسية بائسة نتيجة إصابة جعلتهم معاقين إعاقة كلية أو جزئية , وهذا كله يهيأ المناخ والأجواء ويتيح الفرصة لدى هؤلاء لإبداء استعداد للتعاون والتخابر مع العدو الصهيوني الذي يقوم بتقديم كل ما أمكن من تسهيلات وأدوية وخدمات  وعلاج لهم في المستشفيات ويتم استقبالهم من قبل خبراء نفسانيين محترفين ـ يعملون مع المخابرات الصهيونية بشكل مباشر أو غير مباشر ـ فيتعاملون معهم بطريقة ودية غير عادية وتعاطف إنساني ذلك التعاطف الذي افتقدوه من أبناء شعبهم , وهنا يكون الربط العاطفي والوجداني والنفسي , ومن ثم ينتقلون للربط العقلي حيث يظهرون لهم حرصهم على السلام والمحبة والتعايش السلمي , وأنهم يحاربون الإرهابيين والإرهاب الذي أنتم ضحاياه كما نحن ضحاياه , وهكذا تكون عمليات الإقناع بأفكار معينة تؤسس لقبوله بأي عرض يعرض عليه بصرف النظر عن طبيعة تلك العمل , وربما زودوه بالمال الكثير ليشتري العلاج ويصرف على نفسه وأسرته .

4- الحاجات المالية والاقتصادية حيث يتم استغلال حاجة المواطنين للمال والعمل لإسقاطهم في مستنقع العمالة والتخابر مع العدو الصهيوني .

5- انعدام الثقة بالذات فمن المعلوم أنه كلما كانت ثقة الإنسان بنفسه أكبر كلما كانت عملية تجنيده لصالح الاحتلال أكثر صعوبة , وعلى النقيض إذا كان الإنسان يعيش حياة مضطربة وبائسة ومنعدم الثقة بنفسه فإنه من السهل أن يقع لقمة سائغة للعدو الصهيوني .

 

ثالثاً : الأساليب التي يستخدمها العدو الصهيوني في تجنيد العملاء :

 

لقد استخدم الاحتلال في مراحل سابقة قبل اندحاره عن غزة مجموعة من الأساليب التي مازال يستخدم بعضها حتى الآن , إلا أن هناك عوامل طرأت على الساحة الغزية جعلت من تنفيذ تلك الوسائل أمراً صعباً إن لم يكن مستحيلاً , وهذا ما دفع أجهزة الأمن الصهيونية بالتفكير في إيجاد البديل المناسب ليحل محل تلك الوسائل التي أثبتت نجاعتها بشكل كبير بالنسبة للعدو الصهيوني , ومن تلك العوامل التي شهدها قطاع غزة :

-          اندحار العدو الصهيوني عن القطاع وترك مستعمراته وغياب رجال المخابرات عن الاحتكاك المباشر بالمواطنين .

-    فوز حركة المقاومة الإسلامية حماس بأغلبية في البرلمان , وما تبع ذلك من تغيرات في أوضاع السلطة الوطنية الفلسطينية , وصعوبة تنفيذ الاتفاقيات الأمنية المبرمة مع الجانب الصهيوني .

-    الحرب على غزة وما تبعها من ملاحقة حثيثة للعملاء وقتل بعضهم , ناهيك عن انتهاء بنك الأهداف الذي قام بتجميعه العدو الصهيوني قبيل الحرب على غزة ما يدفع الاحتلال لضرورة تحديث وتجديد بنك الأهداف لأي حرب قادمة متوقعة بين الجانبين ( الفلسطيني ـ الصهيوني ) .

-    أسر المقاومة للجندي جلعاد شاليط والنجاح الباهر في التحفظ عليه لمدة ليست بالقصيرة ـ أربع سنوات ـ مما شكل ضربة قاصمة وفشلاً ذريعاً لأجهزة الأمن الصهيونية ( الشاباك ـ أمان ـ الموساد )  في الوصول لمكان الجندي الأسير شاليط وتحريره وإعادته لأهله سالماً كما تعهد ساستهم وقادتهم من قبل .

 

بعد بيان المستجدات التي طرأت على أراضي قطاع غزة أودُّ بيان الأساليب التي يستخدمها العدو الصهيوني في الإيقاع بأبناء الشعب الفلسطيني في مستنقع التخابر والتعاون :

1- الإسقاط عن طريق الجنس :  ويعتبر من أكثر طرق التجنيد والإسقاط شيوعاً وانتشاراً حيث يمارس الشخص الجنس واعياً دون أن يعرف العواقب , أو أن يتم تنويمه وتخديره ويصور بأوضاع جنسية مختلفة مع عميل أو عميلة وتعرض عليه الصور لاحقاً , كما وقد يكلف العميل بإسقاط أحد أفراد أسرته بحيث تحتوي البيئة المحيطة به على مجموعة من العملاء , وقد يسقط الصديق صديقه من خلال الإغراءات التي يعرضها عليه للسقوط في هذا المستنقع .

2- الإسقاط عن طريق المخدرات  : حيث تسعى المخابرات الصهيونية لترويج المخدرات وذلك عن طريق تسهيل الحصول عليها , أو غض الطرف عن مروجيها , والمخدرات مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالجنس ومتلازمة معه .

3- استغلال الوضع المادي والحاجات الإنسانية : حيث يتم ابتزاز الشخص المستهدف ليتعاون معهم مقابل حصوله على تصريح للعمل داخل أراضينا الفلسطينية المحتلة عام 1948 م , أو حصول على الهوية أو لم الشمل , أو السفر لتلقي العلاج أو التعليم مستغلين بذلك الأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية السيئة للناس , وغالبا ما كان يتم التجنيد بهذه الطريقة على الحواجز العسكرية ونقاط التفتيش خاصة الرئيسية منها مثل معبر إيرز .

4- الحواجز المنتشرة في الضفة الغربية وفي قطاع غزة سابقاً حيث تستغلها المخابرات الصهيونية كنقطة التقاء وحلقة وصل بينها وبين المتعاونين , وكذلك تجنيد عملاء جدد لصالحها عن طريق إسقاطهم وابتزازهم .

5- الإغراء المالي : وذلك باستغلال الطموح الزائد للمال والثروة سعياً لتحقيق حلم الغنى والثراء ليعيش في رفاهية وهمية ويتم استخدام هذا الأسلوب في حالتين رئيستين :

أ- أثناء سفر بعض المواطنين عبر المعابر التي تحدنا مع الكيان الصهيوني الغاصب , أو أثناء عمل المواطن في مهنة تفرض عليه الاحتكاك المباشر مع الاحتلال كالعمل في المعابر الحدودية أو البحر مما يتيح للمخابرات الصهيونية فرصة التواصل المباشر مع هؤلاء وعرض إغراءات مالية في ظل الظروف الصعبة التي يحياها سكان قطاع غزة .

ب- نظراً لعدم وجود الاحتلال بشكل مباشر في قطاع غزة فإنه يستغل وسائل الاتصال الحديثة كالجوال والانترنت للتواصل مع الشباب الطامح المحتاج لرغد العيش وتحسين ظروفه وعرض المساعدة عليه بأن يسد ديونه أو يكمل مقومات زفافه .... , وهذا النوع يحدث بشكل عشوائي خاصة فيما يتعلق بمسألة الجندي الأسير في غزة .

6- التهديد بتدمير الممتلكات أو القتل أو التصفية : حيث يقوم رجل المخابرات بالتواصل مع المواطنين عبر أحد وسائل الاتصالات الحديثة كالانترنت أو الجوال ويهددهم بقصف بيوتهم إن لم يتم منع فصائل المقاومة من إطلاق الصواريخ تجاه الكيان الصهيوني الغاصب من قطاع غزة , وكذلك تهديد المزارعين بتجريف مزارعهم حال عدم استجابتهم لطلب المخابرات الصهوينية .

7- التهديد بالفضيحة وتشويه السمعة : حيث يقوم رجل المخابرات الصهيوني بابتزاز من عليه سمعة سيئة , ومعلوم أن الإنسان من طبيعته يحب الستر ولا يحب الفضيحة , وهذا ما يدفعه القبول بالعرض المقدم إليه من قبل المخابرات الصهيونية .

 

ومع هذا كله لابد من التنويه إلى أن  يجب أن نعلم أنه رغم محاولات المخابرات المتكررة لاصطياد بعض الناس من خلال استغلال نقاط الضعف لديهم , وباستخدام ما سبق من وسائل وأساليب , فإن المخابرات قلما تنجح في ذلك , وقد سجل الإنسان الفلسطيني آلاف الحالات التي انتصر فيها على المخابرات , ورفض العروض المغرية المقدمة إليه , ورضي بالفقر والحرمان والمرض وضياع الحقوق , وقبل بالاعتقال وتدمير الممتلكات , ومن رضوا التعاون مع الاحتلال الصهيوني هم قلة وإن كنا لا ننكر خطرهم الداهم على المجتمع الفلسطيني وتأثيرهم عليه .   

 

رابعاً : أساليب العلاج:

 

1- الدور التربوي والديني والدعوي  :

من خلال غرس الوعي في نفوس طلابنا , وتحصينهم بالقيم الأصيلة المستمدة من ديننا وثقافتنا وتراثنا العريق , ولا نغفل دور مربي الأجيال الذين من واجبهم أن يغرسوا حب العقيدة والدين في نفوس أبنائنا وبناتنا , وتحصين الطلاب من كل الشوائب والمكدرات التي تعصف بهم بين الفينة والأخرى , وعلى المدارس تخصيص محاضرات وبرامج لا منهجية لتوعية الطلاب ومعالجة هذا الموضوع .

2- الدور الإعلامي :

يجب عدم إهمال دور الإعلام المرئي والمسموع والمكتوب والمقروء , ودوره الكبير في التوعية لكشف أساليب المخابرات في الإسقاط وكيفية التعامل مع هذه الأمور قبل حدوثها , والجهة التي يجب أن يلجأ لها الضحية .

3- الدور الفردي :

حيث تقع على الفرد مسؤولية كبيرة في هذا الموضوع , وتعتبر المسؤولية أكبر عندما يكون الشخص مثقفاً واعياً ويمكن بيان مسؤولية الفرد على النحو التالي:

أ‌-   الالتزام بالدين وشعائر الإسلام , والاستعانة بالله والثقة به , ورفض كل ما يغضبه , والطمع في جنته , والابتعاد عن كل ما يحرم الإنسان منها .

ب‌-    تقوية الشعور بحب الوطن والانتماء له , واعتبار ذلك من مقتضيات الدين , ورفض كل ما يمس هذا الشعور والانتماء .

جـ- اختيار الصحبة الصالحة , والابتعاد عن أماكن الفساد ورفقاء السوء .

د- الابتعاد عن الشبهات , وما يوقع في براثن العمالة ووحل الخيانة كالانحرافات السلوكية , والتصرفات الخاطئة .

هـ- الاحتفاظ بالأسرار الشخصية , وعدم البوح بها لأحد إلا لمن هم أهل ثقة .

 

نسأل الله أن يحفظ أهلنا ونساءنا وأبنائنا من شرك اليهود الحاقدين ... آمين

 

.