فلسطين التاريخ / تهويد وتزوير وإجرام
الرسول صلى الله عليه وسلم في مواجهة اليهود ج1
الرسول صلى الله عليه وسلم في مواجهة اليهود ج1
وليد ملحم
بسم الله الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه:
إن دراسة كيفية استقبال اليهود للدين الجديد الذي قدم إلى المدينة النبوية وكيف تعاملوا معه تعطي الفرد المسلم الزاد المعرفي عن أخلاق اليهود وكيفية تعاملهم مع المخالف خاصة إذا كان مسلما, كما تعطي الخلفية الأخلاقية وما تنطوي عليه نفسية اليهودي من خبث وشر, حيث لم يسلم من هذه العقدة إلا القليل منهم , وبذلك يعرف خطأ من فرق بين اليهود والصهاينة حيث حدد ان العداء هو بين العرب والصهاينة وليس بين المسلمين واليهود !!,.
فإذا كان من ينتظرونه ويعرفونه كما يعرفون أبنائهم وهو النبي محمد صلى الله عليه وسلم, وشاهدوا بأم أعينهم الآيات البينات التي تدل على صدقه عاملوه معاملة غاية في الخسة , رغم صدقه ووفائه معهم فكيف بنا نحن أتباعه في هذا القرن !! ومن اغتصبت أرضنا على أيديهم .
لقد سمعت بإذني بعض أبناء شعبنا وقد تسربت إلى آذانهم أبواق الدعاية اليهودية , التي تصور اليهود على أنهم ذو أخلاق حميدة وصدق في المواعيد ووو الخ, فعسى ان تكون هذه الدراسة تعطينا الدروس عن صفات وطبائع القوم الحقيقية والتي لم تتغير رغم مرور العصور والدهور , والله ولي التوفيق .
من هم اليهود :
اليهود هم من انتسب إلى شريعة التوراة من بني إسرائيل وغيرهم (غيرهم لان هناك أقوام دخلت في اليهودية وليست من بني إسرائيل).
وهي أمة عاتية ومتمردة في أخلاقها وعلى كثرة من أرسل فيهم من الأنبياء إلا إنهم قابلو هذه النعم بالصد والإعراض حتى قال الله سبحانه وتعال فيهم{وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِن بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أَفَكُلَّمَا جَاءكُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَى أَنفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ }البقرة87.
قال الإمام السعدي: يمتن تعالى على بني إسرائيل أن أرسل لهم كليمه موسى، وآتاه التوراة، ثم تابع من بعده بالرسل الذين يحكمون بالتوراة، إلى أن ختم أنبياءهم بعيسى ابن مريم عليه السلام، وآتاه من الآيات البينات ما يؤمن على مثله البشر، { وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ } أي: قواه الله بروح القدس.(محاسن التاويل :ص 58).
ولقد لقي موسى عليه السلام منهم المعاندة وكثرة الجدل فبعد ان شاهدوا بأم أعينهم غرق عدوهم اللدود فرعون في معجزة عظيمة طلبوا بعدها عبادة الأصنام,وكما وصف هذا المشهد ربنا جل وعلا :{وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْاْ عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَّهُمْ قَالُواْ يَا مُوسَى اجْعَل لَّنَا إِلَـهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ }الأعراف138 .
ورزقهم الله أعظم طعام المن والسلوى وبدون جهد ولا تعب فطلبوا أدنى منه قال جل وعلا {وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَن نَّصْبِرَ عَلَىَ طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنبِتُ الأَرْضُ مِن بَقْلِهَا وَقِثَّآئِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُواْ مِصْراً فَإِنَّ لَكُم مَّا سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَآؤُوْاْ بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَواْ وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ }البقرة61.
وعبادتهم العجل, وقصة البقرة وتعنتهم في طاعة الأمر بذبحها حتى شدد الله عليهم, ورفضهم دخول الأرض المقدسة وغير ذلك من الحوادث التي تمردوا فيها على النبي الذي أرسل اليهم وكانت نجاتهم على يديه, فهي معروفة, فما بالك ببقية الأنبياء والرسل فهم قتلة الأنبياء, وما خاتم الرسل صلى الله عليهم وسلم عن مكرهم ببعيد ,حتى غضب الله عليهم ونعتهم في أعظم سورة في القرآن بالمغضوب عليهم .
ان اليهود وعلى مدى تاريخهم لم ينعموا بالاستقرار ورغد العيش إلا في كنف المسلمين فكانت خير فترات حياتهم عندما كانوا بالأندلس فهذا موسى بن ميمون الذي ولد بقرطبة واستقر في مصر ونشر معارفه هناك.
وقد رحل قسم من اليهود مع المسلمين إلى المغرب عند اجتياح القوات الصليبية للأندلس والقسم الآخر إلى تركيا حيث سموا يهود الدونمة الذين استقروا في الأستانة وسالونك و فتحت تركيا آنذاك أبوابها لهم ليعيشوا حياة هانئة مستقرة .
لكن الطبيعة اليهودية الماكرة تأبى إلا الغدر فبعد هذا الاحتضان من قبل المسلمين تآمر اليهود على الدولة العثمانية وقاموا بعض اليد التي مدت إليهم ومانراه اليوم من أفعالهم المشينة هو رد الجميل على كرم المسلمين لهم وصدق الله جل وعلا حيث قال {أَوَكُلَّمَا عَاهَدُواْ عَهْداً نَّبَذَهُ فَرِيقٌ مِّنْهُم بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ }البقرة100.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: وهؤلاء اليهود من أشد الناس عتواً ونفوراً، لأن عتو فرعون وتسلطه عليهم جعل ذلك ينطبع في نفوسهم، وصار فيهم العتو على الناس، بل وعلى الخالق عز وجل، فهم يصفون الله تعالى بأوصاف العيوب ـ قبحهم الله، وهم أهلها هـ.
أصل اليهود في المدينة:
كعادة اليهود أنهم كلما تجمعوا في مكان وسكنوا واستقروا فيه أزيلوا عنه قسرا لان الله كتب عليهم الشتات والتفرق بسبب ظلمهم وخبثهم قال تعالى {وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي الأَرْضِ أُمَماً مِّنْهُمُ الصَّالِحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذَلِكَ وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ }الأعراف168
فيهود المدينة لم يخرجوا عن هذه السنة التي كتبها الله عليهم .
ان احد الأسباب المهمة لوجود اليهود في الجزيرة أنهم ممن هاجر من فلسطين بعد اجتثاث نبوخذ نصر الحاكم البابلي لهم في عام 589 ق-م فهربوا باتجاه بلاد الحجاز ووصلوا يثرب .أما الهجرة الثانية فكانت عام 70 م عندما هاجمهم الإمبراطور تيطس وشتت شملهم وانضموا إلى من سبقهم ممن هاجر إليها . و الهجرة الثالثة كانت بعد ان دمر الإمبراطور الروماني هارديان القدس ومنع اليهود من دخولها عام 132م حيث فر من نجا منهم إلى جزيرة العرب.
إذا يهود الجزيرة قدموا إليها على شكل موجات بشرية تبحث لها عن مستقر وهاربة من بطش أعدائها.
كان ممن سكن المدينة - حين نزلها الأوس والخزرج - من قبائل بني إسرائيل بنو عكرمة، وبنو ثعلبة، وبنو محمر، وبنو زغورا، وبنو قينقاع، وبنو زيد، وبنو النضير، وبنو قريظة، وبنو بهدل، وبنو عوف، وبنو الفصيص، فكان يسكن يثرب جماعة من أبناء اليهود، فيهم الشرف والثروة والعز على سائر اليهود، وكان بنو مرانة في موضع بني حارثة، ولهم كان الأطم الذي يقال له: الخال. وكان يقال لبني قريظة وبني النضير خاصة من اليهود: الكاهنان، نسبوا بذلك إلى جدهم الذي يقال له الكاهن،(الأغاني ج5ص 484).
كان لليهود تجمع آخر في (خيبر)، وعلى بعد مائة ميل من يثرب، التي كان يهودها يرتبطون بعلاقاتٍ وثيقةٍ ببني النضير، وكانوا يعيشون على الزراعة، وإن اشتغلوا أيضاً بتربية بعض الحيوانات، وكان يهود خيبر يسكنون في جماعات متفرقة، لكل مجموعة حصن خاص بها. أما المناطق الأخرى التي سكن فيها اليهود، مثل فدك وتيماء ووادي القرى، فكانت واحات صغيرة، تقطنها جماعات يهودية محدودة العدد، وبالرغم من قلة المعلومات عنهم، فإن الدلائل تشير إلى التشابه الكبير بين طبيعة حياتهم وحياة يهود يثرب.( أصول اليهود واليهودية في العالم العربي)
لقد اهتم يهود يثرب بالزراعة وخاصة النخيل وبعض الصناعات التي يتقنونها وتحسن وضعهم الاقتصادي بعد استقرارهم في يثرب وبنو الحصون والآطام التي تحميهم من الاعتداء الخارجي.
الأوس والخزرج:
الأوس والخزرج هم أهل المدينة الأنصار الذين نصروا رسول الله صلى الله عليه وسلم واحتضنوا الدعوة الإسلامية وآزروها ونزل في فضلهم من كلام الله {... وَالَّذِينَ آوَواْ وَّنَصَرُواْ أُولَـئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً لَّهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ }الأنفال74 وقال جل وعلا {وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ }الحشر9 .
واصل الأوس والخزرج من اليمن حيث ولد ثعلبة بن عمرو مزيقيا بن عامر ماء السماء، رجلا فسماه حارثة بن ثعلبة. فولد حارثة بن ثعلبة رجلين: الأوس والخزرج، وهما همدان الحيان، اللذان يعرفان بالأنصار. وعنهما تفرقت بطون الأنصار.(الأنساب للصحارى ج1 ص178)
قال الأمام السعدي رحمه الله: وبين أنصار وهم الأوس والخزرج الذين آمنوا بالله ورسوله طوعا ومحبة واختيارا، وآووا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومنعوه من الأحمر والأسود، وتبوأوا دار الهجرة والإيمان حتى صارت موئلا ومرجعا يرجع إليه المؤمنون، ويلجأ إليه المهاجرون، ويسكن بحماه المسلمون إذ كانت البلدان كلها بلدان حرب وشرك وشر، فلم يزل أنصار الدين تأوي إلى الأنصار، حتى انتشر الإسلام وقوي، وجعل يزيد شيئا فشيئا، وينمو قليلا قليلا حتى فتحوا القلوب بالعلم والإيمان والقرآن، والبلدان بالسيف والسنان.(تفسير الكريم المنان ج1 ص850)
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: تختلف مراتب الصحابة لقوله تعالى:(لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ انفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أولَئِكَ أعظم دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أنفقوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى )(الحديد: من الاية10) . وسبب اختلاف مراتبهم : قوة الإيمان والعلم والعمل الصالح والسابق إلى الإسلام .
أفضلهم جنسا المهاجرون ثم الأنصار؛ لان الله قدم المهاجرين عليهم فقال تعالى : (لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ والأنصار)هـ.
وفي فضل الأنصار قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَوْ سَلَكَ النَّاسُ وَادِيًا وَسَلَكَتْ الْأَنْصَارُ شِعْبًا لَاخْتَرْتُ شِعْبَ الْأَنْصَارِ(رواه البخاري عن انس رضي الله عنه :باب غزوة الطائف ).
فالأوس والخزرج قبيلتان قحطانيتان هاجرتا من اليمن من مملكة سبأ على اثر خراب سد مأرب في القصة المشهورة. وقدموا المدينة التي كان يسكنها آنذاك اليهود الذين سمحوا لهم بالمقام قريبا منهم بين الحرة الشرقية وقباء للاستفادة منهم في الزراعة وغيرها من الأعمال ولكن الأوس والخزرج تحسن حالهم وأصبحوا منافسين لليهود في المدينة .
وبعد عقد صلح فسخه اليهود أعقبه قتال بين الطرفين حيث استنجد مالك بن العجلان ببني عمومته الغساسنة في الشام على اثر ذلك كسرت شوكة اليهود.
وكعادة اليهود في المكر والدهاء وإثارة الفتن قرر اليهود إذكاء الفتنة بين الأوس والخزرج ونجحوا في ذلك حيث نشبت معارك طويلة بين الطرفين كان اليهود من يوقد أوارها .
بدأت تلك المعارك بحرب سمير وكان أخرها حرب بعاث قبل الهجرة بخمس سنين وبين هاتين الحربين نشبت أكثر من عشرة حروب وكانت أشدها وآخرها هي بعاث. وبعد هذه الحرب سئموا الفتن و القتال وجنحوا للصلح والسلام واتفقوا ان يتوجوا ابن أبي سلول ملكا عليهم ولكن شاء الله أمرا ان يقدم الرسول صلى الله عليه للمدينة وانتهت الفتن ودام الأمن والأمان.
اليهود واستقبالهم للرسول صلى الله عليه وسلم:
قبل البعثة النبوية المباركة واليهود يبشرون العرب الجاهليين بقدوم نبي آخر الزمان وكما قال تعالى : {وَلَمَّا جَاءهُمْ كِتَابٌ مِّنْ عِندِ اللّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ وَكَانُواْ مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُواْ فَلَمَّا جَاءهُم مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّه عَلَى الْكَافِرِينَ }البقرة89.
وقال تعالى :(ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم) من التوراة هو القرآن (وكانوا من قبل) قبل مجيئه (يستفتحون) يستنصرون (على الذين كفروا) يقولون اللهم انصرنا عليهم بالنبي المبعوث آخر الزمان (فلما جاءهم ما عرفوا) من الحق وهو بعثة النبي (كفروا به) حسدا وخوفا على الرياسة وجواب لما الأولى دل عليه جواب الثانية (فلعنة الله على الكافرين)( تفسيرالجلالين).
ولكن كعادة اليهود العاتية المتمردة رفضوا إتباع هذا النبي الكريم الذي جاءت صفاته موافقة لما في كتبهم وكانوا يتوعدون به .
قال الشيخ الألباني رحمه الله: قال ابن إسحاق : وحدثني عاصم بن عمر بن قتادة عن رجال من قومه قالوا :
إن مما دعانا إلى الإسلام - مع رحمة الله تعالى وهداه لنا - لما كنا نسمع من رجال يهود كنا أهل شرك أصحاب أوثان وكانوا أهل كتاب عندهم علم ليس لنا وكانت لا تزال بيننا وبينهم شرور فإذا نلنا منهم بعض ما يكرهون قالوا لنا : إنه قد تقارب زمان نبي يبعث الآن نقتلكم معه قتل عاد وارم . فكنا كثيرا ما نسمع ذلك منهم.
فلما بعث الله رسول الله صلى الله عليه وسلم أجبناه حين دعانا إلى الله وعرفنا ما كانوا يتوعدوننا به فبادرناهم إليه فآمنا به وكفروا به ففينا وفيهم نزلت هذه الآية : ( ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين ) البقرة : 89 (صحيح السيرة للألباني ج1ص 57)
وروى أبو نعيم في ( الدلائل ) عن محمد بن سلمة قال :
لم يكن في بني عبد الأشهل إلا يهودي واحد يقال له : يوشع فسمعته يقول - وإني لغلام في إزار - : قد أظلكم خروج نبي يبعث من نحو هذا البيت - ثم أشار بيده إلى بيت الله - فمن أدركه فليصدقه.
فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلمنا وهو بين أظهرنا لم يسلم حسدا وبغيا (صحيح السيرة للألباني ج1ص59)
فهذا حال اليهود يعرفون وينكرون بل يعرفون الرسول صلى الله عليه وسلم كما يعرفون أبنائهم وكما قال تعالى:{الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءهُمْ وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ }البقرة146 ومن ثم يكذبونه بل ويحاربوه.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
قوله تعالى: { آتيناهم } أي أعطيناهم؛ والمراد بـ{ الكتاب } التوراة، والإنجيل؛ والذين أوتوهما اليهود، والنصارى؛ وإنما كانوا يعرفون النبي صلى الله عليه وسلم كما يعرفون أبناءهم؛ لأنهم يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل، يأمرهم بالمعروف، وينهاهم عن المنكر، إلى آخر ما ذكر من أوصافه التي عرفوه بها كما يعرفون أبناءهم؛ وعبَّر بقوله تعالى: { يعرفونه } بالفعل المضارع؛ لأن معرفتهم به تتجدد كلما تأملوا آياته، وصفاته؛ وعبر بقوله تعالى: { يعرفونه }؛ لأن الغالب أن (العلم) يعبر به عن الأمور المعقولة التي تدرك بالحس الباطن، و(المعرفة) يعبر بها عن الأمور المحسوسة المدركة بالحس الظاهر؛ فأنا أقول لك: (أعرفت فلاناً)؛ ولا أقول لك: (أعلمت فلاناً)؛ لكن أقول: (أعرفت فلاناً فعلمت ما فعل)؛ فهنا جعلنا العلم في الفعل؛ و{ أبناءهم } جمع ابن؛ وخصه دون البنت؛ لأن تعلق الإنسان بالذّكَر أقوى من تعلقه بالأنثى؛ فهو به أعرف.
قوله تعالى: { وإن فريقاً منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون } يعني طائفة منهم تكتم الحق أي يخفونه، فلا يبينونه؛ ولهذا ذكر الله في سورة آل عمران أن بعضهم يقول لبعض: كيف تبينون الهدى لمحمد، وأصحابه؟! إذا بينتموه يحاجوكم به عند الله أفلا تعقلون! فهم يتواصون بالكتمان والعياذ بالله هـ.
رغم كل هذه الآيات التي تدل على صدق الرسول صلى الله عليه وسلم والمعلومة عند اليهود لم يرضوا إلا بالتآمر عليه صلى الله عليه وسلم ومحاولة ايذاءه بكل السبل اليهودية الماكرة ولكن كان حفظ الله لرسوله لهم بالمرصاد.
روى البيهقي في دلائل النبوة عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ ، قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ ، قَالَ : حَدَّثَنِي مُحَدِّثٌ ، عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَيٍّ ، أَنَّهَا قَالَتْ : " لَمْ يَكُنْ مِنْ وَلَدِ أَبِي وَعَمِّي أَحَدٌ أَحَبُّ إِلَيْهِمَا مِنِّي، لَمْ أَلْقَهُمَا قَطُّ مَعَ وَلَدٍ لَهُمَا أَهَشُّ إِلَيْهِمَا إِلا أَخَذَانِي دُونَهُ، فَلَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ قُبَاءَ نَزَلَ قَرْيَةَ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، غَدَا إِلَيْهِ أَبِي وَعَمِّي أَبُو يَاسِرِ بْنُ أَخْطَبَ مُغَلِّسَيْنَ، فَوَاللَّهِ مَا جَاءَانَا إِلا مَعَ مَغِيبِ الشَّمْسِ، فَجَاءَانَا فَاتِرَيْنِ كَسْلانَيْنِ سَاقِطَيْنِ، يَمْشِيَانِ الْهُوَيْنَى، فَهَشَشْتُ إِلَيْهِمَا كَمَا كُنْتُ أَصْنَعُ، فَوَاللَّهِ مَا نَظَرَ إِلَيَّ وَاحِدٌ مِنْهُمَا، فَسَمِعْتُ عَمِّيَ أَبَا يَاسِرٍ، يَقُولُ لأَبِي : أَهُوَ هُوَ؟ قَالَ : نَعَمْ، وَاللَّهِ، قَالَ : تَعْرِفُهُ بِعَيْنِهِ وَصِفَتِهِ؟ فَقَالَ : نَعَمْ، وَاللَّهِ، قَالَ : فَمَاذَا فِي نَفْسِكَ مِنْهُ، قَالَ :عداوته والله ما بقيت. (دلائل النبوة للبيهقي ص430).
هذا هو حال اليهود وموقفهم من الرسول صلى الله عليه وسلم والى قيام الساعة ,عداوته وبغضه له ولأتباعه من بعده , بدون سبب سوى الحسد والبغض كما هي عادتهم .