فلسطين التاريخ / تاريخ

مجزرة دير ياسين بين الحقيقة والتزييف

        قبل أيام اتصل أحد الاخوة سائلاً بعد أن دخل الشك في نفسه حول مذبحة "دير ياسين" هل حدثت فعلاً أم أنها كما يشيع البعض أنها أسطورة وهمية وأكذوبة من الأكاذيب ، والتي بسبب إشاعتها خرج مئات الألوف من الفلسطينيين إلى خارج فلسطين .

 

      والحقيقة أنني احترت من أي جانب اذكر الحقائق حول تلك المذبحة  التي لو كلف هؤلاء أنفسهم عناء البحث عن أحداث المجزرة لوجدوا الكثير الكثير ...

 

       فوعدته بحقائق سأكتفي بما ذكرها باحثون يهود وبريطانيون لعل حقائقنا ووثائقنا لا تقنع بني جلدتنا ، وأرسلتها له وسأسردها عليكم لعل الحقيقة تكون هي الحكم :  

 

في كتاب الثورة لمناحم بيغين يقول : "إن مذبحة دير ياسين أسهمت مع غيرها من المجازر الأخرى في تفريغ البلاد من 650 ألف عربي ، وأضاف " لولا دير ياسين لما قامت إسرائيل "!!!.

 

    ونقل "هنري كتين" في كتابه "فلسطين في ضوء الحق والعدل" وصف جاك دي رينيه - كبير مندوبي هيئة الصليب الأحمر الدولية - حين عرض حياته للخطر ، واستطاع أن يصل إلى القرية ويرى بعيني رأسه عواقب المأساة .. ومما قاله : " لقد ذبح ثلاثمائة شخص بدون أي مبرر عسكري ، أو استفزاز من أي نوع كان وكانوا رجالاً متقدمين في السن ونساء وأطفالاً ورضعاً اغتيلوا بوحشية بالقنابل اليدوية والمدى وبأيدي قوات أرجون اليهودية ، تحت الإشراف والتوجيه الكاملين لرؤسائها " .

 

ووصف رينيه العصابات اليهودية التي لقيها في مكان الحادث فقال :" إنها تألفت من رجال ونساء مسلحين بالمسدسات والمدافع نصف الرشاشة والقنابل اليدوية ومدى كبيرة كان معظمها لا يزال ملطخاً بالدماء ويقول : بل إن شابة أرته مديتها وهي لا تزال تقطر دماء وكأنها علامة على النصر ، ورأى الجثث المشوهة للضحايا ، ومنهم فتاة عمرها عشر سنوات وعجوزان مازلن يتنفسن بالرغم من أنهن جرحن وتركن لكي  يدركهن الموت ، وقد عملت الوكالة اليهودية والهاجانا كل ما تستطيعان للحيلولة دون قيام مندوب (الصليب الأحمر ) الدولي بالتحقيق في هذه المذبحة الفظيعة ".

 

       وتقول "روز ماري" الباحثة والصحافية البريطانية في كتابها الفلاحون الفلسطينيون من الاقتلاع إلى الثورة ، و الذي صدر بسبع لغات : "  أن مجزرة دير ياسين التي وقعت في 8 أبريل والتي قتل فيها مالا يقل عن 300 قروي قد حازت على قسط كبير من الاهتمام ، وعمدت القيادة الصهيونية في البداية إلى التنصل من المجزرة وبعث بن غوريون رسالة اعتذار إلى الملك عبد الله وضع فيها اللوم على كاهل المجموعات الإرهابية " غير الرسمية " ، مع أنه في الحقيقة شاركت وحدة من البالماخ في الهجوم على دير ياسين إلى جانب منظمتي الأرغون وشتيرن .

 

       ويصف المحقق البريطاني ريتشارد كاتلنغ مدى الصعوبة التي واجهها في إقناع البنات والنساء المرعوبات والمذلولات بأن يصفن له ما حل بهم وبغيرهن ممن لم تكتب له النجاة :

 

      " قابلت العديد من النساء بهدف جمع المعلومات المتعلقة بأية فظائع يمكن أن تكون ارتكبت في دير ياسين  ولكن غالبية هؤلاء النساء خجولات جدا ، ويترددن في رواية ما حدث معهن وخصوصا الأمور المتعلقة بالإغتصابات وهن بحاجة إلى قدر كبير من المواساة ، كما أن تسجيل الإفادات تعترضه الحالة الهستيرية التي تعيشها النساء حيث إنهن ينهرن …. أثناء تسجيل الإفادة" .

 

         ويلخص "بني موريس" أحد ابرز المؤرخين اليهود ، وهو باحث ومراسل ميداني وصحافي مسيرة قادة اليهود في نشر الأكاذيب بقوله : " نحن الإسرائيليين كنا طيبين ، لكننا قمنا بأفعال مشينة وبشعة كبيرة ، كنا أبرياء لكننا نشرنا الكثير من الأكاذيب وإنصاف الحقائق ، التي أقنعنا أنفسنا وأقنعنا العالم بها ، نحن الذين ولدنا لا حقا بعد إنشاء "الدولة" عرفنا كل الحقائق الآن بعد أن عرض علينا زعماءنا الجوانب الإيجابية فقط من تاريخ  "إسرائيل" ، لكن للأسف كان ثمة فصول سوداء لم نسمع شيئا عنها ، لقد كذبوا علينا عندما اخبرونا أن عرب اللد والرملة طلبوا مغادرة بيوتهم بمحض إرادتهم ، وكذبوا علينا عندما أبلغونا أن الدول العربية أرادت تدميرنا ، وإننا كنا الوحيدين الذين نريد السلام طوال الوقت ، وكذبوا عندما قالوا : "أرض بلا شعب لشعب بلا أرض " ، وكذبة الأكاذيب التي سموها الاستقلال – ويضيف بني موريس " لقد حان وقت معرفة الحقيقة ، كل الحقيقة ، وهذه مهمة ملقاة على عاتقنا نحن المؤرخين الجدد !!" .

    وتصف روز ماري - الباحثة البريطانية – حجم تلك الأكاذيب بالقول : " لقد آذى التشهير بالفلسطينيين أكثر مما آذاهم الفقر ، وأكثرها إيلاما الاتهام بأنهم باعوا أرضهم ، أو أنهم هربوا بجبن ، وقد أدى الافتقار إلى تأريخ عربي صحيح لعملية الاقتلاع بالجمهور العربي إلى البقاء على جهله بما حدث فعلا !!"

 

      فالتاريخ وللأسف يكتبه القوي المنتصر!! ، وأما الضعيف المغلوب على أمره ، لا يكتفى بأن يعيش بهزيمته وآلامه ، بل عليه أن يرضى ويصدق بهذا التاريخ ، ويقبل بسرد الوقائع التي وقعت أمام عينه بصور مغايرة للحقائق ، انطلاقا من المقولة " التاريخ صنع المنتصرين "!!.

  

    

       والحقيقة المرة أن مأساة فلسطين وما حل بأهلها "تاريخ لم يكتب بعد"، فما حدث في فلسطين من اقتلاع شعب من أرضه ، وإحلال شتات اليهود في مساكنهم  ممتلكاتهم وأرضهم ، وهم ما يزالون يحملون مفاتيح بيوتهم وينتظرون العودة لها... ، ما زال يدور حوله هذا التاريخ الكثير من الأكاذيب ، لأنه إن كتب فبأيدي يهودية منطلقها: "إذا أردت أن تقتل عدواً لا تطلق عليه رصاصة بل أكذوبة". 

 

ولم أجد ما أختم به مقالتي أكثر صراحة ووضوحا من كلمة موشى دايان لليهود الذين كانوا يعارضون إقامة المغتصبات اليهودية ، بما لم يعرفه بعضهم من الجيل الصغر عمرا قائلا :

"لقد جئنا إلى هذا البلد الذي كان العرب توطنوا فيه ، ونحن نبني دولة يهودية …. لقد أقيمت القرى اليهودية مكان القرى العربية . أنتم لا تعرفون حتى أسماء هذه القرى العربية وأنا لا ألومكم ، لأن كتب الجغرافيا لم تعد موجودة . وليست كتب الجغرافيا هي وحدها التي لم تعد موجودة ، بل القرى العربية نفسها زالت أيضا ، وما من موضع بني في هذا البلد إلا وكان أصلا سكان عرب ".

      شهادات وأقوال لعلها تنبه إخواننا وبني جلدتنا بأن تاريخ فلسطين وما حل بها " تاريخ لم يكتب بعد " ..