فلسطين التاريخ / أعلام بيت المقدس
تعريف بأسرة المقادسة
الحمد لله الذي حفظ الذكر بحفظ أهْله ، وشرّفهم بوراثة أنبيائه ورسْله ، وجعلهم متفاوتين في فهمه ونقله ، وأسبغ عليهم سوابغ نعمه ، ووعدهم بالمزيد من فضله ، وصلى الله على سيدنا محمد نبيه المخصوص بما لم يختص به نبيّ من قبله ، وعلى آله وأصحابه المقتفين سَننه القويم والمعتصمين بحبله ، صلاةً نرجو بها الفوز يوم يجزي الله المقسطين بفضله .
أما بعد فمن نعم الله على هذه الأمة المرحومة أن غرس لدينه في كل زمن غروساً أحيا بهم بساتين العلم الشرعي الكريم ، وبعث بفضله في كلّ خلَف عدولاً جدد بهم معالم الدين الإسلامي العظيم ، ليوضح بهم لمن أراد هدايته منهاجه، ويقيم على من صدّ عنه ، وصدف عن آياته حِجاجه ، فبذلوا في ذات الله جدهم ، ونصحوا لعباد الله جهدَهم ، وكانوا أخلاف هدي وفضل وأكناف صدق وعدل ، وينابيع معرفة وعلم ومعادن خير وحلم .
فالموفَّق من اقتفى أثرهم وانتهج سبلهم ، وأنار قلبه من الظلمة بالتعرف على أخبارهم ، وأيقظ نفسه من الغفلة بالتدبر في أحوالهم ، وصيّر كتبهم مسرح نظره وجعل علمهم موطن فِكَره .
وقد أكرمني الله تعالى بالحديث عن الحافظ عبد الغني القدسي محدثاً في رسالة الماجستير وقدمت على الكلام عنه تعريفاً موجزاً بأسرة المقادسة ، والأسرة التي عُرفت بهذا اللقب هي الأسرة التي نشأ في أحضانها الحافظ عبد الغني وابن خاله الموفق ابن قدامة صاحب المغني ، وغيرهما من أعلام السنة ورواة الحديث وفقهاء المذهب الحنبلي ، وهي شجرة باسقة مثمرة ذات فروع كثيرة نافعة ، لها جهود عظيمة في خدمة السنة ، ويقع للكثيرين الاشتباه والخلط بين أفرادها ، وقد اشتهرت هذه الأسرة بالمقادسة لكونهم في الأصل من جَمَّاعيل التابعة لنابلس الجبل القريب من بيت المقدس .
ومن أسباب اختيار الموضوع:
إعجابي بأسرة المقادسة الذين هاجر كبيرهم أحمد بن قدامة - أيام احتلال الصليبيين بيتَ المقدس وما حوله - من بلده جماعيل التي كان خطيباً بها لما أخبِر بعزم حاكمها من قبل الصليبيين على قتله ، فسافر مع أولاده إلى دمشق بصحبة زوج أخته : عبدالواحد بن علي بن سرور - والد الحافظ عبدالغنيّ المقدسيّ - ، فنزلوا بجبل قاسيون في مكان قفْرٍ فعمروه وسُمّي بالصالحية وغدا حياً من أهمّ أحياء دمشق ، واعتنت الأسرة كلها بالقرآن والحديث وروايته وبالعقيدة السلفية والمذهب الحنبلي إعتناءًا بالغاً ، وشاركت مع صلاح الدين الأيوبي في تحرير بيت المقدس ، ورحل كثير منهم طلباً للحديث كالشيخ أحمد ابن قدامة وابنه الموفق وابن أخته عبدالغني وسبطاه الضياء والبخاري والد الفخر - مرجع كثير من الأسانيد عند المتأخرين والذي كان شيخ الإسلام ابن تيمية يقول عنه لعلوّ سنده :"ينشرح صدري إذا أدخلت ابن البخاري بيني وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم " - ، وكانت وجهة أكثرهم في الرحلة بلاد المشرق كبخارى وأصبهان ، فتحملوا كتب الحديث الكبيرة ، فنقلوها إلى الناس ، ورووها ، ونسخوا منها النسخ الكثيرة *، وبعد ذلك بمدةٍ هجم التتار على تلك الديار فأصبحت - بعد عمرانها - خراباً ، ولكن بعد أن نُقلت منها كتب السّـنّة التي حملتها تلك الديار منذ العصور الأولى في الإسلام ، قال الله تعالى : { إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون }
مباحث التعريف بأسرة المقادسة
المبحث الأول : أحمد ابن قدامة وهجرته إلى دِمَشق.
المبحث الثاني : أبوعمر.
المبحث الثالث : الموفَّق.
المبحث الرابع : عبدالواحد بن أحمد السعديّ.
المبحث الخامس : يوسف ابن قدامة.
المبحث السادس : عبدالواحد بن عليّ بن سرور.
المبحث الأول: أحمد ابن قدامة وهجرته إلى دِمَشق
كان المسلمون في أرض بيت المقدس ونواحيها زمن احتلال الفرنج [1] في شدة وضيقٍ ، فقد كان الفرنج يؤذونهم ويحبسونهم ، ويأخذون منهم أموالاً كالجزية ، ويستخدمونهم في الفلاحة.
وكان من أعتى الكفار وأكثرِهم تَجَــبُّرًا ابنُ بارزان [2] الذي كانت تحت يده جمّاعيل [3] والقرى التي حولها.
وكان خطيبُ جمّاعيل الشيخُ العالمُ الزاهدُ أحمدُ بن محمّد بن قدامة العُمَريُّ [4] قد سافر واشتغل بالعلم ولاسيما الحديث النبوي الشَّريف فقد حدّث عن الإمام المحدِّث الشهير أبي الحسن رَزِين بن معاوية العبدريّ صاحب كتاب " تجريد الصحاح" [5].
ورجع إلى جمّاعيل وأقام بها ينفع الناس ويُقرِئُهم القرآن ، ويقرأ لهم الأحاديث ، ويعلّمهم كما يعلّم إخوته وأولاد عمه.
وكان له أخت تزوجها عبدالواحد بن عليّ بن سرور ، وكان بيته قريباً من بيت أخته [6].
وكان الشيخ أحمد لا يرضى بمقامه تحت أيدي الكفار - كأبيه الذي كان يذكر الهجرة دائماً - ، وكان يخطب أيام الجُمُعات ويجتمع الناس إليه ، فقيل لابن بارزان : "إنّ هذا الرجل الفقيه يُشغِل الفلاحين عن العمل ، ويجتمعون عنده" فتحدث في قتله فأعلم الشيخَ رجلٌ ، فعزم على المضيِّ إلى دِمَشق ، فسافر إليها سنة 551 هـ وصَحِبه عبدالواحد ابن عليّ بن سرور - زوج أخته - .
ولما جاء دِمَشق ، خرج إليه أبو الفضل محمّد بن عبدالله بن القاسم الشافعيّ (491-572هـ) ومعه ألف دينار فعرضها عليه فأبى ، فاشترى بها موضعاً بدِمَشق ، ووقفه على المقادسة [7].
وكتب الشيخ أحمد إلى ابنه أبي عمر ليهاجر إليه بجميع أهله ، فخرج بهم إلى دِمَشق متحملين المشقة صابرين ، وكانوا نحواً من أربعين نفساً من ذكرٍ وأنثى وكبيرٍ وصغيرٍ.
فأنزلهم الشيخ أحمد في مسجد أبي صالح [8] ، فأقاموا به مدةً نحو سنتين ، ثم انتقلوا إلى سفح جبل قاسيون [9] ، فعمروا الجبل بعد أن كانت الأماكن المعمورة فيه يسيرةً [10].
وقد اهتمّ الملك العادل نور الدِّين محمود بن زنكيّ بالشيخ أحمد وأسرته وكان يساعدهم ، وكان يقول: "هذا الشيخ أحمد رجل صالح ، وأنا أزوره لأنتفع به" [11].
ثم بنى ابنه أبو عمر المدرسة العُمريّة [12]، ثم كثر البناء في تلك المنطقة التي اشتهرت بالصالحية - قيل : سميت بالصالحية نسبةً إلى صلاح هؤلاء المقادسة ، وقال أبو عمر المقدسيّ : "... قال الناس: الصالحية نسبونا إلى مسجد أبي صالح لأننا نزلنا فيه أولاً لا أنا صالحون" ، وعقّب على ذلك العلامة محمّد بن عليّ ابن طولون الصالحيّ الحنفيّ (880-953هـ) [13] بأن قال : "وهذا من باب التواضع من الشيخ - رحمه الله - " [14] - ، حتى صارت مفخرةً لدِمَشق يسهب في وصفها الرحالون والأدباء [15]، وينشد في مدحها الشعراء [16].
وكان من أولاد الشيخ أحمد[17]:
1- أبو عمر محمّد.
2- الموفَّق عبدالله.
3- بنت تزوجها : عبدالواحد بن أحمد بن عبدالرحمن بن إسماعيل [18].
4- بنت اسمها رابعة تزوجها ابن أخته سعيدة : عبدالغنيّ بن عبدالواحد .
وكان من إخوان الشيخ أحمد[19]:
1- يوسف
2- سعيدة :تزوجها عبدالواحد بن عليّ بن سرور ، فوُلد له : إبراهيم وعبدالغنيّ [20]
وهؤلاء هم أركان أسرة المقادسة الشهيرة التي نبغ منها غير واحد من العلماء الذين نصروا العقيدة الأثرية ، ونشروا الحديث النبويّ الشَّريف ، وخدموا مذهب الإمام أحمد - رحمه الله - [21]، وقاموا برواية كتب السنة ، وتركوا كتباً عظيمة تزخر بخزائن العلم ، وكثر العلم بدِمَشق بعد تناقصٍ أيام "المقادسة النازلين بسفحها" [22] ، وكانوا قدوةً لمن بعدهم في كثير من مجالات الخير ، وهم بيت صلاح وعلم ورواية ، قيل في بعض أفرادهم المتأخرين - كما سيأتي - : "حدّث هو وأخوه وأبوه وجدّه وجدّ أبيه وجدّ جدّه" [23].
المبحث الثاني: أبوعمر :
هو الشيخ الزاهد الفقيه المقرئ المحدِّث محمّد ، ولد سنة 528هـ بجمّاعيل ، سمع الحديث من أبيه وغيره ، وهو الذي ربى الموفَّق وغيره ولذا يقال عنه : "شيخ المقادسة" ، وكان قدوةً صالحًا كثير الصيام والتلاوة والصلاة والجهاد ، كان قلّما يتخلف عن غزوة ، وكان ينسخ مختصر شيخ الحنابلة أبي القاسم عمر بن الحسين الخِرَقيّ المتوفى سنة 334هـ[24]" من حفظه ، وكتب بخطه المليح عدة مصاحف وكتبًا كثيرة كالمغني لأخيه الموفَّق و"معالم التنزيل" لمحيي السُّنَّة الحسين بن مسعود البغويّ المتوفى سنة 516هـ[25]، وهو واقف المدرسة العمرية ، تُوفِّي سنة 607هـ [26].
ومن أولاده:
ابنته آمنة (550-631هـ) كانت مقرئةً صالحةً عابدةً ، قرأت القرآن على والدها ، وكانت البنات يقرأن عليها القرآن ، وكانت كثيرة الصدقة [27].
وثلاثة أبناء : عُمر و عبدالله و عبدالرحمن:
فالأول عمر [28] الذي وُلد له ابنُه جمال الدِّين أبوحمزة أحمد ، الذي تولى على قرية جمّاعيل مدّة ، وتُوفِّي سنة 633هـ [29] ، ومن أولاده :
1- إسماعيل ، وهو أبو المسنِد العالم نجم الدِّين أحمد (682- 773هـ)[30].
2- محمّد سيف الدِّين [31]، له ابنان :
أ/ أحمد ، المحدِّث الذي سمع منه الحافظ أبوعبدالله محمد بن أحمد الذهبيّ (673-748 هـ) ، ووصفه بالفقيه [32].
ب/ عبدالرحمن ، أبوالفرج ، والد الشيخ الصالح أبي عبدالله محمّد المسنِد (708-794هـ) سمع منه الفضلاء [33].
3- عبيدالله قال عنه تلميذه الحافظ الذهبيّ :"إنسان مبارك .."، مات سنة 69هـ[34].
وله ابنان:
أ / عمر ، المتوفى سنة 733هـ ، سمع منه الحافظ الذهبيّ ، وكان رفيقه في الحجّ [35]
ب/ محمّد ، تُوفِّي سنة744هـ [36].
4- حمزة ، سمع الكثير ، ومات بجمّاعيل في جمادى الآخرة سنة632هـ [37].
ومن أبنائه :
أ/ ناصر الدِّين داود (629-701هـ) المقرئ الصالح شيخ الحديث بالضيائية ، قال عنه الحافظ الذهبيّ :" كان فيه صدقٌ وخيرٌ ، لقي خلقاً كثيراً [38]، وابنه عزّالدِّين محمّد المتوفى سنة 749هـ [39]هو والدُ ناصرِالدِّين أبي عبدالله محمّد الحنبليّ (708-796هـ) الذي كان شيخاً خيّراً مسنِداً صالحاً ، حدّث وتفرّد ببعض شيوخه وسماعاته [40].
ب/ محمّد ، الإمام الفقيه (631-698هـ) قال عنه تلميذه الحافظ الذهبيّ : " كان ديِّناً عالماً مجوّداً للكتابة ، انتفع به في الخط جماعة " [41].
جـ/ عبدالله ، وابنه حمزة من شيوخ الحافظ الذهبيّ ، تُوفِّي سنة 716هـ [42].
د/ سليمان ، أبو الفضل مسنِد العصر (628-715هـ) ، سمع على الضياء " صحيح مسلم " ومالا يحصى كثرةً حتى قيل إنه سمع منه ألف جزء ، وكان عارفاً بالفقه مشاركاً في غيره ، ولي قضاء دِمَشق للحنابلة مرّتين وحُمد في قضائه ، واستقرت بيده مشيخة دار الحديث الأشرفية [43].
وله ولدان أحمد ومحمّد نشّأهما على العناية برواية الأحاديث [44].
1- أحمد (662-733هـ) كان مقرئاً [45]، ومن أحفاده:
أ/ أحمدُ بن محمّد بن أحمد بن سليمان بن حمزة (741-802هـ) ، أجاز للحافظ ابن حجر العسقلانيّ [46].
ب/ أبوبكر القاضي عماد الدِّين بن عبدالرحمن بن محمّد بن أحمد بن سليمان ، كان يصوم الإثنين والخميس ، وأجاز للحافظ ابن حجر العسقلانيّ ، وتُوفِّي سنة 831هـ [47].
ج/ الحافظ القاضي ناصرالدِّين محمّد بن عبدالرحمن بن محمّد بن أحمد بن سليمان الذي رتب "المعجم الأوسط" على الأبواب ، ورتب "صحيح ابن حبان" وقال عنه ابن حجر: "استفدت منه كثيرًا ، ولم أر في دِمَشق من يستحق اسم الحافظ غيره" ، تُوفِّي سنة 803هـ [48] ، وابنه محمّد ناصرالدِّين ، كان إماماً عالماً محدثاً قاضياً ، تُوفِّي سنة 900هـ [49].
2- محمّد عزالدِّين (665-731هـ) قاضي الحنابلة ، درّس بالجوزية [50] في سنة 697هـ [51]، ودرّس بدار الحديث الأشرفية ، وكان متوسطاً في العلم والحلم متواضعاً ، وكان فيه تودّد وقضاء لحوائج الناس [52].
ومن أولاده:
أ/ حسن ، بدرالدِّين ، الإمام العالم، درّس بدار الحديث الأشرفية بعد أبيه ، وتُوفِّي سنة 770هـ [53].
ب/ أحمد ، الخطيب البليغ كان من فرسان المنابر ، تُوفِّي سنة 755هـ [54].
ج/ عبدالرحمن ، بهاء الدِّين ، رُزِق ابنين:
1- علاء الدِّين أبو الحسن عليّ ، شيخ دار الحديث النفيسية [55]، وناظرها ، كان رجلاً حسنًا ذا حشمة ورياسة ورويّة وسماحة ، كثير الضيافة ، تُوفِّي بدِمَشق سنة 794هـ [56] ، وابنه محمّد (764-820هـ) كان فقيهاً عالماً زاهداً صالحاً ، وولي قضاء دِمَشق ، وأفتى ودرّس وله نظمٌ في مفردات مذهب الإمام أحمد - رحمه الله - [57].
2- سليمان ، كان حفيده أحمد بن عبدالرحمن بن سليمان شيخاً عالماً، تُوفِّي سنة 864 هـ [58].
وأما الولد الثاني لأبي عمر فهو الخطيب الزاهد شرف الدِّين عبدالله، المتوفى سنة 643هـ [59].
وله ولدان حسن و إبراهيم :
1- حسن كان قاضياً ، ودرّس بمدرسة جَدِّه وبدار الحديث الأشرفية ، تُوفِّي سنة 695هـ [60]، وابنه أبو العباس أحمد المعروف بابن قاضي الجبل (693- 771هـ) كان من أهل البراعة والفهم متقناً عالماً بالحديث وعلله والنحو واللغة والأصول والمنطق[61].
2- إبراهيم ، كان رجلاً زاهداً ، إماماً في العلم والعمل ، بصيراً بمذهب الإمام أحمد - رحمه الله - ، تُوفِّي سنة 666هـ [62].
وعقّب العلماء من البنين والبنات :
فابنته حبيبة (654-745هـ) من شيوخ الحافظ الذهبيّ [63].
وأما أبناؤه فهم :
أ/ عبدالله (662-731هـ) حدّث ، وسمع منه الحافظ الذهبيّ [64]، وابنته"ملكة" المحدِّثـــة أجازت للحافظ أبي الفضل ابن حجر العسقلانيّ ، وتُوفِّيت سنة 802 هـ [65].
ب/ عبدالرحمن (656-732هـ) أتقن الفرائض ونفع الناس فيها مع المواظبة على أفعال الخير والبِرِّ [66].
ج/ محمّد (663-748هـ) خطيب الجامع المظفريّ [67] بسفح قاسيون ، كان خيّرًا بليغًا سمع كثيرًا من جَدِّه أبي عمر ، ودرس بمدرسته وتفقه بعم أبيه عبدالرحمن بن أبي عمر ، قال عنه الحافظ الذهبيّ :"هو من بقايا السلف ..." [68].
ومن أبنائه :
1- المسنِد شمس الدِّين عبدالرحمن ، كانت له يد طولى في الفرائض ، وحلقة بالجامع المظفريّ ، وكان يشيع الجنائز ويحضرها حتى تدفن ، وكان عليه نور وهَيبة ، تُوفِّي سنة 773هـ [69].
2- إبراهيم ، وابنه مسنِد الصالحية عماد الدِّين أبو بكر المعروف بالفرائضي (723-803هـ) أكثر الحافظ ابن حجر العسقلانيّ عنه في مدة يسيرة بحيث كان يجلس له أكثر النهار [70].
د/ أحمد ، تقي الدِّين الخطيب (648-726هـ) سمع منه الحافظ الذهبيّ وقال عنه :" كان متوسطاً في الفقه " [71]، وكان له ولدان:
1- يوسف ، كان إماماً في مدرسة أبي عمر ، وكان فاضلاً جيِّد الذهن ، سمع كتاب " الشمائل " للإمام الترمذيّ على ثلاثين شيخاً منهم الحافظ المِزِّيُّ [72]، وأجاز للحافظ ابن حجر العسقلانيّ ، تُوفِّي سنة 798هـ [73]، وابنته زينب ، تُوفِّيت قريباً من سنة 850 هـ [74].
2- محمّد ، أبوعبدالله صلاح الدِّين ، كان صبوراً على الإسماع محبّاً للحديث وأهله وأهل الخير ، من بيت صلاح وعلم ورواية ، حدّث هو وأخوه وأبوه وجدّه وجدّ أبيه وجدّ جدّه ، عمّر دهراً طويلاً حتى صار مسنِد الدنيا في عصره ، وكان إمام مدرسة جَدِّه أبي عمر ، وهو آخر من كان بينه وبين النبيّ صلى الله عليه وسلم تسعة رجالٌ ثقاتٌ بالسماع المتصل [75].
أما الولد الثالث من أولاد أبي عمر فهو شمس الدِّين عبدالرحمن شيخ الإسلام المعروف بشيخ الجبل ، وهو صاحب "الشرح الكبير على المقنِع للموفق" ، و"كان شيخ وقته وفريد عصره" ، وسمع الحديث الكثير من جماعة منهم والده ، ومن تلاميذه أيضا الإمام النوويّ [76] وكان يقول عنه: هو أجلّ شيوخي" [77] ، ومن تلاميذه أيضًا شيخ الإسلام ابن تيمية [78] سمع منه الحديث وأخذ عنه الفقه والأصول [79] ، وهو أول من ولي قضاء الحنابلة بدِمَشق وذلك سنة 664هـ تولاه مدةً تزيد على اثني عَشَرَ عاماً وكان لا يأخذ أجرًا ويقول: "نحن في كفاية" كما أنّه أول من درّس بدار الحديث الأشرفية ، وتُوفِّي سنة 682هـ [80].
وعقّب العلماء من البنين والبنات :
فابنته زينب قال عنها الحافظ الذهبيّ :"كيِّسة متواضعة" تُوفِّيت سنة739هـ [81].
وكان من أبنائه من العلماء :
1- أحمد نجم الدِّين أبو العباس ، ولي القضاء بعد أبيه كما ولي خطابةَ الجامع بالجبل ، وتُوفِّي سنة 689هـ [82].
2- محمّد أبوعبدالله الفقيه ، تُوفِّي سنة 699هـ [83].
3- عبدالله ، والد عزالدِّين أحمد ، الذي أخذ عنه الحافظ الذهبيّ [84].
4- عليّ ، كان رجلاً حسنًا درّس بحلقة الثلاثاء بجامع دِمَشق وبمدرسة جَدِّه أبي عمر ، وأَمّ بالجامع المظفريّ ، قتله التتار سنة 699هـ [85] ، ومن أبنائه:
أ/ الشيخ المفتي عبدالرحمن ، تُوفِّي سنة 765هـ [86].
ب/ أحمد والد الفقيه جمال الدِّين عبدالله خطيبِ الجامع المظفري [87].
المبحث الثالث: الموفَّق
هو شيخ الإسلام عبدالله أبو محمّد موفق الدِّين العلامة المجتهد ، ولد بجمّاعيل في شعبان سنة 541هـ ، وحفظ القرآن وكان عالم أهل الشام في زمانه ، وكان إمام الحنابلة في جامع دِمَشق ، وكان حسن الأخلاق مجاهداً شجاعاً ، وكان يميل في مسائل الاعتقاد إلى طريقة المحدِّثين [88]، ومن مؤلفاته في الفقه "عمدة الفقه"، و"المقنِع"، و"الكافي"، و"المغْني" ، تُوفِّي يوم الفطر سنة 620هـ [89].
وابنه مجد الدِّين عيسى (578-615هـ) كان فقيهاً خطيباً ، خطب مدة بالجامع المظفريّ [90]، رُزق بأحمد وعائشة :
1- أحمد أبو العباس سيف الدِّين الحافظ ، يروي عن جدِّه الموفَّق ، وقد انتفع الحافظ الذهبيّ كثيراً بتعاليقه ، تُوفِّي سنة 643 هـ ، وكان ثقةً حافظاً ذكياً متيقظاً مليح الخطّ عارفاً بهذا الشأن عاملاً بالأثر صاحب عبادة وإنابة ، تامّ المروءة أمّاراً بالمعروف[91]، ومن أحفاده عبدالله بن محمّد ، مات سنة 803 هـ[92].
2- عائشة (611-697هـ) الشيخة الصالحة العابدة المسنِدة ، سمعت من أبيها عيسى ، ومن جدّها الموفَّق [93].
المبحث الرابع : عبدالواحد بن أحمد السعديّ
للموفق وأبي عمر أخت اسمها رقية وتكنى أمّ أحمد ، كانت امرأة صالحة ، تنكر المنكر ، ويخافها الرجال والنساء ، وتفصل بين الناس في القضايا ، وكانت تاريخاً للمقادسة في المواليد والوفيات ، تُوفِّيت في شعبان سنة 621هـ [94]، تزوجها عبدالواحد بن أحمد بن عبدالرحمن بن إسماعيل المقدسيّ السعديّ ، وهو من بيت علمٍ وفضل - فابنُ أخيه عبدالرحمنُ بن إبراهيم بن عبدالرحمن بن إسماعيل بهاء الدِّين أبومحمّد ، لازم الموفَّق وتفقه به ، وهو صاحب"العدة في شرح العمدة" ، وكان متواضعاً حسن الخُلُق ، وأقبل على طلب الحديث ، وكتب فيه الكثير ، وسُمع عليه "فضائل القرآن" للفريابيّ [95] ، وأقام يؤمّ بنابلس بعد فتوح صلاح الدِّين سنين كثيرة ، وانتفع به خلق كثير ، وتُوفِّي سنة 624هـ [96] - ، وقد رُزق عبدالواحد بن أحمد بن عبدالرحمن بن إسماعيل المقدسيّ السعديّ ابنة عالمةً هي آسية أمّ أحمد (577-640هـ) كانت ديّنة خيّرة كثيرة الصيام والصلاة، محافظة على قيام الليل ، حافظة لكتاب الله ، وكانت تلقِّن النساء القرآن الكريم [97].
كما رُزق ثلاثة أبناء علماء :
1- أحمد شمس الدِّين ، العلامة الأصوليّ المعروف بالبُخَاريّ لتفقهه وتحصيله العلوم ببخارى ، وكان ذكياً فصيحاً من أوعية العلم ، تُوفِّي سنة 623هـ [98]، وابنه فخرالدِّين عليّ مسند الدنيا (595-690هـ) "وناهيك بمن يقول في حقه شيخ الإسلام ابن تيمية :" ينثلج صدري إذا أدخلت ابن البُخَاريّ بيني وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث" [99]، وهو آخر من كان بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمانية رجال ثقات بالسماع المتصل ، وحصل الفخر لمن أخذ عن أصحاب الفخر [100] ، روى كثيراً ، وألحق الأحفاد بالأجداد ، ونزل الناس بموته درجة [101].