فلسطين التاريخ / الواقع والمأمول
من شبهات اليهود وأباطيلهم-أن فلسطين والقدس كانت أرضاً بلا شعب
من شبهات اليهود وأباطيلهم-أن فلسطين والقدس كانت أرضاً بلا شعب
عيسى القدومي
18-3-2013
من شبهات اليهود وأباطيلهم-أن فلسطين والقدس كانت أرضاً بلا شعب
هذه الاستراتيجية ما زال اليهود يعملون في إطارها من تهجير وقتل وتشريد، وما زالت الدعاية اليهودية تنكر الوجود الفلسطيني
الصهيونية تجلت نزعتها العنصرية الإبادية الشرسة التي تعمل على إبادة الشعب الفلسطيني الموجود على أرضه، وإبداله بشتات اليهود بالهجرة الاستعمارية
فلسطين أرض يقطنها شعب مسلم، أثبتت أجياله المتعاقبة إلى الآن أنهم لم يفرطوا في أرضهم، ولن يتنازلوا عن حقوقهم، وما زالوا يضحون من أجلها
في أواخر سنوات القرن الميلادي التاسع عشر روج الصهاينة الأوائل في أوروبا لفكرة أن فلسطين العربية هي أرض بلا شعب، ينبغي أن تؤول ملكيتها لشعب بلا أرض وهم اليهود، وأشاع الصهاينة -أيضاً- أن فلسطين مجرد أرض صحراوية غير مأهولة، ومن يرد أرضاً من اليهود فما عليه إلا أن يأتي إلى فلسطين ويأخذ ما يشاء من الأرض.
تلك المقولة قالها علناً (حاييم وايزمان)(1) في خطاب ألقاه أمام اجتماع صهيوني عقد في باريس؛ حيث قال: «هناك بلد اسمه: فلسطين، وهو دون شعب، ومن ناحية أخرى هناك الشعب اليهودي، وهو دون بلاد، إذاً فمن الضرورة وضع الجوهرة في الخاتم، أي: جمع الشعب اليهودي في الأرض»(2).
ومن تصريحات (غولدا مائير)(3): «ليس هناك من شعب فلسطيني.. وليس الأمر كما لو أننا جئنا لنطردهم من ديارهم والاستيلاء على بلادهم، إنهم لا وجود لهم»(4).
فتلك المقولة تعني أن هناك أرضا بلا شعب، سينتقل إليها اليهود ليتم إبادة شعبها أو طردهم، وهذه الاستراتيجية ما زال اليهود يعملون في إطارها من تهجير وقتل وتشريد، وما زالت الدعاية اليهودية تنكر الوجود الفلسطيني، وتتصرف وكأن الشعب الفلسطيني لم يكن موجوداً أصلاً!
لذا تُعد مقولة: «أرض بلا شعب لشعب بلا أرض» من القواعد الأساسية التي اعتمدت عليها الحركة الصهيونية لإقناع اليهود بالهجرة إلى فلسطين، أي: إلى الأرض الخالية التي لا يسكنها أحد، ويوحي هذا الشعار بأن فلسطين بقيت خالية من السكان منذ أن طرد اليهود منها على يد الرومان قبل ألفي عام تقريباً؛ ولذلك فإن من حقهم العودة إليها والاستيطان فيها وتعميرها بصفتها غير مأهولة، فأشاعوا أن أرض فلسطين خالية خربة، تنتظر عودة اليهود إليها!
وللرد على تلك الأكذوبة سأسرد ما شهد به اليهود أنفسهم، وردود أخرى:
1- عندما علم (ماكس نوردو) -وهو من الصهاينة الأوائل، وصديق (زانغويل) صاحب القول المشهور: «أرض بلا شعب لشعب بلا أرض»- بأنه كان هناك شعب عربي أصلي في فلسطين قال: «لم أعلم ذلك! إننا نقترف عملاً من أعمال الظلم!!»(5).
ويذهب الباحث (جون كويغلي) في دحض تلك الأكذوبة إلى قول الآتي: «إن السكان العرب في فلسطين كانوا شعباً مستقرّاً منذ مئات السنين»(6)، وحول ذلك تحدث (أفرام بوزرغ)(7) في الذكرى المئوية للصهيونية، عام (1997) فقال: «إن الصهيونية كانت على خطأ، وانساقت وراء فكرة مضللة حين تحدث الصهاينة عن شعب بلا أرض جاؤوا إلى أرض بلا شعب؛ لأن الأرض لم تكن خالية، وقد نجم عن هذا الخطأ بعض المظاهر السلبية»(8).
2- ولمحاولة إثبات أنها أرض بلا شعب سعى المستشرق اليهودي (تسفي البيلغ)
-من مركز ديان للأبحاث بجامعة تل أبيب- إلى تجريد الثورة الفلسطينية الكبرى من هويتها الإسلامية والوطنية والعربية، في كتابه: «حوادث 1936-1939م»؛ حيث أطلق على ثورة (1936م) وما تبعها من أحداث ومقاومة مسمى: (حوادث)، وذلك للتقليل من أهمية ارتباط أهل فلسطين بوطنهم، ومن دفاعهم عن وجودهم ومصيرهم في مواجهة التحالف الصهيوني البريطاني أيام الانتداب.
ويفسر دافع هذا الإنكار والتغييب للشعب الفلسطيني من قبل الباحثين اليهود البروفيسور (يرمياهو يوفال) -رئيس قسم الفلسفة في الجامعة العبرية- بقوله: «إن القول: إنه لا يوجد فلسطينيون، يعني أنه على الرغم من وجود هؤلاء فيجب اعتبارهم وكأنهم غير موجودين، والنظر إليهم على أنهم ليسوا من البشر، وحرمانهم من حقوقهم بوصفهم جماعة»(9).
3- عند صدور وعد بلفور في عام (1917م) كان العرب يشكلون الغالبية العظمى، على الرغم من الهجرات اليهودية التي توالت على أرض فلسطين من يهود العالم، وتقدر الإحصاءات اليهودية عدد اليهود في فلسطين عام (1800 م) بـ (10.000) يهودي(10)، وخلال موجات الهجرة اليهودية الحديثة إلى فلسطين جلبت معها عبر (112) عاماً، أي: حتى نهاية سنة (1993م) نحو (2.9) مليون يهودي(11)، وارتفع عدد اليهود في فلسطين ليصل إلى (4.420.000) في إحصائية (1995م)(12).
(بني موريس) -وهو أحد أبرز المؤرخين اليهود- يقول: «نحن الإسرائيليين كنا طيبين، لكننا قمنا بأفعال مشينة وبشعة كبيرة، كنا أبرياء لكننا نشرنا الكثير من الأكاذيب وأنصاف الحقائق التي أقنعنا أنفسنا وأقنعنا العالم بها، نحن الذين ولدنا لاحقاً بعد إنشاء الدولة عرفنا كل الحقائق الآن، بعد أن عرض علينا زعماؤنا الجوانب الإيجابية فقط من تاريخ (إسرائيل)، لكن للأسف كان ثمة فصول سوداء لم نسمع شيئاً عنها، لقد كذبوا علينا عندما قالوا: «أرض بلا شعب لشعب بلا أرض»، لقد حان وقت معرفة الحقيقة كل الحقيقة، وهذه مهمة ملقاة على عاتقنا نحن المؤرخين الجدد».
4- ويدحض تلك الأكذوبة (بول فندلي) - العضو السابق في الكونجرس الأميركي- في كتابه: «الخداع»: «إنه لم يكن (قبل وعد بلفور) في فلسطين شعب فقط، بل مجتمع فلسطيني ثابت الأركان له خصائصه الفريدة، كان فيها مفكرون محترمون، وطبقات مهنية، ومنظمات سياسية، واقتصاد زراعي عميق الجذور، آخذ في التوسع نحو بدايات بسيطة للصناعات الحديثة»(13).
5- ظهرت عبارة التفافية وتحايلية على الشعار القديم: «أرض بلا شعب لشعب بلا أرض»، فأرادوا فرض الشعار القديم على الواقع؛ فأبدلوه بشعار: «الحقوق المطلقة للشعب اليهودي»؛ حيث إن الشعار القديم قد اختفى تماماً من الخطاب الصهيوني، وحل محلها صيغ لشعارات أكثر صقلاً وتركيباً، وتعني: أن الحقوق للشعب الفلسطيني على أرضه وخارجها نسبية يمكن تهميشها بل في نهاية الأمر إلغاؤها.
وهذه العبارة: «الحقوق المطلقة للشعب اليهودي» دارجة في الخطاب الصهيوني، وتلك الشعارات تكشف بجلاء الأهداف الحقيقية لليهودية العالمية والصهيونية، وتبين نزعتها العنصرية الإبادية الشرسة التي تعمل على إبادة الشعب الفلسطيني الموجود على أرضه، وإبداله بشتات اليهود بالهجرة الاستعمارية، وإقامة المستعمرات والقلاع العسكرية بقوة السلاح، ويطلق العنان للمستعمرين بالدفاع والاعتداء على من حوله من أهل فلسطين دون عقاب يذكر.
ومن هذا المنطلق: «الحقوق المطلقة للشعب اليهودي» اتسمت سلوكيات وممارسات الكيان اليهودي ومؤسساته العسكرية، وما يطلق عليها بالمدنية تعمل على أن ما يحق لليهود لا يحق لغيرهم(14).
6- الذي يدركه اليهود تماماً هو: أن فلسطين ليست «أرضاً بلا شعب» كما زعمت دعايتهم! وأن الفلسطينيين ليسوا مجرد شعب، ومقاومتهم للاحتلال وما نشاهده عبر شاشات التلفزة تذكر اليهود بأن كيانهم على أرض فلسطين يستند إلى أكذوبة تاريخية، وجهاد أهلها يحطم مقولتهم وخرافتهم، فبعد أكثر من نصف قرن من الاستعمار والاغتصاب والقتل والتشريد فإن هذا الشعب يقاوم ويعمل على نيل حقوقه، والحفاظ على مقدساته ودينه وتاريخه وثقافته.
وحول هذا عبر وزير الخارجية للكيان اليهودي الأسبق (شلومو بن عامي) معلقاً على الأحداث التي تبعت اقتحام شارون للمسجد الأقصى المبارك: «إن الفلسطينيين قد أثبتوا أنهم مقاتلون أشداء لا يمكن الاستخفاف بهم مطلقاً»، ويضيف (بن عامي): «لقد علمنا ما كان يجب أن نعلمه منذ زمن أن تصميم الشعب الفلسطيني على رفض العيش تحت الاحتلال سيدفع أبناءه إلى الاستبسال من أجل التخلص من واقع بائس، من الطبيعي أن يسعوا للتخلص منه»(15).
7- لا شك أن «إسرائيل لا تزال تخاف الرواية الفلسطينية»، تلك ليست عباراتنا، بل هي عنوان مقال للكاتب اليهودي (جدعون ليفي) في صحيفة «هآرتس» العبرية(16)، ذكر فيه أن «شعبا بلا أرض أتى أرضاً بلا شعب»، وبعد أكثر من (100) سنة من الصهيونية، وأكثر من (60) سنة من وجود الدولة لا تزال إسرائيل تحتاج إلى الإخفاء والتنكر والطمس على الحقائق والتغطية عليها؛ من أجل تسويغ وجودها، لا يوجد برهان أكبر من ذلك على عدم ثقتها بعدلها.
ويرى (جدعون ليفي) أن دولة غطت بخراج «الكيرن كيميت»(17)، (416) قرية ضائعة، وجدت في البلاد منذ مئات السنين، ولا تترك علامة تدل عليها، ولا حتى لافتة، يجب في آخر الأمر أن تعطي لمواطنيها التاريخ كله لا فصولاً مختارة فقط منه».
ويؤكد الكاتب أن الحل لهذا التزوير بعد أن يستجمع -الكيان اليهودي- الشجاعة: «أن تقترح خطة تراث حقيقية -الحقيقة الكاملة- لا محو فصول تاريخية كاملة، ولا سحق تراث أبناء البلاد من العرب القدماء، الضاربة جذورهم فيها أكثر من أكثر مواطنيها اليهود.
وصدق (جدعون ليفي) حين تساءل: إذا كان كل شيء عدلاً في العام (1948م)، فلماذا نخفي ونهمل الحقائق؟ أيستطيع تراث دعائي أن يغير وجه التاريخ؟ وإذا كان الماضي مشكلاً إلى هذا الحد، فربما ندعه إلى أن نستجمع الشجاعة لروايته كاملاً؟!
8- الحقيقة التي لا جدال فيها أن «فلسطين أرض بها شعب» حقيقة أكدتها الأيام ووثقتها الأحداث، فهو شعب له دينه وتاريخه ومقدساته، وله ثقافته وعاداته وتقاليده ولهجته وطبائعه، وارتباطه بأرضه الأرض المباركة شاهدة على وجوده، والشمس -كما يقولون- لا يمكن أن تحجبها بغربال!
وأثبتت فلسطين وأهلها -التي ظنها اليهود «أرضاً بلا شعب»- منذ بدأت بذور المشروع اليهودي تزرع في الأرض المباركة على يد «الاستعمار» البريطاني، أنها أرض شوكية وعرة، يقطنها شعب مسلم، أثبتت أجياله المتعاقبة إلى الآن أنهم لم يفرطوا في أرضهم، ولن يتنازلوا عن حقوقهم، وما زالوا يضحون من أجلها.
الهوامش:
1- حاييم وايزمان: أول رئيس للكيان اليهودي، ويعد أشهر الشخصيات الصهيونية بعد هرتزل، وقد لعب الدور الأهم في استصدار وعد بلفور الشهير عام (1917)، وكان رئيساً للمنظمة الصهيونية العالمية منذ عام (1920) حتى عام (1946)، ثم انتخب أول رئيس لدولة إسرائيل عام (1949).
في عام (1920) انتخب المؤتمر الصهيوني الذي عقد في لندن آنذاك حاييم وايزمان رئيساً للمنظمة الصهيونية العالمية، وظل يشغل هذا المنصب حتى عام (1946).
اختير وايزمان عام (1948) رئيساً للمجلس الرئاسي المؤقت، وفي عام (1949) انتخب أول رئيس للدولة الإسرائيلية. انظر كتاب: «كيف يفكر زعماء الصهيونية؟»، أمين هويدي، دار المعارف بمصر، (ص51-80).
2- «الفكرة الصهيونية.. النصوص الأساسية»، حاييم وايزمان، ترجمة وتحقيق لطفي العابد، وموسى عنز.
3- غولدا مائير (3 مايو 1898/8 ديسمبر 1978م): رابع رئيس وزراء للحكومة الإسرائيلية بين (17 مارس 1969 حتى 1974م)، توفيت في (8 ديسمبر 1978م)، ودفنت في مدينة القدس.
4- تصريح لـ «الصندي تايمز» (15 حزيران 1969).
5- «الخداع»، بول فندلي -العضو السابق في الكونغرس الأمريكي. (ص25).
6- المرجع السابق، (ص 26).
7- أفرام بورغ: رئيس سابق للكنيست الإسرائيلي.
8- «الخداع على صفحات مقدسة» (ص143).
9- «الاستشراق وأبحاث الصراع لدى إسرائيل»، إبراهيم عبد الكريم، (ص223).
10- «موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية»، عبد الوهاب المسيري، (2/216).
11- «دليل إسرائيل العام»، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، (ص40).
12- المسح الديموجرافي وتقارير الجماعات اليهودية إلى المؤتمر اليهودي العالمي.
13- «الخداع»، بول فندلي، ترجمة د. محمود زايد، (ص26).
14- انظر للاستزادة: «موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية»، د. عبد الوهاب المسيري، (7/ 305) و(6/21).
15- «موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية»، د. عبد الوهاب المسيري، (7/348).
16- صحيفة «هآرتس» العبرية، في (28/2/2010م)، وانظر: صحيفة «الدستور» الأردنية، بتاريخ (15/5/2011).
17- دائرة أراضي إسرائيل.