فلسطين التاريخ / الانتفاضة والأسرى والمعتقلين
تعرضت للتحقيق والشبح القاسي وفقدت 15 كغم من وزني خلال التحقيق.
النائب الفلسطينية المحررة مريم صالح: تعرضت للتحقيق والشبح القاسي وفقدت 15 كغم من وزني خلال التحقيق
فلسطين الآن 22/6/2008م / إلى الشمال من مدينة البيرة يقع حي الإرسال، حيث منزل أول وزيرة فلسطينية وبرلمانية يتم اختطافها والزج بها في سجون الاحتلال الإسرائيلية، المكان كان أشبه بالعرس والاحتفال، أقارب وجيران، أصدقاء وأطفال، كانوا بالانتظار، ساعات المساء اقتربت وبدأت الشمس بالأفول، وبعد طول انتظار وصلت السيارة البيضاء تزف خبر الحرية لتصل النائب الأسيرة المحررة د.مريم صالح، لنستقبلها وتستقبلنا بالهمة العالية والعزيمة القوية التي يخرج بها الأبطال من سجون الاحتلال.
لم أدمع على فراق الأبناء لحظة الاعتقال، لكن الدموع انهمرت على فراق الأسيرات اللاتي يعانين في سجون القهر الإسرائيلي لحظة الإفراج، بهذه الكلمات عبرت النائب صالح لدى لقائها مع صحيفة فلسطين المحلية.
وبينت أن الأسيرات ينتظرن بفارغ الصبر صفقة تبادل الأسرى، ويطالبن بترجمة الحوار الداخلي، واعتبرت أن الشرعيات الفلسطينية الثلاث هي المعتمدة في الشأن الفلسطيني.
قرار مفاجئ
وعن توقيت الإفراج عنها، تقول د.صالح:" لم أكن أعلم أن هذا اليوم هو يوم حريتي وخلاصي من القيد، إلا لحظة الإفراج، حيث كان هناك تخوف من تجديد الاعتقال الإداري، والحمد لله الذي من علي بالفرج".
وعبرت النائب المحررة عن مشاعرها بعد تنسم عبير الحرية، وآثار الإعياء كانت واضحة على وجهها وصوتها، حيث قالت: "إن المشاعر مختلطة بين الفرح للقاء الأهل والأحبة والتحرر من قيد الأسر، وبين مشاعر حزن وألم، لفراق خنساوات وأسيرات من صفوة هذا الشعب، تركتهن خلف القضبان، يتذوقن المرارة والعذاب".
وأضافت: "شيء مؤلم كان بالنسبة لي أن اترك الأخوات في غرف العذاب والقهر اليومي"، متابعة قولها: "لم أدمع على فراق الأبناء لحظة الاعتقال ليلة 12/11/2007، لكن بكيت كثيراً وانهمرت الدموع على فراق الأسيرات لحظة الإفراج".
حرمان وعذاب
وعن وضع الأسيرات الفلسطينيات داخل المعتقلات والسجون الإسرائيلية، تحدثت الدكتورة مريم قائلة:" إن الأسيرات يعشن ظروفا غاية في الصعوبة، لا أستطيع أن أصفها أو أعبر عنها من خلال كلمات قلائل، مشيرة إلى أن الإنسان إذا احتجز في قصر من ذهب، وحرم من الحرية، سيبقى في ظلم وقهر، فكيف لأسيرة امرأة توضع في سجن من سجون الاحتلال الإسرائيلية يفتقد إلى الحد الأدنى من مقومات العيش".
وتابعت وصفها لظروف اعتقال الفلسطينيات في سجون الاحتلال قائلة: "إن الأسيرة تحرم من زيارة الأهل، وعند الولادة تضع طفلها مقيدة بالأصفاد، وإن مرضت لا تجد الدواء، وإن شعرت بالجوع لا تجد في جعبتها ما يكفي لشراء غرض من كانتينا مرتفعة الثمن"، وختمت تقول:"السجن باختصار ليس فندق 5 نجوم، يكفي الحرمان من الحرية".
الحوار
وعن متابعة الأسيرات للشأن الفلسطيني الداخلي، أكدت صالح أن الأسيرات الفلسطينيات يتابعن باستمرار الأخبار الفلسطينية اليومية، وأنهن شعرن بسعادة غامرة للقلب بخبر المبادرات الإعلامية الداعية إلى الحوار، والتحركات العربية والفصائلية لإنجاحه وإعادة اللحمة الوطنية، منوهة إلى أن الأسير يحتاج دائما إلى رفع المعنويات، وأن حالة الانقسام والتشرذم أثرت بشكل كبير على نفسية الأسيرات ومعنوياتهن. وقالت: " قوة الشعب الفلسطيني تكمن في وحدته، والوحدة هي بارقة الأمل في تحرير آلاف الأسرى الفلسطينيين، من خلال برامج وطنية مقاومة متفق عليها، واستراتيجية مقاومة موحدة لكل فصائل النضال الوطني".
صفقة التبادل
كما ذكرت النائب أن الأسيرات يتابعن موضوع الحوار الداخلي، بلا شك يتابعن بلهف الحديث الدائر حول صفقات التبادل، مؤكدة في الوقت ذاته أن الأسيرات وضعن أملهن بعد الله على صفقة التبادل وينتظرن بفارغ الصبر تحقيق الصفقة، كونهن من المشمولات في صفقة تبادل جلعاد شاليط في حال تم الاتفاق عليها. كما أضافت صالح أن الأسيرات يأملن أن يكون لهن حصة ونصيب من صفقة تبادل مع حزب الله اللبناني الذي يأسر جنودا إسرائيليين.
تجربة حياة
وفي حديثها عن تجربة السجن والسجان قالت: "إنه من المؤسف أن يدخل الإنسان السجن ويخرج من دون فائدة أو علم اكتسبه"، معتبرة أن الاعتقال كان تجربة جديدة في حياتها أضافت الكثير. وأشارت إلى أن الأسرى الفلسطينيين يخرجون من قلاع الأسر قادة وكوادر نضال، أصحاب عقول وثقافة، فمنهم من يحفظ القرآن الكريم عن ظهر غيب، وآخر ينهي دراسته الجامعية ويحصل على الشهادات العليا، صلته بالله تزيد، وتفكيره يتغير نحو الإيجاب من خلال برامج يضعها الأسرى لأنفسهم للاستفادة من الوقت.
ونوهت النائب مريم إلى أن الاحتلال يعتقد باعتقاله للفلسطينيين والزج بهم في السجون، أنه يعمل على كسر شوكتهم وتخريج أسرى جبناء لا يفكرون بهم القضية، "لكن الواقع أثبت عكس ذلك تماما، حيث ثبت أن الأسير الفلسطيني المحرر يخرج من سجنه إنسانا آخر أكثر صلابة وهمة وإرادة، مصمماً على مواصلة الكفاح والنضال".
ذكريات الاعتقال
وتعود "فلسطين" بالنائب المحررة إلى بداية المحنة ويوم الاعتقال الذي تقول عنه:" أحاط الجيش بمنزلي وأيقظني ابني بشكل مفاجئ لإخباري بوجود جنود الاحتلال، وانتشر الجيش في زوايا المنزل، وكان الجو ماطرا، أخرجوني من البيت ومكثت داخل مركبة عسكرية مصفحة عدة ساعات، وبعد ذلك اقتادوني إلى مركز تحقيق المسكوبية، ووضعوني في زنزانة انفرادية بعيدة عن باقي الزنازين، حيث كانت زنزانة داخل زنزانة".
وتتابع: "خضعت لتحقيق مع شبح من التاسعة صباحا حتى الخامسة صباحا مدة شهر، ونقص وزني في التحقيق 15 كغم وكان التحقيق يدور حول مواضيع الانتخابات وعلاقتي بحركة حماس، وأموال الحملة الانتخابية، وتمويل جمعيات خيرية مثل جمعية الهدى، والعمل على تأسيس جمعيات خيرية أخرى، وعلاقتي مع بعض رجال حماس وبعض الأسرى ".
واستطردت: "كان ضباط المخابرات يهددوني، واستخدموا أسلوب العصافير لانتزاع اعتراف مني أثناء نقلي إلى سجن الرملة، من خلال إرسال أسرى وأسيرات عملاء "عصافير" ينتحلون صفة الأسرى الشرفاء، بدعوى أن لديهم رسائل لها من الحركة ومن بعض الأسرى".
وتضيف صالح بصوتها المبحوح: "كانت الزنزانة بالنسبة لي خلوة مع الله، وبعدها نقلت إلى سجن هشارون حيث سجن النساء" .
هنية والرئيس
وتتحدث النائب المحررة عن تفاعل المؤسسات الرسمية والفعاليات معها بعد إطلاق سراحها قائلة:" عند خروجي من السجن اتصل بي دولة الأخ إسماعيل هنية رئيس الوزراء مع أبنائي وهم على الحاجز، وأصر على أن يكون هو الشخص الأول الذي يتحدث معي بعد الحرية، وكان له ما أراد، وهنأني وأنا كنت موجودة على الحاجز العسكري، وابلغني أن هم حكومته والحركة الإفراج عن الأسيرات والأسرى، وأن ما تحملته حكومته وأهل غزة من حصار كان في سبيل تحقيق الحرية للأسيرات والأسرى".
واستدركت:" أما الرئيس الفلسطيني محمود عباس فلم يتصل بي حتى اللحظة، ولا أي شخص من مستشاريه، وكان الاتصال من قبل بعض الزملاء في المجلس التشريعي من حركة فتح".
وأشارت صالح أنها ستتوجه في زيارة الرئيس أبو مازن باعتباره الرئيس المنتخب لنقل مطالب الأسيرات الفلسطينيات.
ودعت النائب صالح الشعب الفلسطيني إلى التمسك بثوابته وحقوقه وعدم التنازل عنها، وقالت: "والسنوات من عمرنا لا تساوي شيئا من عمر التاريخ، والشعب الفلسطيني سينتصر وينتزع حقه من المحتلين، والمرأة الفلسطينية امرأة صابرة ومجاهدة ، فهي الأم والزوجة والشقيقة" .
كما حرصت على التذكير برسالة الأسيرات قائلة: "إنها أمانة في أعناق الجميع، حملتها معها من داخل السجن، تناشد بها المجتمع الفلسطيني والدولي والعربي، والسلطة الوطنية والفصائل الفلسطينية، إلى جانب الحكومة والرئاسة، ترك الخلافات والمسارعة إلى الحوار وتشكيل حكومة وحدة وطنية بإجماع فلسطيني، وايلاء الاهتمام الكافي والمناسب لملف الأسرى والعمل على تحريرهم".