فلسطين التاريخ / الواقع والمأمول
فتنة الحرب الأهلية .. بعد الحصار والتجويع.
لا شك أن الوضع الحالي في فلسطين بهذه الصورة هو أمنية وحلم يهودي طالما عملوا من أجله ... حصار وتجويع ... قتل وتصفية ... تهويد وتدنيس للمقدسات ... تجاوز لكل الاتفاقات المبرمة والمعاهدات الدولية ... تحالف دولي لقطع جميع التحويلات حتى ولو كانت لمسح دمعة أرملة وكسوة يتيم وإغاثة لمسكين لا يجد قطعة خبز !!
وصراع داخلي بين الحكومة والرئاسة، قيادة برأسين كل يريد أن يثبت وجوده وينفذ قراراته، وحكومة منتخبة فرضت عليها وزارات بهياكل فارعة من أي مضمون أو قرار، سلبت كل الإمكانات للإصلاح والتغير ...
وشعب يستجدي "الكيلو من الطحين" لترجع بنا الذاكرة إلى المساعدات والإغاثات الدولية التي أعقبت نكبة فلسطين وتشريد اللاجئين ووقوفهم أمام توزيع الحصص الغذائية في مشهد بقى في الذاكرة، ليعاد لنا المشهد من جديد بعد 58 عاماً من الذل والهوان، عقاباً لا للحكومة الجديدة بل للشعب الذي ضل السبيل بانتخابه ممثلين له على غير شاكلة من تهواهم أمريكا والاحتلال اليهودي وبعض دول الجوار!!
ومع ذلك فالمشهد الأخطر هو تسارع الأحداث لمحاولة إشعال نار الحرب الأهلية من خلال دفع بعض المأجورين ممن لا دين لهم ولا إحساس لإثارة الفتنة بين أبناء الشعب الواحد من منتسبي الحركات كفتح وحماس، يقف وراءها فئات كانت وما زالت غير معنية بالدم الفلسطيني، وهم من لن يرضيه إلا أن يغرق الفلسطينيون بدمائهم!!
وهذا الوضع لم يأت من فراغ فعشرات المراكز اليهودية والمؤسسات الممولة صهيونياً تقوم بجهود مكثفة لجعل الوضع على ما نراه الآن من زرع بذور الشقاق بين أبناء الشعب الواحد، والتأثير في مسار الأحداث بحيث يخرج الكيان اليهودي من كل حدث منتصراً أو على الأقل بأقل قـدر من الخسائر، ومن يطلع على المذكرة التي أصدرها مركز سابان المعني بالسياسة في المنطقة والذي يترأسه "مارتن إنديك" السفير الأمريكي السابق في "الكيان اليهودي" والتوصيات الملحقة في المذكرة التي قدمت للرئيس الأمريكي ورئيس الوزراء اليهودي خلال اجتماعهم في الولايات المتحدة، يلحظ من غير عناء الدور الذي تلعبه تلك المراكز والمؤسسات في المنطقة .
لنعلم أنه لا مفر أمام الشعب الفلسطيني من أن يوحد صفوفه ويتمسك بثوابته الشرعية ويدافع عنها، وهذا وحده كفيل بإحباط ما يمكر به الكائدون، فلا بد من المسارعة إلى تحرك جاد ينزع فتيل الأزمة ويضعنا مجدداً على الطريق الصحيح، فالوقت حان لوأد الفتنة ووقف كل مظاهر استعراض العضلات .... فالخاسر الأول والأخير من تلك الأحداث هو الشعب الفلسطيني.
وهذا واجب العقلاءِ وأصحاب القرار في الأراضي المحتلة الذين يُدركون العواقبَ الوخيمة والآثارَ المدمِّرة لسفك الدماء، والتناحر والتباغض، فلا بد من نبذُ الخلاف وتوحيد الرّأي والوقوفُ صفّاً واحداً في مواجهَة الاحتلال والمتغيّرات العالميّة، والثبات على نهجِ الوَحدة القائم على الشريعة الإسلامية؛ الوحدة التي لا يذّل فيها مظلوم، ولا يشقى معها مَحروم، ولا يعبَث في أرضِها باغ، ولا يتلاعب بحقوقِها ظالم. ومن دون ذلك فإن الأوضاع ستبقى في طريق التصعيد والاختلاف وتصب في صالح الاحتلال التي يريد ذلك الاقتتال لأنه يخدم مصالحه ويعزز مواقفه ويفتح الطريق لتنفيذ مخططاته وألاعيبه، فالحوار والالتقاء على الحدود الدنيا من المصالح للشعب الفلسطيني هما الطريق الأسلم.
ولا بد من دور إسلامي وعربي كوسيط يوفق بين الرؤى المختلفة للفصائل والوصول لحد أدنى من الاتفاق عن طريق دول أو لجان منبثقة من الجامعة العربية أو المؤسسات المدنية وغيرها، لأن الاحتلال كان ولا يزال وسيظلّ متوجّهاً إلى محاولة زعزعَة الصفوف والنيل من وحدة الأمة، وبالأخص في بؤرة الصراع " فلسطين"، فالأزمات والأحداثُ تحتاج أوّل ما تحتاج إلى رصّ الصّفّ وصِدق الموقِف والتّلاحم حتّى يفوتَ على الأعداء والعُملاء فرصتُهم في البلبَلة وبثّ الفُرقة وذهاب ريح الأمّة؛ قال تعالى:
والحمد لله رب العالمين ،،،
عيسى القدومي
24/5/2006م