فلسطين التاريخ / منتقى الأخبار

تقرير.. التداوي بالأعشاب أصبح إجباريا بعد انعدام البدائل في قطاع غزة

 

التاريخ: 9/6/1431 الموافق 23-05-2010

 

"عالج كل مريض بأعشاب أرضه" هذا ما قاله أبقراط الطبيب الأول في مجال التداوي بالأعشاب أو ما يسمى بالطب البديل ولكن عندما تحدث بهذا لم يكن يدري أن منطقة في هذا العالم الحر والديمقراطي ستتعرض الى نقص في الأدوية الأساسية فلا علاج لطفل أصيب بشظية في جدار قلبه خلال الحرب الإسرائيلية المجنونة على قطاع غزة، ولا علاج لسيدة أقعدها سرطان الثدي، ولا علاج لشيخ من جرح بقلبه ما زال يكبر بعد أن شهد نكبة عام 48م، ونكسة عام 67م، ومصيبة عام 2009م, فيختار المواطن في غزة أقل الخيارين اللذين لا ثالث لهما مرارة وهما "الموت أو الوفاة".

حصار إسرائيلي سئمنا من التحدث عن آثاره الكارثية التي طالت كافة أشكال ونواحي الحياة في قطاع غزة :الاقتصادية والسياسية والنفسية والمعنوية والطفولية والاجتماعية والوجودية آثار ليست عادية تمحى مع مرور الأيام فقد وصلت الى حد منع دخول الأدوية التي لم يسبق لعدو منعها من الوصول الى أشخاص يصارعون الموت بوجع أكبر من ذاك الألم الذي ينتاب مواطنا استهدف لتوه بصاروخ محرم دوليا استشهد على أثره مباشرة، ذلك المنع الإسرائيلي غير المبرر واللاأخلاقي واللإنساني دفع أهالي قطاع غزة الى الطب البديل، عله يداويهم من مر الحصار، والانقسام الأكثر مرارة.

لا بديل عن البديل

ليس من الخطأ التوجه إلى التداوي بالأعشاب فهو صحي للغاية، ولكن الخطأ أن يكون "البديل لا بديل عنه" نظرا للظلم الواقع على أهالي قطاع غزة بسبب الحصار المطبق، الذي دخل عامه الرابع دون أن تزحزحه قوافل التضامن والنداءات والشعارات، وفي ظل هذا الوضع الأليم كان لابد من وقفة لإيضاح مدى خطورة الوضع الصحي في غزة بعد أن أصاب النقص عشرات الأصناف من الأدوية الضرورية، فالتقينا بعدد من المواطنين والمسؤولين المتأثرين بشكل مباشر من ذلك النقص.

وللاطلاع على مدى الخطورة الصحية التي وصل إليها قطاع غزة نظرا لهذا النقص التقينا بالدكتور معاوية حسنين مدير عام الإسعاف والطوارئ في وزارة الصحة في الحكومة المقالة في غزة، فتحدث عن تدني الخدمات الطبية نظرا لعدم وجود كادر، وتفشي النقص الكامل في القائمة الأساسية للأدوية لدى وزارة الصحة نظرا للحصار الإسرائيلي المستمر منذ قرابة الأربعة أعوام.

وأكد د. حسنين على أن هناك حوالي 96 نوعا أساسيا من الأدوية غير متوفر، إضافة الى نقص 120 مستهلكا طبيا ضروريا, ووجود صعوبات كبيرة في توفير العلاج للأمراض الأساسية والمزمنة نظرا لهذا النقص، ومنها السكري والضغط والقلب والسرطان، كذلك يعاني مرضى الكلى معاناة كبيرة نظرا لعدم وصول محاليل الكلى في الأوقات المناسبة.

وتابع د. حسنين سرد أسماء الأدوية والمستلزمات الطبية الضرورية المنقوصة الى أن وصل للتحدث عن معاناة أكثر من 120 طفلا بحاجة دائمة الى حليب "البيكيو" وفي حال عدم توفره سيصبح هؤلاء الأطفال متخلفين وستتدهور حالتهم الصحية والعقلية بشكل كبير.

وأكد على وجود خطورة على حياة الناس جميعا نظرا لهذا النقص، خصوصا على المصابين بأمراض خطيرة مثل السرطان, فهناك مؤشر يدل على ارتفاع سرطان الأطفال والأمراض الوراثية بعد استخدام إسرائيل للأسلحة المدمرة والمحرمة دوليا مثل الفسفور الأبيض اذ تم تحويل 110 اطفال تقريبا للمستشفيات الإسرائيلية لتلقي العلاج بعد تعرضهم لمخاطر تلك الأسلحة.

وطالب د. حسنين بفتح معبر رفح نظرا لأهميته البالغة في خروج المرضى لتلقي العلاج، شاكرا الحكومة المصرية التي فتحت معبر رفح بشكل استثنائي لمدة ستة أيام متواصلة تمكن خلالها العديد من المواطنين من قضاء حوائجهم في العلاج والخدمات المطلوبة.

العطار الطبيب

اتجهت الى سوق الشيخ رضوان ودخلت أحد محلات العطارة، ولم يشغلني تذوقي لبعض عيدان القرفة عن متابعة الشخص الذي كنت أعتبره مجرد بائع للأعشاب والعطارة، فوجدته طبيبا يصف علاجا لكل وجع ومرض، ولكن علاجه ليس كيماويا بل طبيعيا من خيرات الأرض ، وصف علاجا لبشرة فتاة جاءت تشكو الكلف والنمش وحب الشباب، ووصف العسل الطبيعي لرجل عجوز يشكو الكثير من الألم والخمول، ووصف علاجا طبيعيا لشاب يدركه النسيان لحظة الدراسة.

الدكتور جهاد بخيت العسقلاني مواليد عام 1966، بدأ دراسة طب الأعشاب من عام 1988 حتى عام 1993، الى أن أصبح يمتهن المعالجة بالأعشاب، تلقى خبرته خلال فترة دراسته ومتابعته العلمية على أيدي متخصصين مصريين، وتابع بعد ذلك مع طبيب باكستاني جاء الى قطاع غزة ومكث مع د. بخيت لمدة سنة تزود خلالها بالخبرة, فمن المعروف أن دولة باكستان من الدول الأولى في طب الأعشاب، مثل الهند والصين.

وفي سياق حديثنا مع د. بخيت أشار الى الإقبال الواسع على الأعشاب الطبية والعطارة نظرا لانقطاع العديد من أصناف الأدوية، كذلك بسبب زيادة الوعي لدى المجتمع الفلسطيني حول أهمية التداوي بالأعشاب كونها أكثر أمنا على جسم الإنسان من المواد الكيماوية والآثار الجانبية الخطيرة التي تسببها أصناف الأدوية، وتابع الحديث عن رحلته العلمية والعملية، حيث قام عام 1990 بممارسة المهنة عمليا من خلال تشخيص بعض المشاكل الواردة بشكل مكثف مثل مشاكل تساقط الشعر والبشرة الى أن تمكن من مهنته عام 1993، فأصبح مطلعا على الفحوصات المخبرية.

وأشار الى أن مراكز العطارة مرتاحة جدا من إقبال الجمهور المتحمس بسبب استقباله المعلومة وتعاطيه العلاج بشكل سليم ومفيد، فيدخل الشخص المركز ويأخذ وصفته العلاجية بشكل مطبق علميا وعمليا، لافتا الى ضرورة أن يحصل العاملين في مجال التداوي بالأعشاب على الخبرة والشهادات المختصة بهذا الجانب، لأن التعاطي مع الأعشاب ليس أمرا سهلا فلكل عشبة الكثير من الاستخدامات، وهناك أعشاب خطرة قد تؤدي الى التسمم في حال التشخيص الخاطئ.

وأضاف: المجتمع أصبح واعيا ومدركا لأهمية التداوي بالأعشاب بعد تطرق وسائل الإعلام المختلفة الى فوائده وقلة مخاطره والناس بدأت تلمس بشكل ملحوظ المرود السلبي من العلاج الكيميائي على صحتهم، لا يوجد علاج كيميائي بدون سلبيات، مما جعل الناس تتجه الى الأعشاب .

وأكد على أن اتجاه الناس للتداوي بالأعشاب سبق الحصار الإسرائيلي على قطاع غزة، ولكن هذا الاتجاه زاد كثيرا نظرا لانقطاع الكثير من أصناف الأدوية لافتا الى أن الفرق الوحيد بين الأدوية والأعشاب هو سرعة العلاج فقط فالأعشاب لها قدرة على العلاج خلال فترة أطول من الأدوية ولكن فائدة الأعشاب تكمن في مردوداتها الآمنة قياسا مع الأعراض الجانبية للأدوية الكيميائية.

وشدد على اعتقاد الكثير من أفراد المجتمع بعدم قدرة الأعشاب على علاج الأمراض الخطيرة والمزمنة، ولكنه أظهر وجود كبسولات مصنعة من أعشاب طبيعية تصل الى ما يزيد عن 150 كبسولة تعالج مختلف الأمراض بالعشب الطبيعي، وذكر بعض الحالات المرضية التي يئس الأطباء من علاجها عن طريق الأدوية ولكن طب الأعشاب البديل نجح في علاجها وإنهاء معاناتها .

وتابع د. بخيت ذكر الأمراض المزمنة والتي يمكن علاجها بالأعشاب مثل :زيادة النشاط الجنسي، البروستاتا، تقرحات المعدة، البهاق، البرص .

وذكر موقفا حدث معه خلال عمله في مركز التداوي بالأعشاب حيث جاء مجموعة رجال ومعهم شخص "على حمالة" لعدم استطاعته المشي أو التحرك لأنه يعاني من أربع فقرات في الغضروف والرقبة، فقام بمعالجته بالأقراص العشبية الهندية التي كانت تعالج الروماتيزم، الروماتويد، النقرص، والغضروف، فتماثل الرجل للشفاء وأصبح يمارس عمله بدون أي ألم ومشاكل.

وأكد على أن نسبة نجاح التداوي بالأعشاب تتراوح ما بين 85- 90%، فعندما يأتي الشخص الى زيارة مراكز العطارة يكون منهكا من الأدوية الكيميائية دون جدوى، ولكنه يستفيد بعد أن يتلقى الطب البديل، وشدد على ضرورة أن يتم اعتباره الطب الأساسي نظرا لنجاعته في إنهاء معظم الأمراض باستثناء الأمور الجراحية.

ونصح د. بخيت الجمهور الذي يتعاطى الأدوية الكيميائية بتجنب تلك الأدوية لأنها "سموم خفيفة" بسبب الأضرار الجانبية التي تصيب من يتعاطاها، لافتا الى ضرورة الاتجاه الى الأعشاب والتداوي بها وذلك لنفعها وقلة آثارها الجانبية الخطيرة على الجسم.

والتقينا على باب المركز بالعديد من المواطنين الذين جاءوا للتداوي بالأعشاب فمنهم من اقتنع بأهميته، ومنهم من جاء مكرها بعد أن نفذ الدواء الخاص به من الصيدليات والمستشفيات، المواطنة ام محمد الغرابلي أشارت الى أنها جاءت لكي تحصل على أعشاب خاصة لعلاج ابنتها من حصوة في الكلى فهي لم تترك طبيبا إلا ودقت بابه دون جدوى.

أما خالد الصيرفي فقد جاء لأنه يريد التخلص من القشور التي تظهر على وجهه وعلى ذراعيه، فقد سمع أن الطب البديل يمكنه علاج تلك الظاهرة، وأشار الى عدم اقتناعه بالتداوي بالأعشاب ولكنه قال: سأجرب ولن أخسر شيئا فأنا جربت الكثير من الكريمات باهظة الثمن، وزرت عشرات الصيدليات، أتمنى أن تنتهي مشكلتي عن طريق الأعشاب كما نصحني البعض .

أما المواطنة مها جودة فقد أشارت الى أنها اعتادت على نوع من الأدوية للتخفيف من الآلام التي تصيب أسنانها ولثتها ولكنها فوجئت بانقطاع هذا الدواء عن معظم الصيدليات، فلجأت الى العطارة والطب البديل عله يخفف من ألمها ولو القليل، فقد أقسمت على أنها لا تنام الليل ولا تقدر على أن تلامس أسنانها لبعضهم البعض من شدة الألم.

في ضوء ذلك يجب الإشارة الى أن منع وصول معظم أصناف الأدوية الى قطاع غزة أدى الى تطبيق المقولة المأثورة "رب ضارة نافعة" حيث اتجه الناس للتداوي بالأعشاب المفيدة علهم يجدوا ما يسكن ألمهم ويداوي أمراضهم كذلك ساعدت النشرات التي تقدمها الصحف المقروءة والإذاعات والقنوات على توعية الجمهور بأهمية ذلك الطب البديل، لذلك يجب العمل بشكل مكثف على هذا الجانب وتوعية الجمهور بأهمية الطب الأساسي وليس البديل, ولنطبق أيضا مقولة أبقراط بأن نعالج كل مريض بأعشاب أرضه، وكلنا يعرف أرض فلسطين وما فيها من بركة وكرامات

 

المصدر: القدس 

 

.