دراسات وتوثيقات / فرق ومذاهب

الفرق في فلسطين : الشــيـعـــة.

 

قد يستغرب القارئ الكريم إدراج "الشيعة" ضمن الفرق الموجودة في فلسطين، فأهل فلسطين بحمد الله هم على مذهب السنة، باستثناء قلة منهم دروز، إلاّ أن الغرابة تزول بعض الشيء إذا علمنا أن التشيع قد بدأ يدخل إلى الأراضي الفلسطينية، علاوة على بعض مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان.

 

والتشيع وإن كان لا يشكل ـ حتى الآن ـ ظاهرة في فلسطين، إلاّ أن "الأعداد الفردية" التي تشيعت بحاجة للوقوف إزاءها، وتوعية المسلمين في فلسطين وخارجها بهذا الخطر المحدق.

 

ثمة أسباب أدت إلى تسرب التشيع إلى فلسطين أبرزها:

 

1ـ التواصل الذي كان موجوداً بين قرى شمال فلسطين من جهة ، وقرى جنوب لبنان الشيعية، ونتج عن ذلك دخول بعض قرى جنوب لبنان في حدود فلسطين حين جرى رسم الحدود عام 1927م.

 

2ـ انبهار كثير من الفلسطينيين بتجربة حزب الله الشيعي اللبناني، الأمر الذي جعل بعضهم يتبنى أفكار وعقائد هذا الحزب.

 

3ـ دعم إيران لبعض الأحزاب والفصائل الفلسطينية،وعلى رأسها "حركة الجهاد الإسلامي" مما نتج عنه تشيع عدد من قادتها وأفرادها.

 

 ويرجع تأثر حركة الجهاد الإسلامي بالشيعة إلى بداية تأسيس الحركة، فقد كان د. فتحي الشقاقي رحمه الله، مؤسس الحركة وأول أمين عام لها، من المتأثرين بالشيعة والثورة الإيرانية.

 

ويروي الأمين العام الحالي لحركة الجهاد الإسلامي د. رمضان شلح([1]) أنه عندما اندلعت الثورة الإيرانية في فبراير/ شباط 1979، طلبوا من الدكتور الشقاقي أن يشرح لهم أبعاد حركة الخميني، وأهدافها، لأن المقربين من الشقاقي وأنصاره لم يكونوا ملمين بحقيقة ما جرى، يقول شلح: "في البداية قرر أن يكتب دراسة في حدود عشر صفحات حتى يقرأها الجميع، لكن الفكرة تطورت إلى كتيب يطبع ويوزع في الأسواق"([2]).

 

وقد وصل حماس د. الشقاقي رحمه الله للثورة الإيرانية إلى الحد الذي جعله يقول: "إنها المرة الأولى منذ أكثر من مئة عام يملك فيها الإسلام أرضاً وحكومة وشعباً بمثل هذه الروح الاستشهادية"([3]).

 

وبعض قادة الحركة تبنى التشيع خلال وجوده في "مرج الزهور"، فقد تبين أن جلسات مطولة ومنتظمة كانت تتم بين حزب الله ونشيطين من "الجهاد الإسلامي".

 

وبدأ العمل الشيعي بعد ذلك بشكل سري ومنظم، وكان يتم تدريس التشيع بين أفراد ينتمون إلى حركة الجهاد الإسلامي بسرية تامة، ولم يظهر أي أثر للتشيع حتى بداية انتفاضة الأقصى سنة 2000م، حيث بدأت تطفو على السطح الحركات المسلحة، ومنها "الجهاد الإسلامي"، فانتهزوا الفرصة، وأظهروا التشيع علناً مستغلين حالة الفوضى، وانشغال المسلمين بمقاومة اليهود، واستغلوا عاطفة المسلمين مع كل من يحمل السلاح.

 

 وقاموا بإنشاء عدة مؤسسات، خاصة في محافظة بيت لحم، مثل اتحاد الشباب الإسلامي، وهو عبارة عن جمعية خيرية دعوية أنشأت فيه نادياً للشباب فيه كثير من المغريات لاستقطاب أكبر عدد، كذلك تم إنشاء مستوصف الإحسان الخيري، ومستوصف السبيل، ومركز نقاء الدوحة الجراحي، ومدرسة النقاء ومركز النقاء النسوي. وإضافة إلى فتح دور للقرآن الكريم في المساجد، وتقديم دعم مالي لطلاب الجامعات، واعتماد راتب شهري للمنتسبين إليهم. ومؤخراً قاموا بشراء مبنى في بيت لحم بقيمة 300 ألف دولار.

 

وفي 24/3/2000م نشرت مجلة الوطن العربي مقالاً بعنوان "خطة إيرانية لنشر المذهب الشيعي في أوساط الفلسطينيين"، وهو ـ على حد معرفتنا ـ من أوائل المقالات التي تطرقت إلى قضية الجهود الإيرانية التي تبذل من خلال "حركة الجهاد الإسلامي" لنشر التشيع في الأراضي الفلسطينية، ومخيمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان بمساعدة حزب الله الشيعي اللبناني.

 

وفيما يلي ملخص لما احتواه المقال حول هذه الظاهرة:

 

في بداية عام 2000م، كشفت بعض التقارير الاستخبارية الفلسطينية دلائل عن تزايد مظاهر "التحول الفكري والديني" الذي استشرى بشكل خاص في صفوف حركة الجهاد الإسلامي الفلسطيني، وذلك من خلال ظاهرة "تشيع" لفتت الأنظار بقيام عدد كبير من أعضاء "الجهاد" باعتناق المذهب الشيعي.

 

وأشارت التقارير إلى أن عمليات التشيع لم تحظ بإجماع من قادة الحركة، إذ وصف الرافضون هذه الظاهرة بأنها "ظاهرة مصيرية قد تؤدي في النهاية إلى القضاء على القاعدة الفكرية والدينية التي تستند إليها الحركة منذ انطلاقتها، إضافة إلى انعكاساتها المحتملة، على القاعدة الشعبية في مجتمع متدين ومن مذهب آخر".

 

أما المسؤولون الفلسطينيون وبعض القيادات الإسلامية فقد نبع خوفهم من "مخطط تجذر العلاقة بين (الجهاد) وإيران إلى ارتباطات دينية وفكرية تذهب أبعد من الارتباط المالي أو الدعم السياسي أو العسكري".

 

واعتبر هؤلاء المسؤولون أن تواجد عناصر شيعية على الساحة الفلسطينية سيخدم إيران في جانبين:

 

1ـ سيكون للشيعة موطئ قدم في فلسطين.

 

2ـ أن ولاء هذه العناصر سيكون لإيران أكثر من أي ولاء آخر, مما سيؤدي بهؤلاء لتنفيذ عمليات بأوامر إيرانية ولمصلحتها خلافاً للرغبة والمصالح الفلسطينية.

 

وقد لعب حزب الله دوراً في إنجاح هذه المخطط، عبر انضواء حركة الجهاد الإسلامي تحت لواء الحزب في إطار الجهاد العملياتي الذي يقوده رئيس جهاز العمليات الخاصة في الحزب عماد مغنية، وتم مناقشة تعيين إيران ممثلاً لها في قيادة الحركة، تماماً كما يوجد هناك ممثلون لإيران في اجتماعات مجلس الشورى التابع لحزب الله.

 

وعلى صعيد نشر التشيع في صفوف أبناء المخيمات الفلسطينية في لبنان، فقد أشارت "الوطن العربي" إلى أن عماد مغنية قام في شهر فبراير/ شباط سنة 2000م بزيارة سريّة إلى طهران اجتمع خلالها مع قاسم سليماني رئيس قوات القدس في الحرس الثوري الإيراني، وأطلعه على نجاح المراحل الأولى في الخطة، والصعوبات التي واجهتها.

 

كما أطلعه على نجاح حزب الله ـ عبر المتعاونين معه في أجهزة الحكومة اللبنانية ـ في منح الجنسية اللبنانية لعدد من أعضاء حركة الجهاد الإسلامي الذين اعتنقوا المذهب الشيعي.

 

ومن بين الذين تشيعوا من عناصر الحركة في المخيمات: شريد توهان من مخيم الرشيدية في لبنان، ومحمد قدورة من صور، ومسؤول الحركة في جنوب لبنان محمد المجذوب.

 

وبحسب المقال فإن إيران كانت قد عزّزت من وجودها في المخيمات في عام 1999م من خلال الحرس الثوري الإيراني، "وتمت الاستعانة برجال دين شيعة من أجل تعميق المذهب الشيعي لدى المتشيعين الجدد. كما سيقوم الإيرانيون بالعمل من أجل منح الجنسية اللبنانية لبعض هؤلاء المتشيعين بمساعدة حزب الله من أجل تخفيف القيود على تحركاتهم في لبنان وخارجها في مهام متعددة، وسيتم العمل من أجل إعادة عدد منهم إلى داخل فلسطين لإنشاء خلايا تعمل حين الطلب منها حسب التوجيهات الإيرانية".

 

وعُرف من بين الذين تشيعوا من أبناء الحركة في الأرضي الفلسطينية: إبراهيم بارود ويحيى جبر ومحمود زطمة ونسان الطحايلة الذي تحول إلى "شيعي متطرف".

 

واعتمدت إيران لإنجاح مخطط التشيع في فلسطين بالمخيمات مبالغ مالية ضخمة تصل عن طريق "مؤسسة الشهيد" الإيرانية، وتم توزيع كميات كبيرة من كتب الشيعة بين أعضاء الحركة، من بينها كتب ألفها علماء شيعة، والبعض الآخر لعناصر من السنة اعتنقوا التشيع، مثل  كتاب (لماذا اخترت مذهب الشيعة) لمحمد مرعي الأنطاكي.

 

وبحسب "الوطن العربي"، فإن اعتناق التشيع لم يبق حكراً على أعضاء الحركة في فلسطين ولبنان، بل تجاوزه إلى القياديين في عدة بلدان أمثال: بشير نافع في لندن، وهو أحد مؤسسي الحركة الذي تربطه علاقات حميمة مع أمين عام الحركة رمضان شلح. وكذلك اعتنق التشيع ممثل الحركة في إيران محمد الطوخي.

 

وقد أحدثت هذه الظاهرة شرخاً في صفوف الحركة، وبدأت تظهر تساؤلات عن موقف القيادة وتحديداً د. شلح، الذي أكد بعض القياديين معرفته بحجم الظاهرة وأبعادها، لكنه لا يبذل أي جهد للحد من انتشارها، ذلك أن مصير الحركة يتوقف على مدى ارتباطها بإيران.

 

وكانت أولى انعكاسات ظاهرة التشيع على العلاقة بين الجهاد وحركة حماس، إذ كانت بعض أوساط حركة حماس تبدي قلقها من التشيع، وتشن حملة ضد المتشيعين، وتطور ذلك إلى اشتباك بين أنصار الحركتين في سجن "مجدو" الإسرائيلي في فبراير/ شباط 2000م، وقد عبر الإيرانيون وحزب الله عن استيائهم من الهجوم الذي تعرض له أفراد الجهاد الإسلامي على يد أنصار حركة حماس، وطلب المرشد الإيراني علي خامنئي تشكيل لجنة خاصة للحيلولة دون تعرض أفراد "الجهاد" لاعتداءات.

 

وإضافة إلى ما ورد في مقال "الوطن العربي" فإن الصحف والمواقع والمجلات الشيعية تشير دائماً باعتزاز إلى المتشيعين، وتسرد قصصاً عن حياتهم واعتناقهم للتشيع، ونحن بدورنا نشير إلى بعض هؤلاء من الذين تعدهم المجلات والمواقع الشيعية متشيعين، ونقصر الحديث هنا عن أهل فلسطين:

 

1ـ د. فتحي الشقاقي الأمين العام السابق لحركة الجهاد الإسلامي، الذي اغتالته إسرائيل عام 1995م. يقول الشيعة إنه كان يردد مراراً: "لقد تربينا على كتب الشهيد محمد باقر الصدر يوم كنا في فلسطين في السبعينات، وفكر الإمام الخميني".

 

2ـ إبراهيم كرام، من بيت لحم، وهو مقيم حالياً في النمسا.

 

3ـ المهندس معتصم زكي، وهو عضو سابق في حزب التحرير. يقول عن التشيع في فلسطين: "خلال السنوات الثلاث الأخيرة، انتشر التشيع في عدد من مدن غزة، وبشكل أقل في مدن بالضفة، هناك العشرات من الشيعة في قلقيلية، والعديد منهم في نابلس وطولكرم وغيرها، وهذا إنجاز رهيب حتى الآن".

 

ويروي معتصم هذا عن استدعائه من قبل أجهزة السلطة الفلسطينية للتحقيق معه بسبب لعنه لأبي بكر وعمر. ويقول إن أغلب المتشيعين في فلسطين، إنما "يستبصرون" بسبب حسن نصر الله، أمين عام حزب الله.

 

4ـ محمد شحادة، من مواليد بيت لحم سنة 1963م، وأحد أنصار حركة الجهاد، وأحد مبعدي مرج الزهور، حيث تأثر هناك بـ "مجاهدي الحرس الثوري الإيراني وحزب الله الذين كانوا يزوروننا في المخيم". وقد تعهد في مقابلة صحفية بنشر المذهب الشيعي في فلسطين. ومدينة بيت لحم حيث يسكن محمد شحادة صارت مركزاً للشيعة في فلسطين.

 

5ـ محمد أبو سمرة، رئيس ما يسمى "الحركة الإسلامية الوطنية" وهو متزوج من شيعية، وله ارتباط بالسلطة الفلسطينية، ومراجع الشيعة خارج فلسطين، وله مركز القدس للدراسات والبحوث، الذي يقوم بنشر كتب الشيعة على أنها كتب دينية.

 

6ـ أشرف أمونة، ويعيش في فلسطين المحتلة عام 1948م، ويشرف على جمعية مرخصة من سلطات الاحتلال في دبورية ـ قضاء الجليل ـ ، وهي "الجمعية الجعفرية" التي ترعى هيئات منها: حسينية الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم، ومكتبة الزهراء عليها السلام، ومجلة السبيل.

 

دخول التشيع إلى فلسطين قديماً:

شهدت فلسطين فيما مضى فترات انتشر فيها التشيع وذلك في القرن الرابع الهجري، خاصة تلك الفترة التي سيطرت فيها الدولة العبيدية الشيعية الإسماعيلية على بلاد الشام، فقد حاول العبيديون الفاطميون الذين كان مقرهم في القاهرة نشر مذهبهم في الأقاليم المختلفة، ومنها فلسطين. وكان الدعاة في الأقاليم يؤدون المهمة التي كان داعي الدعاة يقوم بها في القاهرة من الدعاية للمذهب الشيعي الإسماعيلي.

 

وأنشأت الدولة العبيدية في بيت المقدس "دار العلم الفاطمية" وكانت فرعاً لدار العلم الفاطمية بالقاهرة التي أسسها الحاكم بأمر الله، سادس الحكام العبيديين  (395هـ/ 1004م)، واتخذوا هذه الدار مركز دعاية للمذهب الشيعي، فكان لها أكبر الأثر في انتشار هذا المذهب في فلسطين، وظل هذا المعهد في القدس حتى سقطت بيد الصليبيين([4]).

 

وقد زار الرحالة الإسماعيلي ناصر خسرو فلسطين سنة 437هـ/ 1045م وقال "إن عدد سكان القدس نحو عشرين ألفاً جلّهم شيعة". ووصف ابن جبير المذاهب المنتشرة في فلسطين في القرن السادس الهجري أثناء زيارته لها، فقال: "وللشيعة في هذه البلاد أمور عجيبة، وهم أكثر من السنيين، وقد عمّوا البلاد بمذاهبهم، وهم فرق شتى، منهم الرافضة والإمامية والإسماعيلية والزيدية والنصيرية".

 

وحين سقطت دولة العبيديين على يد صلاح الدين الأيوبي سنة 567هـ/ 1171م وقامت في مصر والشام الدولة الأيوبية، هدأت حركة التشيع، واختفى أنصارها عن الأنظار، فقد عمل صلاح الدين على نشر منهج أهل السنة، ومذهب الإمام الشافعي، وأنشأ لذلك المدارس ودور العلم، وعمل على مقاومة ما غرسه العبيديون في نفوس الناس من عقائد باطلة... وهكذا انقطع الشيعة عن الناس، وأحاطوا أنفسهم بالسرية التامة([5]).

 

وفي عهد أحمد باشا الجزار، بدأ إخضاع الشيعة، ووقعت بينه وبينهم وقائع كثيرة سنة 1195هـ/1780م  في قرية يارون القريبة من صفد. وقد لجأ جماعة منهم إلى عكا، فاستأمن الجزار بعضهم، وسجن آخرين، ثم انشغل عنهم بالحملة الفرنسية على الشام، فلما انسحب الفرنسيون عاد الجزار من جديد إلى محاربة الشيعة لفترة امتدت زهاء عشر سنوات، وأحرق آثارهم العلمية([6]).

 

وفي ظل الحكم العثماني استمرت مقاومة الحكم للشيعة الذين ظلوا يحاولون نشر مذهبهم في فلسطين. وفي عهد الانتداب البريطاني، دخلت مجموعة من قرى جنوب لبنان الشيعية في حدود فلسطين عندما جرى ترسيم للحدود بين فلسطين ولبنان سنة 1927م.

 

.