فلسطين التاريخ / الواقع والمأمول

اليوم نغزوهم ولا يغزوننا

محمد الناجي- مركز بيت المقدس – غزة

بعد أن وضعت حرب 2012 أوزارها، والمعروفة فلسطينيًّا بحرب (حجارة السجيل)، وصهيونيًّا بحرب (عامود السحاب) صرَّح أكثر من قيادي في المقاومة الفلسطينية بأن المرحلة القادمة مرحلة (نغزوهم ولا يغزوننا)، وهو مبدأ نبوي أصيل؛ إذ إن النبي صلى الله عليه وسلم عقب غزوة الأحزاب قال: "اليوم نغزوهم ولا يغزوننا".

بعضُ الناس كان عندما يسمع تلك المقولة من أفواه المقاومة يتهكم، ويضحك ويسخر، ويستهزئ، ويظن أن تلك الأقوال شعارات رنانة؛ للاستهلاك الإعلامي، ولرفع رصيد الفصيل الفلاني في الشارع الفلسطيني.

ولكن على الجانب الآخر كان المقاومون يعدُّون ويتدربون بصمت؛ لتنفيذ ما وعدوا، فشكَّلت (كتائب الشهيد عز الدين القسام) وحدة مختارة من عناصرها أطلقت عليها (وحدة  النخبة، جيش التحرير) واختارت لها أفضل وأمهر وأكفأ مقاتليها ممن يتمتعون بمكارم الأخلاق، وقوَّة الالتزام الديني، واللياقة البدنية الفائقة، والمهارة العسكرية العالية.ف

وقبيل أيام من اشتعال العدوان على غزة –والمستمر حتى اللحظة- توعَّدت المقاومة الفلسطينية العدوَّ الصهيوني بمفاجآت لا تخطر على باله، ولا يتوقعها.

وعندما وقعت الحرب أوفت المقاومة بوعدها، وغزت اليهود في عقر دارهم؛ فبعد أن استباح اليهود غزة في حرب 2008 ودخل إلى أجزاء كثيرة منها عبر البحر، لم تمهله المقاومة للتوغل في غزة هذه المرة عبر البحر بل سبقته، وركبت البحر، واقتحمت عليه حصونه في عملية نوعية شهد لها العدوُّ قبل الصديق.

وعندما حاول العدو الصهيوني التوغل إلى غزة عبر البحر –في هذه الحرب- في أكثر من محور وجد المقاومة الفلسطينية كالأسود التي تبحث عن فريستها، ولم يتمكن –حتى اللحظة- من اختراق شبر واحد من أرض غزة العتيدة.

وفي يوم الخميس التاسع عشر من رمضان 1435هـ، وفي ظل التهديدات الصهيونية المستمرة لاجتياح غزة بريًّا، ودعوتها لسكان المناطق الحدودية النزوح عن بيوتهم وإجلائها، واعتبار أن تلك المناطق مناطق عسكرية مغلقة كانت المفاجأة الكبيرة فجر هذا اليوم، وهي اقتحام مجموعة من كتائب القسام (وحدة النخبة) تزيد عن العشرة، وتقل عن العشرين من كتائب القسام موقع صوفا العسكري الواقع شرق رفح تمام الساعة الرابعة فجرًا، وانتهت العملية قرابة الساعة التاسعة صباحا (5 ساعات كاملة)  وقد أعلن العدوُّ الصهيوني أن ثمانية مسلحين من منفذي العمليَّة قد قتلوا، وقد نشر مقطع فيديو (مفبرك) لما وصفه بأنه العملية، ولم يذكر أي شيء عن خسارته.

بدورها قالت كتائب القسام في بيان مقتضب، إن مجموعة خاصة من مجاهديها قامت بالتسلل خلف خطوط العدو وخلال انسحابها بعد استكمال مهمتها تعرضت لنيران طيران العدو، وقد عاد كافة المجاهدين إلى قواعدهم بسلام. ورواية القسام تكذب رواية الصهاينة، وتنفي مقتل أي منفذ من منفذي العمليَّة، وهو ما دفع العدوُّ الصهيوني ليعترف مضطرًّا برواية القسام، ويؤكد أنه لا توجد جثث للمقاتلين في أرض المعركة.

وبما أنَّ العملية لم يمضِ على تنفيذها إلا سويعات قليلة، والصورة لم تتضِّح بعد؛ إلا أنني أجد نفسي مدوِّنًا الملاحظات الآتية:

  • 1- العمليَّة ناجحة بكل المقاييس، والساعات القادمة تحمل المفاجآت الكثيرة فيما يخصُّ العملية النوعية، ومن أمارات نجاحها:
  • الجيش الذي لا يُقْهر قُهِر في عقر داره، ومُرِّغ أنفه في التراب، وذلك بالالتفاف عليه وضربه من خلف خطوطه، والمواجهة معه من نقطة (صفر).

    وقد أعلنت القناة العاشرة الصهيونية أنَّ ما قامت به كتائب القسَّام فجر اليوم هو أكبر عملية تسلل ناجحة تتعرض لها إسرائيل منذ نشأتها.

  • تسلُّل هذا العدد الكبير نسبيًّا من مجاهدي القسام (15 تقريبًا) في منطقة مكشوفة، وفيها تحليق مكثف لطيران العدو الاستطلاعي، والحربي المقاتل، ووجود المناطيد العسكرية، وأجهزة الرقابة والتكنولوجيا الحديثة، واستنفار العدو وجنوده بدرجة عالية وجاهزية تامة، واكتشاف نفق أرضي للمقاومة الفلسطينية قبل أسبوع في نفس المكان تقريبًا، يعكس حسن التخطيط والتنفيذ، ويضرب المنظومة الأمنية العسكرية الصهيونية في مقتل.

    يقول المحلل السياسي، والمختص بالشأن الصهيوني د. عدنان أبو عامر: " عملية القسام في صوفا نجاح مثلث الأضلاع: إخفاق إسرائيل في عدم إحباط العمليَّة مسبقًا، وتنفيذ المقاتلين لمهمتهم دون خسائر، والعودة من حيث أتوا دون إعاقتهم.. تقديري أنَّ من خطَّطَّ للعملية متفوق في مادة حساب المثلثات!".

  • 2- بيان القسام بعودة المجاهدين بسلام يكذب الرواية الصهيونية، ويستخف بالمؤسسة الإعلامية والعسكرية الصهيونية.والسؤال الآن في أروقة الإعلام الصهيوني للجيش أين جثث القتلى الثمانية الذين قتلتموهم؟!!
  • 3- وجود أكثر من عين للنفق داخل أرض العدو، واستعمال المجاهدين لها خلال المعركة، يدلل على عمل كبير، وجهد جبار قامت به المقاومة خلال الفترة السابقة، والأهم عدم قدرة الاحتلال اكتشاف ذلك، بالرغم من البحث المستمر عن الأنفاق، وبشتى الوسائل.
  • 4- تنفيذ المقاومة العملية قبل سويعات من دخول التهدئة الإنسانية (تهدئة الأمم المتحدة) حيز التنفيذ، وإنهاء العملية قبل دخول وقت التهدئة يدل على براعة في التكتيك، ودقة في المواعيد، ومن الممكن أن المقاومة اختارت هذا التوقيت –تحديدًا- لاعتبارات ما بعد العملية!!.
  • 5- تنفيذ العملية كان في ساعات الفجر (وقت الظلام) والانسحاب كان في وضح النهار، والسؤال المهم ما الذي فعله المجاهدون، إلى أين وصلوا، وما هي الأهداف التي ضربوها، وبمَ رجعوا؟ خصوصا بعد بيان القسام بأن جميع المقاتلين قد عادوا إلى قواعدهم بسلام، فلننتظر رواية المنفذين، وحصادهم الجهادي المشرف.

وفي أول تعقيب على العملية قال أبو مجاهد الناطق باسم ألوية الناصر صلاح الدين على صفحته على الفيس بوك: "العملية تعكس هشاشة الأمن الصهيوني، والمقاتلون استمرُّوا بمعركتهم 3 ساعات، والساعات القادمة حبلى بالجديد"، وأضاف : "ادعاء الاحتلال بقصف المجموعة المنفذة للعملية وقتل 8 مجاهدين، واتضاح أن هذه الرواية الصهيونية لا أساس لها من الصحة؛ يعني أن الاحتلال اكتشف مقاومي القسام بعد انسحابهم، وهذا العدد من القذائف ال RPG دليل واضح على  أن المجاهدين قاتلوا ونفَّذوا مهمتهم، وهذا يتضح من خلال عمليات المقاومة تركهم لبعض الأسلحة لتأمين انسحاب سريع من المعركة".

وتابع أبو مجاهد قائلا: "تكتم الاحتلال على خسائره وعدم نشر تفاصيل المعركة الدائرة في أشكول ، والاكتفاء بالقول أنها كانت أضخم عمليَّة اقتحام تنذر بأن هناك مفاجأة جديدة للمقاومة ستتضح في قادم الساعات..".

وبعد هذه العملية يمكن القول أنَّ المقاومة الفلسطينية مستحكمة، ومتمكنة، واستطاعت غزو الكيان الهش جوًّا عبر إرسال طائرات استطلاعية إلى عقر داره، وبحرًا بإرسالها المقاتلين لتنفيذ عمليات جريئة في عقر دار العدو، وبرًّا بتلك العملية التي لم تتضِّح نتائجها بعد!.

.