أنشطة المركز / للمركز كلمة

ماذا وراء الحملة اليهودية ضد المؤسسات في نابلس ؟

ماذا وراء الحملة اليهودية ضد المؤسسات في نابلس ؟

 

يحلو لبعض الكتاب من الليبراليين الجدد الذين حدّدوا وجهة بوصلتهم وسليقة كتاباتهم لتكون بِصَف الاحتلال وممارساته وتبرير إجرامه فيما يحدث قي غزة ، أن يبرروا ذلك –أحياناً - بسبب التجاوزات التي تحدث من بعض الفصائل الفلسطينية هناك، وأحياناً أخرى من خشية إقامة دولة "طالبانية" في القطاع ، وأحياناً بسبب الانفلات الأمني وعدم السيطرة.  

والعجب أننا لم نقرأ تفسيرهم لما يحدث في الضفة الغربية ومدنها ، فأصواتهم خمدت حين واصل الاحتلال اليهودي الهجوم على مؤسسات نابلس الأهلية، والتي تعدت المؤسسات الخيرية !! التي كانت هدفاً أساسياً لقوات الاحتلال على مدى أكثر من خمس سنوات !! لتصل إلى مداهمة منشآت تجارية تقع على أطراف المدينة ومنها مصانع للحديد وأخرى للبلاستيك !!

كان العاملين في المؤسسات المدنية والخيرية معرضين في أية لحظة للاعتقال وإغلاق مؤسساتهم المدنية والتطوعية ؛ بل ما زال بعضهم قابع في سجون الاحتلال لأكثر من سنتين بتهمة العمل في مؤسسة خيرية !! على الرغم أنهم لا يتبعون للتنظيمات المسلحة !! وليس لهم انتماءات حزبية وحركية ، بل طالت الاعتقالات أعضاء لجان زكاة تتبع المجالس القروية !! كل ذلك بدعوى أنها تابعة "لحماس" !!

وعادت قوات الاحتلال لتمارس اعتداءاتها على المؤسسات الخيرية ومصادرة محتويات هذه الجمعيات والمؤسسات بكل تنوعها ، ووصل الأمر لإغلاق المؤسسات الصحية والإعلامية منها !! متجاهلة كافة الانتقادات المحلية والدولية ، وعلى الرغم أن قادة اليهود قبل غيرهم يعلمون أن تلك المؤسسات لا تتبع حماس ، وأعضاؤها ممن يخدمون في مؤسساتهم الخيرية كافة فئات المجتمع الفلسطيني وليس لهم انتماءات تنظيمية !!

 

أصوات منددة ... من يسمعها ؟!

 

وبعد تلك الممارسات ارتفعت أصوات جديدة تندد بممارسات القيادة العبرية في الضفة الغربية، حيث صرح رئيس حكومة تسيير الأعمال الفلسطينية د. سلام فياض خلال زيارته مدينة نابلس التي تشهد اجتياحات وإجراءات يهودية ضد مؤسسات إسلامية: " بأن جميع الإجراءات التي اتخذتها "إسرائيل" ضد المؤسسات الإسلامية في المحافظة باطلة، وأن حكومته ستواصل التعامل مع هذه المؤسسات كمؤسسات شرعية. وأضاف: "ليس لإسرائيل أن تتدخل في مناطقنا وتهدد مؤسساتنا"، واصفاً الإجراءات الإسرائيلية اليومية في الأراضي الفلسطينية بـ "محاولات إذلال الشعب الفلسطيني"، كما اتهم "إسرائيل" بمحاولة تقويض جهود حكومته، خصوصاً من الناحية الأمنية.

 

واعتبرت الحركات السياسية في الضفة الغربية أن حملة الاستهداف الإسرائيلية للجمعيات والمؤسسات الأهلية والخيرية هي مثابة طور جديد في الحرب الشاملة التي تشن على الشعب الفلسطيني لكسر إرادته وفرض الإملاءات السياسية التصفوية لقضيته العادلة ونضاله المشروع ؛ وأن إغلاق هذه المؤسسات الخيرية في الضفة استمرار لحلقات الإجرام اليهودي الممنهج ضد المؤسسات الإسلامية والجمعيات الخيرية التي ترعى الأسر الفقيرة والأطفال الأيتام ؛ بل وانتهاك لحرمات المساجد ودور تحفيظ القرآن الكريم .

وطالب رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس بوقف سياسة التنسيق والتعاون مع الجانب الإسرائيلي كونها أضرت بشعبنا، ولأن ذلك يوفر غطاء أمنياً وسياسياً للاحتلال ليواصل عدوانه.

 

لماذا هذا التدمير الممنهج للمؤسسات ؟! 

 

مشروع ضرب العمل المؤسسي الفلسطيني مشروع يهودي ازداد وضوحاً وتقدماً حتى طال المؤسسات المدنية والتطوعية والخيرية والثقافية والعلمية والمؤسسات الفردية وغيرها ، ومن ضمنها القدس حيث تعد من أكثر المناطق والمدن في فلسطين التي تم تفريغها من المؤسسات الفلسطينية عبر الكثير من القرارات والإجراءات التي اتخذتها مؤسسات الاحتلال بذرائع وحجج هدفها: " طمس العمل المؤسسي والمدني والاجتماعي الفلسطيني في القدس " !!

فتجفيف موارد الجمعيات والمؤسسات المدنية والخيرية منها على وجه الخصوص وملاحقة الأجهزة الأمنية العاملين فيها واعتقالهم ومداهمة مقراتهم ومنازلهم ، وملاحقة التمويل الشعبي لتلك المؤسسات ومحاصرة أنشطتها الخارجية لفرض حالة من الرعب والتخويف ؛ فهم على يقين أن تلك المؤسسات والجمعيات لها أثرها على الشارع الفلسطيني والتي تحسست حاجاتهم وآلامهم ، وعملت على تثبيتهم على أرضهم ، أريد لها أن تكون ضحية من ضحايا الاحتلال لإذلال هذا الشعب وجعله بلا مقومات للحياة والاستمرار.

وفي المقابل نجد في الكيان اليهودي أكثر من (35000) منظمة غير ربحية ، وهي تفوق منظمات وجمعيات العالم العربي والإسلامي بأسره ؛ وبلغت ميزانية المشروعات التي تدخل في هذا الإطار 11 مليار دولار في سنة واحدة ، ويشكل الدعم الحكومي معظم موارد تلك المنظمات حيث وصل الدعم الحكومي إلى 65% ؛ ويعمل الكيان الغاصب على دعم القطاع المدني والخيري كشريك للقطاع الحكومي والتجاري في عمليات التنمية , فللقطاع التطوعي جامعاته ومراكز بحوثه ودراساته ومستشفياته وشركاته الاستثمارية ومدارسه !!

 

أهداف الحملة اليهودية ضد المؤسسات في نابلس ومدن الضفة :

 

لا شك أن الحملة على المؤسسات الخيرية والاجتماعية والصحية في نابلس ومدن الضفة الغربية هي حملة غير مسبوقة وتستهدف أموراً عدة ، نذكر منها :

 

أولاً: هي حملة قريبة وإلى حد كبير من الحملة التي تقودها الولايات المتحدة ضد المؤسسات الخيرية الإسلامية في العالم أجمع واتهامها جزافاً باتهامات باطلة، والعمل على إصدار الأحكام الجائرة ورفعها إلى مجلس الأمن الدولي ليقرها عالمياً ، وإن لم تمرر تلك القرارات  فإن بنوكنا العربية ستقوم بالواجب حتى من غير قرار !! فهي تتخوف من التحويلات !! لجمعيات خيرية لا ذنب لها ولم تدرج ضمن قائمة الإرهاب الظالمة ، وتتناغم مع ما تصدره الولايات المتحدة مباشرة.

 

ثانياً: والملفت في هذه الحملة هو توقيتها، فقد جاءت بعد اتفاق التهدئة في غزة، وبعد أن بدأ الاتفاق يأخذ طريقه نسبياً إلى حيز التطبيق ؛ فالتهدئة اعتبرها الكيان اليهودي إنجازاً لحركة "حماس" ، فأرادت أن تنقلب على هذه الصورة الإيجابية ، لتضرب المؤسسات التي ادعت أنها تتبع "حماس" ، وفي الواقع أنها طالت جميع المؤسسات الفلسطينية حتى الفتحاوية!!

 

ثالثاً: أرادت القيادة اليهودية أن توصل رسالة واضحة للعالم أجمع بأن التهدئة في غزة ليس لها علاقة بما ستمارسه قواتها في الضفة ، فهي بذلك ترسخ الانقسام وتعمل على ديمومته ، وتستمر في مشروعها مع كل منطقة على حده ، ففي الضفة وخلال فترات متقاربة يعلن عن إنشاء المغتصبات الجديدة ، والوحدات السكنية للمغتصبين اليهود ، وما زال الجدار العازل الذي عزل الفلسطينيين عن بعضهم البعض وقطع مصادر رزقهم وموارد مياههم على قدم وساق، وكذلك الحواجز المذلة التي يحتاج فيها ليقطع مسافة 5 كيلو متر إلى أكثر من 3 ساعات !! وهذا يعني أن التراجع خطوة واحدة في غزة يعنى التقدم 10 خطوات في الضفة ومدنها .   

 

رابعاً: الممارسات الأخيرة في الضفة هي ضربة موجعة للقيادة في الضفة ، فهي تتعامل مع الحكومتين بأنهما أعداء ، فمع كل التقارب الحادث بين حكومة فياض والقيادة اليهودية إلا أنها تتلقى الصفعة تلو الصفعة ، مما فاجأهم وغير من نبرة تصريحاتهم في الآونة الأخيرة ، وأصبح الجميع على قناعة في الضفة أن قادة اليهود وقادة غيرهم يعملون بكل جهد على استمرار هذا الانقسام وتكريسه ، وتوظيفه في المستقبل لتبرير الممارسات والإجراءات .

 

خامساً: ما حدث في نابلس من إغلاق مدارس ومؤسسات خيرية وصحية وتعليمية وإعلامية إلى حد مصادرة باصات المدارس وأجهزة الحاسوب واقتحام بلدية نابلس ومصادرة محتويات تلفزيون آفاق !! هو رسالة من قادة اليهود بأن مشروعهم مستمر وأن أيديهم ستطول من تريد من الأفراد والمؤسسات والممتلكات ، وأن سيادة السلطة الفلسطينية في الضفة هي سيادة وهمية يراد منها فقط ضرب أي مشروع مقاوم للاحتلال وحفظ الأمن لليهود فقط !!

 

سادساً: أرادت القيادة اليهودية أن تجمع بين ممارساتها العدوانية وبين وجهها الآخر المفاوض مع السلطة الفلسطينية ، ولسان حالها يقول بأننا سنعمل على كل المحاور والاتجاهات ، ولنا الحق في كل الممارسات !! حتى لو كانت هناك اتفاقات فلا تمنعنا من الاستمرار في مشروعنا !!

 

سابعاً: الكيان اليهودي يعتبر العمل الخيري لفلسطين خطراً لابد من بتره ، لأنه يمثل الرباط العقدي والنصرة الواجبة بين المسلمين ، فقطع الصلة بين أبناء هذه الأمة عبر ما يقدموه من دعم مادي ومعنوي لإخوانهم في أرض فلسطين هدف يهودي لابد من تحقيقه خلال الفترة الحالية لعزل أهل فلسطين عن نصرة إخوانهم لهم ؛ ولا شك أن إعلان الحرب على الشعب الفلسطيني القصد هو إيصاله إلى درجة الإحباط والاستسلام التام، لزعزعة أركانه ووجوده على أرضه وتمسكه بعقيدته ومقدساته .

 

ثامناً: يهدف اليهود كذلك من هذا التضييق إبقاؤهم أذلاء على أبواب الاحتلال يستجدون لقمة عيشهم ولا يفكرون بكرامتهم وعزتهم ، أما الشعب العربي والإسلامي المتحرق لدعم الشعب الفلسطيني بكل السبل والذي يجد نفسه عاجزاً أمامهم نكبتهم اليومية ولا يجد غير ماله ليجود به على إخوانه الفلسطينيين فإن المطلوب منه الآن التخلي عن ذلك القليل الذي يقدمه ، فلا مؤسسات يمكن دعمها والتعامل معها !!

 

الخلاصة : كل ما سبق أكدته الكاتبة والمحللة السياسية المختصة بالشؤون الفلسطينية، "أورلي نوي" في مقال تحت عنوان "مسيرة تخريب السلطة الفلسطينية" نشرته صحيفة "يديعوت أحرونوت" الصادرة باللغة العبرية ، لخصت فيه سياسة الاحتلال في التعامل مع "حماس وفتح" بالآتي: "جذور هذا الصراع الخطير تعود إلى السياسة "الإسرائيلية" في إضعاف الطرفين، فتح وحماس، بشكل متساوٍ، بحيث لا يستطيع أي منهما السيطرة على الأراضي الفلسطينية بشكل فعال ، وأن سياسة: "لا يوجد شريك فلسطيني" لم تبتكر من أجل "حماس"، وكلما شعرت "إسرائيل" بأن حماس تخسر من قاعدتها الجماهيرية، وأن هناك احتمال لعودة قوة "أبو مازن"، فإنها تقوم بإضعافه بخطوات سياسية أو عسكرية مدروسة، وهكذا باستمرار .." 

لذا فالمطلوب من الشعب الفلسطيني وقيادته أن تقف صفاً منيعاً أمام هذه الممارسات ، وأن تعاد اللحمة بين أبناء الوطن الواحد ، ليعوا المؤامرات التي تدور حولهم وما وراء تلك الممارسات ، وكيف سُخر الإعلام الغربي وغيره لتبرير تلك الجرائم وسياسة القتل البطيء للمسلمين في الأرض التي باركها الله للعالمين .

 

عيسى القدومي

 

.