دراسات وتوثيقات / دراسات وبحوث

المقاطعة أمضى سلاح بأيدي عرب فلسطين

(المقاطعة أمضى سلاح بأيدي عرب فلسطين)

سَبيلُ الرَّشادِ في هدي خَيرِ العباد" للعلاَّمة تقي الدين الهلالي (۱/ ۵۰5)

تحقيق الشيخ أبي عبيدة مشهور بن حسن آل سلمان

وجدت كلمة جيدة للعلامةِ السلفي محب الدِّين الخطيب، كتبها في افتتاحية العدد (۱۷۰) من مجلته القيمة «الفتح» بتاریخ ۲۹ جمادى الآخرة ۱۳۶۸ ه - الموافق ۲۸ نوفمبر ۱۹۲۹م، وهي بعنوان (المقاطعة أمضى سلاح بأيدي عرب فلسطين) ومما قال فيها:

المقاطعة عنوان الرجولة والحزم، والأمة التي تثبت على مقاطعة من يسيء إليها تشعر الأمم كلها بالحرمة لها، وفي مقدمة من يحترمها أعداؤها. وبالمقاطعة تعرف الأمة مواطن ضعفها، وتنتبه إلى ما ينقصها في صناعاتها وتجاراتها. فالصنف من أصناف الحاجيات إذا كان لا يستحضره من مصادره غير اليهود؛ فإنَّ العرب سيشعرون بحاجتهم إلى من يتقدم منهم لاستحضاره من مصادره، فيعظم إقبال الوطنيين على بضاعة أخيهم الوطني؛ الذي يأتيهم بما لا يوجد منه إلا عند أعدائهم، وبذلك يسد حاجتهم ويستفيد من إقبالهم على سلعتهِ. والمقاطعة ستنبه الأمة إلى ما هو أعظم من ذلك، فبعد أن يكون المتجرون بالكبريت –مثلاً-  من اليهود دون غيرهم؛ يبادر إلى الاتجار بهذا الصنف تجار من العرب، ثم تخطوا الأمة خطوة أخرى فتؤسس مصنعة وطنية للكبريت. ومتى تقدمت الأمة خطوات متعددة في سبيلِ الاستقلال الاقتصادي؛ كان لها من ذلك شهود عدول على كفاءتها للاستقلال القومي والسياسي. وقبل أن تكون المقاطعة طريقة إلى الاستقلال الاقتصادي والسياسي، فهي طريق إلى النضوج الإعلاني؛ لأن الأمة التي تشعر بحاجتها في صناعاتها ونجاراتها إلى الاستعانة بأعدائها يتأصل في نفوس أبنائها اعتقاد بضعفها وفاقتها، وهذا الشعور ملوجة انحطاط في الأخلاق، ونقص في عزَّة النفس، ويأس من بلوغ الأمل وفضلاً عن هذا وذاك فإن الأمة التي قطعت على نفسها عهد المقاطعة تتعفف بطبيعة الحال عن كثير من الكماليات التي لا تجدها إلا في أيدي أعدائها، واسمى هذا النوع بالكماليات من باب الشامل، وإلا فإن الغرب إنما غزا الشرق تمّ فتحه منذ تمكن من تعويد الشرقين والشرقيات استعمال هذه الكماليات، فقام على أموال الشرق القليلة، بناء ثروة الغرب العظيمة ومن أجمع الكلمات وأقواها وأجلها التي وقفت عليها في المقاطعة كلمة للعلامة الشيخ عبد الرحمن السعدي، وهنا نصها : "واعلموا أن الجهاد يتطور بتطور الأحوال، وكل سعي وكل عمل فيه صلاح المسلمين، وفيه نفعهم وفیه عزهم فهو من الجهاد، وكل سعي وعمل في دفع الضرر على المسلمين وإيقاع الغرر بالأعداء الكافرين فهو من الجهاد، وكل مساعدة للمجاهدين مالية فإنها من الجهاد ، فمن جهز غازيا فقد غزی، ومن خلفه في أهله بخير فقد غزى، وإنَّ الله يدخل بالسهم الواحد ثلاثة الجنة صانعه يحتسب فيه الأجر، والذي يساعد به المجاهدين ، والذي يباشر به الجهاد ومن أعظم الجهاد وانفعه السعي في تسهيل اقتصاديات المسلمين والتوسعة عليهم في غذائياتهم الضرورية والكسائية، وتوسيع مكاسبهم وتجاراتهم وأعمالهم وعمالهم، كما أنَّ من انفع الجهاد واعظمه مقاطعة الأعداء في الصادرات والواردات : فلا يسمح لوارداتهم وتجار اتهم، ولا تفتح لها أسواق المسلمين ولا يمكنون من جلبها على بلاد المسلمين .. بل يستغني المسلمون بما عندهم من منتوج بلادهم، ويوردون ما يحتاجونه من البلاد المسالمة، وكذلك لا تصدر لهم منتوجات بلاد المسلمين ولا بضائعهم، وخصوصا ما فيه تقوية للأعداء؟ کالبترول، فإنه يتعين منع تصديره إليهم.. وكيف يصدر لهم من بلاد المسلمين ما به يستعينون على قتالهم؟ فإن تصديره إلى المعتدين ضرر کبير، ومنعه من أکبر الجهاد ونفعه عظیم  فجهاد الأعداء بالمقاطعة العامة لهم من أعظم الجهاد في هذه الأوقات، ولملوك المسلمين ورؤسائهم ، ولله الحمد - من هنا الحظ الأوفر والنصيب الأكمل، وقد نفع الله بهذه المقاطعة لهم منفعة كبيرة .. وأقرت الأعناء وأجحفت باقتصادياتهم، وصاروا من هذه الجهة محصورین مضطرين إلى إعطاء المسلمين كثيرًا من الحقوق التي لولا هذه المقاطعة لمنعوها، وحفظ الله بذلك ما حفظ من عزة المسلمين وكرامتهم. ومن أعظم الخيانات وأبلغ المعاناة للمسلمين تقريب أولي الجشع والطمع الذين لا يهمهم الدين ولا عز المسلمين ولا تقوية الأعناء تقود البلاد أو بضائعها أو منتوجاتها إلي بلاد الأعداء ، وهذا من أكبر الجنايات وأفظع الخيانات، وصاحب هذا العمل ليس له عند الله نصيب ولا خلاق. فواجب الولاة الضرب على أيدي هؤلاء الخونة، والتنكيل بهم، فإنهم ساعدوا أعداء الإسلام مساعدة ظاهرة، وسعوا في إضرار المسلمين ونفع أعدائهم الكافرين.. فهؤلاء مفسدون في الأرض يستحقون أن ينزل بهم أعظم العقوبات. والمقصود أن مقاطعة الأعداء بالاقتصاديات والتجارات والأعمال وغيرها ركنٌ عظيمٌ من أركان الجهاد، وله النفع الأكبر، وهو جهاد سلمي وجهاد حربي، وفق الله المسلمين لكل خير، وجمع كلمتهم وألف بين قلوبهم وجعلهم إخوانا متحابين ومتناصرين، وأيدهم بعونه وتوقيفه، وساعدهم بمدده وتشديده إنه جواد کریم رؤوف رحيم".. انتهى كلامه

ولشيخنا الألباني - رحمه الله تعالى - كلمة قوية في المقاطعة

(في شريطه رقم (۱۹۰) من سلسلة الهدى والنور).

.