فلسطين التاريخ / منتقى الأخبار

فرحة غزة بالعيد.. موديل 2009!

 

التاريخ: 30/9/1430 الموافق 20-09-2009

 

تقفز "لينا السقا" صاحبة الأربعة أعوام فرحا بفستانها المزركش زهري اللون تدور حول واجهة المحل الزجاجية.. وعلى مقربة منها يصفر والدها إعجابا بما ترتدي فيما تنهمك والدتها بالبحث عن ملابس أنيقة لبقية أطفالها.

وبعد ساعات قليلة من البحث والتجول بين المحلات التجارية توجهت عائلة السقا صوب منزلها محملة بعشرات الأكياس المملوءة بفرحة العيد وبهجته.

هذه العائلة السعيدة كانت واحدة من آلاف العائلات التي قررت أن تنفض غبار الحصار ومخلفات ما تركته الحرب الإسرائيلية الأخيرة على مدينتهم وبكثير من الإرادة انطلقوا صوب طرقات غزة وشوارعها يبحثون عن فرح نسيت قلوبهم طعمه.

ولا تكاد غزة تعرف النوم إذ يمتد ليلها وسهرها بصحبة رجالها ونسائها وصغارها الذين يطوفون أركانها حتى ساعات الفجر الأولى.

أحدث موديل

وتبدو غزة المحاصرة للعام الثالث على التوالي والخارجة من أتون حرب إسرائيلية شرسة أسفرت عن استشهاد نحو 1420 فلسطينيا وجرح أكثر من 5450 آخرين وتدمير نحو 16 ألف منزل وكأنها مدينة أخرى سكنتها مشاهد جديدة ألغت شعارات الصمت والركود.

"إسلام أون لاين" وفور أن تجولت في شوارع غزة اصطدمت بسيارات حديثة على مختلف أنواعها تجوب طرقات المدينة.. ولأول مرة منذ ثلاث سنوات ظهرت سيارات من طراز عام 2009 -بعد أن كان 2004 أحدث الموديلات- حيث تمكن مؤخرا تجار فلسطينيون من إدخال سيارات حديثة إلى غزة عبر الأنفاق الممتدة على طول الشريط الحدودي الفاصل بين الأراضي المصرية والفلسطينية.

وفي كل خطوة كانت الابتسامات العريضة تعلو وجوه سكان القطاع وهم ينظرون للسيارات الفارهة الحديثة، وفيما كان الشاب أنور يمعن النظر في إحدى السيارات لم يصدق شقيقه أنه يسير في طرقات غزة، وبصوت الفرح قال لـ"إسلام أون لاين": "السيارات القادمة بشتى الألوان والأحجام رسمت فرحا كبيرا في قلوبنا.. لقد أشعرتنا بالعيد".

وتدخل السيارات إلى غزة بعد أن يتم تقطيعها إلى أربع قطع وأحيانا إلى ست في الجانب المصري ويتم سحبها عبر نفق أرضي مجهز خصيصا لهذه المهمة.

وعندما تصل كل أقسام السيارة، تقوم ورش السيارات بتجميعها وطلائها باللون الذي يرغبه المشتري.

وخلال السنوات الثلاث الماضية منعت السلطات الإسرائيلية إدخال السيارات وقطع الغيار واحتياجات أخرى إلى القطاع الذي يقطنه 1.5 مليون إنسان ما حدا بهم إلى اللجوء إلى الأنفاق كطوق نجاة ورئة تمكنهم من التنفس.

وكان الفلسطينيون في قطاع غزة قد تعودوا على استيراد سيارات حديثة أو قديمة من دول أوروبية وآسيوية عبر وكلاء في إسرائيل.

أول فرحة

الطفل أنس صاحب الثلاثة أعوام امتطى سيارة كانت أكبر من حجمه ثلاث مرات إلا أنه بدا سعيدا بركوبها وأخذ يُصفق بفرحة كبيرة ويقول والده الذي كان يساعده على الركوب: "هذه هي هدية العيد له.. إنه يكاد يطير فرحا بها".

وبعيدا عن سيارات الكبار والصغار الحديثة دبت الحركة في أسواق غزة وخلعت المدينة سواد الحداد وارتدت حلة الفرح لتبدو بكامل أناقتها، فالمدينة التي أبكت العالم أجمع قبل تسعة أشهر فقدت ذاكرة حزنها ووقفت بإطلالة جديدة لكي ترحب بقدوم عيد الفطر السعيد.

في داخل أروقة أحد المحلات التجارية أصر الطفل "سلام راضي" صاحب العشر سنوات على شراء ملابس العيد بنفسه وانتقاء الهدايا لأشقائه، والدته بدورها أذعنت لرغباته حتى لا تترك مجالا للحزن يطرق أبوابه.

وهي تلملم حاجيات طفلها قالت أم سلام لـ"إسلام أون لاين.نت": "هذه أول فرحة تشهدها غزة بعد الحرب الإسرائيلية الأخيرة، ولا أريد أن أحرم أطفالي منها.. فرغم الضائقة المالية التي نعيشها فإنني اشتريت لهم كل ما يرغبون فيه.. فما أجمل أن نرى الابتسامة من جديد على وجوههم!!".

وكان صغار غزة أكثر الفئات تعرضا للأزمات النفسية جراء العدوان الأخير الذي حصد أرواح أكثر من 400 طفل وخلف آلاف الجرحى.

عيد مختلف

وخلال جولتنا استوقفنا مشهد الحاجة "أم عمار" (والدة شهيدين) والتي اصطحبت أحفادها الستة أبناء الشهداء إلى السوق لتشتري لهم ملابس العيد وحاجياته من دمى وألعاب والسرور يلفح صوتها قالت لـ"إسلام أون لاين": "أريد أن أمنحهم الفرح بالملابس الجديدة، فعدة الحزن والألم انتهت، ولن نترك له مجالا ليستوطن قلوبنا.. فالشهداء هم الآن في الجنة يمرحون ويلعبون.. وأطفالهم يغصون في مستنقع من التعب", واستدركت متسائلة: "فلم لا ننتشلهم من وجع الحرمان ونهديهم نشوة وابتهاج أجواء العيد".

وعيونها ترنو لأحفادها تابعت قائلة: "أزحنا الحزن جانبا لنفسح مساحة للفرح في أروحنا لعلها تُسكن الوجع الجاثم على صدورنا ولربما تُنسينا ألم الفقد ومرارة الحرمان ولوعة الاشتياق لأحبة رحلوا ولن يعودوا".

وبينما انهمك "حازم الحداد" صاحب محلات تجارية لبيع ملابس الأطفال في بيع زبائنه وترتيب البضاعة قال في حديث لـ"إسلام أون لاين": "هذا العيد مختلف عن الأعوام السابقة، له سحر وبهجة خاصة.. فكل الناس سواء كانت مقتدرة أو بسيطة تريد أن تُدخل الفرح لقلوب صغارها".

وأضاف بكلمات سريعة: "متجري يعج بالمشترين ولا يخلو سواء في النهار أو الليل.. الناس هنا أرادت أن تستغل هذه المناسبة لكي تفرح وتنسى ولو لوقت قليل ما كابدته من آلام".

وكانت حكومتا رام الله وغزة قد صرفتا رواتب الموظفين قبل نهاية الشهر الجاري لكي يتمكنوا من الاستعداد للعيد والتكيف مع أعبائه والتزاماته.

المصدر: إسلام أون لاين

 

.