فلسطين التاريخ / الشتات الفلسطيني

"أوضاع اللاجئين الفلسطينيين في لبنان بين التنظير والواقع" .

 

 

 

"أوضاع اللاجئين الفلسطينيين في لبنان بين التنظير والواقع"

 

 

"الفلسطينيين في لبنان هم ضيوف، وعلينا أن نحفظ شأنهم إلى أن يعودوا إلى ديارهم"  رئيس مجلس الوزراء اللبناني فؤاد السنيورة ؛ السفير اللبنانية 22/9/2008م

 

كلمات جميلة صرح بها رئيس الوزراء اللبناني فؤاد السنيورة حول موقفهم من اللاجئين  الفلسطينيين في لبنان ، الذين يقطنون الأراضي اللبنانية من النكبة عام 1948 إلى الآن.

 

ولكن الواقع يقول شيئاً آخر؛ قبل أيام كنت في مكة لأداء مناسك العمرة ، وفي الفندق المتواضع الذي أقمت فيه التقيت مع أخوة من دول شتى ، وجمعنا لقاء كان فيه شباب معتمرين من القدس ، وآخرون من المخيمات في لبنان ، ودار الحديث بيننا ، وكلٌ أخذ يسرد معاناته ؛ فأهل القدس وصفوا معاناتهم وممارسات الاحتلال اليهودي للتضييق على المسلمين لإجبارهم على الخروج من القدس ، وكيف أن الجدار العازل عزلهم عن امتدادهم الفلسطيني ؟ وكيف فرغت القدس من المؤسسات العربية والإسلامية ؟ وإجراءات اليهود المتسارعة لتهويد ما أمكن وكأنهم في سباق مع الزمن ، وخلاصة ما قالوا: "إذا استمر اليهود على هذه الوتيرة فإن الوجود الفلسطيني في القدس سيكون مستحيلاً في ظل تلك الممارسات ... وإهمال العالم العربي والإسلامي والدولي لحقوق المقدسيين وأهل فلسطين في مقدساتهم وأرضهم "!!

 

وبعد ذلك تحدث أحد القادمين من مخيمات لبنان ، وحقيقة أذهلني ما قال من حجم المعاناة والآلام التي يعيشها أهالي المخيمات ... أوضاع مأساوية تفتقر إلى الاحتياجات الإنسانية القصوى ، أزقة وحواري ضيقة ، وبيوت متلاصقة مثلما تتلاصق زنازين السجون ، وكأنها زرائب بشرية ، ومجاري تسيل في الزقاق ، تلوث وأمراض ، حياة لا تصلح للكائن البشري المسمى "إنسان" ، يطلق عليها المنازل مؤقتة - إن صح التعبير !! بؤس وحرمان من أبسط حقوق الإنسان ، حيث تصل نسبة البطالة من 40 إلى 50  % وفي بعضها يفوق ذلك ، عاطلون عن العمل مما اضطر بعض الأطباء والمهندسين للعمل كبائع يجر عربة خضار ، أو عامل في مطعم ضغط وتضييق وإهانة ، والحال كما هو الحال لم يتغير ولم يتبدل  !! وأعجبني تعليق أحد الأخوة من القدس حيث قال: "هانت علينا مصيبتنا حين سمعنا مصيبتكم"!!

 

الواقع أن هؤلاء اللاجئون يعيشون مأساة حقيقية حيث أن البيئة السياسية والقانونية اللبنانية تشكل بيئة طاردة للفلسطينيين بحجة منع توطينهم، على الرغم من أن الفلسطينيين لا يرغبون أصلاً في التوطين، وإنما يرغبون في معاملة إنسانية عادلة غير مرتبطة بإعطائهم الجنسية أو الحقوق السياسية الخاصة بأقرانهم اللبنانيين.


فالاحتجاج بأن الإبقاء على معاناة الفلسطينيين وحرمانهم من حقوق الحياة الإنسانية الكريمة يعين على استمرار اهتمامهم بقضيتهم، حجة واهية طالما لامست أسماعنا ، وذرفت من معيشتهم المهينة أعيننا ، إذ إن استمرار المعاناة يدفع الفلسطينيين للهجرة إلى دول أوروبا الغربية وأميركا وكندا وأستراليا وأميركا الجنوبية..الخ، حيث توجد مخاطر أكبر في توطينهم وذوبانهم وابتعادهم عن مركز الاهتمام بقضيتهم.

 

وما زال الفرق كبير وواضح بين التصريحات الرسمية للمسؤولين اللبنانيين المرحبة باللاجئين الفلسطينيين كإخوة في بلدهم الثاني، وبين المعاملة الفعلية لهؤلاء اللاجئين ، فالقوانين والقرارات التي تنظم وجودهم كانت وما زالت قاسية وتنتقص بشكل كبير من حقوقهم الإنسانية، فكانت معاناتهم في خط تصاعدي من أيام اللجوء الأولى.


وحول أوضاع اللاجئين الفلسطينيين في لبنان أنصح بقراءة الكتاب المميز والذي  صدر حديثا تحت عنوان "أوضاع اللاجئين الفلسطينيين في لبنان" عن مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات- بيروت ، حرره الدكتور محسن محمد صالح ، وشمل الكتاب عدة فصول متنوعة لعدد من الكتاب, وقد قاموا بدورهم بإلقاء الضوء على الواقع المأسوي للاجئين الفلسطينيين اللذين يقطنون الأراضي اللبنانية ، ويعرض كذلك أوضاعهم الديمغرافية والقانونية والتعليمية والاجتماعية، كما يعرض مشاريع التسوية السياسية المتعلقة باللاجئين، ويفرد فصلاً خاصاً لمأساة مخيم نهر البارد .

كتابٌ حري أن يقرأ فهو يلقي الضوء على معاناة الفلسطينيين في لبنان من كل الجوانب ، ويضع الحلول لعلها تخفف من الآلام .

عيسى القدومي

 

 

 

.