فلسطين التاريخ / منتقى الأخبار

القناصة .. اللعبة المفضلة لأطفال غزة في العيد مقلدين رجال المقاومة

 

التاريخ: 1/10/1430 الموافق 21-09-2009

 

بُحَّ صوت "أم محمود" وهي تنادي على نجلها الصغير، ليقوم بإحضار بعض الحاجيات من الدكان المجاور لبيتها، في حين انهمك الأخير في ممارسة لعبته المفضلة في القنص بواسطة بندقية بلاستيكية اشتراها من أحد المحلات بغزة.

والمتجول في شوارع غزة هذه الأيام يقابل عشرات الصبية والأطفال الصغار وقد شكلوا مجموعات مسلحة، وبحوزتهم قطع سلاح بلاستيكي يحاكي تماما بالشكل الأسلحة الحقيقية.

ويقوم الصغار بالضغط على ذويهم مع اقتراب العيد ليشتروا لهم بندقية أو مسدس يطلق حبات بلاستيكية يسميها الفلسطينيون "دمدم" وأخرى يصدر عنها صوت رشاش أو شرارات كهربائية صغيرة.

يقول الطفل محمود وهو يصوب بندقيته باتجاه قطعة بلاستيكية وضعها فوق حائط: "هذه أفضل لعبة نلعبها حتى الآن، وأنا سعيد بحيازتي لهذه البندقية التي حصلت عليها  بطلوع الروح من والدتي".

ويضيف بعد فشله في إصابة الهدف، وسخرية أقرانه منه: "أنا أتعلم على إطلاق النار حتى أقاوم اليهود عندما يهجمون علينا في الاجتياحات والحرب، والزلمة اللي يقرب".

وبدأ الأطفال سعداء بهذه اللعبة، واتضح من أسلوب حركتهم ولهجتهم أثناء اللعب أنهم يقلدون رجال المقاومة الفلسطينية وأبطال مسلسل "باب الحارة" الذي حظي على نسبة متابعة عالية لدى الشارع الفلسطيني.

"أم محمود" تقول لـ "قدس برس": "إن ابني كان لحوحا جداً علي كي أشتري له تلك اللعبة، وكلما كان العيد يقترب أكثر يزداد إلحاحه، فكنت مضطرة للبحث عن البندقية البلاستيكية في أكثر من محل بغزة حتى عثرت عليها واشتريتها بمبلغ 60 شيكل".

وتعترف "أم محمود" أنها قلقة على ابنها من مثل هذه الألعاب التي قد تولد لديه سلوكا عدوانيا أو تعرض أقرانه للخطر، لكن لا مفر إلا تلبية طلبه وإسكاته.

وتجري في شوارع وحواري مخيمات ومدن وقرى قطاع غزة عمليات ملاحقة الأطفال لبعضهم البعض في محاولة لإصابة أحدهم بالرصاص الوهمي، وتسجيل نقطة انتصار.

المرشد النفسي بالمركز الفلسطيني للديمقراطية وحل النزاعات بخان يونس مدحت أبو رجيلة يرى أن الأطفال لديهم دافع نفسي ورغبة شديدة في تقليد شخصيات شباب المقاومة، وذلك لكثرة تعرضهم لمشاهد وحركات المقاومين خلال الحرب الأخيرة على قطاع غزة.

وكان قطاع غزة شهد مع بداية عام 2009 أعنف حملة جوية وبرية استهدفت البنية التحتية ومنازل المواطنين والمقرات الحكومية، ونتج عنها 1500 شهيدا، وآلاف الإصابات.

ويشير أبو رجيلة لوكالة "قدس برس" إلى أن الأطفال بهذه الألعاب يعبرون عن رغبتهم وشعورهم بالراحة والسعادة واستطلاع الأشياء الجديدة وإبراز أنفسهم أمام أقرانهم، وتفريغ شحنات داخلية.

ويؤكد أن البيئة التي يعيشها سكان قطاع غزة، وما بداخلها من مشاهد القتل والدمار والاجتياحات والقصف أصبحت تستوطن نفسية وثقافة الأطفال الغزيين، وتصبح جزء من حياتهم اليومية، وسلوكياتهم وتصرفاتهم.

وأرجع أبو رجيلة انتشار هذه اللعبة بين الأطفال إلى ما تبثه الفضائيات من مشاهد لرجال المقاومة أو حلقات المسلسلات التي كان آخرها مسلسل باب الحارة، وجلوس الأطفال ساعات طويلة أمام هذه اللقطات تجعلهم بحاجة إلى تنفيس انفعالي عما بداخله.

ولا تخلو اللعبة من تعريض حياة الناس والأطفال للخطر، خاصة إذا أصابت إحدى الحبيبات البلاستيكية العيون أو الوجه، وقد سجلت العام الماضي العديد من الإصابات في هذه الإطار.

المواطن رسمي رضوان أظهر استياءه الشديد لتمكن الصغار من اقتناء هذه الألعاب التي يعدها "مزعجة" وتعرض حياة الناس للخطر، لتعمد بعض الأطفال إطلاق "الدمدم" باتجاه بعضهم البعض.

رضوان يرى انه من الأفضل مصادرة جميع الألعاب التي تطلق "الدمدم" والإبقاء فقط على الألعاب العادية التي تصدر الصوت أو الضوء، فحياة الناس ليست لعبة أو تسلية.

ويعد اقتناء بندقية بلاستيكية من النوع الذي يطلق "الدمدم" صعب المنال لدى الكثير من الأطفال الفلسطينيين، نظرا لارتفاع أسعارها من ناحية، وحظر الحكومة الفلسطينية في غزة تجاراتها من ناحية أخرى.

التاجر (علي) صاحب محل لبيع الألعاب عبر عن خشيته من بيع الأسلحة البلاستيكية من النوع الذي يطلق حبيبات بلاستيكية، خوفا من المخالفة من قبل الشرطة، بعد تلقي محلات الألعاب إنذارا بذلك.

لكن علي الذي فضل عدم الإفصاح عن اسمه الحقيقي لم ينكر انه باع عدة ألعاب لأسلحة بلاستيكية، لما تدره من ربح كبير نظرا لارتفاع أسعارها، وازدياد الطلب عليها.

وكانت وزارة الداخلية والأمن الوطني بغزة أصدرت قرارا بشأن مصادرة ألعاب الدمدم والمفرقعات النارية من جميع المحلات التجارية والبسطات. وبررت القرار انه جاء للحفاظ على صحة وسلامة أطفالنا، لما تسببه هذه الألعاب من حوادث وإصابات.

والمتتبع لهذه الحالة يلاحظ اختفاء تلك الألعاب من سوق غزة خلال شهر رمضان، إلا أنها ما لبثت تظهر مجددا على أبواب المحلات التجارية مع حلول عيد الفطر.

المصدر: فلسطين اليوم

 

.