12/15/2008
هـي غزة ، هي صفعة كبرى لنا
هـي غزة ، هي صفعة كبرى لنا
للشاعر مرتضى شرارة
و تلعثمَ الحرفُ الخجولُ على فمي لـمّا سُـئلتُ : لأيّ قـومٍ تنتمي؟
و وددتُ أنّ الـحرفَ يـقتلُ نفسَه فـي الـحلقِ قبل إجابتي وتكلّمي
فـلقد أجـابَ الـقلبُ قبلاً سؤلَهم بـمرارةٍ هـزئتْ بـمُرِّ العلقم ِ !
إنّـي مـن الـقوم الذين بلادُهم مـنفوخة ً فوق الخريطة ِ ترتمي
و عـدادُهم عـددُ الحصى لكنّهم مـثل الـهُلامِ أو الـفُقاع الوارم ِ
إنّـي مـن الـقومِ الذين نقودُهم مـلأتْ خـزائنَ لـلعِدا بدراهم ِ !
هـم أكـثرُ الـدنيا كـنوزاً وقتما هـم أكـثرُ الدنيا بفقر ٍ دائم ِ !!
إنّـي مـن الـقوم الذين كلامُهم هـو مـاردٌ، وفِعالُهم كالقمقم ِ !
يـتـكلّمون بـشـاردٍ وبــواردٍ والـفعلُ صـمتٌ مع لسانٍ أبكم ِ!
يـتـفاخرونَ بـعنتر ٍ وبـعروةٍ يـتـشدّقونَ بـعـزّةٍ و مـكارم ِ
شـاشاتُهم حُـقنتْ بـكلّ ضحالةٍ رقـصتْ على عصر ٍ مليءٍ بالدم ِ
إنّـي مـن الـقومِ الذين حدودُهم تُـنهي مـداداً فـي دواةِ الراسم ِ
ولـسانُهم ذاتُ الـلسانِ ووجهُهم هـو ذاتُـه، و رمالُهم لم تُقسَم ِ
يـتبجّحون بـوَحدةٍ قـد أنـشدوا ألـحـانَها دومـاً بـكلّ تـناغم ِ
و إذا الـحدودُ تـسمّعتْ لنشيدهم ضـحكتْ بـقهقهة ٍ وطولِ تهكّم ِ
إنّـي مـن القوم الغنيّة ِ أرضُهم لـكنّها زخِـرت بـشعبٍ مُعدَم ِ !
الـهاجمين عـلى العدوّ بخطبة ٍ! الـذائدين عـن الحمى بتظلّم ِ !
الـواقفينَ نـفوسَهم رهْنَ الغِوى الـنـازفين نـقـودَهم بـتنعّم ِ
الـهاجرين شموسَهم نحو الدجى والـقـابعين بـما وراء الـعالَم ِ
إنّـي مـن الـقوم الذين تواءمتْ آراؤُهــم أنْ لا يُـرَوْا بـتواؤم ِ
الـلاهـثينَ وراء تـقليد ِ الـعِدا الـغافلين عـن المُصاب الأعظم ِ
الـعـاشقين هـوانَهم ودُخـانَهم الـمـغرمين بـذلّة ٍ و هـزائم ِ
ولدى اشتدادِ الخَطْبِ يُهرعُ جمعُهم لـيزيدَه خَـطْباً و عـمقَ تأزّم ِ !
إنّـي مـن الـقوم الذين سحابُهم يـهمي على أرض العِدا بتراكم ِ
لـكنّه يـجفو الـتي مِـن بحرها أضـحى سَـحاباً مُـثقَلاً بنعائم ِ
إنّـي مـن العَرَبِ العريقِ تِلادُهم الـعارقينَ بـمرقص ٍ متضرّم ِ !
الـغارقينَ بـبحر لـهو ٍ فـاسد ٍ والـواهبين مـصيرَهم لـلحاكم ِ
الـوارثـينَ لـعـزةٍ و تـوحّد ٍ والـمُورثينَ لـذلة ٍ و تـشرذُم ِ
إنّـي مـن العرَب الذين قريضُهم إنْ ذمّـهم دهْـراً فـليس بظالم ِ
* * * *
هـي غـزّة ٌ، وتـلفُّ حول رقابِنا حـبلَ الـعتابِ الـصارخ المتألّم ِ
فـبغيرِها وبـها تـبدّى خـزيُنا و تـكـشّفتْ سـوْءاتُنا لـلعالَم ِ
ولـقـد تـبـلّد خـفقُنا بـقلوبِنا بـلغَ الـشخيرُ بـنا مدارَ الأنجم ِ
صـرنا تـماثيلاً بـمتحفِ صمتِنا لا مَـن يُـلامُ بـنا، ولا مِنْ لائم ِ
هي غزّة ٌ ، هي صفعة ٌ كبرى لنا هي عُريُنا المفضوحُ دون تحشّم ِ
جـاعتْ وجـاعتْ والولائمُ عندنا كـجبال أطـلسَ مع شرابٍ عائم ِ
والـجوعُ يـنهشُ لحمَها بضراوةٍ والـلحمُ يُـنهَشُ عندنا بولائم ِ !
بَذخ ٌ يفيضُ كما السيول ِ بعيشِنا وهـمُ السيولُ دموعُهم في مأتم ِ
إنْ قـد رضـينا بالمخازي أعرُباً لـكنّها لـيستْ تـليقُ بـمسلم ِ
لـسنا سوى صُوَرِ المرايا تمتطي أجـسادَنا الـملأى بـكلّ تسمّم ِ
ونـعلّق الـتاريخَ فـوق شفاهنا لـيكون (مـكياجاً) لوجه ٍ فاحِم ِ
يـا غـزّةُ، والحزنُ يطعنُ أحرفي لـمّا تُـخَطّ ُ بـسطرِكِ الـمتألّم ِ
والآهـة ُ الحمراءُ تُشعلُ أضلعي لـمّا مُصابكِ يستفيضُ على فمي
إنْ جـوّعوكِ فـذاكَ أنّـكِ نجمة ٌ عـلِيَتْ، وهم كالليل حولكِ مظلم ِ
هـذي سـهامُ الحقدِ ترشقُ غزّة ً و جـبالُ غـزّة َ لا تُـنالُ بأسهم ِ
كـم مـجرم ٍ قـد جـاءها لكنّها تـبقى العصيّة َ ضدّ أعتى مجرم ِ
أأمـيرة الـبحرِ الـعريقِ تحية ً الـبحرُ يـسجدُ لـلجبين ِ القائم ِ
مـنك الـنخيلُ تـعلّمتْ قـاماتُه والمجدُ تحت جناح ِ عزّك يحتمي
لا تـعـتبي، إنْ تـعتبي فـكأنّهم أهــلٌ لـذاكَ، وإنّـما فـلتنقمي
هـم ذلـك الـنفرُ الـذين بذمّهم يـستمتعُ الـشِعرُ المقيمُ بأعظمي